هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعادت صحيفة "هآرتس" نشر تقرير تناول كيف وصل من أسمته "رجل بوتين" إلى قمة الهرم اليهودي في أوروبا، الذي يعد أحد الأوليغارش الأثرياء داعمي الرئيس الروسي.
وعلى الرغم من نفي مكرر للمؤتمر علاقة الأوليغارش الروسي موشيه كانتور بالكرملين، إلا أن بريطانيا مؤخرا فرضت عليه عقوبات بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، ما فتح تساؤلات عن حقيقة كونه مقرب من بوتين فعلا.
ولفتت إلى أنه كان لدى كانتور، دور في "العلاقات السرية، ولكن المكثفة"، بين تل أبيب وموسكو، مستعرضة مقالا سبق أن نشرته عنه، يتناول كيف شكل ثراءه وأصبح ذا نفوذ في أوروبا رغم أنه لا يجمل أي جنسية أوروبية إلى جانب جنسيتيه الروسية والإسرائيلية.
وكانتور انتخب مؤخرا لدورة ثالثة على رأس المؤتمر اليهودي الأوروبي، واستعرضت الصحيفة الإسرائيلية تفاصيل صعوده بدون منافس.
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
منذ ثمانية أعوام والمؤتمر اليهودي الأوروبي يترأسه أوليغارك يهودي على صلة وثيقة بالكرملين. وها هو موشيه فايشيزلاف كانتور ينتخب لدورة ثالثة بدون منافس.
يبدو أن عددا أكبر من اليهود يلوذون بالفرار من بوتين، مقارنة بمن يلوذون من أوروبا الغربية، ومع ذلك يبدو أن الرئيس الروسي يعتقد بأن بلاده من المفروض أن تكون وجهة مرغوبة من اليهود الذين يخشون من معاداة السامية، ومن الإرهاب. ويبدو أن ذلك نفسه هو ما يعتقده الرجل الذي انتخب رئيسا للمنظمة التي تعتبر نفسها ممثلة لليهود الأوروبيين.
وهذا الأسبوع، بينما اجتمع ممثلو الجاليات اليهودية في أوروبا في بروكسيل في دورة خاصة للاحتفال باليوم الدولي لذكرى المحرقة، كان لديهم على الأجندة موضوع آخر – انتخابات رئاسة المؤتمر اليهودي الأوروبي، الكيان الممثل لهم – على الأقل نظرياً، والذي ينسق ما بين الجاليات اليهودية، وينظر فيما لديها من هموم مشتركة.
وعلى مدى السنين الثمانية السابقة، وبغض النظر عن النتيجة، كانت نشاطات المؤتمر اليهودي الأوروبي تعكس أكثر من أي شيء آخر قناعات الرجل الذي يترأسه.
لم تشهد انتخابات يوم الثلاثاء أي مفاجآت، حيث لم يكن هناك سوى مرشح واحد للمنصب، إنه كانتور الذي انتخب بيسر وسلاسة لدورة ثالثة. إلا أن إعادة انتخاب كانتور في فترة تجتمع فيها التحديات الجديدة مع الهموم الأمنية لليهود الأوروبيين وموجة من كراهية الأجانب والتطرف التي تكتسح أرجاء القارة، والتوتر المتجدد بين روسيا والغرب، كل ذلك زاد من الانزعاج إزاء وجود أوليغارش معروف بعلاقاته الوثيقة بنظام بوتين على رأس المؤتمر اليهودي الأوروبي، وأثار الأسئلة حول مدى الفائدة من وجود هذه المنظمة في الوقت الحالي.
لم يكن فايشيزلاف كانتور، كما لا زال يشار إليه في وسائل الإعلام الروسية، والبالغ من العمر اثنين وستين عاماً، معروفاً خارج دوائر الأعمال الروسية قبل انتخابه لأول مرة رئيسا للمجلس الأوروبي اليهودي في عام 2007، وذلك أنه كان واحدا من موجة رجال الأعمال الروس الذين كونوا ثرواتهم خلال السنوات الأولى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك من خلال اقتناص فرص استملاك مؤسسات كانت تابعة للدولة بأسعار مغرية للغاية، وإنشاء إمبراطوريات تجارية بين عشية وضحاها.
