اقتصاد عربي

"عربي21" ترصد رحلة انهيار الجنيه المصري في 2022.. ورد صندوق النقد

صندوق النقد الدولي: سننظر عن كثب في كيفية عمل سوق الصرف الأجنبي بمصر- أ ف ب/أرشيفية
صندوق النقد الدولي: سننظر عن كثب في كيفية عمل سوق الصرف الأجنبي بمصر- أ ف ب/أرشيفية
رصدت "عربي21" رحلة انهيار الجنيه المصري خلال العام 2022، والذي هبطت فيه العملة المصرية مقابل الدولار،  أكثر من 60 بالمئة في البنوك المحلية و110 في السوق الموازي وسط توقعات بأن تقوم الحكومة المصرية بتحريره تماما مع بداية العام الجديد.

بدأ الجنيه المصري متماسكا مطلع العام الجاري عند مستوى 15.65 لكل دولار وهو المستوى الذي سعى البنك المركزي المصري للحفاظ عليه منذ عام 2019 من خلال ما بات يعرف بـ "التعويم المدار" الذي يعتمد على قيام البنك بضخ دولارات في السوق للحفاظ على قيمة الجنيه.

وكانت الكثير من المؤسسات المالية وخبراء الاقتصاد يرون حينها أن الجنيه المصري مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية وهو ما يؤثر بشكل سلبي على الوضع المالي للحكومة المصرية، ولكنها ظلت على قناعتها بضرورة الحفاظ على شكل العملة المحلية مرتفعا أمام الدولار.

مع استمرار تراجع الجنيه، انضم إلى قائمة أسوأ 10 عملات أداء في عام 2022، التي أعدها ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة “جونز هوبكنز”، بعد أن انخفض إلى مستويات قياسية وتراجع إلى 24.70 جنيها أمام الدولار نتيجة تدهور وضع السيولة الخارجية، وتراكم الالتزامات الخارجية، وتدهور وضع الاحتياطي النقدي.

هوى احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري من أعلى نقطة له عند نحو 45 مليار دولار قبل الأزمة الروسية الأوكرانية إلى نحو 33 مليار دولار، أغلبه ودائع خليجية أعادت دول الخليج تأجيل مواعيد استحقاقها بسبب عجز مصر عن الوفاء بالسداد في المواعيد المحددة.

اظهار أخبار متعلقة


بداية الأزمة
مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية شباط/ فبراير الماضي، بدأ الجنيه يفقد بعض قوته ويتراجع بشكل طفيف أمام الدولار لكن مع مرور أقل من شهر واضطراب الأسواق المالية العالمية وهروب الأموال الساخنة من السوق المصري، قرر البنك المركزي المصري السماح للجنيه بالهبوط.

في أول قرار للبنك المركزي في أعقاب اهتزاز الوضع المالي للدولة بسبب هروب الأموال الساخنة بنحو 20 مليار دولار، بحسب تصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية المصريين، قرر السماح للجنيه بالهبوط 15% دفعة واحدة، في الاجتماع الاستثنائي، الذي عقد في 21 آذار/ مارس الماضي، ورفع سعر الفائدة 100 نقطة دفعة واحدة.

وقفز سعر الدولار أمام الجنيه من 15.75 جنيها إلى 18.30 جنيها، وسط تقلبات شديدة في سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى ظهور السوق الموازي لأول مرة منذ سنوات بعد تشديد القبضة على السوق وإغلاق معظم مكاتب الصرافة وتضييق الخناق على المتعاملين.

اظهار أخبار متعلقة


عودة الهبوط مجددا
لم يكن هبوط الجنيه بأكثر من 15% وفقدانه جنيهين ونصف الجنيه كافيا لعودة الاستقرار للجنيه المضطرب وجذب الاستثمارات التي فرت على عجل من الأزمة المالية التي لاحت بوادرها مبكرا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ما شكل ضغطا جديدا ومستمرا على العملة المحلية.

ودخلت مصر في ذات الشهر في مفاوضات معقدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل وقرض جديد يساعدها في استعادة ثقة المستثمرين، ويفتح الباب لها لدخول أسواق الدين الدولية، ولكن مصر كانت قد استنفدت المقررات الخاصة بها بعد أن حصلت على أكثر من قرض وتمويل دون أن يؤدي ذلك إلى نتائج إيجابية ويوقف نزيف الاقتراض.

