قضايا وآراء

انخراط عربي بالجهود الأمريكية للتهدئة في فلسطين

ماجد عزام
جاءت زيارة المسؤولين الأردني والمصري في سياق الجهود الأمريكية للتهدئة- وفا
جاءت زيارة المسؤولين الأردني والمصري في سياق الجهود الأمريكية للتهدئة- وفا
على نحو مفاجئ ودون إعلان سابق زار رئيسا جهازي المخابرات المصرية والأردنية عباس كامل وأحمد حسني رام الله الثلاثاء الماضي، حيث اجتمعا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس كما شاركا حسب مصادر مطلعة في التمهيد والإعداد للقاء الذي جمع هذا الأخير إلى ضيفه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن باليوم نفسه، وقيل حتى إنهما شاركا فيه أيضاً.

قالت مصادر السلطة إن كامل وحسني نقلا دعم وتضامن النظامين المصري والأردني للقيادة والشعب الفلسطيني بشكل عام، إلا أن هذا ليس سوى تعبير عام دبلوماسي وعام فقط عن دوافع وأهداف الزيارة وما تخللها من حيثيات.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الزيارة هي الثانية للجنرالين إلى رام الله، بينما كانت الأولى قبل عامين تقريباً -كانون الثاني/ يناير 2021- عندما أعلن الرئيس محمود عباس عن إجراء حزمة الانتخابات الكاملة بموافقة حماس بعيداً عن القاهرة وعمان، في تعبير وتأكيد إضافي أن الكرة كانت ولا تزال في الملعب الفلسطيني ولسنا بحاجة إلى وساطة لحل أزماتنا وخلافتنا، ناهيك عن توقعها من أنظمة استبدادية فاشلة سعت وتسعى دوماً لاستخدام واستثمار القضية الفلسطينية لتبييض صفحتها أمام شعوبها داخلياً ونيل مزيد من الدعم السياسي والمالي خارجياً.
جاء الجنرالان إلى رام الله هذه المرة في ذروة التصعيد والتوتر بفلسطين المحتلة بعد المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جنين، وأدت إلى استشهاد عشرة مواطنين بينهما طفلة وعجوز، وردّ الشهيد خيري علقم بقتل سبعة إسرائيليين في مستوطنة النبي يعقوب قرب القدس المحتلة ما أدى إلى تشنج داخل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرّفاً

جاء الجنرالان إلى رام الله هذه المرة في ذروة التصعيد والتوتر بفلسطين المحتلة بعد المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جنين، وأدت إلى استشهاد عشرة مواطنين بينهما طفلة وعجوز، وردّ الشهيد خيري علقم بقتل سبعة إسرائيليين في مستوطنة النبي يعقوب قرب القدس المحتلة ما أدى إلى تشنج داخل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرّفاً، واتخاذ حزمة قرارات تضمنت إغلاق وهدم منازل في القدس، وتشريد أهلها، ونشر مزيد من القوات العسكرية والشرطية في المدينة، وتوزيع السلاح على الإسرائيليين وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.

الأجواء كانت متوترة أصلاً حتى قبل تسلم حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريتش مقاليد السلطة، مع تصعيد إسرائيلي عسكري وأمني خلال العام الماضي، أدى إلى استشهاد 220 فلسطينياً بالضفة وغزة، وازداد الأمر سوءاً مع الحكومة الجديدة ما أدى إلى استشهاد 36 آخرين خلال الشهر الأول من السنة الجديدة.

هذا كله حصل في نفس الأسبوع الذي كشفت فيه صحيفة "إسرائيل اليوم" عن خطة استيطانية لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الوزير أيضاً في وزارة الدفاع، بالتنسيق مع حليفة وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وبدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تتضمن تشريع عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية وهدم بيوت وممتلكات وتهجير الفلسطينيين منها، وتطبيق القانون الإسرائيلي المدني على المستوطنين هناك، ما يعني ضمّا فعليا ولو غير معلن لأكثر من نصف الضفة الغربية، والعمل على مضاعفة أعداد المقتحمين للأقصى، وعدم إخفاء الرغبة بتغيير الأمر الواقع، وفرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي كما هو حاصل فعلاً في الحرم الإبراهيمي بالخليل.