ولكن بينما صنع الأوليغارشيون الآخرون لأنفسهم أسماء من خلال الدخول إلى قطاعات راقية مثل النفط وامتلاك البنوك ووسائل الإعلام، وما رافق ذلك من أنماط حياة مبهرجة اتخذوها لأنفسهم، ظل كانتور بعيدا عن الأضواء مؤثرا قطاعا أقل بريقا، وإن كان مربحا جدا، ألا وهو سوق الأسمدة.
وعلى النقيض من أقرانه، الذين تملكوا أندية كرة القدم والصحف وتفاخروا فيما بينهم وتنافسوا على امتلاك اليخوت الكبيرة، توجهت أذواق كانتور نحو الهوايات الأكثر أناقة، مراكما لديه تشكيلة ضخمة من الفنون الريادية.
اختار كانتور، وهو متزوج ولديه خمسة من الأولاد، أن يكون ضمن الإليغارشيين الذين سالموا دكتاتور الكرملين الحالي عندما كان الرئيس الشاب والطموح بوتين ينقض على أولئك الأثرياء الذين تاهوا في عالم السياسة، فسجن زعيمهم ميخائيل خودوركوفسكي وأجبر آخرين على الخروج إلى المنافي.
ينزع الأوليغارشيون اليهود من الروس نحو الاصطفاف إما مع خصوم بوتين فيما يعرف بمجموعة يوكوس، وهؤلاء جميعهم انتهى بهم المطاف في المنفى أو مع مجموعة ألفا، التي ينتمي إليها كانتور، والتي مازالت محتفظة بمصالحها التجارية داخل روسيا وتتوخى الحذر متجنبة إغضاب بوتين.
هناك نظريات مختلفة حول كيف ولماذا اكتشف كانتور، الذي رفض إجراء مقابلة معه أثناء إعداد هذا المقال، جذوره اليهودية وبدأ يسمى نفسه موشيه. يقول أحد كبار المدراء في منظمة يهودية كبرى: "تعتبر مثل هذه الوظيفة بوليصة تأمين مذهلة. فمن ذا الذي يجرؤ على محاكمة رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي ويجازف بأن يتهم بمعاداة السامية؟"، ولكن هناك من يحسن الظن بنواياه.
ويقول أحد زعماء الجالية في أوروبا: "ليس باستطاعتي أن أقول لك بالضبط ما الذي جعله يعود إلى جذوره، ولكنه ما لبث يبدي اهتماما فاعلا في الشؤون اليهودية منذ خمسة عشر عاما، حتى أنه يحتفظ داخل منزله بمطبخ لإعداد الطعام الكوشير".
من المؤكد أن المؤتمر اليهودي الأوروبي خلال فترة رئاسة كانتور على مدى ثمانية أعوام ونصف أنجز الكثير، حتى أن البعض يقولون إنه أنجز أكثر مما يجب، من حيث تسليط الضوء على معاداة السامية في البلدان التي تعاديها إدارة بوتين، بما في ذلك أوروبا الغربية والجارة أوكرانيا، بينما ظل في الوقت ذاته يشيد بالكرملين لما يبذله من جهود في مكافحة معاداة السامية داخل روسيا. وذلك على الرغم من أن المنصات الدعائية التابعة بشكل رسمي للكرملين، مثل قناة روسيا اليوم الإخبارية، تستضيف بشكل منتظم في برامجها أشخاصا معادين للسامية ممن ينكرون وقوع المحرقة، ويعتقدون بنظريات المؤامرة.
ومع أن كانتور مدافع شرس عن إسرائيل في المنتديات كافة، إلا أنه لم يعرف عنه انتقاد الخطاب المعادي بشدة لإسرائيل في هذه القنوات التي تمولها وترعاها الحكومة الروسية.
ويقول أحد كبار زعماء اليهود الروس: "لم يكن كانتور بحاجة لأن يأتي بالوفد اليهودي إلى موسكو الأسبوع الماضي من أجل تعزيز فرص نجاحه في الانتخابات. فهو المرشح الوحيد على أية حال. إنما فعل ذلك خدمة لبوتين الذي غدا حريصا على أن يثبت للجمهور الروسي وللعالم أنه مازال ثمة أوروبيون لديهم الاستعداد لأن يأتوا إليه في الكرملين، وأن اليهود يكنون له الاحترام".
