هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
علق المذيع الأمريكي من أصول مصرية، أيمن محيي الدين، على الهجمة الغربية ضد استضافة قطر لمونديال كأس العالم 2022.
وتساءل محيي الدين في مقال عبر شبكة "إم إس إن بي سي": "هل فعلاً يتعلق الأمر بحقوق الإنسان أم إن المعلقين الغربيين لا يحتملون فكرة أن بلداً عربياً في الشرق الأوسط سوف يستضيف كأس العالم؟".
وتاليا نص المقال:
منذ
لحظة فوز قطر باستضافة كأس العالم لعام 2022، توالت الانتقادات المحيطة بقدرتها
وأحقيتها بتنظيم الحدث، وهذا حق، لأن أي بلد يخطط للترحيب بالناس من كل أنحاء
العالم لمثل هذا الحدث العالمي الهام ينبغي أن يخضع لتدقيق شديد.
إلا أن
ما جرى خلال السنوات الماضية، وما لبث أن تكثف خلال الشهور الأخيرة التي سبقت
انطلاق كأس العالم يوم الأحد، يكشف عن عمق التحيز وازدواجية المعايير في السلوك
الغربي.
انهال
وابل من التعليقات السلبية، بل والعنصرية تماماً بكل صراحة، على الدولة الصغيرة في
الخليج الفارسي (العربي)، بما في ذلك عناوين عريضة تقول إن المشجعين الذين كانوا يحتفلون
بقرب انطلاق الدورة تقاضوا مالاً حتى يظهروا بهذا الشكل، وما ذلك إلا لأنهم من
جنوب آسيا. وقد نشرت إحدى المنصات الإعلامية الفرنسية رسماً كاريكاتورياً لأعضاء
الفريق الوطني القطري وكأنهم إرهابيون. والقائمة تطول.
ولكن
هل ما يجري من جدل يتعلق فعلاً بحقوق العمال المهاجرين وبحقوق الإنسان، أم إن
البلدان الأوروبية والمعلقين الغربيين، الذين يرون في أنفسهم حراساً مؤتمنين على
كرة القدم العالمية، لا يمكنهم تحمل فكرة أن يستضيف بلد عربي في الشرق الأوسط مثل
هذا الحدث الجلل؟
انطلاقاً
من الحرص على الشفافية التامة، أصرح بأنني عشت وعملت في قطر لخمس سنين. ورأيت عن
كثب ما أنجزه البلد من تنمية وتطور – وكذلك أين يحتاج إلى تحسين. وبكوني مسلماً
فإنني أعي تأثير المحافظة الاجتماعية والقيود المجتمعية التي لا مفر من أن تأخذها
قطر بالحسبان إذ ترحب بالمشجعين من مختلف الخلفيات، بينما تحتفظ بالأعراف الثقافية
والدينية وتحافظ على التقاليد. وكمشجع شره لكرة القدم أنوي أيضاً حضور كأس العالم،
والذي أشعر كأمريكي عربي بالغبطة الشديدة لرؤيته في الشرق الأوسط.
وسامحوني
إذا كنت أرى أنه لا يجب عليكم أن تسكروا وتبدأوا في العراك مع المشجعين المنافسين
لكي تستمتعوا بلعبة كرة القدم، الأمر الذي سيكون أصعب هذا العام بعد قرار مفاجئ في
اللحظة الأخيرة يحظر بيع الخمور داخل استاد كأس العالم.
كثير
من الاحتجاجات الحماسية على استضافة قطر للدورة تكنس الكثير تحت السجادة. خذ على
سبيل المثال الفيفا، ذلك الكيان الذي يحكم كرة العالم عالمياً، والذي يقال إنه
واحد من أفسد المنظمات الدولية في العالم. لقد انهالت عليه التهم بالفساد وفضائح
رشوة اللاعبين لكي يلعبوا كما يُطلب منهم، لدرجة أن وزارة العدل في الولايات
المتحدة وجهت تهماً للعديد من كبار المسؤولين في الفيفا. فإذا كانت قطر شريرة، فهي
بالتأكيد ليست الوحيدة.
