مقابلات

العدالة والبناء الليبي: ندعو لمشروع توافقي لإنهاء الصراع

أضاف بلال: "إذا تحقق هذا المشروع فمعنى ذلك أن توافقا وطنيا ليبيا قد تحقق"- عربي21
أضاف بلال: "إذا تحقق هذا المشروع فمعنى ذلك أن توافقا وطنيا ليبيا قد تحقق"- عربي21

دعا رئيس الدائرة السياسية بحزب العدالة والبناء الليبي، أبو بكر بلال، إلى إطلاق "مشروع وطني توافقي تلتف حوله كتلة وطنية مختلفة التوجهات، ومتعددة الخلفيات، ومتوزعة الجغرافيا، بحيث يمثل جل غالبية المجتمع الليبي"، وذلك من أجل إنهاء الصراع والأزمة الخانقة التي تشهدها البلاد.

وقال بلال، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "نرى أن هذا المشروع الوطني ينبغي أن يكون مرتكزا على البُعدين المحلي والدولي، لبحث قضايا الخلاف بين الليبيين ومحاولة إيجاد حلول توافقية، بالإضافة إلى البحث عن مصالح الدول المتدخلة في الشأن الليبي والاتفاق على حدودها".

وأضاف: "إذا تحقق هذا المشروع فمعنى ذلك أن توافقا وطنيا ليبيا قد تحقق، ومن شأن هذا الإجماع الوطني أن يقود قوى الصراع الدولي المتدخلة في ليبيا إلى تطبيق هذا المشروع، وربما تصبح بعض الأطراف الدولية ضامنة لعدم التولي عن هذا المشروع أو نكثه".

وطالب بـ "تجدد المظاهرات السلمية الحضارية لزيادة الضغط على الفرقاء السياسيين لتلبية رغبة الليبيين في رحيلهم جميعا، ويجب على الكتل الوطنية المؤمنة بحل الأزمة أن تعمل على تقوية المجتمع المدني لإسكات صوت السلاح والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف ووضع أولى اللبنات في طريق الدولة الليبية المنشودة".

لكن رئيس الدائرة السياسية بحزب العدالة والبناء، رأى أن "كل السيناريوهات في ليبيا محتملة، بسبب تناقض الرؤى الدولية تجاه الملف الليبي حتى الآن"، مشدّدا على أنه "لا يمكن السيطرة على الحكم عبر الانقلابات العسكرية بسبب توازن القوى العسكرية خاصة في غرب البلاد".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تنظرون لفشل الأجسام الليبية حتى الآن في إقرار القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات؟

 
فشل الأجسام السياسية في إقرار القاعدة الدستورية راجع إلى عدة أسباب رئيسية من أهمها التدخل الخارجي في ليبيا المتناقض في رؤاه وتصوراته تجاه الملف الليبي.

الأطراف الدولية المتدخلة في ليبيا بعضها يريد إطالة المرحلة الانتقالية لتثبيت وجوده ونفوذه، وبعضها يريد إقامة الانتخابات ليس للعبور إلى مرحلة مستقرة تقوم فيها أساسات الدولة المنشودة التي يطمح إليها الليبيون، بل لإنتاج شرعية مدعومة من قِبل الداعمين الدوليين تخرج بدورها القوى الدولية الأخرى المتدخلة حديثا في ليبيا.

ومَن هي الأطراف التي تقف وراء تعطيل إجراء الانتخابات في ليبيا؟

بعض هذه الأطراف المعرقلة للانتخابات هي أطراف محلية تمتلك القوة على الأرض وتخشى من تغير المشهد السياسي الليبي المؤثرة فيه، وبعضها أطراف سياسية تريد أن تبقي العملية السياسية على وضعها غير الطبيعي الآن، المبنية على الاتفاقات الدولية، لأن حظه السياسي فيها أكبر من حظه إذا أقيمت الانتخابات.

هذه الأطراف المحلية تلتقي غايتها في عرقلة الانتخابات مع بعض الأطراف الدولية التي تريد أن تطيل عمر المرحلة الانتقالية لتثبيت نفوذها ووجودها في ليبيا. لذلك، فإن العامل الدولي في عدم ذهاب البلد إلى الانتخابات هو أكبر من العامل المحلي، باعتبار أن البلد واقعة في براثن التدخل الخارجي الفج، وتحريك هذا الطرف المحلي أو ذاك تجاه العرقلة، ووضع العصا في عجلة الانتخابات أساسه التوجيه الخارجي.

