هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في السادس من آب/ أغسطس الجاري، شن الكيان الصهيوني ضربات جوية على قطاع غزة، حسب تبريرات العدو أنه اضطر لإطلاق عملية استباقية في القطاع، لأن حركة الجهاد الاسلامي كانت تخطط لشن هجوم وشيك عند حدود غزة.
وكان من نتيجة العملية الإسرائيلية استشهاد القيادي في الحركة تيسير الجعبري وعدد من رفاقه، بعد أن استهدف الإسرائيليون مبنى غرب المدينة كان الشهيد يوجد فيه. على أثرها أعلنت حركة الجهاد أن الفعل بمثابة إعلان حرب، وانطلق الرد والرد المقابل.
في التحليل السياسي، يبدو أن خلفيات العدوان الصهيوني، هي ثلاثة عوامل تخص الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر: العامل الأول، أن هذه الحكومة كانت قد وزعت بيانا أمنيا قالت فيه، إن حركة الجهاد الاسلامي تُحضّر لعمليات ضد الإسرائيليين. وعليه فإنها قامت بسلسلة من الإجراءات التي وصفتها بأنها احترازية، حيث تم اعتقال العشرات من الناشطين في حركة الجهاد، كان في طليعتهم القائد بسام السعدي.. ردت الحركة بالقول إن هذه الإجراءات غير مبررة وهددت بالرد، وأعطت السلطات الإسرائيلية مهلة زمنية للإفراج عن بسام السعدي، وقالت إن عدم إطلاق سراحه يجعلها مضطرة للرد عسكريا. العامل الثاني انتخابي، حيث تجري الاستعدادات في إسرائيل للانتخابات المقبلة في الاول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
في هذه الانتخابات يتصارع ثلاث زعامات إسرائيلية على الفوز برئاسة الحكومة المقبلة هم، بنيامين نتنياهو، يائير لبيد، ووزير الدفاع بيني غانتس، حيث يسعى كل واحد من هؤلاء لتحقيق انتصار انتخابي يؤهله لزعامة الحكومة المقبلة، وليس هنالك من ساحة أفضل من العدوان على أهلنا، يستعرض الصهاينة فيها عضلاتهم الانتخابية. أما العامل الثالث فهو تحالف حركة الجهاد الإسلامي مع إيران، وارتباطها معها من حيث التمويل، ومن حيث الأيديولوجيا كذلك. ويبدو واضحا أن الحكومة الإسرائيلية تريد توظيف هذا العامل بالقول لجمهورهم، ها نحن قد ضربنا أدوات إيران في قطاع غزة، وقتلنا أحد قادتهم.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن حركة الجهاد الإسلامي، لا تخفي أنها جزء من محور تقوده طهران، حتى إن الأمين العام لها زياد النخالة يوجد هذه الأيام في طهران، وقد توعد من هناك إسرائيل بقصف صاروخي، لا تُراعى فيه خطوط حمر، على حد قوله، ولكن الحركة دائما تقول إنها لا تتلقى تعليمات، سواء من إيران أو غيرها، وتقولإن قرارها فلسطيني. ويعتبر الكثير من القراءات الغربية هذه الحركة الاكثر تشددا من بين الحركات الفلسطينية الأخرى، ويزعمون أن إيران تستخدمها واسطة لتحويل غزة الى بؤرة مواجهة إيرانية ـ إسرائيلية.
وكذلك عسكرة الضفة الغربية، حيث توجد فيها كتيبة جنين التابعة لها. وبعيدا عما يزعمه الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل عن صلات وتوجهات حركة الجهاد الاسلامي، وبغض النظر عما تقوله الحركة بشأن استقلالية قراراتها السياسية والعسكرية، فإنه لا بد من الاعتراف بأن طهران تريد الرد على العمليات الاستخباراتية، التي تحدث بشكل دائم في الداخل الإيراني، وهي دائما تفضل القيام بذلك بأدوات ليست إيرانية. وهنا تدخل الساحة الفلسطينية كخيار استراتيجي لها وهذا ليس غريبا البتة، فالصراعات في المنطقة موصولة بعضها ببعض، لذلك نجد أن النظام الإيراني يستثمر في كل ملف ومشكلة وحادثة تحدث في المنطقة. ودائما ما نسمع تصريحات المسؤولين الإيرانيين تتداخل مع أية أزمة، لذلك انبرى إسماعيل قآني قائد فيلق القدس الإيراني قائلا، إن حزب الله يتهيأ لشن الضربة الأخيرة لإسرائيل وإزالتها من الوجود، وإن معسكر الممانعة جاهز.
