تباينت ردود فعل السلطات في
إيران على
الاحتجاجات المستمرة، بين تنفيذ للإعدامات بحق متظاهرين، والإفراج عن بعض المعتقلين بعفو عام أعلن عنه المرشد علي خامنئي، وهو ما رأى فيه الباحث في الشأن الإيراني حسن راضي في مقابلة مع "عربي21"، أنه لن ينجح في تهدئة الغضب الشعبي.
ورغم تراجع زخم الاحتجاجات التي اندلعت في إيران منذ 16 أيلول/ سبتمبر الماضي بعد وفاة الشابة مهسا أميني إثر توقيفها لثلاثة أيام من شرطة الأخلاق بدعوى "لباسها غير المحتشم"، إلا أن التوتر مستمر لا سيما مع إصدار السلطات القضائية أحكاما بالإعدام بحق معتقلين من
المتظاهرين، الأمر الذي "يؤجج الاحتجاجات بشكل أكبر ضد النظام الإيراني"، بحسب راضي.
وأصدر القضاء الإيراني حتى الآن 18 حكما بالإعدام على خلفية الاحتجاجات، نفّذ أربعة منها في حق مدانين بهجمات على قوات الأمن.
اظهار أخبار متعلقة
وتناول راضي وهو مدير المركز الأحوازي للدراسات السياسية والاستراتيجية، في مقابلته مع "عربي21"، أسباب اندلاع الاحتجاجات وتحولها من مطلبية إلى سياسية وتنادي بإسقاط النظام، وتأثير
الإعدامات على استمرار الاحتجاجات وكذلك إعلان خامنئي العفو العام.
كما أنه تطرق إلى دور المعارضة في الداخل الإيراني في إدارة الاحتجاجات، وإيجاد الحلول، وما إذا كانت السلطات لديها القابلية للعمل معها، وكيف تتفاعل المعارضة في الخارج مع الاحتجاجات، مؤكدا أن كليهما موجودان ويعملان منذ بداية المظاهرات ولكن النظام الإيراني يتجاهلهما، وأن "الثورة الإيرانية لا تزال في أولى محطاتها".
وتاليا النص الكامل للمقابلة مع الباحث في الشأن الإيراني حسن راضي:
هل انتهت الاحتجاجات في إيران فعلا وفق ما يقوله النظام؟ أم إنها لا تزال مستمرة كما يظهر في تقارير إعلامية عدة؟
الاحتجاجات لم تنته بعد، ولكن قد تراجعت حدتها نتيجة القمع وغياب القيادة الموحدة للتظاهرات. وأخذت مظاهر الاحتجاج مناح أخرى، فهناك احتجاجات للعمال والمعلمين وإضرابات وأدوات غيرها.
واستكمالا لما شهده الداخل، فإن الاحتجاجات في الخارج مستمرة، وستكون هناك زيارات من معارضين في الخارج إلى دول ومسؤولين لبحث هذا الملف، ولتحريك الرأي العام العالمي ضد قمع السلطات في إيران للمواطنين.
هل ينجح العفو العام الذي أعلنه المرشد الإيراني علي خامنئي من تهدئة الأوضاع المتوترة؟
لم ولن ينجح في تهدئة الأوضاع، لأنه أولا لم يطلق سراح كل المعتقلين، بل اختار النظام أناسا لم يكن لهم دور في الاحتجاجات، بل مجرد مشاركين فيها خرجوا إلى الشارع مستجيبين لدعوات التظاهر ومعبرين عن غضبهم وسخطهم لعدم تقديم النظام الحالي حلولا للأزمات الاقتصادية والمعيشية إلى جانب تردي أوضاع الحريات.
الإفراج عن بعض المحتجين جاء للتغطية عن الجرائم التي ترتكب بحق الآخرين منهم الذين ما يزالون في السجون.
