اقتصاد عربي

هل ينفذ الجيش المصري أوامر صندوق النقد؟.. "جولة تلاعب"

صندوق النقد الدولي أشار في مراجعته للمرة الأولى على الإطلاق إلى وجود الشركات العسكرية المصرية- جيتي
صندوق النقد الدولي أشار في مراجعته للمرة الأولى على الإطلاق إلى وجود الشركات العسكرية المصرية- جيتي

ما زال حجم إمبراطورية الجيش المصري الاقتصادية وتغولها على اقتصاد الدولة العربية الأكثر سكانا مثار جدل يشغل المراقبين والباحثين، ولكن أن يكون للمؤسسات المالية الدولية المانحة للقروض انتقادات لهذا التغول ومطالبات بتقليص أنشطة المؤسسة العسكرية، فهذا ما يثير التكهنات والتساؤلات، حول قبول أو رفض الجيش مثل هذا التدخل.

وقبل أيام نشر الباحث الرئيسي في مركز "مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت يزيد صايغ، دراسة عن موقف صندوق النقد الدولي من استثمارات الجيش المصري واقتصاده، بعنوان: "إلقاء قفاز التحدي: ما يمكن أن يفعله صندوق النقد الدولي بشأن الشركات العسكرية المصرية".

الدراسة المنشورة 8 نيسان/ أبريل الجاري، أشارت إلى تقرير البنك الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، الذي أكد أن "الهيئات العسكرية تمثّل نسبة كبيرة من جميع الشركات المملوكة للدولة التي تنتج السلع الرأسمالية والسلع الاستهلاكية المعمّرة والملابس والمواد والأطعمة والمشروبات والتبغ والسيارات ومكوّناتها، علاوةً على مبيع التجزئة ووسائل الإعلام والترفيه وأشباه الموصلات ومعدّات نظام النقل الذكي والأجهزة والمعدّات التكنولوجية".

ولفتت الدراسة إلى أن "صندوق النقد الدولي ذهب أبعد من ذلك في مراجعته الصادرة في تموز/ يوليو 2021، لاتفاقية القرض مع مصر، إذ أشار فيها لأول مرة على الإطلاق إلى وجود الشركات العسكرية المصرية ودورها"، موضحا أن تلك الشركات الكثير منها "يسجل أداء ماليا ضعيفا".

وأوضحت الدراسة أن الصندوق يطلب من الحكومة المصرية تقليص نشاطاته الاقتصادية لصالح القطاع الخاص، وأنه "ألمح ضمنيا إلى أن الشركات العسكرية يجب أن تخضع لنفس سياسات الإصلاح الشاملة التي يقترحها صندوق النقد الدولي للقطاع العام ككل".

وأضاف صايغ: "تتيح اقتراحات صندوق النقد الدولي ومبادرات الحكومة المصرية الفرصة لتوطيد هيكلية ملكية الشركات العسكرية المتنفّذة سياسيا في مصر ضمن أطر تنظيمية واضحة، ما يسمح بالحدّ من تأثيراتها السلبية على الإنتاج الاقتصادي، والمالية العامة، وتنمية القطاع الخاص".

 

اقرأ أيضا: حصري | "عربي21" تكشف عن أموال سرية للجيش المصري

وقال الباحث الشهير: "الآن، وبعد أن كسر صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص صمته السابق، بات عليه تحسين نهجه من أجل معالجة الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية المصرية بطريقة أكثر استهدافا وثباتا، وبالتالي جعل نهجه أكثر فاعلية واستدامة".

وأكد أن هذا "يتطلب مزيجا من التدابير: المجموعة الأولى منها تتضمّن وضع الهيئات والشركات العسكرية في نطاق التوصيات التي اقترحها صندوق النقد الدولي للقطاع العام المدني في مصر والشركات المملوكة للدولة ككل".

وأوضح أن "المجموعة الثانية من التدابير، تتناول الجوانب المحددة من الأطر القانونية والتنظيمية والقضائية التي تمكّن المؤسسة العسكرية من ممارسة الأنشطة في المجال المدني".

وقال صايغ: "يجب على المؤسسات المالية الدولية ورعاتها الحكوميين معالجة واقع المشاركة العسكرية بشكل منهجي في برامجهم وتوصياتهم السياساتية، وعليهم مواجهة المشكلة بصورة مباشرة في تعاملهم مع السلطات المصرية".

