هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار انتخاب عبد اللطيف رشيد، رئيسا للعراق بعد عام كامل على الانتخابات البرلمانية، وتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، تساؤلات عن العقبات التي قد تواجه الأخير في مهمته، لا سيما أنه مرفوض من التيار الصدري، ومتظاهري حراك تشرين.
لكن السوداني الذي رشحته قوى الإطار التنسيقي الشيعي "المحسوبة على إيران" لرئاسة الحكومة المقبلة، يحظى بدعم القوى السنية والكردية والشيعية في البرلمان، باستثناء المستقلين من الأكراد والشيعة، الذين اعتبروا تشكيله للحكومة يعيد البلد إلى المحاصصة الطائفية والحزبية المرفوضة شعبيا.
"طريق معبّد"
وحول مدى نجاحه في تشكيل الحكومة، قال الباحث والأكاديمي العراقي الدكتور وحيد عباس، في حديث لـ"عربي21" إن "الطريق أمام السوداني معبد لتشكيل الحكومة، خصوصا أنه يمثل الكتلة الأكبر، والتي استطاعت استئناف عقد جلسات البرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية".
وبحسب معلومات الباحث، فإن الاتفاق النهائي على أسماء الكابينة الوزارية للسوداني سيكون جاهزا خلال يومين، وإن المعلومات المتوفرة أن اتفاقا حصل بين الكتل السياسية على أن يكون الخميس موعدا للتصويت على الحكومة في البرلمان.
وأكد عباس أن "الطريق معبدة أمام السوداني داخليا وخارجيا لتشكيل الحكومة، فعلى المستوى الخارجي باركت الولايات المتحدة اختيار السوداني ورحبت بخطابه، وكذلك إيران كان لها الدور الأكبر في دفع قوى الإطار التنسيقي لاختياره في مهمة رئاسة الحكومة المقبلة".
وكتبت السفيرة الأمريكية في بغداد آلينا رومانوسكي في موقع "تويتر" الجمعة قائلة: "أرحب بتعهد رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني بمكافحة الفساد، والدفاع عن السيادة العراقية والأمن، وتشكيل حكومة مكرسة لخدمة شعب العراق. تلتزم الولايات المتحدة بالدعم والشراكة مع الحكومة العراقية الجديدة لتعزيز هذه الأهداف المشتركة".
— Ambassador Alina L. Romanowski (@USAmbIraq) October 14, 2022
وأشار الباحث العراقي إلى أنه "ما قبل اقتحام الخضراء من أنصار التيار الصدري كنّا نقول إن حكومة السوداني لن تكون طويلة، ولن تفعل شيئا إلا التهيئة للانتخابات المقبلة، بينما اليوم الدلائل والجو العام والتأييد الدولي كل ذلك يشير إلى عكس ذلك".
ولفت إلى أن "موقف الاطار تحول من الخاسر إلى المسيطر، والمشهد السياسي في العراق أدارته إيران بكل خبرتها فأنقذت شيعة السلطة في العراق من انهيار كان قريبا جدا، ولو أنها تركت الأمور لهم لما أحسنوا فعل شيء، والدليل عجزهم مدة عام كامل عن تشكيل الحكومة".
ولم يعلق التيار الصدري -حتى وقت كتابة هذا التقرير- على انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف السوداني بتشكيل الحكومة، والذي كان قد خرج بتظاهرات ضد ترشحه في آب/ أغسطس الماضي وسيطر على مبنى البرلمان لمدة شهر، قبل أن تتحول إلى صدامات مسلحة مع الحشد الشعبي راح ضحيتها نحو 60 قتيلا غالبيتهم من الصدريين.
اقرأ أيضا: برلمان العراق ينتخب عبد اللطيف رشيد رئيسا للبلاد (بروفايل)
"عقبة الصدر"
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، الدكتور جاسم الشمري لـ"عربي21" إن "تكليف محمد شياع السوداني بالمهمة الأصعب وهي تشكيل الحكومة العراقية لم يكن مفاجئا، وذلك بعد عام من المشاورات والمواجهات والمناوشات السلمية والمسلحة".
ولفت إلى أن "الأمور غير واضحة المعالم حول مقدرة السوداني على تشكيل الحكومة، ذلك لأن صمت التيار الصدري غريب جدا، كون الأخير لم يترك مناسبة صغيرة أو كبيرة خلال العام الماضي إلا وتحدث فيها عن تمسكه بتشكيل حكومة وطنية، ورفض تسلم السوداني أو تشكيل حكومة شرقية أو غربية، لكن بالنتيجة انتصر الإطار التنسيقي بقيادة نوري المالكي".
وطرح الشمري جملة تساؤلات، بالقول: "كيف انسحب الصدر بهذه البساطة، فهل جرى توريطه بالانسحاب من البرلمان أم إن هناك أطرافا خارجية هددته؟ وعليه فأعتقد أنه لولا الانسحاب الصدري لما استطاع الإطار التنسيقي تشكيل الحكومة على اعتبار أنهم الآن الكتلة الأكبر".
