هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)
في مصر عن نتائج "دراسة" ترصد الآثار الاجتماعية للأزمة الاقتصادية التي
تمر بها البلاد في الفترة من أيار/ مايو وحتى تموز/ يوليو الماضيين، ليكشف عن أرقام
كارثية وأوضاع صعبة يعاني منها المصريون.
ووفق الدراسة التي شملت حوالي 18 ألف أسرة، فإن
تبعات الحرب الروسية الأوكرانية منذ اندلاعها، في 24 شباط/ فبراير الماضي، على مصر، أثرت على 65.8 بالمئة من الأسر المصرية، وتسببت في تغيير أنماط استهلاكها، الغذائي
وغير الغذائي.
وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الوقود، الذي أدى
لارتفاع أسعار مختلف السلع، وارتفاع أسعار القمح والحبوب، بالتزامن مع تراجع سعر
الجنيه أمام الدولار، ما رفع كلفة الاستيراد.
وكشفت الدراسة المنشورة الثلاثاء الماضي، أن
الحرب تسببت في تقليل 73.9 بالمئة من المصريين إنفاقهم على الطعام، وبقي مستوى
إنفاق 26 بالمئة ثابتا، فيما ارتفع الإنفاق على الطعام عند 0.3 بالمئة من الأسر
المصرية.
وقام نحو 95 بالمئة منهم بتقليل تناول البروتين
(اللحوم والطيور والأسماك)، مقابل ارتفاع استهلاك الخبز لدى 1.3 بالمئة من الأسر.
كما انخفض بمعدل النصف دخل نحو 20 بالمئة من
الأسر نتيجة فقد عائلها عمله، بسبب التوقف عن العمل، وخفض الأجور أو توقف مشروعات،
مع معاناة ثلث الأسر من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية.
وكان نمط انفاق الأسر في الريف أكثر تأثرا
نتيجة للأزمة مقارنة بالحضر، حيث أفاد 55.7 بالمئة من الأسر في الريف يتغير نمط إنفاقها على السلع مقارنة بـ14.3 بالمئة في الحضر، بحسب الدراسة.
وهو الوضع الذي تسبب في لجوء الغالبية العظمي
من الأسر إلى الاقتراض لمعالجة عدم كفاية دخولهم، بينما اعتمد 2.3 بالمئة فقط على
مدخراتهم، بحسب نتائج الدراسة، التي أكدت أن نصف الأسر ترى أن أسعار السلع
الغذائية وغيرها زادت بمقدار 100 بالمئة أو أكثر.
"أرقام كارثية"
وفي قراءته في بيانات تلك الدراسة، ومدى
تطابقها مع الواقع المصري، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي
عبدالعزيز، إن "الأرقام في حد ذاتها كارثية، ويعززها واقع معيشي متدهور، منذ
أن انقلب السيسي على الرئيس مرسي".
أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أضاف
لـ"عربي21" أن معاناة المصريين تلك "هي ضريبة الانقلاب، ووجود شخص
في السلطة لا يعبر عن الشعب، بل يعبر عن القوى التي مكنته من قهر الشعب وسرقة
أمواله".
وبشأن ما ترسمه تلك الدراسة حول المستقبل في
مصر في ظل استمرار الوضع العالمي والمحلي المتأزم، قال الخبير المصري إن
"المؤشرات الاقتصادية الجديدة بعد اتفاق صندوق النقد بمنح مصر قرض الـ3
مليارات دولار، وتمويل إجمالي بـ9 مليارات دولار من الصندوق وشركاء للنظام، تزيد
الواقع تدهورا وانحدارا".
وأضاف أنه "من المتوقع المزيد من انخفاض
الجنيه، بحيث يصل لقيمة 2 سنت فقط، مع مزيد من تحميل الموازنة العامة بخدمة دين
أكبر مما سبق، حيث إنه مطلوب من مصر سداد 44 مليار دولار خلال أقل من عام".
