صدر
في شباط/ فبراير الماضي، عن المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت "IFPO" كتابين عن تمثيل الجسد السوري، الأول معنون بـ"كلمات من
لحم ودم"، والثاني "صور من لحم ودم" وكلاهُما عُنونَّا فوق اسم
"الجسد في الواقع السوري".
الكتابان
مُترجمان من الفرنسية إلى العربية بإشراف نبراس شحيّد. وهو كاتب وباحث سوري، مختص في
الفلسفة الأوروبية المعاصرة.
والكتابان
عبارة عن مجموعة من المقالات لمجموعة من الكتّاب، يتناول كل نصَّ داخل الكتابين رمزية
الجسد السوري في الكلمة والصورة والسينما والمسرح والرواية والسجن والتعذيب والإبادة
إلى آخره.
كذلك،
إبراز مدى حضوره الهامّ، أي الجسد بعد الثورة السورية، منذ ما يقرب من إحدى عشر عاما.
نتناول أبرز ما جاء في الكتاب الأول "كلمات من لحم ودم: الجسد في الواقع السوري".
قُسّم
الكتاب إلى سبعة نصوص، كل نص يتناول إشكالية ما.
النص
الأول، جاء للكاتبة والباحثة في الأنثروبولوجيا إيما بولتانسكي، حيث في مقابلتها مع
أحلام، المرأة السورية القوية، التي كانت تستقبل المُهجّرين نحو منطقة إدلب، إذ كانت
تحتضنهم وتُرشدهم وتُطمئنهم، وتحاول قدر إمكانها عبر سيميائيات جسدها ولسانها استعادة
كرامة وذاتية الجسد السوري في فضاء اجتماعي جديد، الذاتية التي مُحيت بواسطة عنف النظام
الأسدي.
أحلام
أدرجتها قناة BBC"" في "BBC
100 women".
كذلك
تُفكك إيما عبر محاولة أحلام، إيضاح وتفكيك علاقة جسد المرأة السوري بعد الثورة، وتفاعلاته
مع التوترات والإشكاليات السياسية والاجتماعية والعُرفية التي تسود في المُجتمع السوري.
أما
النص الثاني، تشتبك الكاتبة السورية نسرين الزهر مع حق الكرامة والاعتراف، من خلال
رصدها وتحليلها تجربة الشاب السوري عمر الشغري، والذي اعتقل لعدة أعوام في سجون النظام
الأسدي، ومن ثمَّ خرج ليحكي للعالم كُله باللغات العربية والإنجليزية والسويدية شهادته
على المسالخ الأسدية بحق المُعتقلين السوريين، و هو يشغل حاليا منصب مدير شؤون المحتجزين
في فريق الطوارئ السوري، حيث تقول: "ما يُقدمه عمر الشغري هو عرضٌ عاكسٌ لأجسادنا
ومَاهيتنا، ليس بمعنى أن كل فرد سوري شاهد أو ناجٍ سيأخذ مَنحى عمر الشغري ذاته، ولكنه
يعكس تجربة الجسد السوري الـذي تبعثر بين طلب الكرامة وترجمة القضية السورية".
تُحلل
الزهر تَمظُهر عُمر النفس والجسد في خطاباته ومرويّاته، إذ تنتقد أن يتحول عُمر إلى
صورة "الأنفلونسرز" الذي يحكي تَجارب خيالية مفصولة عن الواقع، أو يتحول
إلى جسدٍ بلا كرامة، يحكي مروياتٍ لا يستوعبها أو يُصدقها أو يعني بها المُشاهد. بنفس
الوقت، هي تؤرخ لهذه الحكاية، كعمل مُقاوم يناضل من أجل فضح المُجرم، إثبات الكرامة
الإنسانية للجسد السوري وغير ذلك من نضالات عادلة.
النص
الثالث والرابع، هما للكاتبين عبد الله الكفري وكاترين كوكيو. يناقش الكفري الجسد السوري
على خشبة المسرح بين عاميّ 2006 و2015، ليُحلل ويفكك من خلاله، السُلطويات الاجتماعية
والعُرفية والسياسية والأبوية، والتي كانت تُمارس عليه من قبل مسؤولي هذه السُلطات.
ضباط وآباء وغير ذلك.
أما
كوكويو في نصّها المُعنون بـ "الجسد السوري شاهدا على اللاشيء وعلى اللاشيء تقريبا".
تحاول قراءة وتفكيك كتابات الكاتبة والروائية السورية سمر يزبك، خاصةً الكتابات التي
تدور حول تحوّل الجسد السوري إلى اللاشيء. هُدِّم الجسد وأُبيد من أجل اللاشيء، تسأل
عن قيمة هذا الجسد، والتي تبحث عنها ولا تجدُها، بفعل كمّ التشوهات والإبادات التي
تلقّاها أثناء الحرب والدمار والتعذيب.
يناقش
نبراس شحيّد في النص الخامس، رواية "الموت عمل شاقّ"، للروائي السوري خالد
خليفة. حيث يجادل شحيّد، في كيفية تحويل الجسد الإنساني الميّت إلى كتلة من الجيفة.