من
الإنصاف انتقاد قطر على سجلها السيئ في ما يتعلق بحقوق العمال المهاجرين وعلى
موقفها من مجتمع المثليين ومن النساء. ولكن يبدو الأمر مشبوهاً، وحتى
مخادعاً، حين نرى الأقطار الغربية والمعلقين فيها يستفردون بقطر دون الاعتراف بأنه
في الولايات المتحدة مازال قانون الدفاع عن الزواج هو المعمول به في البلاد، وهذا
القانون – إذا نسيتم – يعرف الزواج على أنه الاقتران بين رجل وامرأة. صحيح أن معظم
الولايات انتقلت ثقافياً إلى الأمام وهناك محاولات مشجعة لإبطال القانون، ولكن
إدراك الفرق بين الثقافة والقانون أمر مهم، سواء هنا أو في الخارج. هذا العام وحده
شهدت الولايات المتحدة تقديم 240 مشروع قانون غايتها إبطال حقوق المثليين.
إنها
لمفارقة أن تشجع الفرق الغربية لاعبيها على الاحتجاج لصالح حقوق المثليين في
قطر، ولكنها لا تتساهل معهم فيما لو اتخذوا موقفاً ضد الجور الذي تمارسه حكوماتهم.
أتساءل
عما إذا كان أي من هؤلاء المعلقين والخبراء الأوروبيين والأمريكيين الذين يتصدرون
للدفاع عن حقوق الإنسان سوف يطالبون بحرمان الولايات المتحدة من استضافة جزء من
كأس العالم في عام 2026 بسبب الطريقة التي ينتهجها القادة المنتخبون وكذلك نظامنا
القضائي لإبطال حقوق التكاثر، والتحرك باتجاه فرض حظر على كلمة "غاي"
(مثلي) في المدارس الحكومية وكذلك حظر الكتب التي يعتقدون بأنها تهدد السردية
السياسية والدينية التي يتبناها اليمين المتطرف. حسبما يتسنى لي رؤيته، لا يوجد من
يتهم الولايات المتحدة بالسعي لاستغلال الرياضة في تبييض سياساتها المعادية للنساء
في هذه المحادثات.
اقرأ أيضا: إنفانتينو يهاجم الغرب ويصف دروسه الأخلاقية لقطر بـ"النفاق"
بدلاً
من التوقف عند الاتهامات الموجهة إلى قطر، كان يحسن بالأوروبيين والأمريكيين أن
يقدموا نموذجاً أفضل للطريقة التي يعامل بها العمال المهاجرون في بلدانهم. فقد خلص
تحقيق أجري مؤخراً إلى أن فرنسا وبريطانيا تركتا 27 شخصاً يموتون بينما انخرط
البلدان في جدل حول من الذي ينبغي أن يسارع إلى إنقاذ قارب محمل باللاجئين من
الغرق. وإذا كانت الفيدرالية الدنماركية تريد الاعتراض على وضع العمال المهاجرين
في قطر، فينبغي عليها أيضاً أن تحتج على الأوضاع في أوروبا. وينبغي كذلك على
الأمريكيين الذين يعربون عن أساهم بسبب سياسات قطر في التعامل مع العمالة المهاجرة
أن يستغلوا هذه الفرصة لمناقشة الحلول المطلوبة لإنهاء تعاملهم الوحشي مع
المهاجرين.
ما زلت
أذكر جيداً عندما طلب اتحاد الكرة في الولايات المتحدة من اللاعبين الوقوف عند عزف
النشيد الوطني بعد أن أثار كولين كيبرنيك زوبعة من الاحتجاجات لدى رفضه الوقوف
أثناء عزف النشيد الوطني في مباريات الاتحاد الوطني للكرة. يبدو لي أن ثمة مفارقة
عجيبة في قيام الفرق الغربية بتشجيع لاعبيها على الاحتجاج دفاعاً عن حقوق المثليين في قطر بينما هي لا تتسامح معهم عندما يعربون عن رفضهم للظلم الذي تمارسه
حكوماتهم.
