هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت الناطقة الرسمية باسم التحالف المدني الوطني ضد الانقلاب في تونس، فوزية خضري، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إن انقلاب الرئيس قيس سعيد في البلاد يشهد "اندحارا" متواصلا منذ 25 تموز/ يوليو 2021.
وأضافت أن الشعب التونسي أصبح يستفيق شيئا فشيئا لواقع أن "الانقلاب في كل برامجه كان مخادعا، وفاشلا منذ بدايته، ولم يحقق أي شيء من وعوده".
واعتبرت الناطقة الرسمية باسم التحالف أن "المعارضة لن تنتقل إلى مقاومة الانقلاب، إلا حين يتم تفكيك الحزام الداعم له بمفعول الضغط الداخلي والخارجي والإقليمي تحت وطأة المزيد من تأزم الأوضاع، واستفاقة الشعب من المشروع الوهمي الذي روّج له وبنى عليه انقلابه".
وأشادت "خضري" بتصريحات نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، لـ "عربي21"، والتي أعلن فيها "استعداد النهضة للانسحاب من مواقع المسؤولية لإنهاء الأزمة في تونس".
وتابعت: "مثل هذا الموقف ليس بغريب عن حركة النهضة التي عودتنا على تقديم المصلحة الوطنية على مصلحتها الحزبية والفئوية. هذا موقف مُشرّف لها، ونحن نحيي ونثمن تلك الخطوة، ونتمنى أن تكون هناك أذن صاغية وواعية لدى السياسيين حتى يفهموا رمزية ودلالة ورفعة مبادئ حركة النهضة".
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، أكد في مقابلة سابقة مع "عربي21"، أن "النهضة مستعدة للانسحاب من مواقع المسؤولية لإنهاء الأزمة في تونس".. ما تعقيبكم على ذلك؟
هذا التصريح ليس بغريب على حركة مثل حركة النهضة التي عودتنا على تقديم المصلحة الوطنية على مصلحتها الحزبية والفئوية.
هذا موقف مُشرّف لها؛ فالنهضة منذ الثورة هي دائما الحزب الرابح، والحزب الأول في جميع الانتخابات تقريبا (البلدية والتشريعية)، ولكن تحت ضغط العديد من الأطراف تضطر النهضة إلى التنازل عن بعض المقاعد سواء في الانتخابات التشريعية أو البلدية، وكذلك في نصيبها من الوزارات ورؤساء البلديات، وبالتالي فنحن نحيي ونثمن هذا الموقف، ونتمنى أن تكون هناك أذن صاغية وواعية لدى السياسيين حتى يفهموا رمزية ودلالة ورفعة مبادئ هذه الحركة في تونس.
برأيكِ، هل سيكون لهذه الخطوة آثارها على المشهد في تونس؟
نحن نعرف أن الانقلاب في اندحار متواصل منذ 25 تموز/ يوليو 2021، لكن هذا الاندحار لم يكن متوازيا معه انتصار وتقدم خطى المعارضة التونسية، وبالتالي فما زال المنقلب وزبانيته وحلفاؤه متعنتين، وما زالوا في طريق الإقصاء، واختطاف الدولة، وإعلاء المصلحة الخاصة على المصلحة الوطنية، وبالتالي فإنه لن يكون لتلك الخطوة ارتداد في الأشهر القادمة، لكن مع تأزم الأوضاع حتما ستجد هذه الدعوة صداها.
هل نهاية ما تصفونه بـ"الانقلاب" باتت قريبة؟ وما المطلوب من القوى السياسية والاجتماعية الأخرى؟
أنا إنسانة واقعية ولا أفضل "بيع الأوهام" للشعب التونسي، وأرجو أن تكون كلمتي مباشرة وصريحة وصادقة وتجد صداها لدى المواطن التونسي؛ فلا أريد أن أزيّف له الواقع وأقول إن الانقلاب زائل، وإن كنا بالفعل منتصرين، والانقلاب حتما إلى زوال، لكن ليس الآن؛ فهذا الانقلاب يستمد قوته من حكمة المعارضة التي قدمت المصلحة الوطنية على مصالحها الحزبية والفئوية الخاصة.