وتابع: "يضاف لكل ذلك أن الاستيراد
ساهم في زيادة التضخم بنسب مؤكد أنها أكبر من المعلنة، وهو ما سيجعل التضخم يتجاوز
من 20 إلى 30 بالمئة وأكثر".
ولفت إلى أن "المشكلة الآن هي في استمرار السياسات الإنفاقية ذاتها التي يتبعها النظام على مشروعات طويلة الأجل، وبعيدة
العائد، وبالتالي إلى مزيد من التقشف في الإنفاق على الدعم والأجور".
ويرى عبدالعزيز أن "نسبة الفقراء والأكثر
احتياجا في مصر قد تصل 80 بالمئة من الشعب"، مؤكدا أن "الجميع يعاني مع
التضخم، وضعف الإنتاج، ومنافسة الجيش، والتدخلات الأمنية في الاقتصاد، وبيع الأصول
بالقوة لتوفير الدولار، الذي يهدره السيسي فيما لا يعلمه الشعب ولا يعلم عائده".
"دجل سياسي"
وفي قراءته للأرقام الواردة بالدراسة، قال
الباحث المصري مصطفى خضري، إن "دراسة الجهاز المركزي للإحصاء عن تأثير الحرب
الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري ومستوى الدخل والأسر المصرية لا تزيد عن دجل سياسي، وليس لها أي أساس بحثي".
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي
العام "تكامل مصر"، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "لقد ورط
الجهاز المركزي للإحصاء نفسه في تبرير الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه مصر؛ بسبب
السياسات النقدية والاقتصادية الخاطئة للنظام".
وأكد أن "باحثيه وقياداته خالفوا ضميرهم
العلمي بوضع الحرب الروسية الأوكرانية شماعة؛ في محاولة لستر سوأة النظام".
وعن مدى مطابقة تلك الأرقام من عدمها مع الواقع
المصري، قال خضري إن "المؤشرات الواردة في الدراسة حق يراد به باطل، وهو محاولة
لتوجيه الرأي العام بعيدا عن المسبب الرئيس للانهيار الاقتصادي، وهو نظام السيسي، وإلقاء الذنب على شماعة الحرب
الأوكرانية الروسية، باستخدام ما يسمى الارتباط الإحصائي الوهمي، كمن يربط معدل
مبيعاته المحلية في مصر بشروق الشمس في اليابان مثلا".
أما عن مؤشرات الإنفاق، فأوضح الخبير بالتحليل
المعلوماتي وقياس الرأي العام، أنه "يجب فصلها عن الأزمة الأوكرانية، ونسبتها
إلى المؤثر الحقيقي، حتى يمكن مناقشتها بموضوعية بحثية".
ويرى أن "أي مناقشة لتلك المؤشرات هي
مشاركة في ترويج الدجل البحثي الذي يمارسه الجهاز وباحثوه".
وعن توقعاته للمستقبل، قال إن "الاقتصاد
العالمي من حيث الحرب الروسية الأوكرانية ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول هي الدول
المتضررة من الأزمة، مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، نتيجة ارتفاع أسعار
البترول، ودخول الشتاء والاحتياج لمواد تدفئة".
وأضاف: "ناهيك عن التحالف الروسي الصيني، الذي أزاح الاقتصاد الأمريكي عن المقدمة، ورفع التضخم لأول مرة في أمريكا منذ أزمة
أكتوبر 1973".
وأكد أن "القسم الثاني هي الدول التي
يمكن أن تستفيد من الأزمة والحظر الغربي على روسيا، مثل تركيا وإيران والصين والهند
ومصر، ضمن هذا القسم؛ فموقعها الجغرافي ومواردها كان يمكن أن تجعل منها أكبر
المستفيدين من الأزمة، ولكن نظرا للأخطاء الاقتصادية والسياسية المتتالية من نظام
السيسي فقدنا هذه الفرصة".