وقبل ثلاثة شهور، في ختام اجتماع عادي للجنة التنفيذية للمؤتمر اليهودي الأوروبي، أعلنت نائب الرئيس التنفيذي رايا كالينوفا أنه نظراً لأن أعضاء الجمعية العمومية للمؤتمر اليهودي الأوروبي سيجتمعون في السادس والعشرين والسابع والعشرين من يناير في بروكسيل للاحتفال بيوم ذكرى المحرقة وللمشاركة في المؤتمر الدولي حول معاداة السامية، فسوف يجرون كذلك الانتخابات الرئاسية في الفترة ذاتها.
وكان ذلك أول إشعار رسمي حول إجراء الانتخابات والتي، بحسب لوائح المؤتمر اليهودي الأوروبي، لا يحين موعدها حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. وكان القصد من تقديم موعد الانتخابات هو عدم إتاحة الفرصة لأي مرشح آخر للبدء في إطلاق حملة انتخابية، ومحاولة التأثير على الجاليات المختلفة، وبذلك تم انتخاب كانتور بلا منافس.
وينتسب المؤتمر اليهودي الأوروبي إلى المؤتمر اليهودي العالمي، إلا أن العلاقة بين المؤتمرين ليست بالسلسة. وثمة شعور داخل المؤتمر اليهودي العالمي، الذي يتخذ من نيويورك مقرا له، بأن كانتور قرر تقديم موعد الانتخابات حتى يتيح لنفسه الوقت الذي يحتاجه لإطلاق حملة انتخابية أخرى، هذه المرة بهدف خلع رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لاودر في الانتخابات التي يتوقع أن تجري في نيسان/ أبريل 2017.
لم يزل رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، تقليديا، يأتي من داخل أكبر جالية يهودية وأكثرها نفوذا، وهي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. بالطريقة ذاتها التي تحدى فيها كانتور بنجاح الزعماء الفرنسيين الذين ظلوا يترأسون المؤتمر اليهودي الأوروبي منذ تأسيسه في عام 1986، تسود الآن مخاوف من أنه يخطط لفعل الشيء ذاته في العام القادم ضد الأمريكيين في المؤتمر اليهودي العالمي. ولم يرد كانتور على هذا الرأي.
ورغم أن المؤتمرين من المفروض أن يتعاونا فيما بينهما، إلا أن التوتر بينهما بلغ مداه، وطفا إلى السطح قبل سنة بالضبط، عندما نظم المؤتمر اليهودي العالمي بالتعاون مع الحكومة البولندية احتفالية ضخمة في أوشويتز، بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لتحرير المعسكر على أيدي الجيش الأحمر.
وشارك في تلك المناسبة مئات الناجين من المحرقة، وكذلك رؤساء دول وسياسيون كبار من عشرات البلدان حول العالم، إلا أن الملاحظ فيها كان غيابان، فأولا لم تكن الحكومة الروسية ممثلة، على إثر نشوب شجار دبلوماسي على مستوى رفيع بسبب تصريحات أدلى بها الزعماء البولنديون حول جنود أي بلد هم الذين يستحقون أن يعزى إليهم شرف تحرير أوشويتز، جنود روسيا أم جنود أوكرانيا. وثانياً، نأى المؤتمر اليهودي الأوروبي بنفسه عن المشاركة، على الرغم من أن تلك كانت أضخم احتفالية لتذكر بالمحرقة في التاريخ، تنظم في حديقتهم الخلفية ذاتها.
بل بدلا من ذلك، قام كانتور بتنظيم احتفالية خاصة به في موقع معسكر ذيرزنستادت للإبادة الجماعية في جمهورية التشيك، والتي لم تجذب سوى قدر ضئيل جدا من اهتمام وسائل الإعلام العالمية، بالرغم مما بذله من جهود.
ورأى بعض زعماء اليهود في ذلك دليلا على عدم قدرته على التعاون مع المؤتمر اليهودي العالمي أو الاشتراك معه في الظهور تحت الأضواء. إلا أن البعض الآخر فسر ذلك بأن كانتور إنما يتصرف طبقاً لرغبات ومصالح الكرملين. أيا كان الأمر، ما من شك في أن تنظيم احتفاليتين منفصلتين في الوقت ذاته ولد إحساسا بالمرارة.
وأثارت مثل تلك الأحداث سؤالا حول ما إذا كان المؤتمر اليهودي الأوروبي، المنظمة التي أنشئت من أجل تمثيل مصالح الجاليات اليهودية في أوروبا لدى الحكومات والمنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي (ولهذا السبب اتخذ له مقراً في بروكسيل)، يؤدي الغرض منه تحت رئاسة كانتور. لم يكن مستغرباً أن يكون أشد الانتقادات صادراً من زعماء أكبر جالية يهودية في أوروبا، يهود فرنسا.
