اقتصاد دولي

الدمج يثير قلق مجتمع العملات المشفرة.. "ثورة أم ضجيج؟"

إذا انطلق الاندماج دون عوائق فسوف يتحول إيثريوم من نظام "إثبات العمل" إلى نظام يعرف باسم "إثبات الحصة"- جيتي
إذا انطلق الاندماج دون عوائق فسوف يتحول إيثريوم من نظام "إثبات العمل" إلى نظام يعرف باسم "إثبات الحصة"- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن كيف ينظر عشاق التشفير إلى تحول إيثريوم إلى نظام أكثر مصادقة للبيئة على أنه فرصة طال انتظارها لإثبات خطأ النقاد. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في قمة مستقبل البلوكتشين في تورنتو في أوائل آب/ أغسطس، وقف المؤسس المشارك لشركة إيثريوم "فيتاليك بوتيرين" أمام الجمهور المتحمس لتقديم بعض الأخبار المهمة قائلًا: "الدمج قادم، بعد الجهد الذي كرسناه له خلال السنوات الثماني الماضية.. أخيرًا سيصبح إيثريوم نظام إثبات الحصة". 

وأفادت الصحيفة بأن الميزة التي يتمتع بها مجتمع العملات المشفرة هي الوعود؛ ففي التاريخ القصير نسبيًا للأصول الرقمية - بدءًا من عملة بتكوين في عام 2009 - وضع المبشرون بالعملة قائمة من الابتكارات التي - كما يقولون - يمكن أن تعالج التضخم أو تحدث ثورة في الأعمال التجارية أو توفر شريان حياة مالي للأشخاص الذين يعيشون في ظل أنظمة استبدادية حول العالم. 

ردًّا على ذلك؛ سلط منتقدو الصناعة غير الخاضعة للتنظيم الضوء على صلة العملات بالنشاط الإجرامي والبصمة الكربونية الضخمة، بالإضافة إلى الانهيار المالي الذي جلبته للعديد من الأشخاص المصنفين أنهم أكثر عرضة للتأثر، وهم نفس الأشخاص الذين يزعم ممثلو الصناعة أنهم يريدون مساعدتهم. 

ووفقًا للصحيفة؛ فإنه الآن يملك مؤيدو العملات المشفرة الفرصة لإثبات خطأ منتقديهم، ويمكن القول إن مشروع التشفير الأكثر طموحًا حتى الآن، هو ما يطلق عليه اسم "الدمج"؛ حيث يصف المصطلح اللحظة التي سيتم فيها دمج البلوكتشين لعملة الإيثريوم مع نظام يسمى "بيكون تشين"، وتعد إيثريوم المنصة الأكثر شعبية لأجزاء من عالم الجيل الثالث للويب - أو "الإنترنت الجديد" - الذي حاول ركوب التيار، مثل الرموز غير القابلة للاستبدال والتمويل اللامركزي. 

 

اقرأ أيضا: ECO: مستقبل العملات المشفرة على المحك بعد دمج الإيثريوم

عند حدوث الدمج، المتوقع حدوثه في وقت ما في هذا الأسبوع، سيتم الإعداد للابتكارات التي تهدف إلى معالجة بعض أشد الهجمات على الصناعة. وهي مخاطرة كبيرة لمشروع لم يسمع به معظم الناس خارج عالم التشفير من قبل، ويصعب على الكثيرين فهمه، وإذا انطلق الاندماج دون عوائق فسوف يتحول إيثريوم من نظام "إثبات العمل" إلى نظام يعرف باسم "إثبات الحصة". 


يتم الحفاظ على أمن أنظمة إثبات العمل مثل بتكوين والبلوكتشين لإيثريوم بواسطة أجهزة حاسوب قوية، وتتسابق هذه الحواسيب التي تسمى "العقد" ضد بعضها البعض على مدار الساعة لحل المعادلات الرياضية المعقدة من أجل التحقق من صحة كل كتلة جديدة من المعاملات المضافة إلى السلسلة، ويحمي النظام ضد قدرة العقد الفردية على إفساد البلوكتشين، لكنه يتطلب أيضًا قدرًا هائلًا من الطاقة لتشغيله، وهذا يترجم إلى بصمة كربونية أكبر من أن يتحملها دعاة حماية البيئة والمتشككون في التشفير. 