منذ آذار/ مارس الماضي ظل الجنيه يفقد وزنه بشكل تدريجي من 18.30 جنيها للدولار حتى وصل إلى 19.70 جنيها في البنك المركزي ولكنه تجاوز هذا الرقم بنحو 15% في السوق الموازي، وسط إقبال كبير على العملة الأجنبية.

وتحت ضغوط صندوق النقد الدولي واستمرار عزوف المستثمرين الأجانب وتراجع دعم الدول الخليجية قررت الحكومة المصرية اتخاذ خطوة أكثر قسوة في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ورفعت العائد على الفائدة 200 نقطة (2%) مجددا، وسمحت بهبوط الجنيه مجددا إلى أكثر من 22 جنيها للدولار حتى وصل إلى 24.74 جنيها ليهبط مرة أخرى بنسبة 20%.

في أعقاب تلك الخطوة، أعلن صندوق النقد الدولي، التوصل لاتفاق تمويل على مستوى الخبراء، مع مصر قيمته 3 مليارات دولار  لمدة 46 شهرا، ورغم ذلك واصلت السوق السوداء ضغوطها على الجنيه المصري حتى وصل إلى أكثر من 35 جنيها قبل أن يتراجع إلى 33 جنيها.

اظهار أخبار متعلقة


على حافة الإفلاس

ويعد الاتفاق الجديد، رغم تواضع حجم القرض، بمثابة طوق نجاة للاقتصاد المصري، حيث تعتبر مصر، واحدة من خمس دول في العالم مهددة بعدم القدرة على سداد أقساط ديونها الخارجية البالغة أكثر من 155 مليارا، وفق وكالة موديز.

وكانت الحكومة المصرية تأمل في الحصول على قرض يتراوح بين 15 و20 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات وسداد مديونيات خارجية، وسد العجز في المعاملات الجارية والتي تقدر بنحو 40 مليار دولار.

في النصف الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على اتفاق موسع مدته 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار، ويتيح القرار صرف 347 مليون دولار لمصر على الفور، وهو أقل من المبلغ الذي توقعه وزير مالية مصر في وقت سابق عندما توقع أن تصل قيمة الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد 750 مليون دولار.

وأوضح بيان صندوق النقد أنه من المتوقع أن يؤدي تسهيل الصندوق الموسع "إي إف إف" (EFF) إلى تحفيز تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، وهو أكثر من المبلغ المتوقع الذي كان 9 مليارات دولار.

اظهار أخبار متعلقة


 مستقبل سييء بانتظار الجنيه 
أرجع الخبير الاقتصادي، علاء السيد، السبب وراء انهيار الجنيه المصري "إلى سياسة الحكومة الاقتصادية القائمة على الاقتراض لسداد الديون وأقساطها وليس الإنتاج، ولم تأخذ في الحسبان تقلبات الأسواق العالمية التي تندلع في أي لحظة كما حدث في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة والضعيفة".

وأكد في حديثه لـ"عربي21": أن سعر صرف الجنيه قبل الأزمة الأخيرة كان غير عادل، وكانت كل التحليلات تشير إلى أن قيمته أقل بكثير مما كان عليه ولكن تدخل البنك المركزي هو الذي كان يحول دون هبوطه ولكن شح الموارد الدولارية الناجمة عن الحرب وارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقة وارتفاع تكلفة التأمين على الديون وهروب الأموال الساخنة بددت كل الجهود التي بذلها المركزي المصري في محاولة مساندته ودعمه.

ورأى أن "رفع الفائدة على الدولار الأمريكي أذكى شهية المستثمرين في الخروج من السوق المصري بعد أن قام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة عدة مرات إلى مستويات قياسية مقابل انخفاض قيمة السندات الحكومية المصرية بشكل حاد وبوتيرة أسرع من المتوقع".

وتوقع الخبير الاقتصادي أن "يهبط الجنيه المصري إلى مستويات جديدة مع إصرار صندوق النقد الدولي على تحرير سعر الصرف بشكل دائم وعدم تدخل البنك المركزي في ضخ مليارات الدولارات لدعمه أمام سلة العملات الأجنبية ما يترتب عليه ثلاثة أمور هي رفع العائد مجددا، وارتفاع التضخم بشكل أقوى والتعجيل ببيع المزيد من أصول البلاد".