ما موقعكم اليوم من أزمة الخلاف بين حكومتي باشاغا والدبيبة؟

موقفنا من الحكومتين واضح، وقد عبّرنا عنه في أكثر من بيان ولقاء إعلامي، ولعلنا كنّا أول مَن تبنى هذا الموقف الذي آمن به كثيرون اليوم وأصبح الفاعلون السياسيون يتبنونه زرافات ووحدانا، ويدخلون فيه أفواجا.

هذا الموقف هو عدم دعم الحكومتين أو الاصطفاف إلى جانب أي منهما، لإيماننا المطلق والعميق بأن الحل يكمن في إنهاء المراحل الانتقالية وتعدد الأجسام والحكومات عبر انتخابات نزيهة وشفافة تقوم على أسس دستورية وقانونية صحيحة وتوافقية تراعي حالة الصراع وفقدان ثقة الأطراف في بعضها البعض.

 

هذه الانتخابات من شأنها أن تنهي كل الأجسام القائمة اليوم وتنهي الانقسام التشريعي والحكومي وتوحد المؤسسات، انطلاقا من أن مدخل الحل للمعضلة الليبية هو عقد الانتخابات.

لذلك، فإننا آثرنا في هذه المرحلة المؤقتة عدم دعم المشاريع المؤقتة العابرة، وفضلنا دعم مشروع وطني يؤسس للدولة ويمر باستحقاقات انتخابية متتالية تبدأ بالانتخابات البرلمانية وتمر بالاستفتاء على الدستور وتنتهي بالانتخابات الرئاسية، وحاولنا وما زلنا نحاول جمع القوى الوطنية على هذا المشروع.

وماذا عن موقفكم من تشكيل حكومة ثالثة في البلاد؟

لم يتبلور لدينا موقف بعد من الحكومة الثالثة؛ فالأحداث السياسية في ليبيا متسارعة جدا، لكننا نؤمن بصيغة توافقية ترتضيها الأطراف السياسية للإشراف على انتخابات نزيهة وشفافة مرضيّة النتائج تجري في أقرب الآجال.

هل من الوارد أن تتجدد المظاهرات التي تطالب برحيل جميع المؤسسات السياسية؟

نعم. لقد تكوّن رأي عام بعد الحرب الأخيرة على طرابلس يرفض الحروب والاقتتال ويؤمن بالحل السياسي للأزمة الليبية، ثم تطور هذا الرأي العام عقب عودة الاستقطاب الأخير بين الحكومتين، وأصبح يؤمن بعقد الانتخابات كضرورة وطنية لإنهاء الاستقطاب وعدم تجدد الحروب، وهنا أقولها بصراحة تامة إن إيمان غالبية الليبيين بالآلية الحضارية التي توصل إليها العالم لإدارة الخلاف السياسي سبقت كثيرا من الساسة الليبيين الذين لا يزالون يحتكمون إلى العنف لفرض أنفسهم.

وفي ظل هذا الجمود السياسي الذي نمر به اليوم يجب أن تتجدد هذه المظاهرات السلمية الحضارية لزيادة الضغط على الفرقاء السياسيين لتلبية رغبة الليبيين في رحيلهم جميعا، ويجب على الكتل الوطنية المؤمنة بحل الأزمة أن تعمل على تقوية المجتمع المدني لإسكات صوت السلاح والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف ووضع أولى اللبنات في طريق الدولة الليبية المنشودة.

 

اقرأ أيضا: اشتباكات بالعاصمة الليبية بين قوتين تابعتين لحكومة الوحدة

هل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد ربما يؤدي إلى إنهاء الأزمة السياسية؟

حل الأزمة الليبية ينبغي أن يبدأ كحل سياسي، تعقبه حلول أخرى ثانوية، فالأزمة الليبية أعقد بكثير من أن يسهم في حلحلتها أي حل ثانوي آخر، فلا أعتقد بأن الوضع الاقتصادي سيكون أداة ضغط لحل الأزمة الليبية، فلقد مررنا في سنوات سابقة بوطأة اقتصادية شديدة، لم تؤدّ إلى هذه النتيجة المفترضة، والشواهد والتجارب في دول أخرى شبيهة بحالتنا وأقدم منا في أزماتها كثيرة.


