هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمحررها للشؤون الدبلوماسية، باتريك وينتور، قال فيه إن الاحتجاجات غير المسبوقة في إيران بسبب وفاة مهسا أميني استمرت حتى يومها الثامن عشر يوم الإثنين، حيث هتف الطلاب خارج قسم العلوم في جامعة مشهد قائلين: "لم يعد هذا احتجاجا.. هذه بداية ثورة".
وتاليا ترجمة التقرير كاملا:
لم يكن هذا التقييم، حتى وقت قريب على الأقل، هو ما تراه واشنطن أو العواصم الأوروبية. صدرت عبارات التأييد من البيت الأبيض، وفرضت بعض العقوبات ووعود غامضة لتخفيف حصار النظام الإيراني للإنترنت.
لكن بشكل عام، قيمت إدارة بايدن هذه الانتفاضة على أنها محكوم عليها بالاشتعال ثم سحقها تحت أحذية الحرس الثوري. هذا في المحصلة هو تاريخ جمهورية إيران الإسلامية. فقد كان لزنازين الشرطة والرقابة والهراوات سجل طويل وناجح في قمع المعارضة بعنف.
تحت إشراف المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 83 عاما، الحاكم الأطول خدمة في الشرق الأوسط، يبدو أنه من غير المعقول أن تتخلى القيادة المحافظة الراسخة بعمق في إيران عن غريزتها الطبيعية للرد الأمني، فقد أثبت نجاعته بالماضي.
أدت مظاهرات طلاب جامعة طهران في تموز/ يوليو 1999 التي اندلعت بسبب إغلاق صحيفة إصلاحية مرتبطة بالرئيس آنذاك، محمد خاتمي، إلى تحويل العاصمة إلى ساحة معركة. وقامت الأجهزة الأمنية بدخول مهاجع الطلاب واعتقلت قيادات حركة الاحتجاج، وبعد ستة أيام، تم سحقها.
ظل العديد من الطلاب في السجن لمدة تصل إلى ست سنوات وتم تجاهل مطالبهم بالصحافة الحرة وتقليل عملية غربلة المرشحين البرلمانيين.
احتجاجات حقوق المرأة في عامي 2005 و2006، بما في ذلك حملة المليون توقيع لدعم المساواة القانونية، انهارت في نهاية المطاف بعد اعتقال أكثر من 50 من أعضائها وغادر العديد منهم إلى المنفى، بسبب مضايقات الدولة.
مرة أخرى، في عام 2009، بعد التزوير الواضح في نتيجة الانتخابات الرئاسية، خرجت الحركة الخضراء تلقائيا إلى الشوارع، بثلاثة ملايين شخص، تحت شعار "أين تصويتي؟" وأصبحت وفاة ندى أغا سلطان البالغة من العمر 26 عاما، وهي موسيقية طموحة، بعد أن أصيبت برصاص قناص بينما كانت تقف على حافة احتجاج، رمزا لتلك الاحتجاجات.
انتشر مقطع فيديو على الهاتف المحمول صورها وهي تحتضر على الرصيف في العالم بنفس الطريقة التي انتشرت بها صورة أميني على سرير المستشفى. استغرقت الدولة ستة أشهر، لكن الاحتجاجات أصبحت متقطعة حيث تم سحقها من خلال الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورية وقتل العشرات من المتظاهرين من الطبقة الوسطى. وفي الاعترافات القسرية على التلفزيون، كان على المتظاهرين الاعتراف بأنهم كانوا متحالفين مع الولايات المتحدة.
في عام 2019، قتلت الأجهزة الأمنية ما يصل إلى 1500 شخص عندما احتج الإيرانيون من الطبقة العاملة المضطهدة بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار البنزين ثلاث مرات.
لذلك إذا كان الماضي معلما، فمن السهل كتابة نعي هذه الجولة من الاحتجاجات.