عندما
فازت قطر في التنافس على تنظيم كأس العالم، تساءل البعض كيف لبلد لا يملك سوى
القليل من الخبرة في ممارسة اللعبة أن يسمح له باستضافتها. مثل هذه الأفكار إنما
تتجاهل الغاية الحقيقية من البطولة، بل وتتجاهل كذلك حقائق التاريخ. عندما فازت
الولايات المتحدة بكأس العالم، لم يكن لديها حتى اتحاد كرة قدم محترف. وبالكاد
كانت اليابان وكوريا من الأمم المحسوبة على كرة القدم، ومع ذلك عندما وصل كأس
العالم إلى تلك البلدان سرعان ما انطلقت اللعبة هناك لتحتل الصدارة وتصبح لعبة
مستدامة. ناهيك عن حقيقة أن قطر هي حالياً الفريق الفائز بالبطولة الآسيوية، دعونا
نتذكر أن إحدى الغايات الرئيسية من البطولة هي التقدم باللعبة والترويج لها
باعتبارها شكلاً من أشكال التنمية الإيجابية.
ما من
شك في أن ما يسرد من كلام ضد قطر بهذا الشأن إنما هو خطاب منحاز بشكل سافر لتكريس
فكرة أن هذه اللعبة غربية الهوية. عندما قرر الفيفا تغيير موعد المباريات ليكون في
الأشهر الأخف حرارة من السنة، في نوفمبر وديسمبر، بهدف تجنب الحرارة الخانقة في
الصيف، احتجت كثير من اتحادات الكرة الأوروبية على ذلك زعماً بأن من شأن ذلك أن
يربك مواسمها وبرامجها السنوية.
تذكروا
أنه طوال تاريخ كأس العالم، ظلت هذه البطولة تنظم تقليدياً في أشهر الصيف ما بين
يونيو (حزيران) وأغسطس (آب)، عندما تكون الاتحادات الكروية خارج الموسم. وعلى مدى
تسعين عاماً، لم تجد بلدان أمريكا الجنوبية بداً من التأقلم مع ذلك واللعب في كأس
العالم بالرغم من استمرار المواسم لديها. ولكن لم يكن أحد يشتكى من أن من شأن ذلك
أن يكون في غير صالح بلدان أمريكا الجنوبية، والتي فازت فيما بينها بتسع من بطولات
كأس العالم.
لا أحد
يزعم أن قطر مثالية. ومن يفعل فهو ينطق بما هو سخيف. ولكني أهيب بنا جميعاً أن
نكون أكثر دقة في انتقاداتنا، وأن نقاوم مجرد تكرار الاتهامات المتحيزة بدون تمحيص
أو بدون النظر أولاً إلى الذات.
بات
العالم اليوم أكثر تواصلاً وترابطاً، ولعل كأس العالم واحد من المناسبات التي
تساهم في تحقيق ذلك. ومن حق الناس أن يشعروا بالسخط وبالإحباط المتزايد إزاء
السلوك الغربي الذي ينم عن الكبر والادعاء الحصري للفضيلة. كما أن الاتهامات
الفضفاضة الطنانة، والعناوين الرئيسية المغرقة في الغلو، والتحيز والتحامل، كل ذلك
يقوض من صدقية الانتقادات الأصيلة التي توجه إلى الكيانات الدولية مثل اللجنة
الأولمبية الدولية والفيفا، والتي ينخرها الفساد وتعشعش فيها المشاكل منذ عقود.
لحسن
الحظ، تمكن المشجعون الذين وصلوا إلى قطر لمشاهدة مباريات كأس العالم من رؤية
الأمور على حقيقتها، وهو ما فشل فيه المعلقون الغربيون خلال الأيام التي سبقت
انطلاق البطولة. وحتى بدون الحاجة إلى كل تلك البيرة.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)