هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا أعدته
الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي أيندطشباش، حول انفتاح تركيا
على أعدائها، دعت فيه عدم التقليل من شأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فرغم سجله
الذي حصل عليه باقتدار كزعيم قوي شرس، إلا أنه طالما أظهر حسّا ذكيا عندما شعر أن
الوقت قد حان للتخلي عن موقف غير موات. وهو يظهر هذا الآن.
وترى الكاتبة أن الحملة الدبلوماسية لأردوغان
ذكية، لكنها لا تغير الكثير من الواقع المحلي الذي دفعها. فرغم النزعة الشمولية
للنظام، إلا أن النظام الانتخابي تنافسي والناخبون غير راضين عن اتجاه البلد وسوء
إدارة الاقتصاد والتضخم. وربما منعت الأموال الأجنبية من حدوث كارثة اقتصادية، إلا
أن نتيجة الانتخابات لا يحددها بوتين والأسد ومحمد بن سلمان، بل الناخب التركي.
وحتى هذا الوقت، فهو ليس مقتنعا بقدرة أردوغان على توفير ما يريدونه في المستقبل.
وخلال العقد الماضي، قدمت تركيا نفسها على أنها
المهيمن الإقليمي، وأقامت قواعد عسكرية في معظم الشرق الأوسط، واستعرضت عضلاتها في
البحر المتوسط، ونشرت قوات في ليبيا وسوريا والعراق.
ومضت جهود أردوغان التصحيحية جنبا إلى جنب مع
خطة نشر التأثير التركي في الأراضي العثمانية السابقة، وإعادة تشكيل المنطقة على
الصورة التركية.
وشمل هذا وبالتعاون مع الحليفة قطر على مساعدة الحركات
الإسلامية لاستعادة السلطة في المنطقة، وكان التنازع الأيديولوجي بين هذه البلدين
وبقية الملكيات في الخليج، عاملا في تشكيل الشرق الأوسط في السنوات الماضية، حيث
شملت النزاعات في ليبيا والبحر المتوسط وسوريا، وجرّت حتى دولا أوروبية مثل اليونان
وفرنسا إلى ساحات النزاع.
والآن، فقد تغير كل هذا على ما يبدو، فقد بدأت
دول الشرق الأوسط بالنظر في شؤونها الداخلية والبحث عن طرق لتخفيف التوتر فيما
بينها، والسبب وراء هذه الاصطفافات الجديدة، هي الحرب في أوكرانيا وعودة التنافس بين
القوى العظمى، وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة.
وتركيا ليست استثناء. فعلى مدى العام الماضي
أرسلت أنقرة وبهدوء وقودها إلى عواصم المنطقة، تحمل معها عروض التطبيع مع أعدائها
السابقين.
ففي
الأسبوع الماضي، أعلنت تركيا وإسرائيل عن تعيين سفراء بعد عقد أو يزيد من العلاقات
المضطربة. وفي شباط/فبراير سافر أردوغان إلى أبو ظبي والتقى مع محمد بن زايد، رغم
تصوير الصحافة التركية الزعيم الإماراتي بالعدو اللدود لتركيا، واتهمته بدعم محاولة
الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وفي آذار/مارس، حول المحققون الأتراك الذين
يحققون في جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 للسعودية، وسحبوا
كل القضية تحت البساط، ولكنها سمحت لأردوغان زيارة الرياض وعناق ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان.
وأرسلت أنقرة وفدا إلى مصر لإصلاح الضرر في
العلاقات النابع من دعم تركيا للإخوان المسلمين ودورها في ليبيا.
اقرأ أيضا: تحديات أمام صمود التطبيع بين تل أبيب وأنقرة لفترة طويلة
بالطبع،
لدى أردوغان أسبابه الخاصة للبحث عن أصدقاء عند من كان يريد الهيمنة عليهم. فقبل
انتخابات عام 2023 يبدو الزعيم التركي ضعيفا، ويواجه معارضة موحدة واقتصادا مترنحا
وشعبية متراجعة.
وأصبحت الخزينة التركية خالية تقريبا والليرة
التركية تفقد قيمتها باستمرار، ووصل معدل التضخم إلى 80%، ورغم سيطرته الشديدة على
البلد، إلا أن حظوظ إعادة انتخابه غير مؤكدة.
ويأمل الرئيس أن صداقاته الجديدة مع الأعداء
السابقين، وبخاصة مع دول الخليج، قد تجلب المال الذي يحتاجه حتى يستطيع عبور
المرحلة الحالية حتى الانتخابات، وتجنب الإفلاس الذي يلوح بالأفق وأزمة دفع الديون.
وفي أكبر تحول في السياسة، هي الإشارات التي
صدرت من أنقرة حول استعدادها لبدء الحديث مع بشار الأسد، وبعد سنوات من محاولة
الإطاحة به ودعم أعدائه. لكن لململة العلاقات مع دمشق ليست مرتبطة بالوضع المالي،
أكثر من محاولات تهدئة الناخب التركي الغاضب من وجود ملايين اللاجئين السوريين في
البلد.
وطالما طالبت المعارضة التركية بتطبيع العلاقات
مع دمشق، على أمل العودة الطوعية للاجئين السوريين. وقفز أردوغان الآن إلى العربة،
واتخذ خطوات لتشجيع إعادة ملايين السوريين الذين فروا من نظام الأسد.
وفي الواقع، لن يحدث شيء من هذا القبيل، فالأسد
لم يظهر إشارات أنه تغير أو خلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين. وبوجود 4 ملايين
لاجئ في تركيا ومليون على حدودها، فلن تستطيع أنقرة فرض عملية توطين بين المعارضة
والنظام، علاوة على ترحيل السوريين لمستقبل مجهول. لكن وعد العودة للوطن كما هو
مضاد للواقع، هو ما يهم في الانتخابات.
ويأمل أردوغان أن يؤدي الحديث عن محادثات مع
دمشق لتخفيف الضغط عن سياسته السورية. وبدأت عمليات خفض التوتر مع دول المنطقة
تثمر، فقد أظهر المصرف المركزي التركي زيادة غير محددة بأكثر من 17 مليار دولار
منذ بداية العام. وتتكهن الأسواق أن هذه هي أموال خليجية وروسية، والمزيد قادم.
وفي الوقت الذي لم ترض دول الناتو عن عدم فرض
تركيا العقوبات على روسيا، إلا أنها سكتت نظرا للوضع الاستراتيجي لتركيا كبوابة
للبحر الأسود، المهم لدفاع أوكرانيا عن نفسها، وآخر شيء تريده أوروبا، هو إغضاب
أردوغان ودفعه أكثر نحو الكرملين.