ما موقفكم من القانون المعدل الذي أصدره مجلس النواب الليبي بخصوص إعادة تنظيم المحكمة العليا؟ وهل كان إغلاقها مساهمة في استمرار الفوضى؟

القرارات التي يتخذها مجلس النواب لا تخرج بشكل قانوني صحيح؛ فبعضها يخرج للعلن دون معرفة ما إذا اتخذت في جلسة قانونية أم لا، وبعضها يُتخذ في الجلسات لكن لا يُعرف هل اُتخذت بنصاب قانوني صحيح.

وفيما يتعلق بتعديل المجلس أو رئيسه لبعض القوانين المتعلقة بتنظيم عمل السلطة القضائية فلقد رأينا جدلا قانونيا بين رئيس المجلس ونائبه حول قانونية تعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء، وهذا دليل على أن قرارات المجلس في هذا الإطار كغيرها من القرارات الأخرى.

علاوة على ذلك وفي ظل هذا الاستقطاب السياسي المحموم، فإن المؤشرات على اتخاذ مثل هذه القرارات آتية في سياق توظيفها في الصراع السياسي الحالي، وهذا أمر خطير للغاية قد يؤدي إلى انقسام في السلطة القضائية التي لم تعرف الانقسام حتى الآن، وهناك بوادر على ذلك.

أما فيما يتعلق بتفعيل الدائرة الدستورية فقد جاء إغلاقها عام 2016 في سياق المحافظة على الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات عام 2015، والذي جعل المؤتمر الوطني العام "المجلس الأعلى للدولة"، ومجلس النواب الليبي، جسمين رئيسيين فيه وأحياهما بعد انتهاء مدتهما القانونية.

لقد أعيد تفعيل الدائرة الدستورية قبل أيام، ولعل ذلك آت في سياق كسر الجمود السياسي بين المجلسين اللذين لم يتوصلا إلى حل حتى الآن بخصوص القاعدة الدستورية، وربما كانت الحاجة إلى تفعيلها ملحة، فالوقت الذي جُمّدت فيه الدائرة الدستورية أي الذي كان من أجل الحفاظ على الجسمين، غير الوقت الذي فُعّلت فيه وهو الوقت الذي يُراد فيه التخلص منهما.

كيف تنظرون للجدل حول اسم المرشح السنغالي المقترح لمنصب المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا؟

الصراع الدولي المحموم بخصوص ليبيا والتناقض الدولي بشأن الملف الليبي ألقى بظلاله داخل مجلس الأمن وعرقل حتى الآن تسمية مبعوث جديد إلى ليبيا.

ينبغي أن يمثل المبعوث الجديد إلى ليبيا خط الحياد بين الفرقاء الدوليين، حتى يمرر في مجلس الأمن ويرضى به الفرقاء المحليون من بعد، ولا يكفي أن يكون المبعوث الجديد له خبرة وباع طويل في ملفات الصراع الدولي أو أنه من دول غير رئيسية في مجلس الأمن، المهم ألا تكون له ارتباطات وثيقة بأقطاب مجلس الأمن الدولي.

شاركتم في تأسيس "التنسيقية الوطنية" التي تم الإعلان عن تدشينها خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.. فأين هذه التنسيقية من التفاعلات التي تشهدها البلاد؟

التنسيقية الوطنية التي كنّا طرفا رئيسيا في تأسيسها اشتغلت في أوقات سابقة وحاولت أن تصنع تيارا ثالثا بعد أن استشرفت وقوع الأزمة بين الحكومتين اليوم. هذا التيار الثالث كان يُراد منه أن يمنع تطور الأزمة بين الحكومتين، ويسهم في إيجاد مشروع وطني يحقق الاستقرار، ويعبر بالبلد نحو مرحلة وضع أساسات مؤسساتها.

