هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا تحدثت فيه عن خطوات الحكومة البريطانية لملاحقة "المال الروسي القذر" في لندن، والذي جاء على أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت الصحيفة في تقرير للمعلق سايمون جينكنز ترجمته "عربي21": "نرغب بالمساعدة ويجب تصحيح الخطأ، وعمل أمر ما. والألم كان واضحا على وجه بوريس جونسون عندما وبخته أوكرانية لرفضه فرض منطقة حظر جوي على روسيا. وعندما يتم التعبير عن الغضب من قتل أعداد لا تحصى ساعة بعد ساعة ونشاهد ذلك على شاشاتنا، فإن العجز هو بؤس. ولهذا نقوم بالتعبير علنا عن دعمنا لأوكرانيا وكرهنا لفلاديمير بوتين".
ويرى الكاتب أن المراحل الأولى للحرب هي لحظات يطلب فيها من المنطق أن يقف جانبا، فعندما تقرع طبول المعركة، تتطلب الشجاعة عواطف الجميع ووحدتهم. والقرار الوحيد هو الموت أو النصر. والتنازل هو خيانة. وهذا يصدق على أوروبا بشكل خاص بتاريخها من الحروب الثنائية التي تطلب أن ينظر إليها كـ "حروب عالمية".
ويقول الكاتب إن هناك خطوات محددة يمكن لبريطانيا عملها كي تخفف من ألم الأوكرانيين ولكنها مترددة في اتخاذها. والتحرك الرئيسي الأهم هو فتح حدودها للاجئين، كما فعل الاتحاد الأوروبي بخطط السماح لهم بالعيش والعمل لمدة ثلاثة أعوام.
اقرأ أيضا: بريطانيا تتراجع عن "إسقاط بوتين".. نريد "وضع حد" لروسيا
ورفضت وزارة الداخلية البريطانية، التي صدرت لها الأوامر، السماح للاجئين اليائسين وطلبت منهم الحصول على تأشيرات عمل وملف أمني "نظيف". وهناك حديث عن بيروقراطية في القنال الإنكليزي تعطل وصول المساعدات الإنسانية من مراكز الإغاثة المحلية. فالطقوس المقدسة لبريكسيت جونسون يجب أن تتفوق حتى على حرب بوتين. وبعيدا عن هذا الرعب مما يفعله بوتين يجب أن يعبر عنه من خلال أداة العقوبات الاقتصادية، على أمل أن يكتشف خطأ ما ترتكبه يداه أو يتم التخلص منه.
ولكن الصعوبة في هذا هي أن الحرب في تعبيرها النهائي تحذف كل ملامح الدولة وتجعلها غير مهمة. وعندما تكون العقوبات على بلد تحت حكم شخص مثل بوتين والذي يعاني من عقوبات منذ ثماني سنوات فهي تفقد أثرها. فالديمقراطيات تسمح بالمعارضة، مع أن بريطانيا يبدو أنها غير قادرة على التسامح مع محطة "روسيا اليوم" (أر تي) المؤيدة لروسيا- لكن الديكتاتوريات تتقوى ولا تضعف بالعقوبات الاقتصادية. ولا يمكن التكهن بالانقلابات ونصلي أن تكون روسيا عام 2022 استثناء للقاعدة.
ومن المحير أن الغرب يضعف موقفه من خلال شرائه النفط والغاز الروسي. والأكثر غرابة في هذه الدراما هو مستقبل المرَاقبين المتمحورين حول أنفسهم، أو ما يطلق عليهم الأوليغارش. وهذه الطبقة التي تشبه الماسونيين والمكونة في معظمها من الروس الذين يعيشون في الخارج، تم استقبال أفرادها وعلى مدى 20 عاما بالأحضان في لندن، وأحاطت بها جماعات من المحامين والمحاسبين والمستشارين في شؤون أسلوب الحياة. وتسمح لهم "تأشيراتهم الذهبية" وتبرعاتهم للأحزاب بالدخول والخروج كما شاءوا. وسمح لهم التهرب من دفع الضرائب والتخفي من الأنظمة والتدقيق خلف نوافذ بيوتهم المبنية على الطراز الجورجي أو في العمارات السكنية أو الشركات السرية في الأراضي البريطانية فيما وراء البحار.