العفو الذي أعلنه خامنئي محاولة لتحسين صورته، بعدما دمرت وشوهت بشكل كبير، فقد حرق المتظاهرون صوره وهتفوا ضده، وها هو يأتي لتحسين صورته، ولكن أعتقد أنه لن ينجح بهذا الأمر.
سبب آخر وراء إفراج النظام الإيراني عن عدد من المعتقلين، أنه ليس لديه أماكن لاستمرار احتجاز المعتقلين فيها، فهو يترتب عليه أن ينفق عليهم أموالا طائلة في السجون، الأمر الذي لا يستطيع بتغطيته ليشمل كل السجناء والمعتقلين، لذلك يخفف عن نفسه التكاليف المتعلقة بمعتقلي الرأي الذين كان لا ينبغي أن يعتقلوا أصلا، فهم خرجوا احتجاجا على الحالة الاقتصادية والأوضاع المعيشية وضد القتل والقمع.
هناك حديث عن عودة "شرطة الأخلاق"، ما حقيقة ذلك؟ وماذا يمكن أن يترتب على ذلك لا سيما أنها كانت الشرارة الرئيسية لاندلاع الاحتجاجات في البلاد؟ أم إنها بالفعل تم وقف عملها؟
ستعود شرطة الأخلاق، وحتى لو تخلى عنها النظام الإيراني إلا أنه سيفرض أساليبه بطرق أخرى.
رأينا التصريحات تتعالى من شخصيات محسوبة من النظام تنادي بعودة فرض الحجاب في البلاد على الفتيات وبعودة شرطة الأخلاق. بل يريدون فرض عقوبات مثل سحب هوية أي فتاة غير محجبة أو بطاقتها البنكية أو منعها من الدراسة أو العمل، وكل ذلك لتحقيق رغبة النظام بفرض وصايته على الشعب، لأن ذلك وسيلته للاستمرار في الحكم وفق ما يعتقده.
ولكن في حال قام بإعادة شرطة الأخلاق فإن ذلك سيؤجج الاحتجاجات من جديد، لأن الوضع الآن مثل النار تحت الرماد، في أي لحظة يمكن أن تندلع الاحتجاجات بشكل أوسع، لا سيما أن هناك جهودا بدأت من المعارضة في الخارج، فهي تواصل وتنسق مع العديد من الجهات الدولية، إلى جانب عقوبات غربية مفروضة وغيرها سيتم فرضها في حالة عودة الاحتجاجات، بانتظار تحرك أكبر تقوده المعارضة في الخارج.
هل الإعدامات لبعض المتظاهرين تعد رادعا لاستمرار الاحتجاحات بالفعل كما يأمل النظام في إيران، أم إن الأمر يؤجج المزيد من الغضب الشعبي؟
لا أعتقد أن الإعدامات أو القمع سيردع المحتجين، بل ذلك يزيد من نار الغضب لدى الإيرانيين، وهذا الأمر نراه في الشوارع. كلما قتل شخص أو أعدم سيزيد ذلك من حالة الاحتقان الشعبي ضد النظام القائم.
لكن النظام لن يتراجع عن سياسة الإعدامات والقتل والاعتقالات، لأن كل ذلك يعد من أهم أساليب حفاظه على السلطة بالنسبة له.
ما هو شكل الاحتجاجات الحالية في إيران، وأقصد بذلك هل هي مطلبية، سياسية، مجتمعية، أم كل ذلك؟
الاحتجاجات تغيرت أساليبها وأصبحت أكثر مطلبية من جديد، فتحرك العمال والموظفين إلى الشوارع وأساليب أخرى من إضرابات وأشكال أخرى يعني عودة الاحتجاجات إلى كونها مطلبية مجددا، رغم ما شهدناه من مطالب سياسية ركزت على إسقاط النظام خلال ذروة الاحتجاجات.
