هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في
الوقت الذي تحيي فيه دولة الاحتلال الذكرى السنوية التاسعة والأربعين لهزيمة
أكتوبر (تشرين الأول) 1973، فإن هناك مخاوف تحيط بها من إمكانية تكرار هذا الفشل، ولكن هذه المرة
أمام الفلسطينيين؛ لأن ما حصل قبل قرابة نصف قرن من الزمن أمام السوريين
والمصريين، جاء نتيجة لشعور الإسرائيليين بالغرور بعد انتصارات حرب 1967، لكنهم
بعد ستة سنوات فقط، وجدوا أنفسنهم في الوحل، ولعل هذا ما قد يحدث هذه المرة في
الضفة الغربية.
وقد
جرت العادة لدى الأوساط الأمنية والعسكرية والبحثية والإعلامية في دولة الاحتلال، كلما حل شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، أن يستذكروا ماذا حل في أذهان قادة أجهزة المخابرات
آنذاك، ولماذا وقع الفشل الذريع في عدم توقع وقوع حرب الغفران، التي ما زالت من
أصعب الأمور التي مرت بتاريخ دولة الاحتلال.
دورون
ماتسا، الخبير العسكري، وعضو حركة "الأمنيين"، أكد أن "استعادة
إخفاقات 1973 ليست من باب القراءة التاريخية فحسب، وإنما خشية تكرارها هذه المرة
أمام الفلسطينيين؛ لأن تلك الإخفاقات تكونت من شقين: أولاهما في عدم فهم مجموعة
الإشارات والأدلة القادمة من الواقعين المصري والسوري، وتحدثت جميعها عن حرب
وشيكة. وثانيهما نشوء حالة من التعايش غير المعهودة بين المستويين الاستخباري
والعسكري والسياسي، والنتيجة حلول الكارثة المعروفة".
وأضاف
في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21"؛ أن "إساءة
الاستخبارات لتفسير الإشارات الواردة من القاهرة ودمشق، ترافقت مع تصور السياسيين
بعدم اهتمام الدول العربية بالصراع مع إسرائيل، لكن النتيجة جاءت معروفة، وبعد مضي
كل هذه السنوات والعقود، فقد بات من المشكوك فيه ما إذا كان الإسرائيليون قد
تعلموا الدرس العميق الذي يتطلب نظرة نقدية لواقعهم الصعب اليوم، وما إذا كان قد
تم استيعابه أساسا، في ضوء مستجدات أكتوبر (تشرين الأول) 2022".
اقرأ أيضا: الاحتلال متخوف من تكرار هزيمة 1973 أمام الفلسطينيين
وأشار
إلى أن "الشهر الجاري الذي نحيي فيه إخفاقات أكتوبر (تشرين الأول) 1973، يشهد تصعيدا للوضع
الأمني في الضفة الغربية، مع أنها ليست ظاهرة جديدة، فهذه التوترات موجودة في
الواقع منذ ربيع 2021، حين انطلقت عملية "حارس الأسوار" في غزة، وحتى قبل
ذلك. نحن أمام واقع فلسطيني يتسم مع مرور الوقت بتزايد ظاهرة المقاومة الفلسطينية،
والتوترات في شرقي القدس، وتعبيرات الاحتجاج من فلسطينيي 48، ولعل ما تشترك فيه كل
هذه التعبيرات، هو الرفض العربي الفلسطيني من النظام القائم خلال السنوات العشرين
الماضية".
يستعرض
الإسرائيليون مكامن الخطر الذي قد يتشكل ليكون نسخة أكثر قسوة من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ففي
الضفة الغربية ينعكس في الانتفاضة العنيفة التي تشهدها بصورة خاصة مدن الأطراف
الفلسطينية، لاسيما جنين ونابلس، وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي ينخرط فيها نشطاء
شباب وإسلاميون ومعارضون ضد النظام الاقتصادي السياسي، الذي ساد في العقود الماضية
في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لا
يتورع الإسرائيليون عن استخدام تعبير أكثر صراحة، بزعمهم أن الاحتجاجات التي تشهدها
الأراضي الفلسطينية المحتلة، كل بقعة جغرافية على طريقتها، تأتي ضد التحالف غير
المكتوب بين قيادات الاحتلال والسلطة الفلسطينية؛ لأن الانتفاضة الحالية قد تساهم
بتفكيك الأخيرة، التي أصبحت يوما بعد يوم، مختلة وظيفيا، فيما يتعلق بخدمتها
للمصالح الإسرائيلية من حيث قدرتها على ضبط الأمن.
مجددا،
تربط الأوساط الإسرائيلية بين أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وأكتوبر (تشرين الأول) 2022، ففي حين أنها رأت علامات
وتدريبات الجيش المصري، وفضلت قراءتها من منظور قديم، وغير ذي صلة، فإنها اليوم
تلاحظ ما يحدث في الضفة الغربية، وتفضل تفسير الواقع على أنه ضربة خفيفة في جناح
الطائرة، وكأننا أمام موجة تصعيد لمرة واحدة، والزعم بأننا لسنا أمام انتفاضة،
وتفضيل صيغة الإنكار، فيما تواصل وزارة الحرب التواصل مع السلطة الفلسطينية،
المنهكة تماما.
الخلاصة
الإسرائيلية، أنها لم تستفد من سوء تقدير أحداث ما قبل حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، فوقعت
الكارثة، واليوم تعيد إسرائيل تفضيل طريقتها النموذجية باستمرار الترتيب القديم مع
السلطة الفلسطينية، بزعم الاعتقاد أنه يمكن إعادة النظام الفلسطيني إلى نقطة
التوازن السابقة، بناء على مجموعة الإجراءات والتقنيات المعروفة؛ رغبة بتوفير هدوء
أمني يسمح لها بالتركيز على إيران ولبنان وسوريا، لكنها قد تفتح عينيها على مفاجأة
أكتوبر (تشرين الأول) 2022، حين تتحول الأمطار المتناثرة التي تتساقط حاليا إلى طوفان على
الفور، دون امتلاك الأدوات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد الذي سيفرض عليها.