وقسمت الدراسة الشركات العسكرية المصرية لـ3 أشكال من الملكية، ينتمي 20 منها لوزارة الإنتاج الحربي، وهي مسجلة كشركات قطاع أعمال عام، وتنتمي 12 شركة أخرى إلى الهيئة العربية للتصنيع، التي تتمتع بوضع قانوني شاذ كمنظمة دولية، و40 شركة تتبع وزارة الدفاع، يرتبط معظمها بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

وأوضح أن حوالي ربع العدد الإجمالي للشركات العسكرية فقط يصنع أي منتجات متعلقة بالدفاع، ولكن جميع الشركات تنتج سلعا وخدمات مدنية (بما في ذلك المقاولات) وتتولّى العقود الحكومية للتوريد والأشغال العامة.

 

اقرأ أيضا: هكذا يتحكم جيش مصر باقتصاد البلاد.. أرقام وتفاصيل

"عسكرة الاقتصاد"

ومنذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، شارك الجيش بقوة في جميع قطاعات الدولة وجرى استثناؤه من الكثير من الضرائب والجمارك والقيود الحكومية على أعماله التي لا تخضع لمراجعات الأجهزة الرقابية، كما أنه لا يتم نشر أي أرقام رسمية حول أعمال الجيش ووضعه المالي.

وكان السيسي قد أكد في كانون الأول/ ديسمبر 2016، أن مشاركة الجيش بالاقتصاد لا تتجاوز من 1.5 بالمئة إلى ٢ بالمئة، نافيا ما يقال عن سيطرته على 50 بالمئة من اقتصاد مصر، معربا عن أمنيته أن "يصل إلى 50 بالمئة".

وفي آذار/ مارس 2014، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الجيش يسيطر على 60 بالمئة من اقتصاد البلاد، وتمتعه بميزانية سرية، وإعفاء أعماله من الضرائب، مع العمالة الرخيصة وشبه المجانية.

في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، انتقد رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، سيطرة الجيش على قطاعات واسعة على اقتصاد مصر، مؤكدا أنه يأتي على حساب القطاع الخاص.

وقال ساويرس: "يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي" مضيفا بأن "الشركات المملوكة للحكومة أو للجيش لا تدفع ضرائب"، معتبرا أن المنافسة "غير عادلة منذ البداية".

 

"أزمة بنيوية"

وفي رؤيته السياسية لاحتمالات قبول أو رفض الجيش مطالب صندوق النقد بتقليص إمبراطوريته الاقتصادية، قال السياسي المصري، عمرو عادل، إن "الواقع الذي تعيشه مصر أكثر قسوة وعنفا من مجرد شركات أو مصادر إنتاج تمتلكها المؤسسة العسكرية".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الخلل في بنية المنظومة الاقتصادية التي يرتع فيها الفساد والاحتكارات من رجال مقربين من النظام الحاكم".

ويعتقد أن "حجم الأزمة في الاقتصاد المصري تتجاوز ما يمتلكه الجيش وحتى لو تنازل الجيش عن كل ممتلكاته لن تحل هذه الأزمة البنيوية".

 

اقرأ أيضا: تحليل: إشادة النقد الدولي باقتصاد مصر تتناقض مع فقر الملايين

ويرى عادل، أن "حل الأزمة المصرية العميقة حل سياسي بالأساس، فالاقتصاد منتج سياسي مهما كان تأثيره".

وفي اعتقاده الشخصي فإن "الجيش لا يهتم بشيء إلا باستمرار سيطرته المطلقة على كل مصر وعلى مصادر رخيصة للعمل والمواد الأولية من قوت ودم الشعب؛ والمهم هو تدفق الثروة على القيادات، مهما كان ذلك سلبيا على المجتمع والاقتصاد المصري".

وأكد السياسي المصري أن "طرح أسهم بعض الشركات التابعة للجيش في البورصة مجرد ذر للرماد في العيون؛ فالمؤسسة العسكرية بسلطاتها المطلقة، وبغياب القانون والعدالة، وباستمرار الاستبداد، ستتمكن من استعادة أي أموال أو ثروات من مصادر متعددة".

"جولة من التلاعب"

وفي إجابته على التساؤل: "هل يقبل الجيش المصري بتقليص إمبراطوريته الاقتصادية بأوامر من صندوق النقد؟، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي حسام الشاذلي: "يجب أن نناقش الأمر في إطاره الصحيح، وفي ضوء الدور الذي لعبه الصندوق وما زال بمنظومة مصر الاقتصادية المتهالكة والفاشلة".

رئيس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أضاف لـ"عربي21": "لقد بات جليا أن حزمة الشروط التي يفرضها الصندوق لا تعود بأي نفع على مصر والمصريين، وتاريخ الصندوق بها يمثل سجلا أسود جديدا من فشل المؤسسة الدولية بإدارة القروض وهو تاريخ تكرر بأكثر من دولة".

