نشر
موقع "
ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا أعده سال أحمد، حول النقاش الدائر في
باكستان عن
التطبيع مع الاحتلال
الإسرائيلي.
وقال
أحمد إن الرأي العام الباكستاني لا يزال متمسكا بدعمه القوي للقضية الفلسطينية، إلا
أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد واعتمادها على دول الخليج قد تجبر ثاني أكبر
دولة مسلمة على المضي وراء دول الخليج التي فتحت علاقات دبلوماسية مع الاحتلال.
وقال
إن هناك خطابا جديدا بات يثير أسئلة حول ربط اعتراف تطبيع باكستان علاقتها مع إسرائيل
بشرط قيام الدولة الفلسطينية.
وقال
إن ظهور مقالات رأي إلى جانب ضيوف في لقاءات تلفزيونية ومنشورات يضعها مؤثرون على منصات
التواصل، فتحت النقاش حول اعتراف غير مشروط بإسرائيل، وهو أمر لم يكن متخيلا في باكستان،
التي تحشد التجمعات المؤيدة لفلسطين فيها عشرات الآلاف من المشاركين.
ويرى
الكاتب أن المحفز الرئيسي لهذه الجولة من التعليقات على موضوع التطبيع كانت زيارة في
الشهر الماضي لمجموعة من الأمريكيين-الباكستانيين الذين التقوا الرئيس الإسرائيلي
إسحاق هيرتزوغ.
ونظمت
الرحلة منظمة غير حكومية اسمها "شراكة" والتي أنشئت في أعقاب اتفاقيات أبراهام
بين الاحتلال الإسرائيلي ودول في الخليج.
وتصف
"شراكة" نفسها بأنها منظمة تعمل على تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول المسلمة.
إلا أن الزيارة أدت إلى موجة غضب في باكستان، عندما تبين أن من ضمن المشاركين فيها أحمد
قريشي، الصحفي التلفزيوني الذي لا يحمل الجنسية المزدوجة، ويمنع بحسب القانون الباكستاني من
زيارة إسرائيل.
وطرد
قريشي من محطة "بي تي في" وقال إنه وعائلته تعرضا لتهديدات بالعنف.
ونفى
أن يكون هذا جزءا من محاولة فتح نقاش حول التطبيع، إلا أنه لم يخف سعادته من إثارة الرحلة
النقاش حول منظور التطبيع بين باكستان وإسرائيل.
وقال:
"وضع باكستان الاقتصادي والتحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط وبقية الدول المسلمة
التي اعترفت بإسرائيل سيدفعان باكستان إلى التفكير في موقفها".
واستهدف
قريشي، رئيس الوزراء السابق عمران خان، متهما إياه بـ"التحرش المستهدف"، وذلك
عندما ذكر اسمه في تجمع من أنصاره واتهم الحكومة الحالية لشهباز شريف بأنها "موكلة
بالتطبيع مع إسرائيل".
واتهم
خان الذي أطيح به من منصبه في نيسان/ أبريل الولايات المتحدة وإسرائيل والهند بالتآمر
على خلعه، فيما اتهمه مسؤولون باكستانيون بارزون بالترويج لنظريات مؤامرة.
وفي
الوقت نفسه استخدم صحفيون باكستانيون الجدال المحيط بقريشي والتعبير عن آرائهم من منظور
التطبيع.
ففي
مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قال كنوار خلدون شهيد، إن التطبيع
الباكستاني مع إسرائيل بات "محتوما" نظرا لاعتماد إسلام أباد الاقتصادي على
السعودية وتوجه المملكة للتطبيع في ظل ولي العهد محمد بن سلمان. ورد على مقالة شهيد،
ماهر علي في صحيفة "دون" ملاحظا التشابه التاريخي بين باكستان وإسرائيل باعتبارهما
دولتين "رسمتهما القوى الاستعمارية وبناء على هوية دينية" و"قررتا ربط
نفسيهما بالعم سام".
وقال
علي: "من المثير للملاحظة أن عشق إسرائيل بين دول الخليج ظهر للسطح في أعقاب تحول
الدولة الصهيونية لليمين. وبدون أوهام العودة إلى الطريق الذي كان فيه وهم الانقسام
الأيديولوجي حيا". وأضاف: "ربما جادلنا أن باكستان تسير على نفس الطريق للتخلي
عن وهم الانقسام العسكري- المدني. فتبني دولة ذات ميول فاشية لن يكون مفاجئا أو مهزلة،
وسيقول الكثيرون سيروا".
ويقول
كمال علام، الباحث البارز في المجلس الأطلنطي إن التحول الجذري هذا لن يكون مقبولا
لمعظم الباكستانيين أو متجانسا مع الدعم الطويل للقضية الفلسطينية. وقال علام:
"سيكون من الصعب على باكستان اتخاذ قرار أحادي كهذا، فالعلماء المحافظون في البلد
أقوياء، وهناك مخاطر من خروجهم إلى الشارع في وقت يواجه فيه البلد مشاكل مالية واقتصادية".
وأشار
علام إلى تعقيد آخر، وهو أن الرأي العام وسياسة الحكومة في باكستان توازي ما بين بحث
الفلسطينيين عن دولتهم بكشمير التي تسيطر الهند على جزء منها ونقطة التوتر بين الهند
وباكستان منذ التقسيم عام 1947.
