ملفات وتقارير

مع استمرار حرب أوكرانيا.. إلى أين ستصل معاناة المصريين؟

انتقد خبراء حلول السلطات المصرية لمسألة ارتفاع الأسعار ورأوا أنها ضعيفة جدا ولن تستمر طويلا- عربي21
انتقد خبراء حلول السلطات المصرية لمسألة ارتفاع الأسعار ورأوا أنها ضعيفة جدا ولن تستمر طويلا- عربي21

لا تكاد تسير في شارع مصري إلا وتسمع حديث الناس الغاضب من ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية الذي يتفاقم بشدة مع قرب حلول شهر رمضان، ومع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الأول.

ومن أمام محلات بيع ياميش رمضان تجد الحركة أقل من المعتاد بالسنوات السابقة، بسبب ارتفاع الأسعار الذي فاق كل المعدلات السابقة، وهو ما رصده مراسل "عربي21"، في سوق شعبية بشارع القيسارية التجاري بمدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية.

"اضطراب الأسواق"

 

 ومن أمام محل جزارة رصدت "عربي21" خلافا بين جزار وزبائنه الذين يفاصلونه في السعر الجديد الذي تعدى في الريف ١٥٠ جنيها للكيلو صعودا من ١١٠ جنيهات (سعر الدولار 15.70 جنيها تقريبا).

ذلك الحال ينطبق بشكل كبير على أسعار الدواجن التي وصل سعرها تقريبا 40 جنيها للكيلو صعودا من 28 جنيها، وذلك بسبب زيادة أسعار الأعلاف إذ وصلت الشيكارة زنة 25 كيلو إلى 270 جنيها صعودا من 230 جنيها قبيل الأزمة الأوكرانية التي بدأت 24 شباط/ فبراير 2022.

وارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بين 10 و50 بالمئة، وفق تقارير شعبة القصابين بالغرفة التجارية للقاهرة.

كما ارتفعت أسعار السلع التموينية الأساسية كالأرز والزيت والمعكرونة بشكل مؤثر على ملايين الفقراء ببلد يقبع نحو 60 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر العالمي، وفق تقرير للبنك الدولي أيار/ مايو 2019.

وارتفعت أسعار الأرز بين 15 و20 بالمئة مع ارتفاع طن الأرز من 8 آلاف جنيه إلى 11 ألف جنيه، بحسب شعبة الحاصلات الزراعية بالقاهرة، فيما ارتفع سعر طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه صعودا من 8 آلاف جنيها، قبل اندلاع الحرب الروسية.

الارتفاع الصادم كان على سعر رغيف الخبز غير المدعم حيث وصلت نسبة الارتفاع إلى 50 بالمئة؛ من جنيه للرغيف إلى 1.25 و1.5 جنيه، فيما زادت أسعار المخبوزات بين 20 و30 بالمئة، مع زيادة سعر طن الدقيق من 9 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه.

وسجل معدل التضخم السنوي في شباط/ فبراير الماضي، ارتفاعا إلى 10 بالمئة مقابل 4.9 في شباط/ فبراير 2021، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 10 آذار/ مارس 2022.

ولم تقتصر الارتفاعات على المواد التموينية، بل تعدتها إلى مواد البناء حيث تصاعدت أسعار الأسمنت من ألف جنيه للطن إلى 1500 ثم إلى 1800 لدى التجار. وارتفع سعر طن الحديد من 15 ألف جنيه إلى 20 ألفا ثم إلى نحو 22 ألف جنيه.

تلك الارتفاعات في أسعار مواد البناء تسببت في زيادة نسب البطالة بين أصحاب المهن المرتبطة بالبناء والتشييد وخاصة مع قرب قدوم شهر رمضان.

واشتكى عمال بناء في حديثهم مع مراسل "عربي21" من توقف المشاريع التي كانوا يعملون فيها، معربين عن مخاوفهم من استمرار تلك الأوضاع مع دخول شهر رمضان.

 

اقرأ أيضا: مصر ترفع الفائدة لأول مرة منذ 5 سنوات.. وانخفاض حاد للجنيه

"إجراءات حكومية"

 

 في المقابل تتخذ السلطات متمثلة في وزارة التموين إجراءات لضبط الأسعار والإبقاء على توازن المعروض من السلع بالسوق.

وفي 15 آذار/ مارس الجاري، اجتمع رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ووزير التموين علي المصيلحي، ووزير الداخلية محمود توفيق، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل.

ووجه السيسي الحكومة بتسعير رغيف الخبز الحر غير المدعوم للحد من ارتفاع ثمنه، ووجه مباحث التموين بالتأكد من تنفيذ التسعيرة الجديدة.

وأعلنت الحكومة أنها ستستخدم ما لديها من مخزون استراتيجي من السلع المختلفة، وتتيحها بالأسعار المعروضة قبل موجة الزيادة الأخيرة.