يقول جيل تائيب، نائب رئيس اللجنة الممثلة ليهود فرنسا (كريف): "لا أسمع ولا أرى شيئاً من المؤتمر اليهودي الأوروبي. وليس لجاليتنا أي ارتباط بهم. يقولون إنهم ناشطون، ولكن ليس ههنا. وهذا شيء مؤسف لأنه في أوقات كهذه، مع تصاعد معاداة السامية، ينبغي وجود نوع من الاستراتيجية المشتركة حول كيفية مساعدة الجاليات في أماكن مثل مارسيه وضواحي باريس. ولكن لا يوجد شيء. ولا أحد يرغب في ترشيح نفسه للرئاسة بسبب وجود إحساس بأنها منظمة غير ذات فائدة ولا معنى. تسعون بالمائة من اليهود في فرنسا لا يعرفون من هو كانتور".
أما بيير بسنانو، الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي الأوروبي، والذي خسر منصبه لصالح كانتور في عام 2007، فيعتقد أن المؤتمر ضل السبيل.
ويقول: "ينبغي على الجاليات أن تكون قوية وأن تعمل مع حكوماتها في قضايا الأمن والتعليم. كانت رؤيتي هي أن يمثل المؤتمر اليهودي الأوروبي اليهود ويشكل جسراً بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وليست تلك هي رؤية كانتور، ولا يملك المرء إلا أن يتساءل عما إذا كان المؤتمر ما يزال ذا فائدة وذا معنى".
أما ريتشارد براسكير، الرئيس السابق لكريف، والذي ترشح منافساً لكانتور في عام 2012 ولكن خسر الانتخابات، فيقول إن "القضايا التي نواجهها الآن كيهود أوروبيين متشابهة وكبيرة، وفي الوقت ذاته ينبغي أن يكون لدينا استراتيجية أوروبية مشتركة وعملاً مشتركاً. ولكن القلة القليلة من الناس تعلم بوجود مؤتمر يهودي أوروبي، وليس له أي تأثير على تفكير اليهود".
ما من شك في أن انتقادهم نابع، ولو جزئياً على الأقل، من حقيقة أن كانتور أنهى الهيمنة الفرنسية على المؤتمر اليهودي الأوروبي. فهذا مائير حبيب، وهو نائب رئيس سابق لكريف، ويشغل الآن مقعدا داخل البرلمان الفرنسي، يدعم كانتور الذي يصفه بأنه "صهيوني صاحب قيم وينجز الكثير من العمل الطيب".
ويعزو النقد الموجه له إلى صراع شخصي. ولكن لا يقتصر مصدر ذلك على فرنسا. فهذا فيليب ماركيفتش، رئيس المجلس البلجيكي يعرب عن سخطه بسبب الطريقة التي تصرف بها كانتور في أيار/ مايو من عام 2014، بعد الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسيل، حيث قتل إرهابي تابع لتنظيم الدولة أربعة أشخاص.
يتذكر ماركيفتش ما حصل قائلا: "في لقاء مع رئيس الوزراء البلجيكي شارلز ميشيل، قال كانتور إن لدى بلجيكا أعلى مستوى من معاداة السامية في أوروبا". ويضيف: "وهذا ببساطة غير صحيح، فنحن نواجه الإرهاب هنا، وخاصة في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا، ويجب علينا أن نؤمن جالياتنا، ولا ريب أن الاستجابة من قبل رؤساء حكوماتنا جيدة جدا، والحكومة البلجيكية التي تربطنا بها علاقات رائعة خصصت أربعة ملايين يورو إضافية من أجل أمننا. ولذا، حينما أسمع أشياء كهذه من كانتور وكذلك ما قيل الأسبوع الماضي في اللقاء مع بوتين، أجد لدي مشكلة. إذا كان هذا هو الذي يُقال، فنحن لا نحتاج المؤتمر اليهودي الأوروبي. كما أعتقد أن ثمة مشكلة كبيرة في كون رئيس المنظمة التي تمثل بشكل أساسي اليهود الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي هو نفسه ليس مواطنا في أي دولة من دول الاتحاد".
