في الوقت
الذي تتواصل فيه الدعوات الإسرائيلية لترميم الثغرات المنتشرة على طول جدار الفصل العنصري
في الضفة الغربية، باعتبارها متسببة في تسلل منفذي العمليات الأخيرة، فإن أصواتا إسرائيلية
أخرى قللت من هذا الاتهام، وصولا إلى اعتبار أن الجدار بحد ذاته وهم خطير من الناحية
الأمنية، ولم تكن إقامته إلا لتنفيذ رغبات سياسية وحزبية، ليس أكثر.
موشيه
ليشيم، الخبير الأمني والقائد السابق في الجيش الإسرائيلي، ذكر في مقال بموقع "
نيوز
ون"، ترجمته "عربي21" أن "البيانات الأساسية عن الجدار تتحدث عن أن
طوله 320 كم، أطول أو أقصر قليلاً بسبب التضاريس، وتبلغ تكلفة السياج بمكوناته الأولية،
دون أنظمة ثانوية للرادارات وكاميرات التليفزيون وأنظمة النسخ المتطابق، مليون شيكل
لكل كيلومتر، أما صيانته المستمرة على كافة مكوناته، بما فيها القوى العاملة، فتبلغ
مليار شيكل سنويا، ورغم كل ذلك فإن الجدار بحد ذاته ليس عقبة أمنية أمام الهجمات الفدائية
الفلسطينية".
وأضاف
أن "الجدار مزود بوسائل استشعار إلكترونية تسمح بالكشف والإنذار عن الاختراق،
وفي الأماكن القريبة من تجمعات المستوطنين، هناك جدار خرساني لمنع إطلاق النار من مسار
مسطح، وتوضع الكاميرات في مناطق حساسة، أرضية، مركبة على بالونات أو أي وسيلة أخرى،
فضلا عن زرع الألغام ضد الأفراد، بجانب نصب بوابات الدخول على طول الشرايين الرئيسية،
وتجهيزها بآلات انعكاس للمركبات، وأجهزة الكشف عن المعادن للبشر، وغيرها من وسائل التفتيش
والكشف، وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق التي تتيح كشف آثار الاختراق وحركة الدوريات
الآلية".
رغم
كل المعطيات الواردة أعلاه، فإن القناعة الإسرائيلية المتزايدة، لا سيما في أوساط العسكريين،
أن الجدار يحتمل الكثير من الأعطال في القيادة والسيطرة بسبب مشاكل التماس، دون القدرة
على التصدي لكمائن الجهات المعادية، وإطلاق النار من مسار مسطح على المستوطنات، وإطلاق
قذائف الهاون والصواريخ في مسار حاد، وبالتالي فإن دولة الاحتلال ستشهد وضعا تصفه بـ"الـعبثي"،
لأنه كلما زادت كفاءة السياج ومنع الاقتحام، زاد خطر إطلاق النار من فوقه.
في الوقت
ذاته، وطالما أن عمق الجدار متوافق مع الظروف الطبوغرافية والتهديدات التي يواجهها
الاحتلال، فإن قواته ستصبح هدفًا لقوى المقاومة، ما يستدعي منها استثمار الكثير من
الموارد، مثل أنظمة المخرجات الأرضية والمركبات المحمية ووسائل المراقبة والتنبيه،
ما يجعل من الجدار فرصة لـ"ابتلاع" جيش الاحتلال بأكمله، فضلا عن جزء كبير
جدًا من قوات الاحتياط، وفي نفس الوقت ستكون أكثر عرضة للخطر والتورط، نتيجة خطأ التعرف
على الجهات المعادية.
هناك
نقطة سياسية غائبة عن دعوات الإسرائيليين في ترميم الجدار، وتتمثل في أنه سينمو ويتسع،
وبالتالي سيصبح حقيقة حدودية بين دولتين، وستقام دولة فلسطينية غربي الأردن
تكون حدودها مع إسرائيل ذات الجدار، وستصبح المستوطنات في الضفة الغربية خارج الجدار،
ويصبح المستوطنون يهودا يعيشون في أرض معادية، وحينها ستزداد الأخطار فقط، وسيصبح اقتحام
المستوطنات هدفا رئيسيا لقوى المقاومة، خاصة عرقلة حركة المرور على الطرق، كما كان
الوضع في قطاع غزة، وأكثر خطورة، قبل الانسحاب منه، وبالتالي فسيضطر الجيش لضخ المزيد
من قواته، ويزداد العبء عليها.
مع مرور
الوقت، سيقع معظم العبء الأمني على كاهل المستوطنين، أما أنصار دعوات "الأسوار
الفاصلة"، فسيمتد بهم الحديث للمطالبة بإخلاء المستوطنات ذاتها، ثم يأتي دور المستوطنات
"البعيدة"، وكلما زاد الضغط على قوات الجيش على الأرض، وسقوط العديد من الخسائر
الإسرائيلية، استنزف ذلك مزيدا من ميزانية الدولة، بجانب العبء البشري، لتخرج
المنظمات اليسارية المطالبة بإعادة الجنود من "مستنقع" الضفة الغربية، والخلاصة
أن ترميم الجدار يعني تبدد عامل الردع الإسرائيلي، وهو العامل الذي تآكل على مر السنين،
وكاد ينهار كلما وقعت عملية بين حين وآخر.