قضايا وآراء

الأسئلة الكبرى للأمة الإسلامية.. ومنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة

إبراهيم الديب
يستكمل المؤتمر في إسطنبول ما بدأه مؤتمر كوالالمبور- فيسبوك
يستكمل المؤتمر في إسطنبول ما بدأه مؤتمر كوالالمبور- فيسبوك
بعد سقوط الخلافة الإسلامية وتفكك الوحدة السياسية للمسلمين وما تبعها من تحولات كبرى في العالم الإسلامي، والعالم بأسرة تحت قيادة الفكر والأيديولوجية الغربية المناهضة لمنهج الله تعالى في الأرض..

توالت فزعة النخب الفكرية والعلماء والمصلحين لإيقاظ الأمة وإحياء دورها ومكانتها في حمل رسالة الله تعالى للعالمين، والتي شكلت تيارا ممتدا للإصلاح، ومحاولة مستمرة للنهوض الإسلامي العالمي من جديد حتى يومنا هذا، حيث بدأت محاولات جمال الدين الأفغاني ثم محمد عبده ورشيد رضا وابن باديس وحسن البنا والكواكبي ومالك بن نبي.

وفي هذا السياق الفكري الإصلاحي جاء منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، الذي تأسس في 216-2017م بقيادة رباعية لرئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد والدكتور عبد الرزاق مقري والشيخ محمد الحسن الدود والدكتور عصام البشير، ليمثلوا بذلك حلقة جديدة تمثل مفتتح القرن 21 الميلادي لسلسلة طويلة ممتدة إن شاء الله، إلى أن يتم الله تعالى أمرا كان مفعولا، كمحاولة فكرية مؤسسية لإحياء فكر ونهضة الأمة تحت رؤية: أن يقدم المنتدى أفضل إنتاج فكري حيوي يواكب احتياجات الأمة المختلفة ليحقق قيم الحرية والعدالة والوصول إلى السيادة والنهضة.

ورسالة: إقامة حوار دائم في القضايا الفكرية والحضارية حول واقع الأمة وخياراتها المستقبلية، يستند إلى مرجعية الإسلام، وبقراءة معاصرة شاملة لتوضيح الطريق للعاملين وتوجيههم نحو تحقيق القيم العليا للإسلام ونهضة الأمة وسيادتها.
إقامة حوار دائم في القضايا الفكرية والحضارية حول واقع الأمة وخياراتها المستقبلية، يستند إلى مرجعية الإسلام، وبقراءة معاصرة شاملة لتوضيح الطريق للعاملين وتوجيههم نحو تحقيق القيم العليا للإسلام ونهضة الأمة وسيادتها

ويأتي يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر 2022 بداية أعمال الملتقى السادس تحت عنوان "الاستئناف الحضاري مشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية- إسطنبول".

في هذا السياق أضع دليلا لأهم الأسئلة الكبرى للأمة الإسلامية، ثم نجدول فيه أهم الاسئلة التي يتناولها المؤتمر لتكون بمثابة دليل فكري للعاملين لإحياء ونهضة أمتنا الإسلامية، خاصة وأن العالم يمر بحالة صراع ساخن وسيولة ستحدث تحولات كبيرة متوقعة، عبر تحالفات وتقاطعات مصالح تخلق فرصا جديد للدول الجاهزة لالتقاط الفرص، وكذلك للحركة الإصلاحية الإسلامية والممثلة حتى الآن في مؤسسات مجتمع مدني تحاول أن تنحت لها طريقا في الصخر، أو تبحث عن مسارات لها بين الصخور الكبيرة للنظام الدولي.

أهم الأسئلة الكبرى للحالة الإسلامية العالمية:

1- سؤال بناء الإنسان والأسرة والمجتمع المسلم المعاصر في عصر تعدد وتلاقح وتداخل واختراق الهويات العالمية القوية بوسائل وأدواتها، والمُجابهة للإسلام بشكل عنيف، والعاملة على اجتثاثه من الأرض.

2- سؤال القيم والهوية الإسلامية والتوافق عليها وكيفية التخطيط لها، وإعادة بناء بنيتها الصلبة فكريا وبشريا ومؤسساتيا -والمغيبة عمدا لأهداف أيديولوجية واستعمارية- لإعادة إحياؤها بين نماذج إسلامية متعددة ومتنوعة، كل منها يحاول تقديم وفرض نفسه على أنه النموذج الأمثل الصحيح للإسلام، ناهيك عن النماذج الإسلامية المزيفة المصنعة مخابراتيا من قبل أعداء الإسلام المحاربين له، بهدف تشتيت وتفكيك وتقويض المفاهيم والنموذج الصحيح للإسلام.