وأردف: "الخطأ الاستراتيجي في انسحاب التيار الصدري هو الذي مهد الطريق لأن يهيمن الإطار التنسيقي على البرلمان، لكني أتصور أن العديد من العقبات ستواجه السوداني في تشكيل الحكومة، ولا يمكن القفز عنها بسهولة".
وأوضح الشمري، أن "العراق بعدما خرج من نفق تسمية رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء، فإنه دخل الآن في نفق تشكيل الحكومة الجديدة، وربما سيُجدد للسوداني مدة 30 يوما أخرى من أجل محاولة تقديم شخصيات جديدة ضمن تشكيلته الوزارية".
ولفت إلى أن "بعض التسريبات تفيد بأن التيار الصدري مُنح ست وزارات في حكومة السوداني، وهذا هو سبب الصمت الغريب من التيار في الرد على ما يجري من تطورات سياسية تجاوزت الصدريين في العلن، رغم محاولة بعض الأطراف القريبة من الصدريين التشكيك ونفي مثل هذه المعلومات".
وأشار الشمري إلى أن "العشرة أيام المقبلة هي الفيصل في معرفة حقيقية حول ما إذا كان الصدر قد قاطع العملية السياسية بشكل تام أو أنه جزء من الحكومة العراقية المقبلة برئاسة محمد شياع السوداني".
وشدد على أن "فشل السوداني أو نجاحه في تشكيل الحكومة يتعلق في ما إذا كان التيار الصدري قد حصل بالفعل على جزء من الوزارات، أما إذا لم تُؤكد هذه الأنباء وبقي الصدر خارج الملعب السياسي فسيكون من الصعب على السوداني تشكيل الحكومة، وربما نكون أمام سيناريوهات المماحكات السياسية والمواجهات المسلحة".
سيناريوهات محتملة
وفي السياق ذاته، رأى الكاتب العراقي الدكتور يحيى الكبيسي، أن "إحاطة الممثل الأممي في العراق أمام مجلس الأمن يوم 4 تشرين الثاني/ أكتوبر، وبيانات سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في بغداد قد أوضحت أنهم مع الإسراع بتشكيل الحكومة، وعليه فستحظى حكومة الإطار التنسيقي بشرعية دولية تزيد من محدودية خيارات التيار الصدري".
وأوضح الكبيسي خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" الجمعة أنه "لن يكون، في الواقع، أمام التيار الصدري سوى خيارين؛ الأول أن يقبل بمفاوضات غير مباشرة مع رئيس مجلس الوزراء المكلف، تتيح له أن يحتفظ بمراكز القوى التابعة له في السلطة التنفيذية، وربما الحصول على وزارات عبر ترشيح شخصيات قريبة من الصدريين".
وتابع: "الخيار الثاني هو الاستمرار في سياسة رفض أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع (الكاذبين والمخادعين الفاسدين) كما كتب وزير الصدر قبل يوم واحد من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي استخدام الشارع لتقويض الحكومة الإطارية، مع ما قد يترتب على ذلك من عنف محتمل، وهو خيار يحيل على إعادة إنتاج سيناريو عام 2019 مع حكومة عادل عبد المهدي".
وخلص الكبيسي إلى أن "كلا الخيارين يؤكدان أن التيار الصدري يتجرع نتائج تورطه بقرارات ارتجالية غير مدروسة و سيضطر للتكيف مع تبعاتها طويلا، وربما كان من بين هذه التبعات العودة مرة أخرى إلى المظلة الإيرانية التي أثبتت أنها لا تزال الفاعل المتفرد في ما يسمى جزافا (السياسة العراقية)".
وردا على تكليف مرشح الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة، جدد ناشطو الحراك الشعبي في العراق، رفضهم لتولي الأخير رئاسة الوزراء، وذلك عبر تغريدة كتبها القيادي في "حراك تشرين" أحمد الوشاح على "تويتر" الخميس، اقتصرت على كلمة "مرفوض" مع صورة للسوداني.
— احمد الوشاح (@JeMAnLosleXaTnd) October 12, 2022
ويأمل رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني -وهو نائب لدورتين ووزير سابق- بإخراج العراق من أزمته السياسية الحالية، حيث تعهد في أول تصريح له بعد تكليفه، الخميس، بأن يقدّم تشكيلة حكومية قوية في أقرب وقت وتكون قادرة على بناء البلد.
وقال السوداني في تغريدة على "تويتر": "أعد العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية في أقرب وقت"، مشددا على أنها ستكون حكومة قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار، وبناء علاقات دولية متوازنة.
أقرأ أيضا: لماذا انتهت تظاهرات "تشرين" العراق سريعا في ذكراها الثالثة؟