على النقيض من ذلك؛ فإنه في نظام إثبات الحصة مثل النظام الذي يستعد الإيثريوم للانتقال إليه، لا تحتاج البلوكتشين إلى أجهزة حاسوب قوية لأمنها. فبدلًا من ذلك؛ يعمل الأفراد أو الشركات كمصدقين، ويضعون رموز الإيثر الخاصة بهم "العملة الأصلية لإيثريوم" كضمان ضد التصرفات غير المقبولة. ويتم تحفيزهم على القيام بذلك من خلال المكافآت، بما في ذلك فرصة كسب إيثر جديد. 

ويرى البعض أن الدمج هو لحظة تاريخية ستكون بمثابة قفزة لمجال التشفير من خلال تقليل مستويات استهلاك الطاقة في الصناعة بشكل كبير؛ حيث يُقدر حاليًا المستوى السنوي لاستهلاك إيثريوم بلوكتشين من الطاقة إلى مستوى استهلاك فنلندا. 

وبينت الصحيفة أنه بالنسبة للآخرين، فإن التحول يمثل خيانة للخصائص الأساسية للبلوكتشين في كونها شبكة منفتحة وشفافة ولامركزية، وتتمتع بالمراقبة الذاتية ولا تسيطر عليها أي مجموعة من الأفراد، لكن الدمج لن يحدث ثورة في عالم الجيل الثالث للويب بأكمله، ولن يحل بشكل مباشر العديد من أكبر المشاكل التي تواجه إيثريوم بلوكتشين، مثل بطء المعاملات ورسومها المرتفعة. 

الدمج الناجح يمهد الطريق على الأقل للابتكار في المستقبل، لا سيما من خلال السماح لمنصة البلوكتشين لإيثريوم بمعالجة أعباء العمل الثقيلة والتعامل معها. وتعد هذه أخبار جيدة للتطبيقات التي تبني أعمالها على البلوكتشين، أو بورصات التشفير اللامركزية. 

مستهلكو الغاز

على الرغم من الضجيج، فإن الدمج - بغض النظر عما إذا كان يبشر حقًا بتعميم مشاريع العملات المشفرة - يُعتبر أمرًا مثيرًا للشك؛ حيث إن الاضطراب الذي شهدته أسواق العملات المشفرة هذا العام أدى إلى تعكير الحالة المزاجية: فقد أدى انهيار أسعار العملات إلى القضاء على حوالي 2 تريليون دولار من القيمة الإجمالية للعملات المشفرة والمشاريع القائمة على بلوكتشين في أعقابه، وأعلنت بعض أكبر الشركات في القطاع إفلاسها هذا الصيف، بما في ذلك صندوق التحوط "ثري اراوس كابتال" ومنصة الإقراض "سيلسيس"، كما هدد تراجع التقييمات في عالم التكنولوجيا بالتعمق أكثر في قطاعي التشفير والتكنولوجيا المالية.

وتساءلت الصحيفة: إذًا لماذا تعتبر عملية الدمج مهمة إذا كانت سلاسل الكتل الأخرى لا تزال تستهلك الطاقة وتضر بالبيئة؟ ناقلة عن أليكس دي فريس، مؤسس موقع ديجيكونوميست على الإنترنت، أن الدمج يمكن أن يوفر ما يقرب من 99 بالمئة من استهلاك الطاقة الحالي لشركة إيثريوم، وإذا نجحت عملية الدمج في تلقيح إيثريوم ضد انتقادات دعاة حماية البيئة، فسوف يزداد الضغط على منافستها الرئيسية، بتكوين.