وأضاف
أن "موافقة غير مشروطة باتجاه إسرائيل سترسل رسالة بأن باكستان قد تخلت عن قضية
كشمير أيضا".
وفي
الوقت الذي يعارض فيه الرأي العام التطبيع مع إسرائيل فإن المؤسسة العسكرية، بحسب
علام، مع إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقال: "الجيش والأمن راغبان في العلاقة
إلا أن الأحزاب السياسية مترددة". وقال إن "الجيش يرى في العلاقات الهندية-الإسرائيلية تهديدا، ففي الحروب العربية-الإسرائيلية وقفت باكستان مع العرب، ولكن
الجيش يتساءل الآن بعد تطبيع دول في الخليج العلاقات: لماذا لا نفعل نفس الأمر؟".
وقال
إن المخابرات الباكستانية قامت في مرات بتمرير معلومات لإسرائيل لمنع هجمات ضد مصالحها
في الهند. وبحسب البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي سربها "ويكيليكس"، فإنه في تشرين الأول/
أكتوبر 2009، اتصل مدير المخابرات الباكستاني مع المسؤولين الإسرائيليين لتحذيرهم من
هجمات ضد أهداف إسرائيلية في الهند.
ويرى
كريم عمر، المحاضر في جامعة لانكستر والمتخصص بقضايا الطائفية في العالم الإسلامي أن
القيادة السياسية ستكون متحفظة بشكل كبير بشأن العلاقات. وقال: "سيكون هذا بمثابة
انتحار سياسي لأي حزب يقترح ومن طرف أحادي الاعتراف بإسرائيل. ففي الماضي القريب طبع
الساسة الباكستانيون خطاب معاداة السامية في وصفهم ليس أفعال إسرائيل بل المعارضين
لهم داخل باكستان. وفي أثناء القصف الإسرائيلي لغزة في أيار/ مايو الماضي عارضت باكستان
انتهاكات حقوق الإنسان وسافر وزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي مع وزير الخارجية
التركية مولود تشاوش أوغلو إلى الأمم المتحدة في نيويورك لحشد الدعم والمشاركة في جلسة
خاصة عن الأزمة.
وفي
مقابلة مع "سي أن أن" اتهم قريشي باستخدام معاد للسامية عندما اقترح أن إسرائيل
تسيطر على الإعلام من خلال "الجيوب العميقة"، ونفى قريشي أن تصريحاته معادية
للسامية. وأضاف كريم أن الساسة في باكستان ألقوا في الماضي مسؤولية فشلهم في المجالين
المال والاقتصادي على تدخل إسرائيل والهند.
و"قبل
عصر التواصل الاجتماعي كان من الأسهل" الاعتراف بإسرائيل. و"لكن اليوم تسافر
الكلمات والصور سريعا، ويعرف الباكستانيون كل جريمة ارتكبت ضد الفلسطينيين والرأي
العام في باكستان يصل إلى حد الكراهية".
وفي
آب/ أغسطس 2020، خرج عشرات الآلاف إلى شوارع المدن في باكستان للاحتجاج ضد التطبيع بين
إسرائيل والإمارات.
ولو
قرر قادة باكستان اتباع مثال الإمارات، فإنهم يخاطرون بإثارة اضطرابات خطيرة. و"ستكون
هناك احتجاجات عنيفة لأيام وأشهر وبالتأكيد تصعيد في العمليات الإرهابية"، مضيفا
أن القرار سيثير انتباه الجماعات المتطرفة التي قد تستهدف مسؤولي الحكومة والسياسيين
الدوليين والمنظمات غير الحكومية والأقليات العرقية وربما الدبلوماسيين الغربيين.
إلا
أن المحللين أخبروا الموقع بعوامل أخرى غير المعارضة المحلية والتي قد تترك أثرها
على اتجاه علاقات باكستان مع إسرائيل في المستقبل. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، كشف
خان عن أن بلاده تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة ودول أخرى للاعتراف بإسرائيل. وعندما
سئل عن هذه الدول إن كانت مسلمة، أجاب: "هناك أمور لا نستطيع الكشف عنها، ولدينا
علاقات جيدة معها".
وهناك
شائعات في باكستان عن أن السعودية كانت واحدة من الدول التي ضغطت عليها. وقال علام:
"تعتبر باكستان من أكثر الدول الإسلامية تعدادا للسكان (بعد إندونيسيا) وأن تكون
إلى جانب السعودية فإنها ستعطيها القدرة على التعامل مع العناصر المحافظة في السعودية".
ومع
زيارة جو بايدن في الشهر المقبل للمنطقة، وكون "الأمن القومي الإسرائيلي"
على الأجندة وما ستفعله السعودية ستقلده باكستان، فإن شهباز شريف يعتمد على المملكة للدعم
الاقتصادي ومنع انهيار اقتصاد البلاد. وقال علام: "لدى بايدن ثلاث قضايا على الأجندة:
إيران، إسرائيل والنفط. واعتراف السعودية بإسرائيل سيكون بالتأكيد على القائمة".