كيف حطّمت الولايات المتحدة حلم قيام دولة صومالية؟.. "دور إماراتي"

نشر موقع "ذا غراي زون" الأمريكي حوارًا بين كاتبة التقرير آن غاريسون وبين رئيس معهد القرن الأفريقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، تحدّث فيه عن الكفاح من أجل إعادة بناء الدولة الصومالية وإجراء انتخابات وطنية شعبية في ظل سعي الولايات المتحدة وحلفائها المستمر لتعزيز النزعة الانفصالية وتقويض الديمقراطية من أجل السيطرة عسكريًا على البلاد ونهب مواردها.

واتهم عبد الصمد دولا بينها الإمارات، بتعطيل بناء دولة صومالية قوية.

ونقل الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، عن عبد الصمد أن الغرب سعى إلى افتعال حرب في الصومال لإبقائه ضعيفًا ومشتتًا. وتطمح الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون للظفر بساحل الصومال الذي يبلغ طوله 2100 ميل والغني بالموارد ويكتسي أهمية إستراتيجية، لهذا السبب ملأت البلاد بقواتها، وهاجمتها بقنابل الطائرات المسيرة، وفرضت منطقة خضراء في عاصمتها، وأشرفت على عملية "حفظ السلام" الفاشلة للأمم المتحدة، ونصّبت حكومة شكليّة، ونظّمت تحالف أفريكوم العسكري ودورية بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي على طول الساحل الصومالي.

وقد عانت البلاد لعقود من نهب ثروتها السمكية وتلويث مياهها. ويقدّر بعض المستثمرين أن الصومال لديها أكبر احتياطيات نفطية ساحلية غير مستغلة في العالم، كما تضم خمسة موانئ في الواجهة بين أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

مشكلة الدول الأعضاء الفيدرالية
اُبتليت الصومال بالصراع بين الانفصاليين والوحدويين، الذين يُعتبرون أيضًا قوميين، فيما يقاوم المسؤولون في جميع الدول الأعضاء الفيدرالية الست السلطة الفيدرالية إلى حد ما. وتوجد أكثر الحركات السياسية انفصالية في جوبالاند وبونتلاند وخاصة صوماليلاند، حتى عندما تُرسل ممثلين إلى البرلمان الفيدرالي في مقديشو.

سعى المسؤولون في هرجيسا، عاصمة ولاية صوماليلاند، إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة على مدار الثلاثين عامًا الماضية، لكن لم تعترف الأمم المتحدة ولا أي من الدول الأعضاء بها كدولة.

وأورد الموقع أن قسما من قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي لسنة 2023 يعترف بشكل غير رسمي باستقلال صوماليلاند من خلال بناء خطة للتعاون العسكري المباشر بين الولايات المتحدة والدولة المنشقة، وهو ما اُعتبر انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة الصومال لدرجة أن واضعي التشريع بذلوا قصارى جهدهم للادعاء بأن هذا القانون لا يعني أن الولايات المتحدة اعترفت بحكومة الدول الأعضاء الفيدرالية الصومالية أو صوماليلاند ككيان مستقل.

النضال من أجل التصويت الشعبي
وأشار الموقع إلى أنه بينما يعد التصويت الشعبي أمرًا ضروريًا للنضال الوحدوي، منعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصومال من إقامة نظام انتخابي على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت المعتمد في الغرب. وقد لجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى ذلك من خلال التخطيط لهزيمة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، وهو الرئيس الذي يتمتع بشعبية كبيرة والذي كان يحاول بناء جيش قادر على الدفاع عن السيادة الصومالية وإخراج القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات الأمريكية من الأراضي الصومالية.

وخلال معظم السنوات الـ 32 الماضية، افتقر الصومال إلى حكومة قادرة على تأمين أراضيه أو سواحله. وحسب الدكتور عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، فإن وجود الصومال اليوم يختزل في مقعد في الأمم المتحدة وعلم، بينما قسمت الفيدرالية البلاد إلى درجة فقدت فيها أي ادعاء بالسيادة.

وأضاف الموقع بأنه إذا كان الصومال قادرا على إجراء انتخابات وطنية قائمة على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، فسيتم إقصاء نوابه ورئيسه الشكلي، حسن شيخ محمد، وإعادة انتخاب الرئيس السابق فرماجو بأغلبية ساحقة.