اظهار أخبار متعلقة


"إطالة عمر الأزمة"
من جهته؛ قال الخبير الاقتصادي حافظ الصاوي، إن "هبوط الجنيه منذ مارس الماضي إلى اليوم هو نتيجة الاستجابة لمطالب وشروط صندوق النقد الدولي الذي شدد على ضرورة تخلي المركزي المصري عن دعم الجنيه المصري وتركه للعرض والطلب وليس من خلال ضخ مليارات الدولارات".

ورهن في حديثه لـ"عربي21" استقرار سعر صرف الجنيه "بتغيير السياسات الاقتصادية القائمة على الجباية والاقتراض والاعتماد على زيادة الإنتاج وزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وعودة الثقة للمستثمرين المحليين والأجانب للسوق المصري".

ونبه الصاوي إلى "مخاطر استمرار رفع الفائدة وزيادة تكلفة الإنتاج وتعطيل حركة التصنيع واستمرار ارتفاع التضخم وإرهاق المواطنين وتآكل مدخراتهم وعدم جدوى العائد عليها في البنوك المحلية، ولن تجني مصر ثمار الاقتراض إلا المزيد من الديون والعودة إلى المسكنات ومن ثم الأزمات لتطل برأسها من جديد ما لم تنتهج سياسة اقتصادية مغايرة وحكيمة".

تعويم كامل بانتظار الجنيه
ورهن صندوق النقد الدولي استمرار برنامجه مع مصر بتحرير أكبر لسعر صرف الجنيه، وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، فلادكوفا هولار، في مقابلة مع "رويترز"، إن الصندوق يترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بشكل دائم بعد إلغاء شرط تمويل الواردات بخطابات اعتماد في نهاية الشهر الجاري.

 وأضافت: "نعرف أن البنك المركزي لم يتدخل بعد لضخ احتياطيات في سوق الصرف الأجنبي منذ أن توصلنا لاتفاق على مستوى الخبراء.. لكننا نعلم أيضا أن الواردات المتأخرة لم يتم الإفراج عنها"، مؤكدة أن "الأمر سيخضع لمتابعة عن كثب لطريقة عمل سوق الصرف الأجنبي".

استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي قرر المركزي المصري الإلغاء التدريجي لنظام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، والتي يجري العمل بها منذ شباط/ فبراير الماضي، حتى إتمام الإلغاء الكامل لها في  نهاية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ما يعني العودة للنظام القديم عبر "مستندات التحصيل".

اظهار أخبار متعلقة


ومنذ آذار/مارس الماضي، ألزم البنك المركزي الشركات باستخدام الاعتمادات المستندية لتمويل معظم الواردات، في خطوة تهدف إلى وقف التدفقات الخارجة بالعملة الأجنبية وسط النقص الناجم عن الحرب في أوكرانيا. وتسبب القرار في حدوث اضطراب اقتصادي واسع النطاق بعد أن تباطأت الواردات بشكل كبير، إلا أن ذلك ساعد في دعم الجنيه الذي تراجع بشدة أمام الدولار بسبب عمليتي تخفيض لقيمته خلال هذا العام، وفقا لـ"انتربرايز ".

وقالت إيفانا فلادكوفا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر: "نحن نعلم أن البنك المركزي لم يتدخل لضخ الاحتياطيات في سوق الصرف الأجنبي منذ أن توصلنا إلى اتفاق على مستوى الخبراء. لكننا نعلم أيضا أن الواردات المتراكمة لم يتم الإفراج عنها".

وفي بيان صادر الأسبوع الماضي، غير المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لهجته، واشترط أن تتحول مصر إلى سعر صرف مرن "بشكل دائم".

ومن المقرر  أن يبحث صندوق النقد الدولي، بعد رفع القيود عن الاستيراد، عن "تقلب يومي في سعر الصرف مشابه للتقلب الملحوظ في أنظمة سعر الصرف المرنة بالفعل"، بحسب فلادكوفا هولار.

وأضافت: "سننظر عن كثب في كيفية عمل سوق الصرف الأجنبي، والذي سيمنحنا بعد ذلك القدرة على التحدث مع السلطات ومجلس إدارتنا حول [ما إذا كان] ما نراه يتوافق حقا مع نظام سعر الصرف المرن."

التعليقات (1)
لا لحكم العسكر
الأربعاء، 21-12-2022 08:13 م
لن يذهب ما فعل بالشهيد محمد مرسي رحمة الله عليه وعلى من صفي من اتباعه الاوفياء ولن يذهب سودى ما يتعرض له الان اتباعه في زنازن السيسي وما هو قادم امر و ادهى.