ولدى زعماء الجاليات اليهودية الآخرين وجهات نظر مختلطة حول كانتور وحول المؤتمر اليهودي الأوروبي. فهذا هو أندراس هيزلر، رئيس فيدرالية الجاليات اليهودية في المجر، يقول: "لدينا علاقة جيدة مع المؤتمر اليهودي الأوروبي، ولقد ساعدونا في قضايا الأمن، ولكن المؤتمر بحاجة لأن يكون منظمة أقوى مما هو عليه الآن".
ويرى البعض أن المؤتمر اليهودي الأوروبي برئاسة كانتور أقوى من اللازم، وخاصة عندما يزعمون أنه طالب الجاليات بعدم الانتساب إلى أي منظمات دولية أخرى مثل المؤتمر اليهودي الأورو آسيوي والبرلمان اليهودي الأوروبي، وهي منظمات يترأسها منافسون لكانتور.
ويقول جاشا ألافندري، رئيس الجالية اليهودية الصغيرة في الجبل الأسود: "لسنا أعضاء في المؤتمر اليهودي الأوروبي لأنهم يشترطون الحصرية. أعتقد أن مثل هذه المنظمات ينبغي أن توجد لمساعدة الجاليات لا أن نوجد نحن لكي نساعدهم. لقد تلقينا مساعدات مالية وتنظيمية من المؤتمر اليهودي الأورو آسيوي بدون أي شروط، إلا أن المؤتمر اليهودي الأوروبي يريد فرض شروط. كما أنه ليس باستطاعتك التحدث مع كانتور نفسه، فهو شخصية أهم وأكبر من أن يتحدث إليك".
ولعل المدهش في الأمر أن تكون إحدى أكثر الجاليات دعما لكانتور هل الجالية اليهودية في بريطانيا. كانتور مواطن روسي وإسرائيلي (ومثله مثل كثير من الأولغارشيين اليهود، يحمل جواز سفر إسرائيلي). كان قد أمضى ما يزيد عن عقد من الزمن وهو يعيش في جنيف، ولكنه اليوم يعيش بشكل دائم في لندن، داخل حي هامبستيد غاردين الذين يقطنه الأثرياء. ولم يزل نشطا في دعم المنظمات اليهودية المحلية، مثل "يوم الوصية" و "جمعية أمن الجالية" من خلال الصندوق اليهودي الأوروبي، المنظمة الخيرية التي أنشأها بنفسه. وكان الوفد البريطاني، وليس الروسي، هو الذي رشح كانتور لانتخابات رئاسة المؤتمر اليهودي الأوروبي.
ويقول جوناثان آركوش، رئيس المجلس البريطاني للمندوبين: "لقد أثبت كانتور أنه زعيم قوي، يركز اهتمامه على محاربة معاداة السامية. تحتاج إلى شخص لديه الوقت والالتزام والموارد للقيام بعمل كهذا، وليس مهما بالضرورة من أي بلد ينحدر. أعتقد أنه بالطريقة ذاتها التي أعاد بها رونالد لاودر تنشيط المؤتمر اليهودي العالمي، فقد أنجز كانتور الشيء ذاته في حالة المؤتمر اليهودي الأوروبي".
ويثير أركوش نقطة مهمة. فمنذ أن أصبح إدغار برونفمان رئيسا للمؤتمر اليهودي العالمي قبل خمسة وثلاثين عاما، باتت ممارسة تقليدية أن يترأس المنظمات اليهودية الدولية الكبرى أشخاص في غاية الثراء. فهؤلاء لديهم الوقت ويملكون طائرة خاصة ويتمتعون بمكانة تسمح لهم بالسفر حول العالم والالتقاء برؤساء الدول. كما أن لديهم المال الذي ينفقون منه على المنظمات التي يترأسونها ويمولون به مؤسساتهم الخاصة التي تقدم التبرعات للجاليات والمنظمات المحلية اليهودية التي تكون في حاجة إليها، مثلما تفعل مؤسسة الصندوق اليهودي الأوروبي التي يملكها كانتور. تلك التبرعات هي التي تمنحهم المكانة باعتبارهم من كبار المحسنين اليهود وتضمن لهم ما يحتاجون إليه من أصوات للفوز في الانتخابات.