الجيفة التي تُطلق على الحيوانات الميّتة، حيث تحولت الجثة الإنسانية في الرواية إلى
مُجرد جيفة، بعد أن نالت رحلة شاقّة مع ذويها، حيث وصَّى الميت أن يُدفن في مكان بعيدٍ،
وهذا ما تطلّب من ذويه حمله في السيارة، والمرور على حواجز لأكثر من سُلطوية، ما اضطروا
إلى دفع رسوم لجسد ميّت مُتعفّن كي يعبُر من اللاشيء وإلى اللاشيء.
يراقب
شحيّد نص خليفة، معاناة الأجساد التي لم تمتْ بعد والتي تنتظر دورها، والتي أيضا تحسد
الأجساد الميتة، بل وتكرهها لأنها كلّفتها رحلة شاقّة من أجل طقوس دفنها، حيث وكما
يقول نبراس يغزو الموت عالم الأحياء الناجين في سوريا، فتُفقد حتى إمكانية دفن الموتى
بكرامة، وتضيع الحدود الفاصلة بين من بقي ومن رحل في مُدنٍ وبلداتٍ، ينظُر سكانها بعضهم
إلى بعض "كموتي مُقبلين".
في النص
السادس والسابع، يناقش جولان حاجي، مفهوم "الكلمات المَرفوضة"، حيث تناول
وفَكك النصوص الشعرية التي تناولت الجسد وأعضائه وتمظهراتها، بل وتفاعلاتها عبر الكلمة.
تفاعل العضو مع الأشياء من حوله، أعضاء إنسان آخر، أشياء مادية ملموسة وأُخرى حسيّة
غير ملموسة. في كتابةٍ وتعبيراتٍ فريدة وجديدة، تُعبّر عن الجسد.
أما
في النص السابع، وعنوانه "باسم الجسد، السرّ" وهو مُلحق في وداع الكاتب السوري
حسّان عبّاس، حيث يناقش نبراس شحيّد مرة أُخرى كتاب عبّاس حول الجسد في رواية الحرب
السورية. يحاول شحيّد الرجوع والالتفاف حول التأمل حتى آخر عُمق حول الجسد السوري.
ما قبل وأثناء وما بعد، في كُل لحظة من تمثيله، أمام المرآة، قبل الحرب وخلالها وبعدها،
قبل الصدمة، التعذيب، الإبادة والموت. قبل وبعد وفي كُل شيء.
1
شارك
التعليقات (1)
نسيت إسمي
الإثنين، 27-06-202211:09 م
1 ـ (كتاب بلاد الثلاثاء) للكاتب خالد سليمان الناصري ، و الغلاف من تصميمه ، و عن الكتاب يقول الناصري : نحنُ الذين جئنا من بلادٍ ، تحدثُ الحروبُ فيها كلّ ثلاثاء . تفوح
من شعرنا رائحة البارود ، و إذا طقْطقْنَا أصابعنا نَسمعُ صوتَ رصاص ، في آذانِنا تُبقْبقْ
فُقاعاتُ غرفانا ، و في عيوننا دائماً دهشةُ فجر ، مُصابون بالرّبو ، و إذا أرَدْنا المشي ، نتعتّرُ حتى بخطوطِ المُشاة ، يكفي أن يمضي علينا يومان دون أن يستحِمَّ ، لتخرج منَّا رَائحةُ الجُثثِ . خلايانا مُخصَّبة باليورانيوم ، و نتعرَّقُ فوسفوراً ، لذا ثرانا نُضيءُ في ُ في
الليل ، لكننا لا نصلحُ للحُبِّ ، و لا لتربية الأبناء ، لا للعلاقات السَّريعة ، و لا البطيئة
، لا نصلح لشيء ربَّما ، فقط ، نصلح للإنتظار من الثلاثاء إلى الثلاثاء . 2 ـ (تلك حدود
الله فلا تعتدوها) الحرية شيء جميل و تنهض بالأمم للأعلى و لكن علينا ك مسلمين أن نعرف ما هي الحرية لأن الكثير منا بسبب الجهل يعتقد أن الحرية تكمن فاللبس العاري و غير ذلك من الأعمال المخالفة لديننا يطالبون بحرية على النهج الغربي في مجتمع إسلامي و لكن يجب أن نعرف أن أول ماذة في قانون الحرّية : "تلك حدود الله فلا تعتدوها" . 3 ـ (الكلمات و الجسد و الحرية) إن الكلمات اللامعة تموت إن لم تتحول إلى محتوى يعيش الوجدان و يحيي الشعور و يحفر معنى و يحكي حكاية .. الجسد هو جسم الإنسان كاملاً من الرأس إلى القدمين .. لم أذق طعم السعادة إلا في الأيام التي شعرت فيها بالحرية تشعر بالإنطلاق كأن روحك فراشة جميلة في حقول القمح بل طير يفرد جناحيه و يحلق أو قل نسراً عظيماً لا يخشى شيء الحرية تعادل الحياة ، وقت العتمة و النفق تلجأ لتلك الذكريات حين كنت حراً و تبقى هناك .