ملفات وتقارير

"قرشي" جديد يقود "داعش".. هل يغيّر التنظيم أساليبه؟

نشر التنظيم توثيقا لبيعات مفارزه الأمنية وعناصره في دول مختلفة للزعيم الجديد "أبو الحسن الهاشمي" -حسابات التنظيم
نشر التنظيم توثيقا لبيعات مفارزه الأمنية وعناصره في دول مختلفة للزعيم الجديد "أبو الحسن الهاشمي" -حسابات التنظيم

واصل تنظيم الدولة "داعش"، شنّ هجمات يومية في عدة دول بأنحاء متباعدة حول العالم، حتى بعد مقتل زعيمه عبد الله قرداش "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، وتعيين "أبو الحسن الهاشمي القرشي" خلفا له.


قبل إعلان اغتيال قرداش بأسابيع، شن تنظيم الدولة هجوما عنيفا على سجن غويران في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، شرقي سوريا، ونجح في إخراج عدد من عناصره، معتبرا ذلك "نصرا" عظيما، برغم أن "قسد" تمكنت من قتل وإعادة اعتقال المئات.

بعث هجوم التنظيم إلى السجن برسائل عدة بحسب مراقبين، أهمها أن إعلان الولايات المتحدة القضاء عليه في العام 2018، لم يكن حقيقيا، وهو يأتي بعد تحذيرات عدة أرسلتها "قسد"، بأن عدم التفاعل الإيجابي من الدول التي تضم مواطنين لها في السجون الموجودة شمالي شرق سوريا، قد ينذر بأن القادم أسوأ في حال تمكن "داعش" من إخراجهم.

 

وبعد يوم من إعلان "أبو الحسن الهاشمي" خليفة جديدا لتنظيم الدولة، بدأت حسابات التنظيم الرسمية بنشر صور ومشاهد من بيعات للزعيم الجديد، وثقها مقاتلون للتنظيم في سوريا، والعراق، والفلبين، ومناطق أفريقية، وفي اليمن، وليبيا.

 

وبث التنظيم فيديو يظهر مشاهد من بيعات مفارز التنظيم في سوريا، وتوعدوا بمواصلة القتال، مشبهين موت زعماء التنظيم بموت الخلفاء الراشدين من الصحابة.

 

وكان لافتا أن المتحدث الجديد باسم التنظيم "أبو عمر المهاجر" قطع الطريق على التكهنات حول إمكانية الكشف عن هوية الزعيم الجديد، إذ قال في كلمته التي أعلن فيها عن اختيار "أبو الحسن" زعيما: "لو أمكننا لكشفنا عن اسمه ورسمه، ولكن لكل مقام مقال".

"نكاية لا تمكين"

  تظهر عمليات التنظيم الأخيرة في سوريا، والعراق، وبعض مناطق وسط وغربي أفريقيا، وسيناء المصرية، بالإضافة إلى أفغانستان، أن الغاية الأهم التي يهدف لها "داعش" اليوم هي إلحاق الضرر بخصومه، وليست السيطرة على المناطق والتوسع، كما كان يطمح إبان إعلانه "الخلافة" صيف العام 2014.

ويعني هذا بحسب محللين، أن التنظيم تراجع عن خططه المعلنة سابقا بـ"التمكين"، و"توسيع أراضي الخلافة الإسلامية"، التي امتدت لآلاف الكيلومترات في أوج قوة التنظيم عام 2016.

 

إذ كان "داعش" يرفع راياته، ويبدأ بفرض سيطرته على كل منطقة يدخلها، ويتخذ حاليا سياسة "الإثخان" أو التنكيل بخصومه عبر خلاياه النائمة المنتشرة في مناطق مختلفة.

ويظهر تكتيك التنظيم أنه بات مقلّا في تنفيذ العمليات الانتحارية بقصد الحفاظ على عناصره، ففي العام 2021 فجر 23 عنصرا من التنظيم أنفسهم فقط، في حين أن العام 2015 على سبيل المثال شهد أكثر من ألف عملية انتحارية.

 

ويستبعد خبراء أن يغير التنظيم من أساليبه في الهجمات مع تعيين زعيم جديد له.

 

اقرأ أيضا: مصادر لرويترز: شقيق البغدادي هو الزعيم الجديد لتنظيم الدولة

أرقام ضخمة

نفذ التنظيم في العام 2021، 2748 هجمة فقط، أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 8039 شخصا، وذلك في 20 دولة، بحسب إحصائية نشرها عبر حساباته، ورصدتها "عربي21".