هذا التبني السريع والدائم لعمليات المقاومة الفلسطينية بشتى توجهاتها، هو استثمار إيراني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني، لكن أين هي المشكلة؟ إن المعضلة الرئيسية ليست في قول القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، خلال استقباله زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي من أن «تحرير فلسطين هو أكثر من أمنية، بل هو استراتيجية حتمية للشعب الإيراني، وهدفنا واستراتيجيتنا هي تحرير الأقصى الشريف وإعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة الى أصحابها الحقيقيين».. ولا في التهديدات الدائمة والمستمرة ضد إسرائيل الصادرة عن حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، الذراع الإيرانية في لبنان.. ولا في تصريحات الميليشيات العراقية والحوثية بأنهم جاهزون لمقاتلة العدو الصهيوني، إن كل هذه أسعار تطرح في مزادات السياسة اعتدنا سماعها، بل المشكلة هي أن البعض راح يعكس كل المظالم، التي يُعانيها على أيدي ميليشيات إيران وأذرعها الممتدة في ما يسمى محور المقاومة على فلسطين، إلى الحد الذي بتنا نسمعهم يقولون «بما أن هذه الجهة الفلسطينية، أو تلك، ذهبت للتحالف مع إيران فلن تكون فلسطين بعد اليوم همنا»، حتى إن بعض الأنظمة العربية التي تعادي طهران، باتت تضع فلسطين في المعادلة الإيرانية. إن هذا الفهم القاصر والمغلوط يُسقط القضية الفلسطينية من مكانتها في النفوس، باعتبارها ومضة معنوية في ضمير كل إنسان عربي، كما يقدم خدمة كبيرة إلى النظام الإيراني الساعي لحيازة القضية الفلسطينية والاستثمار فيها، وما يجب فهمه جيدا أن فلسطين ليست حماس ولا الجهاد ولا فتح ولا الجبهة الشعبية، ولا أي فصيل آخر.
وهي ليست قضية سياسية نختلف عليها مع إيران وغير إيران فنتركها لهم متى شئنا، لمجرد موقف سياسي اتخذه هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، وذهب إلى الجهة الأخرى.. إنها أرض عربية وشقيق عربي وقضية يجب أن تبقى مركزية في عقل كل إنسان عربي، كما ينبغي الوعي بحقيقة أن التخلي عن فلسطين سيجعل حركات المقاومة فيها طوعا أو قسرا مقطورة بالمشروع الإيراني، الذي سيرسم حتى إشعار آخر مستقبل القضية السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي، خاصة بعد سقوط النظام العربي الإقليمي، فحركات المقاومة الفلسطينية تحاول بشتى الطرق اكتساب وسائل لردع العدو، من أجل إيقاف إيغاله المتكرر واليومي بالدم الفلسطيني، والرضوخ للحق العربي في الحصول على دولة حقيقية مستقلة. وعندما يترك العرب الساحة الفلسطينية فإن طهران وغيرها سيملأون هذا الفراغ، من خلال منح وسائل الردع للقوى الفلسطينية، لكن استغلال هذا الردع سيكون من قبل القوى التي منحته، سواء إيران أو غيرها.
لقد دفع الشعب العربي الأموال والدماء من أجل القضية الفلسطينية، على مر عقود من الزمن.. وجاهد الأمهات والآباء في جعل فلسطين حقيقة حية في عقل كل أبناء الامة، مما دفع آلاف الشباب من مختلف الأقطار العربية، ليكونوا فدائيين في ذروة عصر المقاومة الفلسطينية في ستينيات وسبعينيات وبداية ثمانينيات القرن المنصرم، واليوم سيكون الجحود الأكبر لأولئك للأمهات والآباء، أن يتراجع الاهتمام الشعبي في أغلب دولنا بالقضية الفلسطينية، بسبب عمليات التثقيف التي تقودها بعض الأنظمة والأوساط السياسية في بلادنا العربية، التي تقول إن القضية الفلسطينية باتت ورقة سياسية بيد طهران، بسبب العلاقة الوثيقة لهذا الطرف الفلسطيني وذاك مع إيران، ثم تطرح خياراتها الرثة والمعطوبة في الذهاب إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتخلي التام عن أهلنا وأرضنا في فلسطين.
نقلا عن "القدس العربي"