وأكدت أن المواطن يستطيع الحصول على السلع بالأسعار القديمة من المنافذ التابعة لوزارتي التموين والداخلية وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

وأعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية حظر تصدير 5 سلع غذائية لمدة 3 أشهر وهي العدس والمعكرونة، والقمح والدقيق والفول.

وصادرت وزارة الداخلية كميات كبيرة من السلع المخزنة لدى التجار والشركات ومضارب الأرز ومطاحن الدقيق ومخازن المعكرونة والزيوت، وغيرها، حيث تقوم ببيعها في مجمعاتها وفي منافذ وزارة الداخلية "أمان".

وأطلقت "الداخلية" مبادرة "كلنا واحد" بتخفيضات تصل لـ60 بالمئة، مع توجيه قوافل غذائية تجوب القرى والنجوع، وتوفر السلع الاستراتيجية.

لكن، ورغم الكثير من القرارات والإجراءات إلا أن الأسعار يعجز الكثير من المصريين عن مجاراتها، وفق حديث بعض الأهالي لمراسل "عربي21"، والذين عبر بعضهم عن مخاوفه حال استمرار الحرب الروسية مع قدوم شهر رمضان.

وفي المقابل، دافع بعض الأهالي عن النظام، مؤكدين أن "الأمر خارج إرادته، وأن الحرب أثرت على أكبر دول العالم في أوروبا وأمريكا"، مثمنين خطوات النظام في ضبط الأسعار.

 

اقرأ أيضا: السيسي يطلب "دعاء" المصريين.. وسخرية من وعوده الاقتصادية

"خليط من الأسباب"


وفي تقييمه للحالة الاقتصادية المصرية وأسباب وصولها لهذا الوضع، ومدى تطورها مع استمرار الحرب الروسية، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبد العزيز إن "زيادة الأسعار الحالية هي واحدة من 3 زيادات خلال 2022، وسبب الزيادة الحالية خليط من مجموعة أسباب".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "منها آثار جائحة كورونا الاقتصادية والتي تسببت في نقص المعروض عالميا وارتفاع الطلب بشدة مع التعافي العالمي وارتفاع نسبة الملقحين وتقليل الإجراءات الاحترازية".

وأضاف: "وبالتالي ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 80 بالمئة، وبأمريكا مثلا زادت أسعار المستهلك 6 بالمئة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وبالصين زادت أسعار الجملة 10 بالمئة في آب/ أغسطس من نفس العام، وفي ألمانيا زادت 15 بالمئة، وارتفعت أسعار الحبوب 27 بالمئة، والمعادن 60 بالمئة".

أين الخلل؟


وفي إجابته على التساؤل: هل الحرب هي السبب ومصر كغيرها من البلدان؟ أم جشع التجار؟ أم الدولة؟ أم استهلاك المصريين المرتفع؟ أكد عبد العزيز أن "كل تلك الزيادات التي جرى الحديث عنها نموذج لفترة ما بعد كورونا؛ ومصر كدولة مستوردة لأغلب مستلزماتها من السلع والمواد الأولية تأثرت بهذه الزيادة وظهر أثرها الآن".

وتابع: "يضاف إلى أثر كورونا، نقص الدولار بالبنوك المحلية، وفرض المركزي المصري على المستوردين شرط الاعتماد المستندي وتغطيته بالكامل كشرط للاستيراد على عكس مستندات التحصيل السابقة، والتي كان يغطي المستورد منها 20 بالمئة، لحين وصول الشحنات".

ولفت إلى أنه "وبالتالي أحجم عدد من المستوردين عن الاستيراد، وعدد آخر أضاف تكلفة وضع الدولارات في البنوك لتغطية الاعتماد على المستهلك".

وواصل: "يضاف لما سبق، أثر رفع الدعم، وضعف الدخول بشكل عام، وانخفاض نمو الناتج المحلي، واقتصار النشاط الاقتصادي للعديد من المشروعات على شركات الجيش والشركات المتعاونة معه، ووقف البناء في الجمهورية كلها عدا ما يقوم به الجيش والدولة بالعاصمة الإدارية وبعض المناطق".

وأكد الأكاديمي المصري أن "كل ما سبق سبب زيادة البطالة وارتفاع الأسعار بنسبة قد تصل لـ25 و50 بالمئة".

وأضاف: "أما الحرب الروسية على أوكرانيا فلم يشهد المصريون أثرها بشكل مباشر على أسعار السلع والحبوب المستوردة حتى الآن، فالقاهرة التي تستورد 80 بالمئة من القمح المستورد من أوكرانيا وروسيا ستضطر للاستيراد بتكلفة زائدة 40 بالمئة أو أكثر من دول أخرى عندما ينتهي مخزونها الحالي".

وتابع: "وكذلك الأمر بالنسبة لزيت الطعام، وللذرة كعلف للحيوانات والطيور"، مضيفا: "وإن كان الكثير من التجار لجأ لتخزين السلع ورفع أسعارها تحسبا لارتفاع تكلفة الواردات القادمة بسبب الحرب".

