مقالات مختارة

تشارلز الثالث: ما يجمع بين الإسلام والغرب أكثر مما يفرق

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

بطلب من عديد القراء أواصل نشر مقاطع من المحاضرة القيمة التي ألقاها الأمير تشارلز على منبر جامعة أوكسفورد في التسعينات لأنه كان منصفا وأمينا في تقييم حضارة المسلمين مؤكدا على استمرار سوء التفاهم بين الغرب والإسلام ومقترحا الحلول ولأن ما جاء في محاضرة أمير ويلز كأنما يقال اليوم عام 2022 بسبب تواصل سوء التفاهم وصعود حركات وأحزاب يمينية متطرفة وعنصرية تستهدف المسلمين مثلما وقع في إيطاليا والسويد وأسبانيا وفرنسا وألمانيا. وأنا أتوجه بالشكر لمركز (عربي21) للترجمة الذي أتاح لنا الإطلاع على هذه المحاضرة القيمة.

قال الملك تشارلز الثالث حين كان أميرا: "والحقيقة التي تبعث على الاكتئاب هي أنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في عالم التكنولوجيا ووسائل الاتصال خلال النصف الثاني من القرن العشرين ورغم السفر المكثف والاختلاط بين الأعراق والانحسار المتنامي – أو هكذا نعتقد – لما في عالمنا من ألغاز فإن سوء الفهم بين الإسلام والغرب مازال قائماً، بل ولربما كان بالفعل في تزايد. فيما يتعلق بالغرب لا يمكن أن يكون ذلك بسبب الجهل. ففي العالم يوجد أكثر من مليار مسلم والملايين الكثيرة منهم تعيش في بلدان تنتمي إلى الكومونويلث، بينما يعيش عشرة ملايين منهم في الغرب وما يقرب من مليون هنا في بريطانيا حيث ما لبث مجتمعنا المسلم ينمو ويزدهر لعقود. يوجد في بريطانيا ما يقرب من 500 مسجد، وما من شك في أن الاهتمام الشعبي بالثقافة الإسلامية في بريطانيا يتنامى بشكل سريع. ولعل كثيرين منكم يذكرون – وأظن أن بعضكم شارك في – مهرجان الإسلام الرائع الذي افتتحته صاحبة الجلالة الملكة في عام 1976. أي أن الإسلام موجود من حولنا في كل مكان، ومع ذلك يبقى الشك ويبقى الخوف. ومضى الأمير محللا لواقع ما بعد الحرب الباردة فقال: " يمكن لفرص السلام أن تكون في هذا القرن أعظم من أي وقت مضى.

 