لذلك يرى الشاذلي، أن "محاولات إدارة النقاش في إطار اقتراحات الصندوق بتقليص سيطرة المنظومة الاقتصادية للعسكر هي جولة جديدة من التلاعب بالحقيقة الواضحة؛ وهي التأثير المدمر لقروض الصندوق على حياة المواطن والمنظومة الاقتصادية المصرية".

وتابع: "كلنا يعلم أنه كان من الممكن مبكرا أن يضم الصندوق لشروطه منذ قرضه الأول بعد الانقلاب شروطا واضحة حول مشاركة العسكر والجيش بمنظومة الاقتصاد؛ وكان من الممكن أيضا أن يطلب بوضوح تحديد تلك المشاركة ومدى شفافيتها".

أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي، أكد أن "العالم بحقيقة الأمور يستنتج أن الجيش لا يمكنه تقليل حجم إمبراطوريته الاقتصادية؛ لأنها مرتبطة بوجود النظام وأحد أهم أذرع سيطرته على مقدرات الأمور، والتي طالت كل الصناعات الاستراتيجية، للإعلام والمعلومات والسينما وغيرها".

ولذلك فإن الشاذلي، يرى أن "عرض الجيش لبعض شركاته بالبورصة أو قبوله مناقشة حجم دوره الاقتصادي، مقابل زيادة مشاركة القطاع الخاص هو فصل جديد بمسلسل التلاعب بالمنظومة لوصول الصندوق لكل مفاصل الدولة بما فيها الجيش".

"وإيجاد مخرج جديد لتوريط البلاد بقروض جديدة تمس هذه المرة سيادتها بصورة مباشرة ومجحفة، وتكوين صورة جديدة لخداع الرأي العام والشارع المصري، حيث سيتم توظيف الإعلام لخدمة هذه المناقشات والأطروحات الفارغة"، بحسب قول الخبير المصري.

وأضاف: "لا أتصور بأي حال من الأحوال حدوث أي مصادمات بين السيسي والجيش في إطار هذه المراجعات؛ لأن ذلك الفصل الجديد في تمثيلية خداع المصريين يخدم مصلحة السيسي ويحسن من صورة الجيش الذي وبلا شك بات دولة أقوى من الدولة المصرية".

وتابع: "علينا أن نتذكر أن اقتصاد العسكر والذي يسيطر على أكثر من 50 بالمئة من المنظومة الاقتصادية كان وسيظل صندوقا أسود لا يمكن الوصول لتفاصيله، وذلك بسبب الكم الهائل من المخالفات والعمولات لعدد كبير من قادة تلك المنظومة، والتي تعد سببا رئيسيا في دعمهم للسيسي ونظامه لنحو عقد".

وأعرب عن أسفه لرؤية "صندوق النقد الدولي يلعب دورا رئيسيا للقضاء على المنظومة الاقتصادية المصرية، والسيطرة عليها لأجيال قادمة لمصلحة أيدي خفية تسيطر على أذرع الاقتصاد العالمي، ولا يعنيه مدى الدمار الذي تجلبه استراتيجياته المشؤومة وشروطه للشعب المصري".

وفي نهاية حديثه أكد الشاذلي، "أنه لا مخرج لمصر اقتصاديا إلا بإعادة هيكلة كاملة لتلك المنظومة الاقتصادية التي قد تتطلب قرارات شاملة تضع مصلحة مصر والمصريين فقط على رأس أولوياتها".

 

التعليقات (2)
قاطعوا الهند
السبت، 16-04-2022 01:44 ص
توضيح...الجيش يستورد معظم السلع بالدولار...ثم يبيعها بالجنيه..وبكده الجيش يكون محتاج ان يحول الجنيه للدولار حتي يسطتيع الاستيراد مره اخرى فيلجا الى البنك ويشترى الدولار باقل الاسعار ....والدولارات الموجده فى البنك هى قروض....ويحتفظ الجيش بارباحه بالدولار ولايدفع عماله او وقود او ضرائب...هذا دمار علنى لمصر...يعنى دوله داخل دوله وانا لااستبعد انه ستكون حرب بين الشعب والجيش
صندوق الصهاينة
الجمعة، 15-04-2022 11:02 م
إقتصاد اللصوص أكثر من 50 بالمائة بالتأكيد أما صندوق الصهاينة فلم يكن أبدا جمعية خيرية إنه أكثر بشاعة من مصاصي الدماء أنظروا إلى حال الدول الإفريقية و اللاتينية و العربية سببها صندوق الصهاينة هذا.