قضايا وآراء

الاستنتاجات الفلسطينية من الغزو الروسي لأوكرانيا

ماجد عزام
1300x600
1300x600
يدور نقاش فلسطيني واسع ومستمر حول دلالات وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على القضية الفلسطينية وحتى على العالم ككل. ولا خلاف حول نقطتين أساسيتين؛ هما النفاق والازدواجية الدولية تجاه الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية مع تباين حول التداعيات المتوقعة، كما الاستنتاجات المطلوبة والضرورية فلسطينياً.

حضرت الازدواجية الدولية في حجم العقوبات الكبيرة والمتواصلة على روسيا، كما الدعم غير المشروط لأوكرانيا وحقها الأصيل في المقاومة ومواجهة الغزو الروسي بكل الأساليب والأسلحة المتاحة.

رأينا هذا في قرارات وخطط عقابية لعزل ومحاصرة روسيا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك طردها من مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الأممية.
حضرت الازدواجية الدولية في حجم العقوبات الكبيرة والمتواصلة على روسيا، كما الدعم غير المشروط لأوكرانيا وحقها الأصيل في المقاومة ومواجهة الغزو الروسي بكل الأساليب والأسلحة المتاحة

بينما أصدر الاتحاد الأوروبي سلة بل سلالا من العقوبات المتلاحقة والقاسية ضد روسيا، لم تتوقف أمريكا من جهتها عن معاقبتها أيضاً وتقديم كمّ كبير من المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا (عشرات مليارات الدولارات)، بما في ذلك منظومات تسليحية دفاعية (مضادات للدبابات والطائرات) حيوية لوقف وإفشال الغزو الروسي للبلاد.

الازدواجية والنفاق حضرا كذلك في التغطية الإعلامية الواسعة الداعمة لأوكرانيا، والمساندة الشعبية والجماهيرية الدولية -الغربية والأمريكية- لكييف في ساحات الفن والثقافة والرياضة، لدرجة كسر المعادلة السائدة في الماضي عن الفصل بين السياسة والرياضة في المسابقات المحلية والقارية الأوروبية والدولية.

بناء عليه تشكل إجماع فلسطيني على رفض الازدواجية والنفاق الدولي تجاه الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية، مع وصم مقاومتنا بالإرهاب رغم أنها حق مشروع وأصيل للفلسطينيين، تماماً كما هي للأوكرانيين، والاستياء كذلك من عدم فرض عقوبات مماثلة لتلك التي فرضت على روسيا ولكن ضد إسرائيل، لإجبارها على الانصياع لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

مع ذلك ثمة خلاف كبير حول تداعيات الأزمة الأوكرانية، والاستنتاجات المطلوبة فلسطينياً منها في أبعادها المختلفة. فمثلاً تخشى حركة فتح وسلطتها في رام الله من احتمال إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي، وتراجع الدعم المالي للسلطة نفسها لصالح الاهتمام السياسي والاقتصادي والإعلامي بالأزمة الأوكرانية؛ التي ستستحوذ برأي رام الله على نصيب الأسد من التفكير الدولي على المدى القصير والمتوسط وربما الطويل أيضاً.
لا تقل أهمية عما سبق كله الاستنتاجات الفلسطينية المطلوبة من الأزمة الأوكرانية، غير أن الانقسام الذي منع الخروج بقراءة موحدة تجاهها فرض نفسه كذلك على الاستنتاجات المناسبة منها، ومع ذلك فلا مانع من الاجتهاد لوضع تصورات عامة حول الاستنتاجات والخلاصات الصحيحة ودلالاتها وتداعياتها على القضية الفلسطينية

وتعتقد حماس -وحلفاؤها- وسلطتها في غزة أن الأزمة ستؤدي إلى نشوء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بعيداً عن الأحادية الأمريكية الداعمة لإسرائيل، ما ينعكس إيجاباً ويصب بالضرورة في صالح القضية الفلسطينية.

لا تقل أهمية عما سبق كله الاستنتاجات الفلسطينية المطلوبة من الأزمة الأوكرانية، غير أن الانقسام الذي منع الخروج بقراءة موحدة تجاهها فرض نفسه كذلك على الاستنتاجات المناسبة منها، ومع ذلك فلا مانع من الاجتهاد لوضع تصورات عامة حول الاستنتاجات والخلاصات الصحيحة ودلالاتها وتداعياتها على القضية الفلسطينية.

وفيما يخص التعاطي مع النفاق والازدواجية فلا بد من وضع العالم أمام مسؤولياته الفلسطينية، وهذا يتضمن بالتأكيد بعدين مركزيين خارجي وداخلي؛ يتمثل الأول بضرورة إعادة طرح القضية أمام المؤسسات الدولية والإقليمية لاختبار المواقف المستجدة منها، وهذا للأسف لم يحدث نتيجة تفاهم ضمني بين قيادة سلطة رام الله والإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن تضمن تجميد كافة الجهود والنشاطات الدبلوماسية للسلطة، بما في ذلك العمل الدؤوب والمثابر أمام المحكمة الجنائية الدولية كي تقوم بواجباتها ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
فيما يخص التعاطي مع النفاق والازدواجية فلا بد من وضع العالم أمام مسؤولياته الفلسطينية، وهذا يتضمن بالتأكيد بعدين مركزيين خارجي وداخلي

غير أن السلطة وعلى طريقة جودو لا تزال تنتظر منذ عام ونصف تقريباً تنفيذ أمريكا لوعودها ضمن التفاهم، والمتضمنة إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في القدس، كما مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتعهدات مالية أخرى لتخفيف الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها السلطة وتم الالتزام بها جزئياً؛ فقط فيما يخص دعم موازنة وكالة الأونروا والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة واستئناف عمل وكالة المساعدات الدولية الأمريكية المعنية بدعم القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية..