تنوعت عمليات التنظيم بين تفجير عبوات ناسفة وعربات مفخخة (1065)، واشتباكات مباشرة (855)، و279 عملية اغتيال، و203 كمينا، و23 عملية انتحارية، إضافة إلى أكثر من 300 عملية مختلفة أخرى.

العراق كان لها النصيب الأكبر من هجمات التنظيم بواقع 1127 عملية، أسفرت عن قتل وجرح أكثر من 2000 شخص، تلتها أفغانستان بواقع 372 عملية، أسفرت عن قتل وجرح 1963 شخصا.

 قال التنظيم إنه نفذ في سوريا 368 عملية، أسفرت عن قتل وإصابة 736 شخصا، فيما شهدت نيجيريا هجمات أكثر بواقع 415 هجمة، أسفرت عن وقوع 1556 بين قتيل وجريح.

وجاءت بقية الهجمات كالتالي: مصر (101 هجمة و206 قتلى وجرحى)، النيجر (43 هجمة و225 قتيلا وجريحا)، موزمبيق (68 هجمة و217 قتيلا وجريحا)، الهند (9 هجمات و13 قتيلا وجريحا).

بالإضافة إلى: أوغندا (4 هجمات و40 قتيلا وجريحا)، مالي (6 هجمات و72 قتيلا وجريحا)، الكونغو (125 هجمة و442 قتيلا وجريحا)، باكستان (15 هجمة و108 قتلى وجرحى).


عوامل متجددة بسوريا

الناشط الصحفي زين العابدين العكيدي، تحدث لـ"عربي21" عن قوة عمليات تنظيم الدولة في البادية السورية، والمناطق الشرقية بشكل عام.

وأوضح أن التنظيم لديه طريق رابط بين البادية السورية ومدينة القائم في محافظة الأنبار غربي العراق، معتبرا أنه برغم وجود قوات أمنية على الحدود بين البلدين، إلا أن هذا الطريق يعد مفتوحا بشكل كبير لتنقل عناصر "داعش"، وإدخال الأسلحة، وذلك نفيا لإعلان العراق المتكرر بأن حدوده مؤمّنة بشكل تام.

ولفت إلى أن التنظيم يستفيد من علاقاته مع المهربين في المناطق الحدودية، إضافة إلى خلاياه النائمة التي تعرف طبيعة تلك المناطق عن كثب.

وبحسب العكيدي، فإن مصطلح "عودة ظهور داعش" غير دقيق، مشيرا إلى أن التنظيم لم ينته من الأساس، موضحا أن التنظيم يعتبر من منطقة الجزيرة السورية (شمالي شرق)، منطقته المفضلة، وباتت لديه حاضنة تمكّنه من التجول بشكل علني أحيانا، وفرض "زكاوات" على التجار، تحت طائلة الاستهداف في حال رفضهم.
 
 وأشار العكيدي إلى أن التنظيم ينتشر أيضا في ريف الحسكة الجنوبي، الواصل مع دير الزور، لافتا إلى عمليات التنظيم الدورية فيها، لا سيما تصفية شخصيات يتهمها بالارتباط في قوات "قسد".

  وتابع أن من العوامل التي ساهمت في تقوية "داعش"، إطلاق عناصره من قبل قوات "قسد" بشكل مستمر، إما عبر وساطات عشائرية، أو بالرشاوى.

 

اقرأ أيضا: FP: "داعش" يتمتع بمرونة كبيرة ومقتل زعيمه لن ينهي تهديده

تأثر طفيف

 

أجمع خبراء ومحللون أن تأثر تنظيم الدولة بمقتل زعيمه "الهاشمي" كان طفيفا، واقتصر على الجانب المعنوي فقط، إذ إن خلايا التنظيم باتت تعمل بشكل متواصل، ولم تتوقف حتى في الفترة التي تبعت الإعلان الأمريكي عن مقتل قرداش، واستمرت نحو شهر كامل، قبل أن يقرّ "داعش" بذلك.

 

بحسب الخبير في الجماعات الجهادية، المحلل العراقي رائد الحامد، فإنه "ليس ثمة ما يشير إلى تراجع أداء التنظيم قياسا إلى واقع مقتل قياداته، منذ مقتل أمير (دولة العراق الإسلامية) أبو عمر البغدادي عام 2010، الذي خلفه أبو بكر البغدادي مؤسس (دولة الخلافة الإسلامية)، الذي نجح في تأسيس العديد من الولايات في مختلف دول العالم".