وتوضح الصحيفة أن ما يقوله بريستون فان لون، مطور إيثريوم الأساسي، الذي شارك في تأسيس مختبرات بريسماتيك، وهو فريق من مهندسي البرمجيات المكرسين لبناء سلسلة بلوكتشين الإيثيريوم، إن الدمج لا يمكن أن يأتي قريبًا بما فيه الكفاية؛ حيث يقول: "أشعر أن [تكلفة الطاقة] هي حقًا عائق أمام النطاق العالمي، ولن يستخدمها الناس إذا علموا أن لها مثل هذه التكاليف الباهظة للطاقة".

 

اقرأ أيضا: "بيتماين" تنتج جهازا لتسريع تعدين العملات المشفرة (شاهد)

تغيير المحركات في منتصف الرحلة

وبحسب الصحيفة؛ كانت مشكلة البصمة الكربونية عقبة مستمرة أمام الجهود المبذولة لدفع تكنولوجيا بلوكتشين إلى المستخدمين العاديين، وفقًا لرايان وايت، الرئيس السابق لقسم الألعاب في يوتيوب والذي يدير الآن شركة ألعاب بلوكتشين بوليجون ستوديوس؛ حيث يقول إن الدمج "يلغي حقًا ذلك برمته يمكنك بعد ذلك التركيز على نقاط الاحتكاك الأخرى لإدخال المليار مستخدم التالي إلى ويب3".

ويقول آخرون في المجال إن مشاكل إيثيريوم مع المعاملات البطيئة والرسوم المرتفعة ستستمر في إقصاء بلوكتشين من قيادة أي نوع من ثورة ويب 3، كما قال لارس سيير كريستنسن، المؤسس المشارك لساكسو بنك الذي يدير الآن بلوكتشين لإثبات الحصة يسمى كونكورديوم.

علاوة على ذلك؛ ليس هناك ما يضمن أن الدمج سيعمل حتى من منظور تقني؛ حيث بدأت العملية بالفعل وستحدث بمجرد الوصول إلى هدف محدد مسبقًا على بلوكتشين - من المتوقع حاليًا أن يحدث في وقت مبكر من يوم الثلاثاء، وسيكون الدمج تدريجيًا، حيث قال إدوارد ماتشين، أحد كبار المحامين في شركة روبس آند غريس للبيانات والخصوصية والأمن السيبراني: "إنه يشبه تغيير المحركات على متن طائرة أثناء تحليقها... إنه إنجاز هندسي كبير".

حتى لو لم تأت اللحظة الكبيرة دون عوائق، فهناك الكثير من المخاطر التي تنتظرها، فالخطر الأول نظري: أُطلق عليه اسم "هجوم 51 بالمئة"؛ حيث إنه بعد الدمج، سيتم تأمين سلسلة بلوكتشين الإيثيريوم من قبل مجموعة من الأفراد بحكم رموز الأثير التي قاموا بتجميعها، وهذا يعني، من الناحية النظرية، أن أي مجموعة أو فرد تسيطر على 51 بالمئة أو أكثر من الأيثر المرصود على بلوكتشين سوف يتحكم بشكل فعال في النظام.

ويعد هذا السيناريو غير محتمل لأسباب من بينها أن امتلاك أكثر من نصف الإيثريوم الموجود على سلسلة الكتل سيكون مكلفًا للغاية، ولكن أيضًا لأن المخترق سيفقد ممتلكاته المحصنة إذا حاول التدخل في السلسلة.

ومع ذلك؛ فإن الخطر قائم ولا يمكن تجاهله إذ شهد المتشككون في العملات الرقمية عددًا كافيًا من الاختراقات والانهيارات؛ حيث يقول ناقد آخر، وهو مهندس البرمجيات ستيفن ديل، إن مثل هذه المخاطر هي التي تجعل الأشخاص الذين يفكرون في الاستثمار في أسواق العملات الرقمية أكثر تردّدا لأنه "على عكس السلع الماديّة، يمكن أن تتوقف الأصول المشفرة ببساطة بسبب صعوبة التنبؤ بالأحداث التقنية المفاجئة".

وتتمثل المشكلة الأكثر إلحاحًا في مخاطر الذيل المرتبطة بسلسلة كاملة من آليات السوق التي لم يتم اختبارها بعد على أرض الواقع. 