وقد خشيت المعارضة التصعيد ضد المنقلب ومَن وراءه من قوى إقليمية وخارجية؛ حتى لا تستغل تلك القوى الظرف الراهن في الزجّ بتونس إلى السيناريو الدموي، وخاصة مع ألفاظ وتصريحات المنقلب التي تعمل على تأجيج الأوضاع، وتقسيم الشعب التونسي، وإشعال نار الفتنة؛ فهم أرادوها حربا أهلية بين أفراد الشعب التونسي الواحد، لكن حكمة المعارضة وثباتها هي التي جنبت تونس هذا السيناريو، ولو صعّدت المعارضة في مواقفها وخرجت للشارع، أو كانت هناك رغبة جدية في افتكاك السلطة لأصبحنا اليوم على شاكلة مصر واليمن وسوريا وغيرها.
نحن نفهم الانقلاب منذ اليوم الأول، خاصة بعد تسريب وثائق ويكيليكس التي خرجت من المخابرات المصرية مع نادية عكاشة، وتأكد الجميع أن الانقلاب بُني على افتكاك السلطة، حتى وإن استدعى ذلك إراقة دماء التونسيين، ومن بين أهداف الانقلاب تصفية خصم سياسي معين، لكن حكمة هذا الخصم السياسي جعلته يأخذ خطوة إلى الوراء ويترك ساحة الحرب بين الانقلاب ويمثله قيس سعيد وفي الخفاء الأحزاب التي ساندته، والدول الإقليمية، وبين الشعب؛ فترك له الساحة وخرج من هذه المعادلة، حتى لا يُقال إن الانقلاب جاء ليُطهّر البلاد من الأحزاب السياسية ومن فسادها؛ فاتخذت المعارضة خطوة للوراء حقنا لدماء الشعب وأنصارها، وهي خطوة ذكية ما زالت انعكاساتها إلى حد الآن.
والشعب التونسي أصبح يستفيق شيئا فشيئا على أن هذا الانقلاب في كل برامجه كان مخادعا، يبني الأوهام، فاشلا منذ بدايته، ولم يحقق أي شيء من وعوده، وأهمها ما أوهم به مناصريه بالقضاء على خصمه السياسي، في حين أن طول نفس المعارضة وصبرها مكّنها من استغلال هذا الانقلاب لتطهير نفسها من عملية الشيطنة والهرسلة التي عانت منها طوال العشر سنوات ما بعد الثورة، وهذا إنجاز يُحسب للمعارضة ويُحسب للقضاء الشريف الرافض للتركيع.
التحالف المدني الرافض للانقلاب.. مع أم ضد التصعيد ضد الرئيس قيس سعيد؟
منذ اليوم الأول لتكوين التحالف كانت لدينا رغبة ملحة في إسقاط الانقلاب حتى لا تُدمر البلاد، وحتى نُجنّب بلادنا الدمار الذي كدسه وراكمه هذا الانقلاب، سواء على مستوى الأفراد، كالعديد من الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال، وللمحاكمات العسكرية، وتعرضت منازلهم للاقتحام؛ فلم ينج من الاعتقال والهرسلة والتنكيل لا المدونون ولا الموظفون، ولا الأئمة غير الموالين، وحتى بعض قادة الأمن والجيش وبعض القضاة والمحامين.. فلا توجد فئة إلا وتعرضت للأذى من هذا الانقلاب.
وعلى مستوى المؤسسات فإن هناك عملية تدمير ممنهجة لكل مكتسبات الثورة، خاصة المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها الدستور، تلك الوثيقة المهمة التي كانت مفخرة لتونس في الحقوق والحريات. كنّا، وما زلنا، نأمل في تجنيب بلادنا شعبا ومؤسسات هذا الدمار الذي أتى به الانقلاب وعلى رأسه قيس سعيد، لكن ما جعلنا نأخذ أيضا خطوة للوراء هو إعلاء المصلحة الوطنية، لأن مقارعة الانقلاب بحزم مع ما أعدّت له الماكينة الخفية التي تقف وراء الانقلاب من إعلاميين، وأمنيين معزولين، ونقابات، ومن دول إقليمية ممولة، ومن "لوبيات" المال الفاسد، ومن اتحاد الشغل وتورطه في هذا الانقلاب.. كل هؤلاء كانوا يعدّون لحرب أهلية، وبالتالي فلو اتخذنا خيار التصدي والمواجهة فسيؤول إلى مخرجات لن تُحمد عقباها، وفي نفس الوقت فإن السكوت على هذا الانقلاب يعني التطبيع معه.