وفيما يلي مقابلة بين كاتبة التقرير آن غاريسون مع الدكتور عبد الوهاب شيخ عبد الصمد عن دور الولايات المتحدة وحلفائها في تقويض الدولة الصومالية وإحباط نضالها من أجل التصويت الشعبي.

يتم اختيار أعضاء البرلمان من قبل شيوخ العشائر، لكن فرماجو وأنصاره كانوا يجادلون بأن المواطنين الصوماليين يجب أن يتمتعوا جميعًا بالحق في التصويت. ماذا سيحدث إذا أجرى الصومال انتخابات قائمة على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؟

إذا تمت الدعوة إلى انتخابات قائمة على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، فلن يعود أي من السياسيين الحاليين إلى السلطة! لا أحد منهم!

هل سيخسرون جميعًا؟
نعم! لن يعود أي منهم إلى السلطة! سوف يختفون جميعًا من البرلمان والسلطة التنفيذية! لأن هؤلاء اُختيروا من قبل أعداء الصومال والصوماليون يعرفون ذلك. إن شعب الصومال غاضب للغاية لأن العالم الغربي الذي يدعي الديمقراطية يرفض السماح للصوماليين بانتخاب قادتهم على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، لأنه لا يريد الديمقراطية للصوماليين. وبعد 32 عامًا من الصراع الذي أعقب انهيار الدولة في سنة 1991، يعيش 54 بالمئة من الصوماليين في مراكز حضرية ومخيمات للنازحين داخليًا. ويمكنهم بسهولة الوصول إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أي شخص يريدونه، سواء في مقديشو أو بيدوا أو كيسمايو أو غاروي أو بيلدوين أو جالكعيو.

ماذا عن البدو الصحراويين الذين كانوا ـ على ما أعتقد ـ الأغلبية قبل خمسة عشر عامًا، وكذلك المزارعين والصيادين في المناطق النائية؟
سيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم لكن يمكنهم الوصول إلى صناديق الاقتراع. أما الشركات متعددة الجنسيات، جنبًا إلى جنب مع المسؤولين الغربيين والأجانب الآخرين، ليسوا على استعداد للسماح لهم بالقيام بذلك لأنه إذا فعلوا ذلك، فلن يعود أي من هؤلاء السياسيين الذين اختاروهم إلى مقر الولاية أو فيلا الصومال حيث يقيم الرئيس.

لا يساورني شك في أنه إذا تمت الدعوة اليوم إلى انتخابات قائمة على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، فإن فرماجو سيفوز بأغلبية ساحقة. ليس هناك شك في ذلك! لكن العالم الغربي وكينيا والإمارات والشركات متعددة الجنسيات والعشائر الفاسدة كانت ضده. لذا فإن المجموعة الحالية من السياسيين، بمن فيهم الرئيس، تم انتقاؤها من قبل أعداء الصومال. إنهم حفنة من القادة الزائفين يفتقرون لرؤية للصومال.

كيف قامت الولايات المتحدة وكيانات أجنبية أخرى بتدبير هزيمة فرماجو؟ أفادت مصادر متعددة بوجود الكثير من الرشوة
يعمل حكام الولايات وشيوخ العشائر في الدول الأعضاء الفيدرالية لصالح العالم الغربي وحلفائهم في المنطقة، وخاصة الإمارات العربية المتحدة. انتقى حكام الولايات شيوخ العشائر الذين اختاروا بعناية المندوبين الذين انتخبوا البرلمانيين، ثم انتخب النواب حسن شيخ محمد. لقد كانت انتخابات فاسدة تمامًا. لم يتم انتخاب أي من أعضاء البرلمان هؤلاء من قبل الشعب. ومعظم أعضاء البرلمان اليوم موجودون من أجل خدمة مصالح الدول الأجنبية وليس مصالح الشعب. يؤسفني أن أقول ذلك، لكنها الحقيقة. تموّل الحكومات والجهات الفاعلة الأجنبية أنشطة معظم المشرعين الصوماليين اليوم.

من هي الدول الأجنبية وما هي مصالحها؟
تريد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الناتو إبقاء الصومال ضعيفًا ومشتتًا حتى يتمكنوا من مواصلة نهب ثروته السمكية وموارده النفطية غير المستغلة. وتود الإمارات العربية المتحدة ضم ولاية بونتلاند الصومالية، حيث تتمتع بسلطة اقتصادية وسياسية هناك.

