هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
باتت مصر على بعد خطوة من خطر خفض تصنيفها الائتماني، للمرة الأولى منذ نحو 10 سنوات، بعد أن خفّضت وكالة "موديز" العالمية للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية.
وأبقت "موديز"، الخميس، تصنيف مصر عند مستوى (B2)، لكنها عدّلت نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية"، وهي درجة تعكس المخاطر الجانبية المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية.
وبحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية فهي درجة مخاطرة غير استثمارية، وتضعها في خانة دول مثل بوليفيا وجامايكا ورواندا، وهي نفس درجة تصنيف وكالة "ستاندرد آند بورز" الائتمانية لمصر بخلاف وكالة "فيتش" التي منحتها درجة ائتمانية أعلى.
ومُنيت مصر بخسائر اقتصادية فادحة منذ مطلع العام الجاري، بحسب رئيس الحكومة المصرية، وتقدر الكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على موازنة مصر بنحو 465 مليار جنيه (حوالي 25.5 مليار دولار).
يعكس تغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وفق موديز، تزايد مخاطر تراجع قدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية في ضوء التراجع الملموس لاحتياطي النقد الأجنبي لتلبية مدفوعات خدمة الدين الخارجي المقبلة.
كما أن النظرة المستقبلية السلبية للتصنيف الائتماني المصري، الذي لم ينخفض منذ عام 2013 من قبل الوكالات الثلاث الدولية، تعني أيضا أنه من المرجح أن تخفض تصنيفها لمصر بدلاً من رفعه أو الإبقاء عليه مستقراً.
اقرأ أيضا: "موديز" تخفض النظرة المستقبلية لاقتصاد مصر إلى "سلبية"
سياسات خاطئة ونتائج محتومة
في تقديره، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "خفض تصنيف مصر مؤشر على أن اقتصاد البلاد منهك وغير قادر مستقبلا على تغطية الاحتياجات التمويلية الكبيرة التي يحتاجها، والسبب في ذلك هو تراكم القروض، وزيادة عجز الميزان التجاري، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد".
وبشأن تداعيات تلك الخطوة، أوضح لـ"عربي21" أن "التصنيف المقبل ستكون آثاره وخيمة على تكلفة الاقتراض، والذي من المرجح أن يهبط إلى سالب، وبالتالي سنشهد المزيد من عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ أموال في أدوات الدين المحلي، وكما يقول المثل الإنجليزي الشهير من الجنون فعل نفس الشيء عدة مرات وتتوقع نتائج مختلفة".
ورأى يوسف أن "الأزمة لا تكمن في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بقدر ما تكمن في عدم جاهزية الهيكل الاقتصادي لتحمل الصدمات، ورهن كل شيء بالاقتراض سواء المشروعات الكبيرة عديمة الجدوى أو موازنة البلاد في كل عام، وجعلت الاقتصاد يدور في دائرة مغلقة بدلا من الصعود بشكل رأسي، وهذه آفة الاقتصاد الذي تتحكم فيه الدولة وتحديدا النظام العسكري الحاكم".
تراجع أثر المساعدات
ورغم أن مصر تلقت مساعدات مالية ضخمة بمليارات الدولارات من حلفائها بدول الخليج واحتمال إبرام برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، فإن تشديد شروط التمويل العالمية يزيد من مخاطر ضعف التدفقات الوافدة المتكررة ويجعلها أقل قدرة على استدامة الديون، بحسب الوكالة الدولية.
وحذرت "موديز" أيضاً من تداعيات المخاطر السياسية المتزايدة "لا سيما في سياق الزيادة الحادة بتضخم أسعار المواد الغذائية والتي -إن لم يتم تخفيفها- فإنها يمكن أن تؤدي إلى نشوب توترات اجتماعية".
يأتي تكلفة خدمة الدين على رأس الأرقام المقلقة في مشروع الموازنة حيث تُقدر بـ 690.1 مليار جنيه أي ما يعادل 33.3 بالمئة من إجمالي المصروفات لتصبح بذلك أكبر بند في المصروفات أو ما يعادل نصف الإيرادات الكلية والتي يأتي 77 بالمئة منها من الضرائب التي تعتزم الحكومة تحصيلها والبالغة 1.2 تريليون جنيه بزيادة نحو 19 بالمئة.
اقرأ أيضا: الجنيه المصري في أدنى مستوى له منذ 5 سنوات.. هل يصمد؟
اقتصاد على المحك
من جهته؛ اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقا، أحمد ذكر الله، أنه "رغم تثبيت التصنيف الحالي عند +B فإن النظرة المستقبلية التي يرقبها المستثمرون باهتمام سلبية بدلا من مستقرة وأصبح الاقتصاد المصري أكثر هشاشة ما يعني أنه اقتصاد هش؛ لأنه قائم على الاقتراض، وينذر بأن الاحتياطي النقدي للبلاد لا يكفي لتأمين احتياجاتها من السلع الأساسية إلا أشهرا أقل من المعتاد".
وأضاف لـ"عربي21" أن "فجوة التمويل بالدولار تتسع يوما بعد الآخر، وأن الدعم الخليجي لا يمكن الاعتماد عليه طوال الوقت، لكن ما حدث هو أن الدولة منذ عشر سنوات كانت تعتمد على المعونات والمساعدات والقروض، فأين الاقتصاد الحقيقي للدولة في مواجهة وامتصاص الأزمات الدولية؟ غير موجود أو أضعف من أن يقاوم أي صدمات".
وتابع ذكر الله قائلا: "يبدو أن الحكومة المصرية تمضي على ذات النهج في القيام بمشروعات ضخمة مكلفة رغم أنها تنوء بالديون الثقيلة المحلية والخارجية، وقامت بتوقيع صفقة هي الأضخم في تاريخ شركة سيمنز الألمانية لإنشاء خطوط قطارات جديدة وصلت قيمتها إلى نحو 9 مليارات دولار"، مشيرا إلى أن "وصول مصر إلى سوق السندات سيكون بشروط أصعب وكلفة أعلى، وعبر رهن المزيد من أصول الدولة أو بيعها".