ففي الشرق الأوسط أوجدت الأحداث المذهلة والمشجعة خلال الأسابيع الأخيرة أملاً جديداً لإنهاء مسألة طالما قسمت العالم وشكلت مصدراً خطيراً للعنف والكراهية. إلا أن الأخطار لم تختف بالنسبة لي تكمن المفارقة المأساوية لما يحدث في العراق – وخاصة في مدينة كربلاء العتيقة وما تحويه من أماكن مقدسة – أنه بعد توخي الحلفاء الغربيين أقسى درجات الحرص لتجنب قصف مثل تلك المواقع المقدسة (وأذكر أنني توسلت إلى الجنرال شوارزكوف عندما قابلته في الرياض في ديسمبر 1990، قبل أن تبدأ الحرب الفعلية لتحرير الكويت، أن يبذل قصارى جهده لحماية تلك الأماكن المقدسة أثناء أي مواجهة)، وأضاف الأمير: "أسلط الضوء على هذا المثال بالذات لأن من الممكن تجنبه بسهولة. أما في الأماكن الأخرى فإن العنف والكراهية أكثر استعصاءً وأكثر تجذراً، كما نرى باستمرار في كل يوم تلك الفظائع التي يعاني منها البؤساء من الناس حول العالم – في يوغسلافيا السابقة، وفي الصومال، وفي أنغولا، وفي السودان، وفي كثير من الجمهوريات السوفياتية السابقة. في يوغسلافيا، تساهم المعاناة الرهيبة للمسلمين البوسنيين، وكذلك للمجتمعات الأخرى في تلك الحرب الوحشية، في الإبقاء على قيد الحياة كثيراً من المخاوف والتحيزات التي يحتفظ بها عالمانا ضد بعضهما البعض. وبالطبع يصدر الصراع عن إساءة استخدام النفوذ والسلطة وعن تصادم المثل، ناهيك عن النشاطات المحرضة لزعماء متعصبين بلا ضمير. ولكنه أيضاً ينشأ مأساوياً من عدم القدرة على الفهم، ومن العواطف الجياشة، التي بسبب سوء الفهم تفضي إلى الارتياب والخوف." وأضاف الأمير:" لا يجب علينا الانزلاق نحو حقبة جديدة من الخطر والانقسام لأن الحكومات والشعوب والمجتمعات والأديان لا تستطيع العيش معاً في سلام داخل عالم آخذ بالانكماش." ثم يستخلص الأمير العبر الكبرى من تلك الصدامات فيقول: "إنه لأمر غريب بالفعل أن يبقى سوء الفهم بين الإسلام والغرب قائماً ذلك أن ما يجمع بين عالمينا أقوى بكثير مما يفرقنا. المسلمون والمسيحيون واليهود، كلهم "أهل كتاب". يشترك الإسلام والمسيحية في رؤية توحيدية واحدة، تقوم على الاعتقاد بالإله الواحد وبأن حياتنا على الأرض مجرد رحلة عابرة، وبأننا سوف نحاسب حتماً على أعمالنا وبأن الحياة الآخرة قادمة لا مناص منها.

نشترك معاً في العديد من القيم الأساسية: احترام العلم والعدالة والرأفة بالفقراء والمحرومين والاهتمام بالحياة العائلية واحترام الوالدين. "ووصينا الإنسان بوالديه" مبدأ قرآني أيضاً. كما أن تاريخنا مترابط بعضه ببعض." ويشرح الأمير فلسفة التاريخ بين الحضارتين فيقول: "طوال معظم ذلك التاريخ لم يكد يتوقف الصراع وشابت القرون الأربعة عشر عداوات متبادلة مما ولد تقليداً راسخاً من الخوف والارتياب لأن عالمينا كثيراً ما كانا يريان ذلك الماضي بأشكال متناقضة. فبالنسبة لتلاميذ المدارس في الغرب يُنظر تقليدياً إلى مائتي عام من الحملات الصليبية باعتبارها سلسلة من المفاخر البطولية والنبيلة حاول من خلالها ملوك وفرسان وأمراء وأبناء أوروبا انتزاع القدس من المسلمين (الأشرار). وأما بالنسبة للمسلمين فقد كانت الحملات الصليبية وقائع من التوحش الشديد والنهب المريع حين جاء جنود مرتزقة من الغرب وارتكبوا فظاعات رهيبة لربما كان أفضل دليل عليها تلك المذابح التي ارتكبها الصليبيون في عام 1099 عندما استعادوا القدس ثالث أقدس مدينة في الإسلام.

 

بالنسبة لنا في الغرب يمثل عام 1492 اجتهاداً إنسانياً فتح آفاقاً جديدة تلك السنة التي اكتشف فيها كولومبوس الأمريكيتين أما بالنسبة للمسلمين فقد كان عام 1492 سنة كارثية – سقطت فيها قرطبة في يد فيرديناند وإيزابيلا، وانتهت بذلك ثمانية قرون من التواجد الحضاري الإسلامي في أوروبا." ولعلنا نختم عرضنا هذا بجزء ثالث وأخير حول تحليل الأمير (والملك حاليا) لفضائل الإسلام والتسامح وحوار الأديان.

 

الشرق القطرية


0
التعليقات (0)