أنت تقول إن البرلمان والرئيس الحاليين يعملون لمصلحة العالم الغربي، لكنك تقول أيضًا إن الإمارات وكينيا تتدخلان في دوافعهما التوسعية أيضًا.
هذا صحيح.

هل هما حليفان للولايات المتحدة وهل يتعاونان في ذلك؟
الإمارات تتدخل وترشو السياسيين في الصومال وتتعامل مع الولايات المتحدة. لا يمكنها ولا أي من القوى الأجنبية الأخرى المضي قدمًا والتدخل في الصومال ما لم تمنحهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الضوء الأخضر. لقد تدخّلت كينيا في السياسة الصومالية عندما كان أوهورو كينياتا رئيسًا. احتل الآلاف من القوات الكينية جوبالاند منذ سنة 2011 كجزء من بعثة الأمم المتحدة، لكن يبدو أن الرئيس الجديد، وليام روتو، يعمل على تحسين سياسة كينيا الخارجية تجاه الصومال ويحاول تغيير تصور الصوماليين لكينيا، إنه يريد فقط أن يكون جارًا وشريكًا تجاريًا جيدًا مع الصومال وإثيوبيا وإريتريا.

يبدو أن هناك مخططات جانبية مزعزعة للاستقرار لا نهاية لها. يتعاون الجيش الكيني مع حركة الشباب لتهريب الفحم من الصومال إلى دول الخليج وتتسابق دول الخليج والدول المجاورة للسيطرة على الموانئ الصومالية. تشغّل الإمارات ميناء بربرة، الميناء الذي تريد الولايات المتحدة قاعدة بحرية فيه، دون موافقة الحكومة الفيدرالية. وهي أيضًا في طور شراء حصة في ميناء بوساسو في بونتلاند.
هناك تقارير تفيد بأن الإمارات تريد أيضًا تطوير وإدارة عمليات ميناء كيسمايو في جوبالاند، لكن كينيا تريد هذا الميناء أيضًا.

ويبدو أن تركيا تعتزم شراء حصة في ميناء مقديشو. وتجني حكومتا أوغندا وبوروندي الكثير من الأموال من خلال المساهمة بقوات في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي من المفترض أن تقاتل حركة الشباب. تجني هذه القوات أموالاً أكثر بكثير مما كانت تجنيها في بلدانها، لذا فإن آخر شيء يريدون القيام به هو هزيمة حركة الشباب. وأبرمت السلطات المحلية صفقات تنقيب عن النفط غير قانونية متجاوزة موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو، ووقعت كينيا اتفاقية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية التي قضت محكمة العدل الدولية بأنها تابعة للصومال.

هناك أيضا شركات الأمن العسكري الخاصة ومقرها هالان، المنطقة الخضراء، يفعلون ما يحلو لهم، فهم يديرون عمليات استخراج المعادن والتهريب غير القانونية الخاصة بهم ويقومون بتفجير الجبال للوصول إلى المعادن.

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أفاد موقع "ميدل إيست آي" بأن مصر والإمارات جندتا جيشًا من المرتزقة قوامه 3 آلاف شاب صومالي فقير. لم يكن الغرض منه واضحًا، لكن تورط مصر جعل الإثيوبيين قلقين من أنها قد تستخدم هؤلاء المرتزقة لزعزعة استقرار إثيوبيا بسبب الصراع المستمر على مياه نهر النيل وسد النهضة.

هذا مجرد مثال آخر على كيفية استفادة الأجانب من ضعف الصومال وتشرذمه.

لقد زرتُ إريتريا المجاورة للصومال، التي بدت أنها عكس الصومال. رأيتُ بلدًا فقيرًا يسير على خطى تنموية بطيئة ثابتة يسوده الهدوء والراحة. كان الوضع سلميًا، لم يكن أحد يتسول أو ينام في الشوارع، ولا أتذكر رؤية أي عناصر جيش أو أفراد شرطة مسلحين. ربما كان الأمر هادئًا لدرجة أنني فشلت في ملاحظة شرطي أو اثنين.