 

وأوضح أنه بعد مقتل البغدادي عام 2019، نجح خليفته عبدالله قرداش بإعادة إحياء نشاطات، أو تأسيس ولايات جديدة في أفغانستان ووسط وغرب أفريقيا، وإعادة نشاطات التنظيم تدريجيا في سوريا والعراق خاصة خلال عام 2021، وزيادة وتيرة عملياته التي بلغت ذروتها في محاولة اقتحام سجن الصناعة في الحسكة.

 

ولفت إلى أن مقتل "أبو إبراهم الهاشمي" قد يكون أثر في معنويات أمراء التنظيم ومقاتليه لأسابيع، لكنهم سيستعيدون نشاطاتهم ضمن استراتيجيات جديدة تكشف عنها الأسابيع المقبلة.

 

نشاط في أفغانستان

 

منذ سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، في آب/ أغسطس الماضي، كثّف تنظيم الدولة عبر فرعه هناك "ولاية خراسان" من هجماته، واستهدف عناصر حركة "طالبان"، وأقلية "الهزارة" الشيعية بشكل متكرر.

 

وبرغم فرض حركة "طالبان" احترازات أمنية كبيرة مع مطلع العام 2022، إلا أن عناصر التنظيم تمكنوا من تنفيذ 39 عملية حتى العاشر من آذار/ مارس الجاري، بحسب ما رصدت "عربي21".

 

يقول الخبير الأمني البريطاني، أندرو فوكس؛ إن طالبان ورثت دولة على حافة الكارثة، حيث الجفاف، والمجاعة، ومن ثم فإن نظام الأمن لديها هش للغاية.

 

فوكس الذي خدم في سلاح المظلات بأفغانستان سابقا، قال لـ"عربي21"؛ إن تركيبة المجتمع الأفغاني معقدة، حيث تتدخل القبلية في الولاءات، في إشارة إلى مخاوف من أن يتم اعتبار قبائل معينة على تنظيم الدولة.

 

ونوه إلى أن "طالبان" قد تعمل بشكل حثيث على فرض الأمن، معتبرا أن فشلها في ذلك سيدفع الناس لفقد ثقتهم بها، ومن ثم تزايد فرص العودة إلى حرب أهلية جديدة.

 

اقرأ أيضا: بعد مقتل "قرداش".. كيف يختار تنظيم الدولة زعيمه الجديد؟
 

 الرسالة من "غويران"

 

في نهاية كانون أول/ يناير الماضي، اندلعت أحداث سجن غويران بالحسكة، وقال "داعش" في مجلته الأسبوعية "النبأ"؛ إنه تمكن من إخراج المئات من عناصره، وأن مجموعة قليلة فقط هم من قاموا بتنفيذ الهجوم الذي شاركت في إخماده قوات أمريكية.

 

سلّطت أحداث السجن الأضواء مجددا على التنظيم، برغم أن الوقائع لم تكن مفاجئة لجهات من بينها قوات سوريا الديقمراطية "قسد" المعنية بحماية السجن، إذ إن مسؤوليها دأبوا خلال الأعوام الماضية على تحذير دول الغرب من أن عدم تعاونهم في تسلم مواطنيهم المنتمين لـ"داعش" والموجودين في سجونها، يعني أن الخطر لا يزال قائما.

 

نائب مدير مركز أبحاث مكافحة التطرف ITCT البريطاني، فاران جيفري، قال لـ"عربي21"؛ إن الهدف الأساسي من الهجوم على السجن، لم يكن تحرير مقاتلي "داعش".

 

وتابع: "الرسالة الواضحة التي بعثها التنظيم لمؤيديه والمتعاطفين معه حول العالم، أنه لا يزال قائما، وقادرا على تنفيذ هجمات واسعة النطاق، في سوريا وخارجها".

 

وأضاف أن "قسد" تواجه صعوبة في التعامل مع جميع أسرى تنظيم الدولة، مضيفا: "أعتقد أنها ليست قضية عدم رغبة بإيوائهم، بقدر ما هي قضية نقص موارد ومعدات وكوادر مدربة للتعامل معهم".

 

ولفت جيفري إلى أن عددا كبيرا من معتقلي تنظيم الدولة "بارعون" في عمل خلايا وشبكات تواصل لهم داخل السجن، التي أدّت دورا في هجوم زملائهم على السجن. 

التعليقات (0)