وبحسب الخبير المصري: "يضاف لما سبق نقص الدولار الحالي بسبب نقص السيولة ونقص الدخل من السياحة بنسبة قد تصل لما بين 40 و60 بالمئة، وتخارج 3 مليارات دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين بسبب الحرب، وبسبب رفع الفائدة الفيدرالية الأمريكية 25 نقطة منذ أيام".

وحول احتمالات تفاقم الأزمة، توقع "خروج مليارات أخرى مع احتمال حدوث 6 مرات من الرفع للفائدة الفيدرالية خلال 2022".

وأوضح أنه "من الأساس هناك رصيد سالب لدى البنوك المصرية منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وبالتالي نجد أن نسبة التضخم خلال شباط/ فبراير الماضي 10 بالمئة، مقارنة بـ4.8 بالمئة نفس الشهر في 2021".

وأكد أن "هذا يتسبب مع عوامل أخرى في رفع سعر الدولار خلال نيسان/ أبريل، أو أيار/ مايو القادمين لـ25 جنيها، وهو ما سيتسبب في الزيادة الثانية في الأسعار، وبعدها قد يتضاعف سعر الدولار إلى 50 جنيها وهو ما توقعته في 2020، وبالتالي ستحدث الزيادة الثالثة للأسعار".

 

اقرأ أيضا: هل تصادر حكومة مصر محصول القمح من الفلاحين لتوفير الخبز؟

"مسؤولية النظام"


وبالنسبة لمسؤولية النظام قال عبد العزيز: "لا شك أن نظام السيسي سبب مباشر لزيادات الأسعار رغم الأسباب العالمية، وذلك بإهداره مئات المليارات على الخرسانة والأسفلت، ومثلهم على السلاح، والعاصمة الإدارية، ومحطة الضبعة النووية، والقطار الكهربائي، وتفريعة قناة السويس، بإجمالي يتجاوز 400 مليار دولار".

 وألمح إلى أنه "لولا ذلك؛ لكان الاقتصاد المصري قادرا على مواجهة هذه الأزمات، ولولا إفقار الشعب عمدا بتخفيض الدعم وزيادة الضرائب والرسوم لكان الشعب قادرا على مواجهة التضخم أو على الأقل تقليل الضرر".

وعن الإجراءات الحكومية وهل هي كافية لضبط الأسعار؟ يرى عبد العزيز أنها "ضعيفة جدا، ولن تستمر طويلا في تقليل أو تخفيف أثر ارتفاع الأسعار".

وبشأن حلول الخروج من الأزمة في رؤيته الاقتصادية، قال عبد العزيز، إنه "على النظام سد فارق الأسعار بتحمل جزء من فارق الواردات، مثلا كدعم الخبز الحر بشرط تثبيت السعر، ونفس الأمر لتجار الأعلاف وباقي السلع الأساسية".

وطالب بـ"وقف المشروعات المهدرة للدولار وجدولة جزء من الديون حتى نتجاوز الأزمة، ووضع خطة لزيادة الإنتاج والصادرات وتقليل الواردات غير الضرورية".

وأضاف: "والتفكير بجدية لتغيير المسار السياسي الحالي بانتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية وغير مزورة لفتح المجال العام، وتغيير النظام بشكل سلمي، يجعل الشعب يشارك في مواجهة الأزمات وتحمل المسؤولية".

"مجتمع الندرة والاحتكار"


على الجانب الآخر، ثمن رئيس حزب الجيل والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب السياسية المصرية ناجي الشهابي بالإجراءات الحكومية لضبط الأسعار، وبينها إلغاء الزيادة التي قررتها الحكومة على سعر طن الدقيق وإعادته إلى 8500 جنيه بدلا من 12000 جنيه.

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إن "شعبنا يعيش في مجتمع الندرة والاحتكار، وليس مجتمع الوفرة والمنافسة لنترك السوق يصحح نفسه بنفسه"، مطالبا "بوضع تسعيرة إجبارية للسلع الأساسية وأخرى استرشادية لباقي السلع"، مشيدا بقرار السيسي دراسة تسعير رغيف الخبز غير المدعم.

لكنه في الوقت نفسه لام الحكومة على رفع أسعار طن الدقيق بالرغم من وجوده بالمستودعات والصوامع بالسعر القديم، وأنها لم تستورد القمح بعد بالسعر الجديد بعد الزيادة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وحذر الشهابي، مما أسماه بـ"اللعب هذه الأيام ورفع الأسعار"، مشيرا إلى "معاناة المصريين الواضحة عليهم في الشارع بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار بدون مبرر".

 

اقرأ أيضا: معهد: الحرب بأوكرانيا تسبب أزمة غذاء بمصر وتهديدا لاقتصادها


التعليقات (0)