إلا أنه لسوء الحظ لم يُكتب لهذا الخط النجاح بسبب حدة الاستقطاب بين الأطراف المحلية، والذي ألقى بظلاله داخل التنسيقية الوطنية، لكننا لا نزال نؤمن بأن الحل الحقيقي لأزمة البلاد يتطلب صنع مشروع وطني شامل سواء عبر التنسيقية الوطنية أو غيرها.

كيف يمكن إنهاء المأزق السياسي الراهن من وجهة نظركم؟

المأزق السياسي الراهن هو جزء لا يتجزأ من الأزمة الليبية الشاملة، والأزمة الليبية في مجملها تحتاج مشروعا وطنيا تلتقي حوله كتلة وطنية مختلفة التوجهات ومتعددة الخلفيات ومتوزعة الجغرافيا، بحيث تمثل جل غالبية المجتمع الليبي.

نرى أن هذا المشروع الوطني ينبغي أن يكون مرتكزا على شق متعلق بالبعد المحلي وشق آخر متعلق بالبعد الدولي، حيث يركز الشق المحلي على بحث قضايا الخلاف بين الليبيين ومحاولة إيجاد حلول وسط أو توافقية فيها، أما الشق الدولي فيبحث مصالح الدول المتدخلة في الشأن الليبي والاتفاق على حدودها.

إذا تحقق هذا المشروع فمعنى ذلك أن توافقا وطنيا ليبيا قد تحقق، ومن شأن هذا الإجماع أو هذا التوافق الوطني أن يقود قوى الصراع الدولي المتدخلة في ليبيا إلى تطبيق هذا المشروع، وربما تكون بعض أطراف الصراع الدولي هي الضامنة لعدم التولي عن هذا المشروع أو نكثه.

إلى أي مدى تجاوز "العدالة والبناء" الخلافات والانشقاقات الداخلية التي شهدها في السابق؟

لم يشهد الحزب انشقاقات كبيرة أثرت على بنيانه وقاعدته الصلبة، فما حدث للحزب بعد المؤتمر الثاني وانتخاب الأستاذ عماد البناني رئيسا له في شهر حزيران/ يونيو 2021، هو استقالة رئيس الحزب السابق الذي أكمل مدته القانونية، كما استقال نفر معه كانوا في الإدارة السابقة للحزب وأسسوا حزبا جديدا.

لكن القاعدة الحزبية للعدالة والبناء لم تتأثر في بنيتها؛ ففروع الحزب التسعة والعشرون باقية كما هي، كذلك القاعدة الصلبة التي أسست الحزب ما زالت مستمرة معه، وهي التي تمده بالقوة وأسباب البقاء والأسباب التي تجعل منه رقما في العملية السياسية الليبية.

ما توقعكم لحظوظ الحزب في الانتخابات المقبلة حال إجرائها؟

كنا قد أعددنا العدة لدخول الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة بعد الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2021 ودفعنا بكوادر الحزب إلى خوضها في أغلب الدوائر الانتخابية الثلاث عشرة، ونتوقع أن نتحصل على عدد لا بأس به من المقاعد ينتج كتلة مؤثرة داخل قبة البرلمان القادم.

هل ستدفعون بمرشح في الانتخابات الرئاسية؟

لم نقرر بعد.


هل من المحتمل عودة سيناريو الحرب أو السيطرة على الحكم عبر الانقلابات العسكرية؟


كل السيناريوهات في ليبيا محتملة، بسبب تناقض الرؤى الدولية تجاه الملف الليبي حتى الآن، ولا يمكن السيطرة على الحكم عبر الانقلابات العسكرية بسبب توازن القوى العسكرية خاصة في غرب البلاد، وقد أخبرتنا المحاولات الانقلابية السابقة أن ذلك أمر لا يتأتى، ونعول على الحس الوطني لدى عدد من الأطراف الوطنية في عدم اندلاع أي حرب أخرى، كما نعول على الوعي الوطني العام الذي تشكل مؤخرا الرافض للحرب والعودة إلى مربع الانقسام، علاوة على تعويلنا على المصالح الدولية المتعلقة بالنفط الليبي في دعم استقرار البلاد، ربما تكون مصلحتهم في النفط من مصلحة بلدنا في الاستقرار.

التعليقات (0)