ورغم أن الوقت قد مضى للحديث عن علاقتهم مع بوتين "إلا أنني لم أشاهد تقريرا يظهر أن أيا منهم يتمتع بمنفذ أو تأثير عليه، علاوة على امتلاك القوة لمنع الحرب أو الإطاحة به".
وكشف في كتب كتبتها كاثرين بيلتون وأوليفر بولو وآخرون عن صورة لبوتين باعتباره "زعيم مافيا" يرهب الأوليغارش بمزيج من الابتزاز والرشاوى والسجن ومحاولات الاغتيال. وبالنسبة لبريطانيا اليائسة فهؤلاء هم التمظهر الوحيد الموجود عن القوة الروسية ويجب جرهم والحالة هذه إلى محرقة بوتين. وهذا ليس هجوما كبيرا ضد روسيا بقدر ما هو خطوة تصحيحية للمواقف البريطانية من المال الأجنبي.
وسيكون من المفارقة انتظار بريطانيا الغزو الروسي لأوكرانيا حتى تتعافى لندن ممن يغسلون الأموال، ومعظمهم من أوكرانيا. ولا أحد يستطيع تقدير الأموال التي نقلوها إلى بريطانيا من الأرصدة السيادية الروسية منذ عام 1989، كما في حالة الأموال المشبوهة القادمة من أفريقيا، الخليج وجنوب شرق آسيا. وكانت الخزانة البريطانية متآمرة ولوقت طويل لحرمان الدول حول العالم من مواردها المالية التي تستحقها. والمظهر الأبرز لهذا في لندن، التي تم تحويل مناطقها الأكثر نظافة إلى مستودعات للمال الهارب.
اقرأ أيضا: اتهامات لجونسون بالتساهل مع المال الروسي والتلكؤ بالعقوبات
ومن المثير للغضب قدرة أشخاص على شراء وترك شوارع كاملة فارغة وأبراج سكنية في وسط العاصمة. ويحصل المجلس المحلي رسوما ضريبية على بنايات بملايين الجنيهات بثلاثة آلاف جنيه إسترليني في العام مقارنة مع نيويورك التي تفرض رسوما أعلى بـ 50 مرة إضافة للضرائب المحلية والوطنية.
وتقدر الدراسة الأخيرة لمنظمة الشفافية العالمية أن نسبة 40 بالمئة من الممتلكات الراقية في لندن تذهب إلى أشخاص مشبوهين يريدون الاستثمار في عقارات تترك خالية.
وكان جونسون من المؤيدين لهذه التجارة. فكعمدة للندن وصف هذه العقارات الراقية كـ"استثمارات داخلية مثيرة". وجال في ماليزيا للمساعدة في بيع عقارات فارغة أمام محطة باترسي ووصف كل من انتقده بأنه خبيث. وكما وجد كثيرون، فلا شيء خطيرا أكثر من جونسون وهو يلعب دور المشجع. فلو لم يستطع الإطاحة ببوتين، فإنه سيحاول التقليل من شأن بعض الذين ارتبطوا به سابقا. وماذا سيفعل؟ هل سيقوم بمصادرة البيوت الخاصة وفرض غرامات على مالكيها باعتبارهم روسا وطردهم من البلد؟ حتى يثبت إجرامهم فإننا لا نعاقب أشخاصا لمجرد حملهم جنسية معينة.
وقال الكاتب إنه لا يحملهم مسؤولية أفعال رئيسهم الشرير. ولن تؤدي أخبار بيع صاحب نادي تشيلسي رومان إبراهموفيتش إلى رفع معنويات الأوكرانيين في الملاجئ أو أن يفقد بوتين النوم. ولو كانت هذه إشارات عن نهاية لفضيحة لندنية مستمرة، فهذا أمر جيد، ولكن ما نحتاج إليه هو التحرك لا الكلام.
ويرى الكاتب أن الهجوم الاقتصادي على روسيا والروس لا سابقة له ومن الصعب التكهن بنتائجه. والعقوبات السابقة التي فرضها الغرب لكي يريح ضميره أدت إلى نشر الفقر والظلم على الناس حول العالم بدون منافع سياسية. وعلينا انتظار الروس كي يستسلموا. وفي الوقت ذاته "آمل أن ينتهي عدد من قصور الأوليغارش في كينغزتون في يد اللاجئين الأوكرانيين".