هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عاشت
مصر هذه الحقيقة التاريخية المؤلمة، والتي ربما لا يعلم عنها الكثير لأن " أمة
اقرأ لا تقرأ "!!
فى عهد
المستنصر بالله، الخليفة الخامس من خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية في مصر، والثامن
منذ نشأتها بالمغرب، وأشهر أحداث عصره الشدة المستنصرية أو ما يعرف في كتب المؤرخين
بـ"الشدة العظمى"، وهي مصطلح يطلق على المجاعة والخراب الذى حل بمصر لمدة
سبع سنوات عجاف (457هـ - 464هـ / 1065م - 1071م).
شاءت
الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان
منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية.
وتكرر
هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة (457هـ
- 464هـ / 1065م - 1071م). وسببها ضعف الخلافة واختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء
على الدولة، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل، فزادات الغلاء وأعقبه الوباء، حتى
تعطلت الأرض عن الزراعة، شمل الخوف وخيفت السبل برًا وبحرًا.
المشهد
الأول من الشدة المستنصرية:
من شدة
الجوع أن الناس أكلوا الكلاب والقطط عندما عز أكل اللحوم الطبيعية من أبقار وحيوانات
مثل الدجاج أو الأرانب، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة.
المشهد
الثاني من الشدة المستنصرية:
اشتد
الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس،
وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله.
المشهد
الثالث من الشدة المستنصرية:
ذكرابن
إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل فى زمن تلك المجاعة أن طائفة من الناس جلسوا فوق
أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا
صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه.
المشهد
الرابع من الشدة المستنصرية:
ذكر
أن وزير البلاد لم يكن يمتلك سوى بغل واحد يركبه، فعهد بالبغل إلى غلام ليحرسه، إلا
أن الغلام من شدة جوعه كان ضعيفًا فلم يستطع أن يواجه اللصوص الذين سرقوا البغل، وعندما
علم الوزير بسرقة بغله غضب غضبا شديدا، وتمكن من القبض على اللصوص، وقام بشنقهم على
شجرة، وعندما استيقظ فى الصباح وجد عظام اللصوص فقط؛ لأن الناس من شدة جوعهم أكلوا
لحومهم.
المشهد
الخامس من الشدة المستنصرية:
كان
بمصر حارة تعرف بحارة الطبق، وهي معروفة بمدينة الفسطاط، كان فيها عشرون دارا، كل دار
تساوي ألف دينار، فبيعت كلها بطبق خبز، كل دار برغيف، فسميت من يومئذ بحارة الطبق.
المشهد
السادس من الشدة المستنصرية:
ذكر
المقريزي أن سيدة غنية من نساء القاهرة ألمها صياح أطفالها الصغار وهم يبكون من الجوع
فلجأت إلى شكمجية حليها وأخذت تقلب ما فيها من مجوهرات ومصوغات ثم تتحسر لأنها تمتلك
ثروة طائلة ولا تستطيع شراء رغيف واحد. فاختارت عقداً ثميناً من اللؤلؤ تزيد قيمته
على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة والفسطاط فلا تجد من يشتريه. حتى أقنعت أحد
التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق، واستأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس إلى بيتها، ولكن
لم تكد تخطو بضع خطوات حتى هاجمته جحافل الجياع، فاغتصبوا الدقيق، وعندئذ لم تجد مفرًا
من أن تزاحمهم حتى اختطفت لنفسها حفنة من الدقيق وعجنت حفنة الدقيق وصنعت منها أقراصاً
صغيرة وخبزتها ثم أخفتها فى طيات ثوبها، وانطلقت إلى الشارع صائحة: الجوع الجوع. الخبز
الخبز. والتفت حولها الرجال والنساء والأطفال وسارت معهم إلى قصر الخليفة المستنصر،
ووقفت على مصطبة ثم أخرجت قرصاً من طيات ثوبها ولوحت به وهي تصيح: "أيها الناس،
فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار، فادعوا معي لمولاي المستنصر الذي أسعد الله
الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقومت عليَّ هذه القرصة بألف دينار".
المشهد
السابع من الشدة المستنصرية:
قُبض
على رجل كان يقتل النساء والصبيان ويبيع لحومهم ويدفن رءوسهم وأطرافهم، فقُتل. واشتد
الغلاء والوباء حتى أن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة واحدة، وكان يموت كل يوم على
الأقل ألف نفس، ثم ارتفع العدد إلى عشرة آلاف وفي يوم مات ثماني عشرة ألفًا. وكان المستنصر
يتحمل نفقات تكفين عشرين ألفًا على حسابه، حتى فني ثلث أهل مصر، وقيل إنه مات مليون
وستمائة ألف نفس، ونزل الجند لزراعة الأرض بعد أن هلك الفلاحون. وقد مرت الشدة المستنصرية
بعدة مراحل طوال سنوات الجفاف بدأت بعد بيع المجوهرات والكنوز لشراء القمح بشراء وأكل
الكلاب والقطط ثم أكل الموتى من القبور ثم أكل لحوم الأحياء من الأطفال والغلمان والضعفاء
من القوم.
الشدة
المستنصرية في قصر المستنصر:
وصلت
الأزمة إلى المستنصر نفسه، فلم يعد لديه دواب في الحظيرة، وصار يبيع رخام قبور آبائه
وأجداده من أجل الحصول على الطعام، ووصل الحال أنه أصبح مديناً بحياته لابنة أحد الفقهاء،
التي أطعمته تصدقاً برغيفين يوميا.
مات
ثلث سكان مصر، وبيعت بيوت ثمينة لشراء رغيف الخبز، وطحنت المجاعة الشعب بقوة، لم يستطع
الخليفة التحمل.
عبد
الله الجمالي منقذ مصر من الأزمة
فطلب
يد العون، من بدر بن عبد الله الجمالي والي عكا (كانت إحدى المدن التابعة للخلافه الفاطمية)
بعد أن فقد العديد من البلدان، التي كانت تحت ملكه، وانخفضت عدد المدن بعد أن انفصلت
العشرات.
انتهت
الشدة المستنصرية على يد الجمالي الذي اشترط أن يأتي برجاله ويفرض سلطته، ويعيد الأمور
إلى نصابها بقوة السلاح.
وافق
المستنصر بعد أن عين الجمالي وزيراً للدولة، وعمل الجمالي على إصلاح نظام الري، والقنوات.
اهتم
بالزراعة، وحارب الجنود المتناحرين، وطردهم من مصر، وجعل كل المحصول في أول ثلاث سنوات،
للفلاحين، وفي الرابعة يأخذه هو.
وعرف
عن الجمالي أنه كان رجلاً عادلاً، مد يده إلى الدولة الفاطمية، ونفض منها تراكمات الزمن العصيب.
وأفاقها
من كبوتها، ومنّ الله على مصر بعد سبع سنوات عجاف، أن فاض نهر النيل، وانقشعت هذه الغمة.
خلد
المصريين ذكرى الوزير الجمالي بإطلاق اسمه على أشهر المناطق في مصر، وهو حي الجمالية.
حفظ
الله مصر من كل سوء
المصادر
ابن
خلكان – ابن إياس – المقريزي – ابن الأثير – سبط ابن الجوزي
وراجع
كتاب اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة
كتاب
ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
كتاب
ابن إياس: إغاثة الأمة بكشف الغمة
(عن صفحة الكاتب في "فيسبوك")