وقد بدأت بالفعل الاعتقالات، بما في ذلك الصحفيون المؤثرون مثل محرر التعليقات في جريدة شرق والمراسل الذي نشر لأول مرة قصة احتجاز أميني. حجم حملة القمع متنازع عليه، لكن أفادت الأنباء أن ما يصل إلى 57 شخصا لقوا مصرعهم في مدينة زاهدان عاصمة إقليم سيستان وبلوشستان بعد احتجاجات على اغتصاب الشرطة لفتاة. قالت طهران إن جماعات المعارضة الكردية التي استضافتها في مخيمات شمال العراق هوجمت بالمسيرات الإيرانية.
وحقيقة أن المصادر الرسمية تقول إن 400 طالب في منطقة طهران الكبرى وحدها أطلق سراحهم بعد استجوابهم تظهر حجم الاعتقال.
استخدم خامنئي كتاب استراتيجياته القديم للادعاء بأن أعمال الشغب من صنع أشرار مألوفين، الولايات المتحدة وإسرائيل. كما تم استدعاء سفير المملكة المتحدة في طهران، لاتهامه بتخمير الاحتجاج. يتم بذل كل جهد في وسائل الإعلام لفصل المتظاهرين عن القلق المشروع بشأن وفاة أميني، وتصويرهم على أنهم إما عملاء غربيون أو مخمورون من الإنترنت. وانتقد وزير الداخلية الشعار الاحتجاجي "المرأة، الحياة والحرية"، المشتق من حركات التحرر الكردية، معتبرا أن من يهتف به يبدو وكأنه يرى الحرية في عري المرأة ووقاحتها.
لكن إيران لديها هذه القدرة على المفاجأة. أي قراءة لكتاب "الكبرياء والسقوط"، الذي يدين فيه أنتوني بارسون نفسه لفشله كسفير بريطاني في طهران للتنبؤ بالإطاحة بشاه إيران عام 1979، تعلم أن إيران يمكن أن تترك أقرب مراقب في حالة ذهول.
قليلون كانوا يتوقعون أن تستمر هذه المظاهرات لمدة ثلاثة أسابيع، حتى لو كان نطاقها، الذي يصعب الحكم عليه من الغرب، يتضاءل ويتضاءل. ويبدو أن القيادة الإيرانية غير متوازنة ومتوترة من الطريقة التي يتم بها تحدي شرعيتها من خلال هذه الظاهرة الجديدة المتمثلة في ثورة غير مسلحة بلا قيادة، والتي تجتذب حتى تلاميذ المدارس.
هناك تفسيرات كثيرة لذلك. لقد حذرت أصوات إصلاحية النظام بأن يسير بحذر. قال وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال نقاش بين 100 أستاذ جامعي في جامعة طهران يوم الأحد: "من الخطأ الاعتقاد بأنه يمكن تجاهل الناس. لا يمكنك أن تحكم بالعنف". طالب البروفيسور صادق زيباكلام، الذي تحدى موقف النظام في عدد من الموضوعات، بمعرفة من أعطى الأمر بإرسال "رجال ميليشيات بملابس مدنية" لمهاجمة وضرب الطلاب في جامعة الشريف للتكنولوجيا في قلب طهران.
اقرأ أيضا: الشرطة تنتشر عند الجامعات مع تزايد الاحتجاجات في إيران
هرع العديد من الآباء إلى الجامعة عندما هددت الأجهزة الأمنية بأن تعيث فسادا يوم الأحد وقال 65 أستاذا في بيان إن الشباب الإيراني لهم الحق في الغضب من القمع الذي يتعرضون له. وجدت مجموعة من الفنانين ونجوم كرة القدم والمصارعين الأولمبيين طرقا لإظهار تعاطفهم مع هذا الجيل الجديد.
المتظاهرون بارعون في التكنولوجيا، وبالرغم من أفضل جهود النظام لإغلاق الإنترنت في إيران، تتدفق مقاطع فيديو للاحتجاجات الارتجالية ووحشية الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات اللغة الفارسية التي تبث في البلاد، بما في ذلك إيران الدولية و بي بي سي. الثورة، إذا كان هذا ما هي حقا، ستكون متلفزة.