التطورات السابقة مجتمعة أدت كذلك إلى تدفق سيل من الزوار وبما يشبه جسرا سياسيا دبلوماسيا وأمنيا أمريكيا إلى فلسطين المحتلة شمل مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ثم رئيس جهاز المخابرات المركزية وليم بيرنز وأخيراً وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وهم مروا بالقاهرة قبل رام الله وتل أبيب بموازاة قنوات مفتوحة بين واشنطن وعمان أيضاً، توّجت بزيارة الملك الأردني إلى العاصمة الأمريكية الخميس الماضي.

أبلغ أبو مازن بذلك بيرنز شخصياً، كما نقل نفس الموقف المطمئن إلى بلينكن لجهة عدم إيقاف التنسيق الأمني تماماً، واستمرار تبادل المعلومات الحساسة والساخنة مع تل أبيب، كما ملاحقة خلايا فلسطينية منظمة تخطط لعمليات ضد الجيش الاحتلال والمستوطنين، وعدم السماح باندلاع انتفاضة ثالثة أو ردود فعل واسعة في الشارع الفلسطيني، مع رفض ما أسماه الانتحار السياسي عبر إدانة عملية الشهيد خيري علقم

وبالعودة إلى زيارة كامل وحسني وحسب مصادر مطلعة ووثيقة الصلة برام الله، فقد طالبا الرئيس محمود عباس بالتهدئة والحيلولة دون انفجار الأوضاع، وضرورة تراجع السلطة عن قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفرض القبضة الأمنية في شمال الضفة، تحديداً منطقتي جنين ونابلس، وفق خطة أمريكية أعدها المنسق الأمني المقيم الجنرال مايكل فنزل، وعدم القلق من التصعيد بغزة إثر قيام القاهرة بجهود متواصلة لفرض التهدئة وعزلها عما يجري بالضفة الغربية، وتفهم عدم إدانة الرئيس عباس لعملية القدس التي نفذها الشهيد خيري علقم، لكن مع ضرورة عدم التصعيد وفرض السلطة سيطرتها حتى بعيداً عن التنسيق الأمني من أجل منع العمليات أو ردّ فعل جماهيري واسع يؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.

كل ذلك بدون شروط أو مطالب جدية واضحة من إسرائيل، وإنما وعود فقط بالعمل معها لإقناعها بالتوقف عن سياساتها وقراراتها التصعيدية في حالة قيام السلطة بالمطلوب منها.

يجب الانتباه إلى أن عباس لم يكن أصلاً بوارد وقف التنسيق بشكل تام حسب المعلّق المخضرم أهود إيعاري في القناة 12 الإسرائيلية، حيث أبلغ أبو مازن بذلك بيرنز شخصياً، كما نقل نفس الموقف المطمئن إلى بلينكن لجهة عدم إيقاف التنسيق الأمني تماماً، واستمرار تبادل المعلومات الحساسة والساخنة مع تل أبيب، كما ملاحقة خلايا فلسطينية منظمة تخطط لعمليات ضد الجيش الاحتلال والمستوطنين، وعدم السماح باندلاع انتفاضة ثالثة أو ردود فعل واسعة في الشارع الفلسطيني، مع رفض ما أسماه الانتحار السياسي عبر إدانة عملية الشهيد خيري علقم في ظل استمرار الممارسات والجرائم الإسرائيلية.

في المقابل، طلب عباس رفع التجميد عن الأموال الفلسطينية التي يحتجزها الاحتلال، ووقف توسيع المستوطنات وهدم البيوت والتصعيد ضد الأسرى أو محاولة تغيير الواقع الراهن بالأقصى، كما الاقتحامات العسكرية الليلية تقريباً لمناطق "أ" الخاضعة أمنياً وإدارياً للسلطة الفلسطينية.

أننا أمام انخراط عربي بالجهود الأمريكية للتهدئة في فلسطين لتحقيق مكاسب فئوية للقاهرة وعمان. ففي السياق المصري ثمة موقف أمريكي خجول تجاه انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، بموازاة جهود لمساعدته على تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة، وتعويمه خارجياً من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي، كما قال بلينكن حرفياً، وبالطبع وفق المحددات وقواعد اللعب المرسومة أمريكياً

بالعموم، بدا واضحاً التنسيق المصري الأردني الأمريكي، حيث تحدث الجنرالان بصراحة أمام الرئيس عباس وبترجمة عربية للغة الزوّار الأمريكيين عن ضرورة التهدئة في فلسطين حتى دون أفق سياسي، ولو التزمت إسرائيل فعلاً بوقف الاقتحام والاستيطان والاعتقالات، وهدم البيوت وتشريد أهلها فهذا لا يحجب حقيقة بقاء الاحتلال على حاله، علماً أنه الجذر الأساسي للتوتر والتصعيد في فلسطين والمنطقة.

