مقالات مختارة

عام على انسحاب أمريكا من أفغانستان.. التداعيات على الحلفاء والأعداء

عبد الله الشايجي
1300x600
1300x600

في 15 آب/أغسطس 2021، سقطت العاصمة الأفغانية كابول بيد قوات طالبان الزاحفة بعد تساقط أقاليم أفغانستان بشكل متتال، كأحجار الدومينو، وفي 30 آب/أغسطس، أكملت القوات الأمريكية انسحابها المرتبك من أفغانستان، وشاهد العالم فوضى الانسحاب في فشل مدوّ لاستراتيجية ومكانة وسمعة أمريكا حول العالم.


وبرغم تأكيد الرئيس جو بايدن للرئيس غاني في البيت الأبيض قبل أسابيع سعي أمريكا لتنظيم انسحاب عسكري منظم، فر الرئيس وسقطت حكومته! وانتهت أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة دامت عشرين عاما، وتسببت بمقتل عشرات آلاف الأفغان وأكثر من 3800، وجرح أكثر من 20 ألف عسكري ومتعاقد ومن قوات حلف الناتو، وكلفة 2 تريليون دولار، والأهم فشل أمريكا في تحقيق هدفين: الأول القضاء على حركة طالبان التي أسقطتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 بعد 5 سنوات من وصولها للحكم، في عملية عسكرية هي الأخطر والأولى ضمن ما وصفته إدارة بوش بالحرب العالمية على الإرهاب، وذلك بعد أقل من شهر من اعتداء تنظيم القاعدة على أهداف مدنية-اقتصادية في نيويورك، تشكلان رمز قوة أمريكا الناعمة الاقتصادية والمالية، تمثل بتدمير برجي التجارة العالمية بطائرتين مختطفتين، واصطدام طائرة ثالثة في مبنى وزارة الدفاع "البنتاغون" خارج العاصمة الأمريكية واشنطن، وسقوط طائرة رابعة في حقول ولاية بنسلفانيا، كانت متجهة للارتطام بمبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن. الحصيلة كانت كبيرة وثقيلة ومروعة، مقتل 3000 شخص في العمليات الإرهابية، والصادم أكثر كان أن أمريكا التي نجت من ويلات الحربين العالمية الأولى والثانية في أوروبا وآسيا وأفريقيا، بسبب بعدها وتحصينها بأكبر محيطين في العالم الأطلسي والهادئ وجيران مسالمين -كندا والمكسيك-، واحتوائها وردعها للاتحاد السوفيتي طوال الحرب الباردة (1947-1991)، لم تحسب في أسوأ السيناريوهات، الاعتداء على الدولة الأقوى في العالم في الداخل الأمريكي، من تنظيم عقائدي وليس دولة عظمى، ما يغير طبيعة العلاقات الدولية ومصادر الخطر. وصعود دور “الكيانات أو الفاعلين واللاعبين من غير الدول". حيث تبع تنظيم القاعدة وقبله حركة طالبان وتنظيم الدولة داعش، وأفرع للقاعدة وداعش في آسيا والشرق الأوسط والقرن الأفريقي واليمن والصومال ونيجريا وغيرهم.


خلال العشرين عاما الماضية، منذ شن أمريكا حربها على تنظيم طالبان والقاعدة في أفغانستان وباكستان (2001)، وعلى العراق (2003) وإسقاط نظام صدام حسين، وعلى الصحوات في غرب العراق، وعلى تنظيم الدولة الإسلامية داعش (2014) بحروب أمريكا على الإرهاب، التي فشلت في القضاء على تلك التنظيمات، التي تشكل الحرب عليها نمط حروب غير متناظرة، تخالف العقيدة القتالية للجيوش النظامية. هذا يعني صعوبة تحقيق انتصار في تلك الحروب، والشواهد فشل حروب إسرائيل على حماس والجهاد الإسلامي وعلى حزب الله منذ عقود، ونماذج أخرى كثيرة. وهذا سيكون نمط الحروب القائمة والمستمرة في الشرق الأوسط بين جيوش نظامية وتنظيمات مسلحة.


الفشل الأمريكي كان استراتيجيا، ليس بالانسحاب العسكري الذي ذكّر بانسحاب أمريكا من فيتنام بعد هزيمة أمريكا وانتصار الفايتكونغ عام 1975، بل خسارة سمعة ومكانة أمريكا بعودة طالبان أقوى وأكثر تصميما على تصحيح أخطاء حكمها الأول، كما فشلت أمريكا برغم مليارات الدولارات في بناء الدولة الأفغانية والجيش الأفغاني، الذي تساقط بشكل صادم أمام تقدم قوات طالبان.