ولكن قبل كل شيء، فإن الدور القيادي الذي تقوم به الشابات والفتيات، وبعضهن يهتفن الموت للخميني، هو الذي أربك الدولة الإيرانية العميقة وجعلها غير متأكدة من كيفية الرد.
في الماضي، لم يكن لدى النظام أي ندم في معاقبة النسوية على أنها فساد غربي. تعرضت شخصيات مثل شهلا شركت، مديرة تحرير صحيفة زنان منذ 16 عاما، للمضايقات المتكررة لنشرها مقالات عن الإسلام وحقوق المرأة، فضلا عن الحجاب الإلزامي. جناح النساء في سجن إيفين هو نصب حي لقمع حقوق المرأة.
أصبح الحجاب رمزا مركزيا للأخلاق الثورية للنظام. ذات مرة قال آية الله الخميني، أول مرشد أعلى لإيران: "لو لم تكن الثورة الإسلامية حققت نتيجة سوى تحجيب المرأة، فهذا يكفي للثورة في حد ذاتها".
وقد أخذت الإدارة الحالية هذه الرسالة على محمل الجد. في آب/ أغسطس، نشر المقر الرئيسي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (Setad-PV) ورقة من 119 صفحة توضح بالتفصيل سياسة الحجاب في الجمهورية الإسلامية. كانت الطريقة التي تم بها تطبيق هذه السياسة هي الشرارة.
تقول النساء إنهن مستاءات من المؤسسة الدينية التي تقرر أن النساء لا يحتجن إلى الحماية فحسب، بل يمثلن أيضا تهديدا لشرف الرجل. كتبت آفا حوما، وهي كردية إيرانية ومؤلفة كتاب "بنات الدخان والنار": "من سن صغيرة، تستوعب الفتيات مفهوم أن هناك شيئا خاطئا ومخزيا في أجسادهن.. الحجاب الذي كان يجب أن أرتديه كان رمزا للاغتراب عن الآخرين وكذلك عن نفسي".
لكن هناك الآن ثورة ثقافية مضادة، وفي بعض الأحيان يصعب إيقافها أكثر من الثورات السياسية مع القادة. في حديثها إلى صحيفة اعتماد الإصلاحية هذا الأسبوع، قالت الأكاديمية شاهيندخت خرازمي إن 80% من الإيرانيين ولدوا بعد الثورة ولديهم عقلية عصر الإنترنت حيث الهزيمة ليست خيارا.
وقالت إن النساء الإيرانيات الحديثات يرغبن "في اختيار ما يرتدينه وما لا يرتدينه، ويقررن ما يجب عليهن فعله وما لا يجب فعله".
وأضافت خرازمي: "منذ 40 عاما، كان الناس يواجهون قيودا على إقامة حفلة، والتواجد معا، والاحتفال والفرح، وتراكمت هذه القيود فوق بعضها البعض وتجلت في شكل احتجاجات. في الواقع، هذه الاحتجاجات ليست مجرد احتجاج لهذا الجيل، ولكنها رمز لجميع القيود التي تم وضعها في السياق السياسي والاجتماعي على مدى عقود عديدة".
الشاعرة والباحثة الإيرانية فاطمة شمس حاولت تحديد ما يواجهه خامنئي. وقالت لشبكة CNN إنها سياسة المواطن الأكثر راديكالية وترتبط بالمشاريع العابرة للحدود في جميع أنحاء العالم، مثل حركة حياة السود مهمة وعلى عكس الحركة الخضراء، فهي لا تتعلق بعد بأصوات مغشوشة.
وأضافت شمس: "هذا الجيل مختلف تماما عن الثمانينيات. إن خيالهم وتطلعاتهم مختلفة للغاية. لم يكن لجيلي أن يتخيل الذهاب إلى الشوارع لإشعال نيران بحجاباتنا. هذا عمل انتحار سياسي ترتكبه الجمهورية الإسلامية باستهداف هذا الجيل".