 

اقرأ أيضا: كيف يشكل مخترع بيتكوين تهديدا لسوق العملات الرقمية؟

القلق الوجودي

وأشارت الصحيفة إلى أن الشاغل الأكثر إلحاحًا للعديد من مؤيدي الإيثريوم هو السؤال الوجودي الذي يقدمه إثبات الحصة إلى "اللامركزية".

ووفقًا لموقع التحليلات الشهير، ديفي لاما، تمتلك سلسلة كتل إيثريوم أكثر من 50 بالمئة من القيمة الإجمالية لصناعة التمويل اللامركزية، والتي تدعم التداول المباشر من نظير إلى نظير وتهدف إلى التخلّص من الحاجة إلى وسطاء من جهات خارجية. ومثل سلاسل الكتل الأخرى، من المفترض أن تكون الإيثريوم مقاومة للرقابة، أي أنه من المفترض أن يصمد تصميمها في مواجهة الأفراد أو الكيانات القوية التي تسعى إلى السيطرة على المشاركين الآخرين. في المقابل، في شكلها الجديد، المحمي من قبل مجموعة من الأفراد أو الشركات، تفقد الإيثريوم هذه الاستقلالية. 

أصبحت هذه المشكلة أوكثر وضوحًا منذ أن فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية الشهر الماضي عقوبات ضد تورنادو كاش، وهي منصة قائمة على عملة الإيثريوم وقد اتهمتها الحكومة بتسهيل عمليات تشفير بقيمة مليارات المليارات. وجادل البعض أن الحكومة ستثبت عدم فعاليتها ضد "العقود الذكية"، ومع ذلك، فقد أثبتت العقوبات فعاليتها بعد كل شيء، إذ أنه في الأسابيع التي تلت استهداف تورنادو كاش، تراجعت المعاملات على المنصة.

وذكرت الصحيفة أن الأوصياء المستقبليين على إيثريوم، بما في ذلك منصات التبادل باينانس وكوين بايس وليدو فاينانس، يجب أن يقلقوا. فوفقًا لبيانات منصة نانسن، تعد هذه الشركات من أكبر لاعبي الإيثريوم، وبالتالي ستكون محل ثقة لتأمين الشبكة بعد الدمج. 

وبصفتهم أوصياء على الشبكة، سيتعين على هذه الكيانات أن تقرر ما إذا كانت ستتحقق من صحة كتل المعاملات التي قد تشمل معاملات قادمة من كيانات خاضعة لعقوبات مثل تورنادو كاش وتعالجها أم لا، لكن هذا بعيد كل البعد عن اليوتوبيا المقاومة للرقابة التي كان يتصورها المثاليون. وإذا كان الدمج يبشّر بعصر جديد من المركزية، فقد يضطر هؤلاء المثاليون إلى حزم حقائبهم والرحيل. 

وأوضحت الصحيفة أن هناك سبب آخر للتفاؤل: فمنذ تموز/يوليو، انتعش سعر الإيثريوم وكذلك العملات المشفرة الشائعة الأخرى جزئيًا، مما منح المستثمرين بعض الراحة بعد أشهر قليلة مضطربة. وإذا كان سعر الأصول الرقمية، خاصة الإيثريوم متجها على الأغلب نحو الانتعاش، فمن المحتمل أن تكون سلسلة كتل إيثريوم بعد الدمج واحدة من أكبر المستفيدين. 

فهل سيرغب الأشخاص في الحصول على قروض من خلال منصة ديفي بدلا من الذهاب إلى أحد البنوك؟ وهل سيرغب الناس في تداول المقتنيات الرقمية بدلا من بطاقات البيسبول التقليدية أو الطوابع؟ 

في النهاية، ستتضح إجابات هذه الأسئلة بمجرد حدوث الدمج، وقد تم بالفعل إجراء العديد من عمليات الدمج التجريبية على "شبكات الكتل التجريبية" وهي أساسًا سلاسل الكتل غير الشغالة، لكن لا شيء يضاهي الواقع.


التعليقات (0)