لقد زرت إريتريا أيضًا وأؤكد كل ما تقولينه. الطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام الغربية إريتريا ليست صحيحة، إنهم ينقلون الجانب السلبي من إريتريا. لكن عكس كل ما يقولونه هو الصحيح. تعمل إريتريا على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء بحلول سنة 2030 وحتى الآن، قامت بزراعة 600 ألف هكتار من أصل 2.1 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة. والسكن والتعليم والصحة في إريتريا مجانية أو غير مكلفة نسبيًا مقارنة بالدول المجاورة. وإريتريا أيضا دولة غير مثقلة بالديون؛ فقد نجت من فخ الديون الذي يشل معظم الدول الأفريقية، لكن لم يذكر ذلك أيّ من منتقديها الغربيين الذين لا حصر لهم. إنهم يكرهون أن تكون إريتريا خالية من الديون لأن هذا يعني أنه لا يمكن خنقها من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

لدى إريتريا أيضًا هيكل عسكري وقيادي واحد فقط، كأي دولة ذات سيادة، على عكس الصومال.
نعم، بخلاف الصومال! حيث لا يمكنك إحصاء عدد القوات والقادة العسكريين! يوجد في الصومال قوات أمريكية وقوات أفريكوم وقوات الأمم المتحدة ومليشيات عشائرية - وجميعهم من المفترض أن يقاتلوا حركة الشباب. كيف يمكن لكل تلك القوات، بكل قوتها العسكرية، أن تقاتل حركة الشباب لمدة 14 سنة دون أن تهزمها؟ لن تجد طفلاً في الثامنة من عمره في الصومال يصدق أن كل تلك القوات تقاتل بالفعل حركة الشباب! علاوة على كل ذلك، هناك شركات الأمن العسكري الخاصة التي ذكرتها سابقًا، والتي تعبث في كل مكان.

وفي غضون ذلك، القوات المسلحة الصومالية ضعيفة للغاية وذات تسليح سيئ لأن الأمم المتحدة فرضت حظرًا على الأسلحة للصومال منذ سنة 1992.

اظهار أخبار متعلقة

ما الذي تفعله القوات الأمريكية هناك إذا لم تكن تقاتل حركة الشباب؟
تُمثل حركة الشباب ذريعة أمريكا لتبرير تواجدها العسكري. كما أن الحركة لم تكن لتكون موجودة لو لم تنظم الولايات المتحدة الغزو بالوكالة الإثيوبية واحتلال الصومال من سنة 2006 إلى سنة 2009، عندما كانت جبهة تحرير تيغراي الشعبية لا تزال في السلطة في إثيوبيا. وقد ظهر متطرفو الحركة عندما غزت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المحاكم الإسلامية وأطاحت بها. ويعتقد الصوماليون أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن ظهور تنظيم حركة الشباب.

تُعتبر إريتريا دولة قوية فهي تدرب وتسيطر على قواتها الأمنية، وترفض التعاون مع أفريكوم، وتحمي ساحل البحر الأحمر البالغ طوله 600 ميل، رغم الإدانة المستمرة من قبل الولايات المتحدة/الاتحاد الأوروبي/دول الناتو وصحافتها. وقد أفادت الأنباء مؤخرًا بأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد تحدث إلى الرئيس أسياس أفورقي حول الفرص اللوجستية والعبور التي يتيحها ميناء مصوع ومطاره على البحر الأحمر.

إذا ما سيطر الصومال على سواحله، فسيسيطر جنبا إلى جنب مع إريتريا على 3 آلاف ميل من السواحل المتجاورة في بعض أكثر المياه الجيوستراتيجية في العالم - الأمر الذي سيكون أحد أسوأ كوابيس الغرب. وهو ما يُعد أحد الأسباب الرئيسية لعدم استعداد الولايات المتحدة للتسامح مع الإعلان المشترك بشأن التعاون الشامل بين إثيوبيا والصومال وإريتريا الذي وقعه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ثم الرئيس الصومالي فرماجو في سنة 2018.