ومن هنا لا شك أننا أمام انخراط عربي بالجهود الأمريكية للتهدئة في فلسطين لتحقيق مكاسب فئوية للقاهرة وعمان. ففي السياق المصري ثمة موقف أمريكي خجول تجاه انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، بموازاة جهود لمساعدته على تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة، وتعويمه خارجياً من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي، كما قال بلينكن حرفياً، وبالطبع وفق المحددات وقواعد اللعب المرسومة أمريكياً.

هذا بموازاة تقديم دعم سياسي واقتصادي مماثل للأردن أيضاً رغم انتهاكات حقوق الإنسان هناك، علماً أنها لا تصل إلى مستوى انتهاكات النظام المصري.

وبدون مواربة هذا يعني استغلال واستثمار موصوف للقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب فئوية وخدمة سياسة واشنطن المعنية بالتهدئة فقط، لكنها لا تريد الانخراط بالقضية أو استئناف عملية التسوية والمفاوضات؛ كونها لا تمتلك رؤية ولا خطة وإرادة وقدرة لفعل ذلك مع تركيزها على أوكرانيا وروسيا وإيران، وتقديم جوائز وجزرات لإسرائيل والأنظمة العربية عبر رعاية منتدى النقب التطبيعي، مع الإشارة إلى أن الأردن مدعو للانضمام إليه لكنه محرج لتلبية الدعوة بغياب السلطة الفلسطينية.

انفتاح محمود عباس أيضاً على الجهود الأمريكية والعربية في برهان جديد على مضيه بنفس المسار البائس والحلقة المفرغة، حيث لا نتائج ملموسة وجدية، وبالمقابل الابتعاد المنهجي عن المسار الأهم والمجدي المتمثل بحوار وطني جاد وصادق لبلورة استراتيجية جامعة، ومن ثم الذهاب إلى الحزمة الانتخابية الكاملة لتسليم السلطة إلى قيادة شرعية منتخبة

وهذا سبب أو أحد أسباب زيارة نتنياهو المفاجئة لعمان قبل أسبوعين، التي تمت بترتيب إماراتي ودعم أمريكي لحثّه وتشجيعه على الانخراط بمسيرة التطبيع الجديدة بدون السلطة، ولا بد بالطبع من تقديم ثمن سياسي ما وتهيئة بيئة مؤاتية، وضمان عدم وقوع انفجار ميداني واسع أو انتهاك الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتعاون اقتصادي مع السلطة نفسها، وكل ذلك تحت شعار إبقاء الأفق السياسي مفتوحاً، أمام عملية السلام بدون سلام وحتى العملية الشكلية والخادعة، والاكتفاء بالحديث عن إبقاء الأمل أو الأفق مفتوحاً أمامها من خلال صيانة وحماية الواقع الراهن ومنع انفجاره.

في النهاية لا بد من الإشارة إلى انفتاح محمود عباس أيضاً على الجهود الأمريكية والعربية في برهان جديد على مضيه بنفس المسار البائس والحلقة المفرغة، حيث لا نتائج ملموسة وجدية، وبالمقابل الابتعاد المنهجي عن المسار الأهم والمجدي المتمثل بحوار وطني جاد وصادق لبلورة استراتيجية جامعة، ومن ثم الذهاب إلى الحزمة الانتخابية الكاملة لتسليم السلطة إلى قيادة شرعية منتخبة تنال ثقة ودعم الجمهور الفلسطيني غير الواثق بالقيادة الحالية وقدراتها.

وفي كل الأحوال لا نحتاج لوسطاء أو سماسرة عرب يستثمرون بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب فئوية وضيقة، علماً أنهم يحتاجون مثلنا إلى توافق ومصالحة داخلية وانتخابات شفافة ونزيهة تفرز قيادة وطنية جديرة ومدعومة شعبياً لا تخضع للإملاءات والشروط الخارجية، ولا تسعى لنيل شرعيتها لدى واشنطن وتل أبيب.
التعليقات (0)