3- سؤال وحدة المرجعية الفكرية الإسلامية الواحدة للمسلمين في العالم.

4- سؤال التحرر من النظام الدولي الاستبدادي العالمي، وما يتبعه من نظم استبدادية محلية تدير المحميات الاستعمارية تحت مسمى الدول القومية.

5- سؤال بناء الدولة، وتقديم نموذج إسلامي معاصر للحكم يناسب المعطيات المحلية والعالمية، وقابل للتحول إلى كيانات إقليمية قابلة لإعادة الوحدة والأمة الإسلامية العالمية.

6 - سؤال تحديد البوصلة الإسلامية خلال هذه المحطة التاريخية الواجب أن يتجه إليها جميع العاملين للإصلاح الإسلامي في العالم.

7- سؤال المشاريع الإصلاحية الواجبة وترتيبها أولويات بحسب احتياجات المحطة التاريخية الحالية وأولوياتها، ومراحل الوصول إلى الأهداف والبوصلة المنشودة.

8- سؤال كيفية وقف وتقويض الاختراق العقدي والفكري الذي اخترق عقل الأمة ليحارب المشروع الإسلامي من داخله بنفس الأدوات الإسلامية، ليستهلك ويستنزف الأمة من داخلها، وليظهر للعالم أنه صراع إسلامي- إسلامي.

9- كيفية بناء جيل جديد يتجاوز الجيل القديم الذي ولد وتربى ورضع لبن ومفاهيم الاستبداد والتعايش والتكيف معه، واكتفى بهدف مجرد المحافظة على الوجود الضعيف المهين نجاحا كبيرا له، وهو ما أسميه بجيل الشكاية والمناشدة ومطالبة عدوه اللدود بأن يمنحه القوة والحلول، مقررا العمل في نطاق المتاح له من عدوه، والذي استنزف في ذلك ما يقارب قرنا من الزمان، إلى جيل جديد يمتلك الطموح والهمة والإرادة والمغامرة والعمل في سياق الممكن والمستحيل الواجب فعله، والذي يسعى لامتلاك أسباب قوته بنفسه ليفرض نفسه محليا وعالميا ويتمكن من تحقيق الفعالية والإنجاز للمشروع الإصلاحي الإسلامي.

10- سؤال سد الفجوة الحضارية بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية المتقدمة، وما يتبعه من أسئلة القيم والهوية وبناء الإنسان المعتز بدينه وهويته الربانية الإسلامية المميزة عن كل ثقافات وهويات العالم، المكلفة بحمل رسالة الهداية والإصلاح في العالم، وكيفية استنهاض الهمم والعقول والأيادي للعمل الصحيح والإنتاج والتنمية الذاتية، والتحرر من كل أشكال التبعية المعنوية والمادية للآخر.

11- سؤال تحديد مفهوم ومعايير واجبات العداء، وكشف وتحديد أعداء الأمة الإسلامية سواء من داخلها أو من خارجها، وكيفية التعاطى معهم لتحرير الأمة من الجهل والتخلف وغسيل العقول الذي امتد لعقود طويلة، ووصل الحال إلى أن يتخيل ويتوهم ويعتقد الكثير من النخب أن حل مشاكلنا وأزماتنا هو في الوقوف الذليل على باب الأعداء لتسول أسباب العيش والحلول لأزمتنا.

12- سؤال المشروع الإسلامي البديل للنظام العالمي المعادي لله تعالى ولرسالته السماوية وأولها الإسلام، ووجوب وحتمية أن نمتلك مشروعا فكريا إسلاميا معاصرا خالصا لتحرير وتنمية ونهضة الامة الإسلامية.

13- سؤال التحرر من التنظيمات الدينية التقليدية التي تحولت تدريجيا على مدار القرن الماضي إلى تنظيمات وظيفية تدور في فلك وأجندة النظم القومية المحلية والنظام الدولي المعادي للإسلام، إلى أشكال جديدة من العمل المؤسسى الناضج القادر على مجابهة محاولة الاستيعاب والتوظيف من قبل النظم المحلية والدولية، والمحافظة على واستقلاليته وتحرره وفاعليته في إنجاز أهداف المشروع الإسلامي.