العشيرة مقابل أنظمة الدولة الحديثة
سيحل التصويت الشعبي محل نظام العشائر 4.5 المعمول به الآن، هل يمكنك أن تشرح لنا نظام 4.5؟
تمنح صيغة 4.5 أعدادًا متساوية من البرلمانيين لأربع عشائر "رئيسية" (هوية، رحانوين، دير، ودارود)، التي تمتلك كل منها 61 مقعدًا في مجلس النواب، أي ما مجموعه 244 مقعدًا. وتُخصص المقاعد الـ 31 الأخرى للعشائر الصغيرة. وقد ظهر هذا النظام خلال الحرب الأهلية الصومالية التي بدأت بانهيار الدولة في سنة 1991، وبعد أن نظمت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مؤتمرا إقليميا عقد في عرتا، جيبوتي - الذي فُرض فيه نظام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي السابق المدعوم من الولايات المتحدة في إثيوبيا، جنبًا إلى جنب مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي - هذه الصيغة 4.5 على الصومال من أجل توسيع الانقسامات بين العشائر الصومالية وإطالة أمد الحرب.

ربما يكون من المهم أن نقول هنا إن "العشيرة" تختلف عن العرق. ويشترك جزء كبير من الصوماليين في لغة وثقافة ودين واحد، أليس كذلك؟ لذلك لا أعتقد أنه يعاني من صراع عرقي مثل إثيوبيا المجاورة.
هذا صحيح. ليس لدينا أعراق متنافسة مثل إثيوبيا.

ما الغرض من خدمة نظام العشيرة قبل الاستعمار والحدود الوطنية؟
لم يعد بإمكان السكان الآن التنقل بحرية من منطقة إلى أخرى في جميع أنحاء الصومال تقريبًا. ويسبب السياسيون والنخب الذين يسيئون استخدام نظام العشائر القديم، حيث لا تزال الهوية العشائرية قوية، الانقسام والتوتر العشائري للوصول إلى السلطة والموارد والأرض وإثراء أنفسهم.

في أي مرحلة توقفت العشائر عن التنافس على الأراضي لرعي القطعان وسقيها؟
انهار نظام الحكم العشائري للسكان الأصليين عندما ولدت دولة الصومال الحديثة غداة الاستقلال في سنة 1960. وانتهى نظام العشيرة عندما تولى الجيش السلطة في سنة 1969 وقدم ما أسماه الاشتراكية العلمية، وأطلق حملة بنية تحتية عامة ضخمة لجعل الصومال دولة حديثة.

كتب فرماجو، في أطروحة الماجستير، أن بعض السكان قد جاءوا للبحث عن السلطة السياسية في الحكومة بدلاً من العشائر، ولكن دون التخلي عن تحالفات العشائر. أعتقد أنكما تتفقان على أن الجنسية الصومالية يجب أن تحل محل الهوية العشائرية والتحالف من أجل بقاء الصومال، مثلما سيتعين على الجنسية الإثيوبية أن تحل محل الهوية العرقية لإثيوبيا للصمود.

نعم، هذا هو الأمر. ولحماية سيادة الصومال وسلامته الإقليمية، يجب على الأمة أن تضع المواطنة أمام هوية العشيرة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها دولة الصومال الاستمرار.

هل التصويت الشعبي ضروري لهذا المشروع؟
إذا انتخب المواطنون - وليس العشائر - قادتهم، فإن ذلك سيقلل من الانقسام العشائري والفساد في الصومال. فالمواطنون يحتاجون إلى أن يكونوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم بغض النظر عن عشائرهم، وهذا سيؤدي إلى تدمير هيمنة صيغة 4.5 العشائرية، التي أصبحت نوعًا من نظام المافيا السياسية.

صوّت مجلس النواب بالبرلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2019 على تطبيق التمثيل المتساوي في التصويت، ثم أقر مجلس الشيوخ نفس التشريع في شباط/ فبراير 2020، ووقع عليه فرماجو ليصبح قانونًا بعد أسبوعين.

وفي أيار/ مايو 2020، ذكرت الأمم المتحدة أن الصومال في طريقه لأول تمثيل متساوٍ في التصويت منذ 51 سنة، لكن الخطة بدأت تتعثر؛ حيث بدأت الولايات الفيدرالية في رفض التعاون، وخاصةً صوماليلاند وبونتلاند وجوبالاند، وهي الولايات الثلاث الأكثر تحالفًا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكينيا والإمارات، وبهذا تصاعدت التوترات وفاتت المواعيد النهائية للانتخابات.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أفاد معهد بروكينغز بأن القوى الغربية قد أرهبت فرماجو للتخلي عن التمثيل المتساوي في التصويت، وقبل القادة السياسيون الصوماليون ما يسمى بنموذج مقديشو، الذي يقتضي أن ترشح العشائر شيوخها، ويتم التحقق منهم بواسطة السلطات الفيدرالية وسلطات الولاية، ليقوموا بعد ذلك باختيار مندوبي الهيئات الانتخابية، التي تقوم بدورها باختيار الممثلين البرلمانيين؛ ثم يقوم النواب البرلمانيون باختيار الرئيس، وتختار مجالس الولايات أعضاء المجلس الأعلى.