لذا، فنحن كتحالف مدني وطني، وكمعارضة مشتملة على أحزاب وجمعيات، وقطاعات أخرى متضررة من الانقلاب، آثرنا أن نبقى دائما رافضين للانقلاب، ونعارضه في كل إجراءاته، ونفضحه ونُشهّر بكل ما يقوم به، مع تكثيف الجهود وتقريب وجهات النظر بين المعارضة؛ فالجميع يعرف أن الوضع في تونس متأزم جدا حتى بين المعارضة وهذا نتيجة سنوات من التمييع والتشتيت والتفرقة.
وبالتالي، فإذا كان سيناريو الحرب الأهلية ما زال قائما، وسيناريو تدمير مؤسسات الدولة ما زال قائما؛ فإننا نضحي بمؤسسات الدولة على عاهاتها وهناتها إلى أن يستفيق كامل الشعب، والسبب في عدم سقوط الانقلاب بالرغم من تضرر كل الأطياف والمؤسسات منه، هو أن الماكينة الإعلامية طوال عشر سنوات خلقت للمواطن البسيط عدوا وهميا صوّرته على أنه هو مَن يقف أمام طريق الجنة في تونس، وأنه السبب في دمار البلاد، وما إلى ذلك.
إذن فالتحالف المدني الوطني يعارض الانقلاب ولا يقاومه.. أليس كذلك؟
بالفعل، في البداية كان هدفنا كتحالف مدني هو مقارعة الانقلاب، وإذا عدنا بالذاكرة إلى 17 و18 كانون الأول/ ديسمبر 2021 في ذكرى انطلاق الثورة التونسية، وأثناء وقائع فض الاعتصام، تجد أن أكثر الأطراف التي قاومت واستبسلت في الدفاع عن خيمة الاعتصام هم أبناء التحالف المدني الوطني، كذلك مَن واجه قوات أمن قيس سعيد، وخاصة الشباب الذين تم اعتقالهم، هم أبناء التحالف المدني الوطني، وبالتالي فإن بإمكاننا مقاومة الانقلاب من خلال خلق "مقاومة" لا معارضة للانقلاب، لكننا نُغلّب الحس الوطني حتى نمنع بلادنا، وشعبنا من الكوارث المحدقة به، وفي المقابل تجد الشعب غير مؤهل ليساندك أو يستشعر الخطر، خاصة بعدما تعرض له من الماكينة الإعلامية التي تعمل على تنفيره من التجربة التونسية، وطمس مكاسب الثورة ومنجزاتها ومكتسباتها، بالتالي فإننا عندما قررنا مقاومة الانقلاب وجدنا أن جزءا كبيرا من جسمنا الشعبي مشلولا ومغيبا.