14- سؤال كيفية تفعيل الطاقات الإصلاحية الفردية والمؤسسية للمسلمين العاملين والراغبين للعمل الإسلامي في كافة مجتمعات المسلمين، وكيفية بناء صياغة فكرية ومؤسسية تضمن تكامل وتراكم هذه الجهود في تيار إصلاحي عالمي كبير قادر على مجابهة تحديات أجهزة النظم المحلية الاستبدادية والنظام العالمي الأم، وتجاوزها والمرور لتحقيق الأهداف المنشودة.
سؤال كيفية تفعيل الطاقات الإصلاحية الفردية والمؤسسية للمسلمين العاملين والراغبين للعمل الإسلامي في كافة مجتمعات المسلمين، وكيفية بناء صياغة فكرية ومؤسسية تضمن تكامل وتراكم هذه الجهود في تيار إصلاحي عالمي كبير قادر على مجابهة تحديات أجهزة النظم المحلية الاستبدادية والنظام العالمي الأم

الاسئلة التي يحاول منتدى كوالالمبور السادس الإجابة عنها، تحت عنوان الاستئناف الحضاري ومشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية

1- سؤال الحركات الإسلامية وكيفية استعادة القدرة على الاستئناف الحضاري وإكمال مسيرتها التي بدأت منذ قرن من الزمان.

2- ما هي قوى الإحياء الكامنة في الأمة وكيفية تفعيلها لمجابهة تحديات الاستئناف الحضاري اللازم؟

3- ما هي قوى الإحياء الإسلامي بعد الربيع العربي وفرص مشاركتها حضاريا؟

4- التطورات الإقليمية والدولية وأثرها على مستقبل المشروع الإسلامي.

5- الحركات الإسلامية بين الفكرة العالمية والمشروع القُطري.

6- واقع قوى الإحياء الحضاري في مصر ودول حوض النيل والقرن الأفريقي.

7- واقع قوى الإحياء الحضاري في دول الخليج العربي.

8- واقع قوى الإحياء الحضاري في دول المغرب العربي.

9- واقع قوى الإحياء الحضاري في تركيا.

10- واقع قوى الإحياء الحضاري في جنوب شرق آسيا.

11- واقع قوى الإحياء الحضاري في الهند وباكستان وأفغانستان.

12- واقع قوى الإحياء الحضاري في دول أفريقيا وجنوب الصحراء.

بالتأكيد تتوقف حداثة وعملية وجودة وفاعلية المخرجات الفكرية لنقاشات المنتدى على عدد من العوامل من اهمها:

أولا: التحرر من الأيديولوجيات التنظيمية إلى الفضاء الفكري الإسلامي العالمي.

ثانيا: فتح مجالات الحوار والنقاش الحر المحرر من أية قيود لجلسات المنتدى.

ثالثا: الحرص على تقديم وإنتاج والوصول إلى الجديد النافع المطلوب.
التعليقات (1)
التصحيح الديني
الإثنين، 12-12-2022 07:28 ص
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي هل من المقبول ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ ان امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءات جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها بعض المفكرين المعاصرين، كالمفكر العبقري الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، تؤدي لتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي، والى احياء الأمة من بعد سباتها الطويل. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، انها اصبحت عاحزة عجزا شبه تام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب تناقضات كتب الموروث الديني الكثيره مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة وعلماء المسلمين (الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. اننا كمسلمين (والبشرية جمعاء في كل العصور والى يوم القيامة) مأمورون باتباع النبي عليه الصلاة والسلام، في كل ما امر به او نهى عنه، من مقام الرسالة، وذلك في نطاق الاوامر والنواهي الربانيه وما يوافقها. لكن اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه المتعلقة بالممارسات المعيشيه اليوميه، فنحن مخيرون في الاخذ بها او الاجتهاد فيها بما ينفعنا وبما لا يخالف التنزيل الحكيم، لأنها اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله (عليه الصلاة والسلام). وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. فمعظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية قائمة على ما تم جمعه من الاحاديث (بصرف النظر كونها احاديث صحيحة او مفتراه) وفي حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. أما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). لقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده كذلك) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يجعل لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق في التشريع، فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها فيما لا يخالف التنزيل الحكيم. وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. ذلك، بالطبع، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولكن لنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من متاّمر او عدو. (كانت هذه قبسات من بعض ما فهمته من فكر المصلح العبقري الكبير الدكتور محمد شحرور رحمه الله. واعادة النشر لهذه المقالة متاح بغرض فتح باب النقاش بشكل اوسع وتعميما للفائده)