اظهار أخبار متعلقة

رغم كل ذلك، استمرت الاشتباكات بين مقديشو والولايات الفيدرالية، مما أدى إلى تفويت المواعيد النهائية للانتخابات مرة أخرى، واندلع العنف، وبحلول 7 نيسان/ أبريل 2021، أفاد مشروع بيانات الأحداث وموقع الصراع المسلح، بأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال تجري وسط مناخ عام من التوترات السياسية والعنف، والأزمة الدستورية بين الرئيس محمد فرماجو والمعارضة تهدد بالتصعيد إلى صراع عنيف يضع القوات الفيدرالية في مواجهة الميليشيات التابعة للدولة، وكذلك العشائر المسلحة ذات الولاءات المتنافسة.

وفي غضون أسبوع آخر، وافق البرلمان الحالي على قرار بتمديد فترته وفترة فرماجو لمدة عامين حتى يمكن إجراء التمثيل المتساوي في التصويت، ووقع فرماجو عليه ليصبح قانونًا، وعلى الفور قامت الولايات المتحدة بإدانته، وهددت بفرض عقوبات وخفض المساعدات، دون الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان محل خلاف. فهل وافقت على هذا القرار بتمديد الفترة لمدة سنتين؟ وهل تعتقد أن المقصود كان تجديد الالتزام بالتمثيل المتساوي في التصويت بالفعل؟
نعم، كان فرماجو والبرلمان الحالي في تلك الفترة لا يزالان يحاولان الدفاع عن التمثيل المتساوي في التصويت.

حسنًا، بعد ستة أشهر، في أيلول/ سبتمبر 2021، تم اختطافك من قبل الشرطة الكينية، التي تعمل كمرتزقة، واحتجزت لمدة 12 يومًا، ثم أُطلق سراحك مع تحذيرات بالبقاء خارج الشؤون الصومالية والإثيوبية، والتوقف عن دعم فرماجو، والتوقف عن معارضة رئيس الوزراء محمد حسين روبلي وإنذار زملائك أن يفعلوا نفس الشيء. من هو رئيس الوزراء السابق روبلي؟
كان محمد حسين روبلي أكثر رؤساء وزراء الصومال فسادًا على الإطلاق، أصبح ثريًا بشكل مذهل في 18 شهرًا؛ حيث تلقى رشاوى من الأجانب والولايات الأعضاء في المنطقة لتنفيذ صفقاتهم الفاسدة، وحوّل مكتب رئيس الوزراء إلى مقر عمليات تجارية شخصية، وعارض التمثيل المتساوي في التصويت.

في كانون الأول/ ديسمبر 2021، طالبت وزارة الخارجية الأمريكية بإجراء "انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة ذات مصداقية وشفافية"، مرة أخرى دون الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان محل خلاف. كما طلبت عضو الكونغرس الصومالية الأمريكية إلهان عمر في اللجنة الفرعية للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب حول أفريقيا، من وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، مولي في، نشر نهج "الجزرة والعصا" للضغط على الصومال لإجراء "انتخابات مناسبة"، ومثل وزارة الخارجية، فشلت في الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان محل خلاف.

اظهار أخبار متعلقة

وكانت الولايات المتحدة قد تظاهرت، طوال العملية الانتخابية، بأنها مدافعة عن الديمقراطية من خلال الإصرار على إجراء الانتخابات، في حين أنها في الواقع قامت بإحباط تصويت شعبي بتشجيع حكام بونتلاند وجوبالاند على مقاومة التمثيل المتساوي في التصويت، والضغط على فرماجو والبرلمان الحالي للتخلي عن التمثيل المتساوي في التصويت في مواجهة المقاومة، إضافة إلى إصرارها على أن الانتخابات البرلمانية الفاسدة القائمة على العشائر تمضي قدمًا، حتى يتمكن البرلمان الفاسد من انتخاب الرئيس الفاسد. كما قامت بالتهديد بقطع تمويل صندوق النقد الدولي الذي يعتمد عليه الصومال إذا لم يتم انتخاب البرلمان والرئيس بحلول 17 أيار/ مايو 2023.