هل يمكن القول إن الرئيس قيس سعيد نجح في إجهاض ثورة الياسمين والقضاء على آمالها؟
لا يمكن أن نجزم بذلك؛ لأن المعارضة لجأت للسلمية، وهذا ليس تقصيرا من المعارضة أو خذلانا أو عجزا، وإنما إعلاءً للمصلحة الوطنية في موقفها السلمي من معارضة الانقلاب دون مقاومته في الوقت الحالي وليس إلى الأبد، وهناك مشكلات أخرى إذا عجلنا بالإطاحة بالانقلاب، منها مشاكل متعلقة بشروط صندوق النقد الدولي المتعلقة بخصخصة العديد من القطاعات العمومية، وتقليل عدد العاملين، وتخفيض الأجور.. هذه الشروط مع وجود لوبي كالاتحاد التونسي للشغل – أحد الأذرع الطويلة لتدمير التجربة التونسية – وإذا بقي هذا الاتحاد بعد إسقاط الانقلاب فسنعود لنفس الإشكالات التي كانت موجودة قبل الانقلاب، ومهما كانت مع السلطات من شرعية، ومهما كانت هناك أحزاب قوية فسيبقى "وحش" الاتحاد يناصبهم العداء لحسابات نقابية ضيقة، وسيعمل كما عمل طيلة العشر سنوات على إفشال تجارب الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وسيعود إلى رغباته السيئة في تحويل مسار الأموال التي تأتي إلى تونس عن طريق القروض أو الهبات إلى تضخيم الأجور دون إنتاج، وهناك نسبة من الشعب ما زالت تعاني من الدمغجة الإعلامية ولم تُجهز بعد للالتحاق بصفوف المعارضة.
هل يمكن أن تنتقل المعارضة من ساحة "المعارضة" إلى "المقاومة"؟ ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟
كل القطاعات الآن تعمل في إطار مقاومة الانقلاب ومعارضة الانقلاب؛ فهناك قطاع المحاماة الذي كوّن منذ بوادر الانقلاب مجموعة محامين من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات، وتعلم الآن ما يحدث من عملية تصفية ومجزرة للقضاة، وما تعرض له الصحفيون، وما تعرض له العديد من شرفاء وزارة الداخلية؛ فكل صوت حر في وزارة الداخلية تم إقصاؤه سيتحول حتما للمعارضة، ونفس الشيء يحدث مع وزارة الدفاع، ومع الأئمة في وزارة الشؤون الدينية، وفي كل الإدارات التونسية هناك معارضة صامتة واسعة بدأت تتكون وتتشكل في انتظار الالتحام بالمعارضة الشعبية التي بدأت تتأكد أن قيس سعيد وانقلابه لن يورث لها شيئا سوى الدمار والجوع والفقر.
الآن يعاني الموظفون من تقليص أجورهم دون مشورة، في ظل صمت وتواطؤ تام من اتحاد الشغل، كل الأجور الآن أصبحت تصل إلى أصحابها متأخرة، وما يترتب على ذلك من مشاكل على مستوى علاقات المواطن الشخصية، ومديونيته، وعلاوة على تأخرها فإنها أصبحت تصل منقوصة، كل هذا مع غلاء المعيشة، وفقدان عديد من المواد الأولية سوف يُعجّل بالتحاق الكتلة الشعبية لهذا النضال السياسي، حينذاك فقط ستنقلب المعارضة إلى "مقاومة"، وسيسقط الآن.
وأود أن أقول صراحة هنا مع "عربي21" إن "المعارضة الحالية لا ترى من المصلحة التعجيل بإسقاط الانقلاب؛ نظرا لالتفاف قوى داخلية وخارجية وإقليمية وشعبية حوله وحول مشروعه الدموي، وعازفة في نفس الوقت عن الرجوع للسلطة؛ نظرا لحجم الدمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد والذي تعمّق منذ الانقلاب.
والمعارضة لن تنتقل إلى مقاومة الانقلاب، إلا حين يتم تفكيك الحزام الداعم له بمفعول الضغط الداخلي والخارجي والإقليمي تحت وطأة المزيد من تأزم الأوضاع، واستفاقة الشعب من المشروع الوهمي الذي روّج له وبنى عليه انقلابه.
كما أن بعض المعارضين التونسيين يرون في وجود قيس سعيد حاليا أمرا مفيدا لتمرير شروط صندوق النقد الدولي، ومن أجل تقزيم "اتحاد الشغل" الذراع الانقلابية والذي هو معول هدم التجربة الديمقراطية ومساندة الانقلاب.
هل لديكم معلومات حول وجود معارضة للرئيس قيس سعيد داخل الجيش في تونس؟
ليست لدي معلومات مؤكدة بهذا الشأن، لكن المؤكد أن ما يتعرض له شرفاء الوطن في كل القطاعات لن يمر بصمت على الإطلاق، هناك شرفاء كثيرون في الداخلية والجيش يتعرضون لملاحقات ومضايقات، وبالتالي فهذا مؤشر على مزيد من تأزم الأوضاع، وفي المقابل على مزيد من تقوية كتلة المعارضة في المقابل.