بصفتكم إحدى الشخصيات الثقافية العربية الأحوازية في إيران، كيف ترون الأمور في الأحواز في ظل الاحتجاجات، ومشاركتها فيها، وما هي أبرز المطالب هناك؟
الشعب الأحوازي لم يشارك في الاحتجاجات كما ينبغي أو بكل ثقله، بل مجموعات ومناطق قليلة في بعض المدن العربية الأحوازية، وذلك لأسباب عدة، منها أن الشعب الأحوازي منتفض منذ قرن من الزمان، بنحو 18 انتفاضة. ولم تمر فترة إلا وانتفض الشعب الأحوازي فيها، وقدم المئات من الشهداء، لكنه أيضا لا يثق بالمعارضة الفارسية، ولم ينسق معها، لأنه يعتبر أن مطالب الأحواز مختلفة تماما عن مطالب المعارضة التي تحرك الشارع بمطالب وأهداف تسعى إلى تغيير النظام الحالي.
الشعب الأحوزاي ينتظر الفرصة المناسبة للخروج مجددا، وأن ينتفض مناديا بمطالبه وحقوقه وعلى رأسها تقرير المصير وإقامة حكم ذاتي.
والأحواز يعتبرون سقوط النظام الإيراني ليس هدفا استراتيجيا، بل هو هدف أصغر أمام هدفهم الأكبر المتمثل بمطالبهم وأهدافهم بالحرية والحكم الذاتي.
ولكن المعارضة في الداخل عندما رأت الأحواز وغيرها من الشعوب الأخرى في إيران التي تراجعت حدة انتفاضاتها، حاولت أن تستفيد من ذلك، ولكن الأحواز يرون أنه حتى لو وصلت المعارضة في إيران إلى الحكم، فإنها لن تختلف بكثير بالنسبة للشعب الأحوازي عن ما كان عليه الأمر في ظل النظام الحالي.
العرب الأحواز يرون بأن المعارضة حتى لو كانت البديل عن النظام، فإنها لن تعطي الشعوب غير الفارسية حقها في تقرير مصيرها، أو على الأقل إقامة نظام لامركزي يعترف بالشعوب الأخرى، والحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي على أقل التقدير في المرحلة الأولى، فذلك لم نره في التحركات والهتافات التي أطلقتها المعارضة منذ بدء الثورة الأخيرة.
لذلك، لم يخرج الشعب الأحوازي بزخم كبير إلى الشوارع، فهو لا يهدف لتغيير النظام بنظام لا يختلف عن سابقه بالنسبة لمطالبه إلا بالوجوه والشعارات.
هل هناك معارضة منظمة في الداخل الإيراني قادرة على أن تقدم مبادرات للحل السياسي الذي ينصف مطالب المتظاهرين؟
أعتقد أن المعارضة في الداخل تتمثل بلجان تنسيقية قادت الاحتجاجات، وهي قادرة على إعطاء الحلول والمبادرات، ولكن المشكلة تكمن في النظام الإيراني.
الحلول التي يقدمها النظام هو الحل الأمني فقط، والمبادرات الأمنية والمزيد من القمع والإعدامات وكتم الأصوات، حتى من داخل النظام الإيراني التي يكتمها ويحاول القضاء عليها.
المبادرات كانت كثيرة، وجاءت حتى من داخل النظام، ومن المعارضة وقيادات في الداخل، ولكن النظام تجاهلها جميعها، لأنه يشعر بأنه كلما تراجع خطوة فإن ذلك يعني تقدم الشعوب داخل إيران إلى الأمام خطوة، لتطالب بخطوات ومطالب غيرها، لذلك هو لا يتراجع أبدا.