ما الذي يجعلك تعتقد أن التعددية الحزبية والتمثيل المتساوي في التصويت يعملان في الصومال؟
سيعمل التصويت الشعبي على توسيع المشاركة بشكل كبير، وسيسمح للشعب بانتخاب قادته، وسيتم تقييم المنتخبين بناء على أدائهم، سواء في البرلمان أو الرئاسة، وإلا سيكون السبيل الوحيد الآخر للخروج من نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5 هو الانقلاب العسكري. تستطيع الانتخابات أن تكشف ما يريده الشعب من حكومته.

هل تعتقد أن الصومال مناسب لإنجاح التصويت الشعبي في هذه المرحلة من تاريخه؟
أعتقد أن الصومال مستعد للتمثيل المتساوي في التصويت في هذا الوقت، ويمكن أن ينجح ذلك لأن الصوماليين شهدوا التأثير السلبي للنظام الانتخابي الحالي؛ حيث لا يكون الرأي سوى للقليل منهم، وذلك رغم حرصهم على التصويت؛ فقد طالبوا بالحق في التصويت لسنوات.

من الصعب سرقة انتخابات من مرشح سيفوز بأغلبية ساحقة، كما حدث مع فرماجو وفقًا لما قلته؛ حيث سيكون من الصعب إخفاء هذا النوع من الإرادة الشعبية.
عبد الصمد: لا شك أن الشعب سينتخب البرلمانيين الذين سينتخبون فرماجو.

ما الذي يجعل فرماجو يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أنك تقول إنه سيفوز بأغلبية ساحقة؟
يعتبر فرماجو شخصية قومية ووطنية، فهو يحب بلاده وليس لديه مصالح شخصية؛ حيث عزز البرلمان الاتحادي وقلل من سلطة الولايات الفيدرالية. وشرع فرماجو في بناء جيش صومالي ذي سيادة تحت قيادة واحدة موحدة؛ حيث درب ما بين عشرة وعشرين جنديًا محترفًا تحت قيادته، إضافة إلى إرساله 5000 جندي صومالي لتدريب خاص في إريتريا. وحاول وقف صفقة الإمارات المباشرة مع صوماليلاند الانفصالية، كما استولى على 10 ملايين دولار كانت الإمارات تهربها إلى الصومال لتحقيق أهدافها الخاصة، إضافة إلى طرد السفير الكيني من البلاد بسبب تدخله المستمر في الشؤون الداخلية للصومال.

رفض فرماجو التوقيع على اتفاق لاستمرار مشروع أتالانتا، دورية بحرية الاتحاد الأوروبي قبالة سواحل الصومال؛ حيث كان يعتقد أن الصومال يجب أن يكون له بحرية وخفر سواحل خاص به. لقد اعتقد العديد من الصوماليين أن مشروع أتالانتا يسهل في الواقع كل هذا العدوان الساحلي الأوروبي في الغالب.

لقد تفاوض أيضًا على المغادرة التدريجية لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي فشلت في الحفاظ على السلام في الصومال منذ سنة 2007، وهو ما تم عرقلته الآن مع رحيل فرماجو. تأجل سحب 2000 جندي المقرر في كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلى حزيران/ يونيو 2023 ومن المرجح أن يتم تفويت المواعيد النهائية المستقبلية مرة أخرى.

أخبر فرماجو المصالح الأجنبية أن الصومال ملك للصوماليين، وذلك من خلال عرقلته لاتفاق مع الشركة الأمريكية لاستكشاف النفط الساحلي، وهو الاتفاق الذي تم إحياؤه مرة أخرى بعد أسبوع من مغادرته مقر الرئاسة. واستطاع أيضًا تخفيف عبء الديون عن الصومال خلال فترة ولايته، وذلك على عكس الرئيس الحالي، الذي أثرى نفسه بشكل كبير في المرة الأولى التي كان فيها في منصبه، والنظام العشائري بأكمله، وهو ما يعني أن فرماجو لم يكن فاسدًا.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)