ما أبعاد ما يحدث ضد المعارضين داخل الجيش والداخلية؟
من أهم هذه الإجراءات في وزارة الداخلية على سبيل المثال: إنهاء المهام أو الفصل من العمل، وتقليص الأجور، وعدم الاستقرار النفسي والعائلي نتيجة خفض الأجور، خاصة أن القرار يُتخذ بشكل سريع، ويوميا نسمع في الإذاعات الرسمية وفي الصحف عن "إنهاء المهام" بشكل متكرر، ولو أحصينا عدد من أُنهيت مهامهم أو نقلوا من مواقعهم منذ 25 تموز/ يوليو وحتى اليوم فسنجدهم بالآلاف، وهذه الآلاف صامتة حتى الآن، وبالتالي فإن هذا في حد ذاته خطر كبير على الانقلاب، وسيدعم من جهة أخرى صفوف المعارضة.
هل من الوارد أن نشهد انقلابا عسكريا ضد قيس سعيد؟
ليست لدي معلومات موثقة بهذا الشأن سوى قراءة الواقع التونسي، لكن هناك العديد من الأقاويل تفيد بأن الانقلاب أتى بالأساس ليكون العسكر وريثا للدولة المدنية التونسية، لكن بعدما خفت وطأة ووهج الانقلاب عقب 25 تموز/ يوليو وبعد خروج العديد من البيانات والتصريحات الدولية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن سفرائها، ومن الاتحاد الأوروبي، يفهم منها تحذير للعديد من قيادات الجيش الوطني، وكأنه تحذير بقطع أيديهم إن أرادت أن تصل إلى السلطة.
وبالتالي، فإن سيناريو تسليم الدولة للجيش التونسي قد خفت وتيرته اليوم، وما يؤكد أطماع الجيش في السلطة أو دعمه للانقلاب هو خروج الدبابات لمحاصرة مقر البرلمان، وهو ما لم نعهده على جيشنا الوطني، والذي نعرفه قبل الثورة وبعدها أنه لا يتدخل في الشأن السياسي على الإطلاق؛ فخروج تلك الدبابات مع ما وجد من تسريبات أكد أن الجيش الوطني التونسي به رموز معينة كانت لها أطماع سياسية وخاصة، وكان هناك مَن يحرضه لوضع يده على السلطة، لكن بقراءتنا للمشهد التونسي، وعن طريق بيانات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكل القوى الفاعلة في الشأن الدولي، وفي الشأن الوطني التونسي، تبيّن لنا أن هناك تراجعا وتقهقرا عن هذه الرغبة التي ولدت بقوة، لكن يبقى هذا السيناريو محتملا إذا لم توحد المعارضة صفها أو لم تنحي الحقد الأيديولوجي جانبا، ولم تُغلّب المصلحة الوطنية.
وما لم تغير من خطابها ومن أسلوبها ومن آليات عملها، وما لم تصل إلى النزول بخطابها لإقناع الشعب البسيط فإن فشل المعارضة سيكون حتميا، وبالتالي فإنها إذا فشلت المعارضة في ذلك فسيبقى سيناريو الانقلاب العسكري مطروحا، ويبدو أن بعض الأطراف التي حلمت لن تتخلى عن حلمها.
وهذا الأمر يزيد الثقل على المعارضة في توحيد صفها، وتنازلها عن خلافاتها الأيديولوجية، وأحلامها الحزبية الضيقة، ويعلي المصلحة الوطنية، لأن الانقلاب مُدمر لتونس، ومُدمر لمؤسسات الدولة، والجيش يحلم بالاستيلاء على السلطة، وهناك قوى خارجية تعمل على القضاء بشكل كامل على آخر شمعة من شموع الربيع العربي، بالتالي فإن هذا كله يزيد المسؤولية على عاتق المعارضة في أنها تعي خطورة المسؤولية الموضوعة على عاتقها.