 

وضع أفغانستان والشعب الأفغاني اليوم مزرٍ، يواجه الفقر والعوز؛ حسب الأمم المتحدة يتوقع أن تصل نسبة الأفغان دون خط الفقر لـ90%! وانهيار اقتصادي وبطالة متفشية وصراع وفوضى عارمة.


ويتعاظم الفشل الاستراتيجي بعودة تنظيم الدولة والقاعدة للعمل وتشكيل تهديد لأفغانستان ولمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ونشهد أيام الجمعة بشكل متكرر تفجيرات في مساجد في أقاليم أفغانستان، آخرها التفجير الثالث لمسجد في شهرين، تفجير الجمعة الماضي مسجد في هرات ومقتل وجرح أكثر من 100. وعودة تنظيم القاعدة ونجاح القوات الأمريكية باغتيال أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في كابول قبل شهر، هو دليل على تحول أفغانستان لبؤرة جاذبة للتنظيمات المصنفة إرهابية.
كانت هزيمة أمريكا مدوية وكارثية على الصعيد الاستراتيجي بتداعياتها على خصوم أمريكا، وذلك بتراجع الحضور الأمريكي في منطقة آوراسيا، التي من يسيطر عليها حسب نظريات العلاقات الدولية، يسيطر على العالم. وتركت إدارة بايدن المنطقة لنفوذ الصين التي لدى أفغانستان حدود مع إقليم سنكيانغ غرب الصين، بأغلبية مسلمي الإيغور، التي فتحت قنوات حوار مع حركة طالبان. ولروسيا التي تجرعت مرارة خسارة مذلة في أفغانستان في سنوات حربها العشر (1979-1989)، إبان الحرب الباردة والصراع الأمريكي-السوفيتي، ودعم إدارتي ريغان وبوش المجاهدين الأفغان أبناء وأجداد مقاتلي طالبان اليوم. لذلك، تُعرف أفغانستان بمقبرة الغزاة الكبار، بهزيمة البريطانيين في القرن 19 والسوفييت في القرن 20 والأمريكيين في القرن 21.


شكلت خسارة وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان تحديا أمنيا لحلفائها في المنطقة، خاصة في دول مجلس التعاون التي أدت دورا رئيسيا في مساعدة الولايات المتحدة في عملية الإجلاء المرتبكة للمواطنين الأمريكيين والأفغان المتعاونين والمترجمين. ولولا دور حلفاء مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم قطر، التي أجلت بجسر جوي أكثر من 70 ألفا من المدنيين الأمريكيين والمتعاونين الأفغان، ومعها الكويت والإمارات، لكانت كلفة الانسحاب المرتبك أكبر وأكثر إحراجا لسمعة أمريكا وبايدن في التخلي عن الحلفاء والأصدقاء؛ لذلك قدم بايدن ووزراء في إدارته الشكر لدولة قطر، وتم ترقية العلاقة الاستراتيجية مع قطر إلى حليف رئيسي من خارج حلف الناتو مطلع 2022.


يسعى التفكير والتخطيط الاستراتيجي الأمريكي للتخلص من حروب أمريكا الدائمة في الشرق الأوسط لأكثر من عقدين، والالتفات لمواجهة صعود الصين وتحدي روسيا حسب تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية منذ أكثر من عقد؛ لذلك سعى الرئيس أوباما لإنهاء حروب أمريكا الدائمة في الشرق الأوسط و"الاستدارة شرقا"، لكن دون نجاح.


يعمق إصرار الرئيس بايدن على الانسحاب المرتبك من أفغانستان عقدة المعضلة الأمنية لدولنا الخليجية، وبرغم ثبات أهمية الوجود العسكري الأمريكي في قواعد عسكرية في دول الخليج لحماية الأمن وخدمة مصالح وإدارة حروب أمريكا في المنطقة، ومنع قوى الصين وروسيا وإيران من ملء الفراغ، إلا أنه ينبغي على دول المجلس أن تبلور مشروع تعاون وتنسيق عسكري وأمني واستراتيجي، يقلص الاعتماد والتعويل على الحماية الأمريكية المتراجعة.

 

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)