بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لقيام الجمهورية العربية المتحدة ما بين مصر وسوريا في 22 شباط/ فبراير 1958، أطلقت الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي "نداء الوحدة" إلى الأمة بكافة تياراتها وقواها وجماهيرها، من أجل تجديد النضال الوحدوي والعمل من أجل تجديد النضال لتحرير فلسطين.
وقد كلّفت الأمانة العامة الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، الدكتور زياد الحافظ، بإعداد "النداء- البيان" التاريخي ليحيط بكل جوانب العمل الوحدوي، ضرورة وإمكانية ووسائل، ويكون مفتوحاً لأوسع نقاش من قبل كافة القوى والشخصيات العاملة من أجل وحدة الأمة.
وفي مقدمة هذا النداء التاريخي اعتبر الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، مجدي المعصراوي: إذا كانت الظروف الموضوعية والإقليمية الدولية لم تسمح للوحدة الرائدة في أواخر خمسينات القرن العشرين من النجاح، رغم توفر الظروف الذاتية المتمثلة بالقائد التاريخي والحركة القومية الناهضة، فإن
المؤتمر القومي العربي يرى اليوم تحولات موضوعية هامة على المستوى الإقليمي والدولي؛ تشي بتراجع القدرات الاستعمارية والصهيونية على التحكم بمصير العالم عموماً، وأمتنا خصوصاً، وهي الأمة التي تقود عبر مقاومتها المنطلقة على امتداد الأمة من فلسطين وأكناف فلسطين، بما يتطلب توفير الظروف الذاتية الملائمة لترجمة هذه التحولات إلى إنجازات على طريق تحقيق المشروع النهضوي العربي وعناصره الستة، وفي مقدمها
الوحدة العربية فيما لو توفرت النوايا الصادقة والإرادات الصلبة والأدوات المناسبة والرؤى السليمة.
وقد تضمن "نداء الوحدة" الذي أعده الدكتور زياد الحافظ عدة نقاط أساسية، وبعضها جرى النقاش حولها سابقا كثيرا وخصوصا القضايا الفكرية والنظرية، وبعضها مرتبط بالمعطيات الواقعية الجديدة في عالم اليوم، ومنها أهمية الوحدة العربية وضرورتها. واستند في ذلك إلى الجوانب الفكرية والاقتصادية والإمكانات والقدرات التي تتمتع بها الدول العربية مجتمعة، وتحديد من هو العربي والهوية العربية التي تتسع لكل أبناء الأمة الذين يتحدثون العربية رغم تعدد الانتماءات القومية والعرقية، وتحديد الدولة القطرية وإشكالاتها، وإمكانية قيام الوحدة العربية اليوم، وكيفية تحقيق الوحدة.
جميع المكوّنات يجب أن تكون "رابحة" في العمل الوحدوي، وهنا تكمن مسؤولية النخب الوحدوية التي تسعى إلى تولّي ذلك العمل. ثقافة العمل التنسيقي ليست سهلة وليست "طبيعية"، فهي مكتسبة عبر التجربة والانضباط
وعرض لعدد من المشاريع الاقتصادية التي تساهم في قيام الوحدة، وخصوصا شبكات سكك الحديد ومشاريع الغاز وشركات الطيران العربية الموحدة، وإلغاء تأشيرات التنقل بين الدول العربية، إضافة إلى إلغاء إجازات العمل في مختلف الأقطار العربية، وتفعيل الاتفاقات والمؤسسات التي أنشئت في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، كالسوق العربية المشتركة والدفاع العربي المشترك.
واقترح النداء أن تجري عمليات ضغط على الصعيد الشعبي وعلى الحكومات لتحقيق هذه الخطوات، ودفع الحكومات للتشبيك الاقتصادي في البنى التحتية، كشبكة الطرقات وسكك الحديد وشبكات النفط والغاز في جميع الأقطار العربية.
وعلى الصعيد الشعبي اقترح استراتيجية شعبية يجب اتباعها، وهي تعبئة مختلف المكوّنات المجتمعية في الوطن العربي، من خلال قيام الهيئات الشعبية والنقابية، بعقد لقاءات وندوات مشتركة داخل الأقطار وبين الأقطار حول أوجه العمل الوحدوي، وذلك لتكريس ثقافة وحدوية تبتكر العمل الجماعي. وهذه الصيغة هي تجسيد لما نقصده بالكتلة التاريخية بين التيّارات السياسية، أيضا بين الفعّاليات السياسية، معتبرا أنه ليس هناك من تيّار واحد يستطيع أن يصنع الوحدة أو أن يروّج لها. جميع المكوّنات يجب أن تكون "رابحة" في العمل الوحدوي، وهنا تكمن مسؤولية النخب الوحدوية التي تسعى إلى تولّي ذلك العمل. ثقافة العمل التنسيقي ليست سهلة وليست "طبيعية"، فهي مكتسبة عبر التجربة والانضباط.