وفاة الشابة مهسا أميني كان شرارة الاحتجاجات الأخيرة، كيف تطورت الأمور إلى أن تصبح المظاهرات ضد النظام القائم، وإلى هتافات تطال الرموز السياسية والدينية في البلاد؟
لأن الإيرانيين توصلوا إلى أن النظام غير قابل للإصلاح، ولا يمكن أن يعدل من أساليبه في الحكم أو من سلوكه، ولا يمكن أن يتراجع أو أن يقدم القليل من الحريات أو شيئا في المجال الاقتصادي أو المعيشي للمواطن، فسرعان ما تغيرت الاحتجاجات على مقتل الشابة أميني إلى ثورة طالت النظام الإيراني برمته، وطالبت بإسقاطه، وإلى هتافات ضد خامنئي وسليماني والخميني ورئيسي وحرق المؤسسات والحوزات التابعة للنظام.
المواطنون باتوا على قناعة بأن أوضاعهم المعيشية لن تتحسن في ظل النظام الإيراني الحالي الذي لا يقدم الحلول، ولذلك كان هدفهم هو إسقاط النظام لكي يتحسن وضعهم المعيشي والاقتصادي والسياسي وينالوا الحرية.
سلطات إيران تمكنت سابقا من احتواء العديد من الاحتجاجات، فما الذي يميز هذه الاحتجاجات عن سابقاتها.. لا سيما احتجاجات 2019 الواسعة والتي لم تستمر؟
ما يحصل في الداخل الإيراني ثورة، وذلك وفقا للمراقبين والناشطين ومن يقود الاحتجاجات. وليس ضروريا أن تنجح الثورة في أولى محطاتها. وستكون هناك محطات ومراحل لتحقيق أهدافها في المستقبل.
المواطنون وصلوا إلى مرحلة من الوعي والاستعداد لانطلاقات مقبلة، وأصبح غالبيتهم ضد النظام الإيراني، الذي بات يتقهقر. وحتى الشخصيات داخله أصبحت تعارض. وهناك صراع داخل أجهزة النظام وبعض التصفيات الداخلية، وكل ذلك سيساعد الشعب الإيراني في المستقبل.
وعلى الرغم من زيادة القمع، فإن النظام يعاني وهيبته سقطت، وأدوات القمع بدأت لا تصل إلى أهدافها. لقد كسر الشعب الإيراني الخوف، وهذا أهم عامل للثورة، وسيفيدها ذلك مستقبلا.
ما الرسائل التي يجب على النظام في إيران الانتباه إليها من خلال الاحتجاجات؟
النظام يعوّل على الحل الأمني، والرسائل إليه هي أنه لا بد له من معالجة الإشكاليات الكبيرة، إلا أنه يرى في ذلك بأنه سيكون على حسابه فقط، لأن مطالب المحتجين هي إسقاطه ونيل الحرية وتحقيق الديمقراطية.
النظام في إيران غير قادر على الحل بسبب الفساد المالي والإداري، وإنفاقه الهائل على البنية العسكرية من صواريخ ومسيرات وإنفاق على المليشيات، إلى جانب سياسة إيران التوسعية، وكلها تجعله لا يعير أهمية للمواطن.
لذلك لا يستطيع النظام القائم تحسين سلوكه وأدائه أمام شعبه، ولا أن يقدم رسائل إيجابية للمواطنين.
أصبح المواطنون داخل إيران في واد والنظام في واد آخر، ولا يمكن أن يلتقيا، لذلك، فإن الصراع هو سيد الموقف بين الطرفين، ونتمنى في قادم الأيام أن يحقق المواطنون مطالبهم أمام النظام الذي لا يرون أنه يمثلهم، بل همه الأكبر هو الهيمنة والسيطرة وإطالة عمره في الداخل والتوسع في المنطقة.
يشار إلى أن القضاء الإيراني أعلن تنفيذ أربعة أحكام بالإعدام بحق أشخاص اتهموا بالاعتداء على عناصر أمن على خلفية الاحتجاجات. كما أنه أوقف الآلاف بينهم مشاهير وناشطون معروفون، وتمّ الإفراج عن عدد منهم في الآونة الأخيرة، في حين ما تزال الاحتجاجات مستمرة رغم تراجعها في الداخل مؤخرا.