ضمن هذا الانتظار أيضاً قبلت السلطة بتهدئة سياسية اقتصادية واجتماعية وأمنية مع الاحتلال وبحضور أمريكي طبعاً، على أمل الوصول إلى الهدف النهائي المتمثل باستئناف عملية التسوية والمفاوضات بينهما، علماً أن الرئيس محمود عباس كان قد عرض فعلاً خلال لقائه الأخير بوزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس تجميد كافة التحركات الفلسطينية الدولية دبلوماسياً وقضائياً؛ ليس مقابل أفق سياسي وإنما مجرد مبادرات سياسية إسرائيلية تجاه السلطة.

تبدو مراهنة السلطة خاطئة، ولا شك أن الوقت ملائم تماماً للتحرك، وثمة فرصة بل فرص سانحة دولياً لتجريم الاحتلال في ملفات الاستيطان والتهويد، والتضييق على الأسرى وحقوق وحريات الإنسان الفلسطيني بشكل عام، ضمن نظام فصل عنصري موصوف، كما قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، بينما يبدو صدور تقرير مماثل ورسمي عن الأمم المتحدة نفسها مسألة وقت فقط.
تبدو مراهنة السلطة خاطئة، ولا شك أن الوقت ملائم تماماً للتحرك، وثمة فرصة بل فرص سانحة دولياً لتجريم الاحتلال في ملفات الاستيطان والتهويد، والتضييق على الأسرى وحقوق وحريات الإنسان الفلسطيني بشكل عام، ضمن نظام فصل عنصري موصوف

الظروف ملائمة إذن، لكن سلطة رام الله ليست جاهزة أو مستعدة أو حتى جديرة بقيادة الجهود لإعادة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي.

إضافة إلى التحرك الخارجي تستلزم إعادة الاهتمام الدولي حدوث حراك مقاوم في فلسطين نفسها، كما رأينا أثناء هبّة القدس ثم معركة سيفها العام الماضي. هذا يعني ببساطة التحرك الجماعي في الميدان، وبما أن لا فرصة لحرب أخرى كون غزة مدمرة ولم تتعافَ من أثر الحرب -بل آثار الحروب- السابقة، ولا إمكانية لاتباع النموذج الأوكراني العسكري كوننا أمام دولة فعلاً تملك إمكانيات كبيرة، عدا عن أنها مدعومة دولياً وأوروبياً وأمريكياً بمساعدات بمليارات الدولارات وبكميات هائلة من الأسلحة والمنظومات العسكرية، ودعم سياسي وإعلامي غير محدود.

وللتذكير هذا كان قد حصل فعلاً مع الثورة الفلسطينية منذ منتصف الستينيات حتى أوائل الثمانينيات، في مراحل عمّان وبيروت، ولكن انتقال الثورة إلى الداخل أولاً عبر انتفاضة الحجارة ثم تأسيس السلطة نفسها وضع حداً فعلياً للكفاح المسلح، وجعل المقاومة الشعبية هي الخيار الوحيد والجدّي والمجدي عملياً، علماً أن استثناءات الانتفاضة الثانية وعسكرة غزة لا تنال من هذه القاعدة الصحيحة.
يتمثل الحل الأكثر واقعية ومنطقية "هو بالمتناول أصلاً" بمقاومة شعبية عارمة في ساحتها الرئيسية بالضفة الغربية، وتحديداً في القدس وبقية المدن والبلدات، في بيتا وبرقة ونعلين والنبي صالح مع حضور ومدد بشري وسياسي وإعلامي من إخواننا وأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948

وعليه، يتمثل الحل الأكثر واقعية ومنطقية "هو بالمتناول أصلاً" بمقاومة شعبية عارمة في ساحتها الرئيسية بالضفة الغربية، وتحديداً في القدس وبقية المدن والبلدات، في بيتا وبرقة ونعلين والنبي صالح مع حضور ومدد بشري وسياسي وإعلامي من إخواننا وأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948.

وهنا أيضاً تبدو سلطة رام الله عاجزة ومنفصلة عن الواقع، وهي لا تستطيع قيادة المقاومة الشعبية حتى لو أرادت؛ كونها لا تزال مستلبة لفكرة التسوية والمفاوضات ومنفتحة على خطط دعمها اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً من قبل أمريكا وحتى من إسرائيل نفسها.

وفي المقابل، رغم الإرادة والنية الطيبة تبدو حماس وفصائل المقاومة الأخرى مستلبة لفكرة العمل العسكري فقط، وهو خيار صعب المنال في الضفة وحتى في غزة نفسها، ما يفسر بالتأكيد المنحى الفردي للعمليات الأخيرة، ويأخذنا أو يعيدنا بالضرورة إلى ضرورة العمل الجماعي المنظم عبر مقاومة شعبية متواصلة تشتبك مع الاحتلال وتكسر الواقع الراهن، ويتجاوز بها الشعب الحيوي والمبدع قياداته كما فعل دائماً، وتفرض من جهة أخرى التدخل والحضور الدولي كما رأينا أثناء هبّة القدس العام الماضي، والأيام الماضية إثر الرباط والصمود في المسجد الأقصى أمام الاقتحامات الإسرائيلية الأخيرة.
التعليقات (0)