ولكن بالنسبة لرجال الأعمال هؤلاء، يصعب تحديد أين ينتهي الإحسان وتبدأ المصالح الخاصة. فكانتور، الذي تقدر مجلة "فوربس" ثروته بما يقرب من 2.7 مليار دولار، يهيمن على مجموعة آكرون، إحدى أكبر موردي السماد الصناعي في العالم، والذي يتم إنتاجه بشكل أساسي في روسيا، ولكنه يسوق في كافة أرجاء العالم.
وفي حزيران/ يونيو من عام 2015، عين كانتور رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير رئيسا للمجلس الأوروبي للتسامح والتصالح، وهي منظمة أسسها بنفسه وينفق عليها من ماله. واحتفاء بتلك المناسبة، نشر كانتور وبلير مقالا مشتركا في صحيفة "ذي تايمز أوف لندن" حول أخطار معاداة السامية في أوروبا المعاصرة.
ولكن بعد مرور ستة شهور على تاريخ نشر تلك المقالة، لم يسجل في النطاق العام أي نشاط لبلير بالنيابة عن المجلس الأوروبي للتسامح والتصالح، ولا حتى ورد ذكر شيء من ذلك في موقع المنظمة على الإنترنت.
ومنذ أن غادر مكتب رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت في عام 2007، اختار طوني بلير لنفسه مهنة تدر عليه مبالغ طائلة كمستشار لدى الحكومات والشركات الكبرى ومدافع عن مصالحها.
ويقول أحد كبار المدراء في واحدة من المنظمات اليهودية التي تتمتع بخبرات واسعة في العمل داخل روسيا: "مثله مثل أي أوليغارك آخر يعتمد على التجارة العالمية مع روسيا، يجدر بكانتور أن يخشى من مغبة أي عقوبات محتملة من شأنها أن تلحق به أضرارا جسيمة. وشخص مثل طوني بلير يمكن أن يكون مفيدا جدا لكانتور بما لديه من علاقات واتصالات مع الحكومات الغربية فيساعده في التخطيط وفي محاولة قطع الطريق على أي عقوبات قد تمسه".
ردا على سؤال تقدمت به هآريتز، نفى مكتب بلير أن يكون لعمله مع كانتور أي صلة بمصالحه التجارية، ورفض الكشف عن المبلغ الذي يُدفع له مقابل شغله منصب رئيس المجلس الأوروبي للتسامح والتصالح، وقال إن الرسوم التي يتقاضاها يتم التبرع بها لصالح مؤسسة "فيث فاونديشن" التي تتبع لرئيس الوزراء السابق.
وكان يشغل منصب رئيس المجلس الأوروبي للتسامح والتصالح قبل طوني بلير الرئيس البولندي السابق أليكسندر كوانيويسكي، وهو الذي بذلت مجموعة آكرون المملوكة لكانتور خلال فترة رئاسته للمجلس محاولات عدة لشراء مؤسسات إنتاج الأسمدة البولندية، على الرغم من معارضة الحكومة البولندية للتخلي عن ملكيتها لما كانت تعتبره صناعة استراتيجية.
وفي خطاب شديد اللهجة، نفى محامو كانتور أن يكون بلير أو كوانيويسكي قد سعيا للتأثير على صناع القرار نيابة عن موكلهم. ولكن أيا كانت الظروف التي ربطت الرجلين بكانتور، لا ينبغي بحال أن يكون تعارض المصالح المحتمل ما بين نشاطاته التجارية ورئاسته للمؤتمر اليهودي الأوروبي فوق المساءلة والتمحيص.
ويقول الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي الأوروبي بسنانو إن المنصب "أداة قوية للتشبيك، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أشخاص غير يهود. فاليهود لا يعلمون ولا يهمهم من يكون رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي، ولكنه بات نوعا من الماركة، اسم يتم التوجه من خلاله إلى الأغيار (غير اليهود). ويمكن أن يستخدم لتحصيل مكاسب شخصية".
ووجهت صحيفة "هآرتس قائمة أسئلة إلى كانتور، تتعلق بما ورد ذكره في هذه المقالة، ولكنه لم يرد على أي منها بشكل محدد، وإنما أصدر المؤتمر اليهودي الأوروبي بياناً جاء فيه: "هذه المقالة بأسرها وبما ورد فيها من مزاعم باطلة، إنما يقصد منها شيء واحد– ألا وهو تلطيخ اسم وسمعة الدكتور كانتور عبر إعادة تدوير كل أنواع الادعاءات والافتراءات والتضليل الذي تم جمعه عبر السنين، ويردده أشخاص مفترضون، ولكنهم يتخفون وراء ستار الحاجة إلى التكتم على الهوية. وهذا كله جزء من حملة سلبية ما لبثت تشن منذ فترة طويلة ضد الدكتور كانتور".
