هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تزامن توقيت مكالمة الأسبوع الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جينبينغ، مع عيد ميلاد الأخير، ولإرسال رسالة أيضاً. فمن خلال التأكيد مجدداً على دعم بكين لموسكو، حتى في الوقت الذي يباشر فيه الجيش الروسي إفساد رقعة واسعة من أوكرانيا، كان الرئيسان الروسي والصيني يوجّهان كلامهما إلى الغرب بأن التوازي الاستراتيجي الذي صيغ مؤخراً بين بلديهما سوف يستمر.
وهذا التحالف القريب بين العملاقين المستبدين يضع الغرب أمام أعظم تحدٍ جيوسياسي يواجهه منذ نهاية الحرب الباردة. ويبدو أن إيجاد وسيلة ما لتفكيك هذا الترابط - كما نجح الرئيس ريتشارد نيكسون في التواصل مع ماو تسي تونغ قبل 50 عاماً - يشكل أولوية واضحة. لكن مما يؤسف له أن الظروف المساعدة لتحقيق مثل هذه الاستراتيجية غير متوافرة اليوم كما كانت آنذاك.
قبل عقد من زيارة نيكسون الصادمة إلى بكين، كان صراع الشخصيات والرؤى الآيديولوجية بين ماو والزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف قد أرسى الأساس لحل التحالف الذي أسّسه. وفي الخارج، سعى خروشوف إلى التعايش السلمي مع الغرب، بينما دعا ماو إلى المواجهة. على الصعيد المحلي، بادر خروشوف إلى إطلاق عملية اجتثاث الستالينية. وكان ماو ينظر إليه باعتباره شخصية رجعية ضعيفة وخائناً للمثل الشيوعية الحقيقية.
في المقابل، يُقال إن الرئيسين بوتين وشي، اللذين التقى كل منهما بالآخر 38 مرة منذ سنة 2013، صديقان حميمان. وهما يتشاركان قيماً قومية مماثلة، ومشاعر كراهية عميقة تجاه الغرب. فكل منهما يسعى إلى تأسيس مجال نفوذ في الجوار الجيوسياسي لدولته، ويرى في الولايات المتحدة العقبة الرئيسية أمام رؤيته للعظمة الوطنية.
فيما يتصل بالمصلحة الوطنية، أصبح كل من روسيا والصين اليوم أكثر تقارباً من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. وقد بدأت علاقتهما كمثل زواج المصلحة، فقد شهدت كل دولة فوائد تكتيكية من العلاقات الجيدة على الرغم من افتقارها إلى الثقة الاستراتيجية العميقة. لكن في السنوات الأخيرة، ومع تحول علاقتهما بالغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى علاقات عدائية على نحو متزايد، تطور اقتران المصالح إلى زواج الضرورة. ولن يتسنى إلا التوافق الاستراتيجي الوثيق للحد من نقاط ضعفهما المتبادلة.
هناك بطبيعة الحال كثير من السيناريوهات التي قد ينهار بموجبها «محور بكين - موسكو» الجديد. من الواضح أن تغيير النظام في روسيا من شأنه أن يعصف بالأسس الآيديولوجية والاستراتيجية التي يقوم عليها التحالف بين الصين وروسيا. وقد يحدث هذا إذا سقط بوتين من السلطة، وعادت الديمقراطية إلى روسيا. لكن لن يكون من الحكمة لزعماء الغرب المراهنة على مثل هذه النتيجة.
قد تتدهور العلاقات أيضاً إذا ما تمكن بوتين - كما فعل ماو في أوائل ستينات القرن العشرين - من الإفلات من الوهم الصيني، نظراً لأن شي جينبينغ، مثله مثل خروشوف، اختار أن يلعب اللعبة الطويلة ويحافظ على علاقات الصين الاقتصادية مع الغرب بدلاً من تقديم دعم غير محدود لروسيا. لكن في ذلك الوقت، لن تجد روسيا مكاناً تلجأ إليه ما دامت معزولة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. فالحصول على شيء ما من الصين لا يزال أفضل من لا شيء ألبتة من الغرب.
من الناحية النظرية، يمكن لتقارب آخر بين الولايات المتحدة والصين - بمثابة عودة نيكسون إلى الصين - أن يسحب بكين بعيداً عن موسكو، لكن هذا أيضاً حلم بعيد المنال. فقد أوضحت الولايات المتحدة بما لا يدع مجالاً للشك أنها تنظر إلى الصين باعتبارها التهديد الأعظم على الأمد البعيد. ومن جانبه، ليس من المرجح أن يتلقف الرئيس الصيني أي غصن للزيتون من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سوف يبدو حتماً وكأنه حيلة تكتيكية.
الاستراتيجية الوحيدة المعقولة هي أيضاً الأقل قبولاً - وربما المستحيلة - من الناحية السياسية. ومن الممكن أن تركز الولايات المتحدة وأوروبا على الفوز على روسيا، الطرف الأضعف في المحور المذكور.
كان الرئيس شي يشعر بالقلق لفترة طويلة إزاء إغراء الغرب لبوتين بتنازلات كبرى. وفي اجتماعهما الافتراضي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أشاد شي علناً ببوتين لرفضه «محاولات زرع الفرقة بين روسيا والصين»، كاشفاً عن غير قصد عن مخاوفه بشأن الجهود الغربية الرامية إلى احتواء الزعيم الروسي.
من الواضح أن الهزيمة العسكرية الحاسمة لروسيا التي تؤدي إلى سقوط بوتين سوف تُسهل المهمة كثيراً. لكن مثل هذا السيناريو غير وارد على الإطلاق؛ إن القوى النووية قادرة دوماً على اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل حين تجد نفسها في مواجهة هزيمة كارثية.
بدلاً من ذلك، قد يسعى الغرب إلى نهاية سريعة للحرب بشروط مواتية للرئيس بوتين. وبهذا تصبح لدى الزعيم الروسي من الناحية النظرية مساحة أكبر للمناورة والحد من اعتماده على الصين. لكن يبدو من غير المرجح على نحو متزايد ما إذا كانت الحكومات الغربية لديها الحيز السياسي الكافي، ناهيكم عن الإرادة، لصياغة مثل هذه النتيجة.
(الشرق الأوسط اللندنية)