واختتم النداء بالتأكيد على دور الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي، وضرورة نشر ثقافة الوحدة والحوار والاعتراف بالآخر، بدلا من ثقافة الإقصاء لمن يخالف الرأي. كما أن تلك الثقافة تفرض سلوكا مختلفا في العمل الجماعي، حيث الذاتية تتراجع أمام المصلحة المشتركة. فلا تضيع الأحزاب التي تصل إلى الحكم البوصلة حين تضع مصلحة الحزب والتمكين في السلطة، بدلا من إنجاز برنامج العمل.
هذا النداء- الحلم الذي أعده المفكر الدكتور زياد الحافظ وتبناه وأطلقه المؤتمر القومي العربي، وأجري حوله نقاش أولي عبر تطبيق الزووم الالكتروني قبل عدة أيام، يشكل فرصة جديدة لإعادة تقييم العمل الوحدوي العربي والواقع العربي اليوم، فقد يكون جميلا ورائعا الحلم بالوحدة العربية في هذا الزمن الصعب، واستعادة كل التجارب الوحدوية الناجحة والفاشلة ودراسة أسباب الفشل والنجاح.
الأهم من كل ذلك أن ندرك الواقع الذي نعيش فيه والأسباب التي تمنع قيام الوحدة، بعد أن فشلت في كثير من الأحيان الأحزاب الوحدوية في التعاون في ما بينها عندما وصلت إلى الحكم، وبدلا من ذلك تصارعت وخاضت في ما بينها حروبا قاسية
لكن الأهم من كل ذلك أن ندرك الواقع الذي نعيش فيه والأسباب التي تمنع قيام الوحدة، بعد أن فشلت في كثير من الأحيان الأحزاب الوحدوية في التعاون في ما بينها عندما وصلت إلى الحكم، وبدلا من ذلك تصارعت وخاضت في ما بينها حروبا قاسية، كما جرى بين جناحي حزب البعث العربي في سوريا والعراق، وكما جرى سابقا بين البعثيين والناصريين في العديد من الدول العربية، وكما جرى بين العديد من الأحزاب العربية.
ومن يتطلع اليوم إلى الواقع العربي يصل إلى نتيجة مؤلمة حول الواقع العربي: فنحن نشهد صراعا بين الجزائر والمغرب، وهناك أزمة سياسية-حقوقية في تونس، وليبيا تواجه أزمة سياسية وأمنية قاسية وانقسامات قبلية وحزبية، وفي مصر لا يستطيع القوميون والمعارضون العمل بحرية، وفي السودان أزمة سياسية، وفي اليمن حرب طاحنة تشارك فيها دول عربية وإقليمية وقوى سياسية وحزبية، وفي بعض دول الخليج هناك تطبيع مع العدو الصهيوني وأزمات سياسية، وفي سوريا لا تزال آثار الحرب والانقسامات قائمة في ظل وجود قوى خارجية مؤثرة، وفي العراق أزمة سياسية وخلافات داخلية ومخاطر أمنية، وفي لبنان خلافات عميقة ومخاوف من توترات وأزمات اقتصادية واجتماعية.
وفوق كل ذلك يتزايد دور القوى الإقليمية (إيران وتركيا) في
العالم العربي، في حين أن العدو الصهيوني يشن غارات وحروبا على سوريا ويهدد لبنان. وأما فلسطين فهي تقاوم الاحتلال وحيدة، ويضاف لذلك الوجود العسكري الروسي والأمريكي والبريطاني والفرنسي في العديد من الدول العربية، والقوانين الأمريكية التي تمنع الدول العربية أن تتعاون في ما بينها، كقانون قيصر الذي يستهدف سوريا.
ولن أتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة وأزمات الغذاء وأعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، وغياب الحريات، وأعداد السجناء ومنهم عدد كبير من قادة الرأي والمناضلين السياسيين.
الأهم معالجة المشكلات القائمة عبر مبادرات عملية، وخصوصا إنهاء الخلافات والصراعات داخل كل دولة عربية وبين بعض الدول، ووقف الحروب، وإجراء المصالحات السياسية داخل كل دولة عربية
هذا النداء هو مشروع جميل والوحدة ضرورية لمواجهة كافة التحديات، لكن العقبات كثيرة. قد يكون مفيدا اليوم إعادة التذكير بأهمية الوحدة وضرورتها، لكن الأهم معالجة المشكلات القائمة عبر مبادرات عملية، وخصوصا إنهاء الخلافات والصراعات داخل كل دولة عربية وبين بعض الدول، ووقف الحروب، وإجراء المصالحات السياسية داخل كل دولة عربية.
والمشكلة أن المؤتمر القومي العربي يشهد خلافات داخله حول كيفية التصدي لهذه الأزمات، كما أن المؤتمر القومي- الإسلامي شبه معطل، رغم بعض المؤتمرات والأنشطة التي يتم القيام بها عبر المنصات الالكترونية.
ما نحتاج إليه اليوم مبادرات عملية لوقف الانهيار القائم قبل الحديث عن الوحدة العربية رغم أهمية الوحدة وضرورتها، فأين هي هذه المبادرات؟ وكيف يمكن تطبيق هذا المشروع الوحدوي؟ وهل نكتفي فقط بنشر ثقافة الوحدة والتأكيد على أهميتها وضرورتها؟
twitter.com/KassirKassem