ومضى البيان يقول: "لقد قاد الدكتور كانتور المؤتمر اليهودي الأوروبي في فترة من الإنجازات غير المسبوقة، وقد تحقق الإجماع بين الجاليات اليهودية على أن موقع المؤتمر اليهودي الأوروبي اليوم لا يقارن بما كان عليه قبل أن ينضم إلى المنظمة قبل تسع سنين. لا ريب في أن قوة المؤتمر اليهودي الأوروبي اليوم وما يحظى به الدكتور كانتور من دعم في أرجاء أوروبا يقض مضاجع المنظمات اليهودية المنافسة وزعمائها. ولكن يبقى المؤتمر اليهودي الأوروبي مركزا اهتمامه على مواجهة الكثير من التحديات الصعبة التي تواجه الجاليات اليهودية الأوروبية وعدم الانجرار إلى حرب وضيعة من الافتراءات السخيفة والتي لا أساس لها، وتم تكرارها في هذه المقالة".
طوال رئاسته للمؤتمر، غدا كانتور أكثر براعة في تقديم نفسه كما لو كان رجل دولة. ففي وقت مبكر من فترة رئاسته صدم المشاركين في لقاء بين الزعماء اليهود والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كان الغرض منه التركيز على التهديد النووي الإيراني، عندما قدم لها هدية عبارة عن قطعة صابون زعم أنها تشبه تلك التي كان الألمان يقدمونها لضحاياهم اليهود قبل أن يزجوا بهم في حجرات الغاز أثناء المحرقة.
وقال حينها إن تلك القطعة كانت ترمز إلى الحاجة للاستمرار في الصحوة ضد معاداة السامية. كما تراجع قليلا عن بعض الأفكار الغريبة التي كان يقترحها مثل منح جميع اليهود حول العالم حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، وتأسيس "مجلس لوردات يهوديا" يقوم هو شخصيا بتعيين أعضائه.
ويقول أحد النشطاء اليهود ممن يعملون في أوروبا الشرقية: "لقد تحسن كثيرا بتجنبه الوقوع في الغلطات التي كثيرا ما كانت تصدر عنه في الماضي، ولعله استفاد من تجنيد فريق من المهنيين للعمل معه. فلم يعد الآن يرتكب مثل تلك الغلطات الأوليغارشية".
كما أثبت جدارة كطرف في العلاقات السرية، ولكن المكثفة، بين تل أبيب وموسكو.
ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين: "يلتقي نتنياهو مع الكثير من زعماء اليهود الذين يرغبون في التقاط صور تذكارية معه، وتكون تلك في العادة لقاءات قصيرة جداً. ولكنه يقضي وقتاً أطول مع كانتور، ويعبر عن تقديره لما لديه من تقييم لما يجري داخل الكرملين من تفكير".
ومن الأدلة الأخرى على علاقة كانتور الوثيقة بالكرملين، ذلك الاجتماع الذي عقد الشهر الماضي في موسكو لمنتدى لوكسمبورغ الدولي لمنع الكوارث النووية، عنوان آخر كبير لكيان أسسه ويموله كانتور، جلب من خلاله خبراء من الغرب ومن روسيا ومن إسرائيل (بما في ذلك المستشار الاستراتيجي السابق لنتنياهو عوزي عراد).
وكان منتدى لوكسمبورغ يركز في الماضي أساسا على البرنامج النووي الإيراني، ولكن هذه المرة لم يرد ذكر إيران بتاتا في إعلان المنتدى، الذي ألح، بدلاً من ذلك، على زعماء الولايات المتحدة وروسيا العمل معا في موضوع الأمن النووي وتقليص أسلحة الدمار الشامل، دون ذكر أي بلد بعينه. فيما عدا تنظيم مناسبة أو اثنتين في العام ورعاية بضعة من السياسيين وكبار المسؤولين السابقين وتوفير منصة للرجل الذي يزعم بأنه يمثل يهود أوروبا، تبقى إنجازات منتدى لوكسمبورغ غير واضحة، كما هو حال المنظمات الأخرى التي تم إنشاؤها أثناء فترة رئاسة كانتور.