هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن النائبة الفلسطينية- الأمريكية رشيدة طليب، أعدته روزينا علي بعنوان "ما الذي تمثله رشيدة طليب؟"، مشيرة إلى أنها غيرت النقاش الإسرائيلي- الفلسطيني في الكونغرس.
وبدأت فيه بالنقاش الذي دار في الكونغرس بشهر أيار/ مايو 2021، عندما اندلعت حرب غزة الأخيرة، حول محاولة طرد فلسطينيين من الشيخ جراح بالقدس.
وبعد بداية الحرب، قامت تسعة نواب من داعمي إسرائيل القدامى بأخذ المنصة، وقالت ممثلتهم إيلين لوريا، ممثلة فيرجينيا: "علينا واجب كأمريكيين الوقوف مع إسرائيل في مواجهة الهجمات من الإرهابيين، الذين لديهم هدف واحد في عقلهم: قتل اليهود".
وفي ذلك المساء، تحدث عدد من الديمقراطيين الذين تساءلوا عن منطق منح 4 ملايين دولار في العام لإسرائيل وسط ضربها للمدنيين. وقالت الكسندرا أوكاسيو كورتيز ممثلة الديمقراطيين عن نيويورك: "هل للفلسطينيين حق النجاة؟" و"هل نؤمن بهذا؟ ولو كان الجواب نعم، فلدينا مسؤولية عن هذا أيضا".
ولكن الصوت الذي جسد النقاش كان رشيدة طليب، النائبة الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونغرس. وقالت وهي تغالبها الدموع: "كم عدد الفلسطينيين الذين يجب أن يموتوا حتى تكون حياتهم مهمة؟".
وطليب هي الوحيدة أيضا التي تعيش عائلتها في الضفة الغربية، حيث يعيش فيها 3 ملايين فلسطينيين تشكلت حياتهم وسط الدعم الأمريكي المنحاز لإسرائيل.
ومع تصاعد القتال، سأل زملاؤها إن كانت عائلتها بخير، وهو "صوت لم يسمع به من قبل" كما قالت بيتي ماكولام، الممثلة الديمقراطية عن مينيسوتا.
ولطالما انتقد الجمهوريون وداعمو إسرائيل طليب لوصفها إسرائيل بدولة التمييز العنصري، ولأنها عبرت عن دعمها لحملة العدالة لفلسطين التي تهدف لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة من خلال المقاطعة الاقتصادية.
كما واتهمت بمعاداة السامية لنقدها سياسات إسرائيل، وتعد هدفا دائما لـ"فوكس نيوز".
وقال توني باريس، صديق وزميل سابق لطليب، إنه في نقاشاته مع بعض أقاربه والمحافظين الديمقراطيين كان حذرا في الحديث عن طليب. إلا أن ظهورها على المسرح الوطني تزامن مع انفراج ولو كان صغيرا، في النقاش حول إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، وتبني اليسار للقضية الفلسطينية.
في مركز النقاش
ووجدت طليب الديمقراطية التقدمية المهتمة بالموضوعات المحلية أكثر من القضية الفلسطينية نفسها في مركز هذه التحولات.
فقد لبست الثوب الفلسطيني المطرز أثناء حفلة أدائها القسم، وظهرت في الكوفية داخل الكونغرس، وطالما تحدثت عن جدتها في الضفة الغربية.
وقالت المحامية والناشطة العربية الأمريكية ريبيكا أبو شديد إن مجرد ظهور طليب في الكونغرس يعني "أصبحنا لهم أناسا حقيقيين".
ولكن طليب قلقة من لعب دور الصوت الفلسطيني في الغرفة، وقالت: "أشعر أن أحدا لا يريد رؤيتي غير كوني فلسطينية".
وأضافت: "أنا أم وامرأة، ومررت بالكثير كوني ابنة مهاجرين إلى الولايات المتحدة. وأنا الأخت الكبرى لـ13 أخا وأختا، وأنا جارة في مدينة غالبيتها سود".
وهدف طليب نحو سياسة إسرائيلية عادلة ومعالجة مشاكل منطقتها -الفقر والمياه والتلوث- ليس مختلفا. ولم تترشح للكونغرس بهدف استراتيجي لتغيير النقاش في الكونغرس بشأن القضية الفلسطينية.
البداية من ديترويت
والتقت روزينا بطليب بمقهى في ديترويت، مشيرة إلى أنها وأوكاسيو- كورتيز وإلهان عمر عن مينيسوتا وأيانا بيرسلي عن ماساشوستس تمثل "الفرقة" كما أطلق عليهن، وهن ممثلات التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي.
ونشأت طليب وهي تعتني بشقيقاتها السبع وأشقائها الست، وولد والدها حربي العابد في القدس، أما والدتها فقد نشأت في قرية بيت عور الفوقا بالضفة الغربية.
ووصلت العائلة إلى ديترويت بعد فترة قصيرة من ولاية طليب عام 1976، وكانت المدينة تعاني من سنوات تراجع التصنيع والاضطرابات المميتة في 1967، حيث هربت رؤوس الأموال بحثا عن العمالة الرخيصة، وكذا السكان البيض الذي خلفوا وراءهم مدينة بغالبية سوداء.
والمنطقة 13 في ميتشغان التي تمثلها طليب تتقاطع معظم الطبقة العاملة في ديترويت، قبل أن تنعطف فجأة إلى مناطق في ثلاث مدن: ديربورن هايتس، رومولوس ووين.
وهي ثاني أفقر منطقة في الولايات المتحدة، وجاءت طليب التي نشأت على المساعدات الغذائية إلى الكونغرس في وقت بات نصف أعضائه من الميليارديرات. وعبرت عن إحباطها وهي تبحث عن سكن بسعر مناسب في واشنطن، وتذكرت بدهشة أن زميلا لها جديدا قال دون مبالاة إنه اشترى شقة "هذا يعني أنه دفع 800.000 دولار".
سجلي اسمك للتصويت
وعمل والدها الذي توفي في مصنع سيارات فورد وكان عضوا في اتحاد عمال السيارات. وكانت علاقاتها معه صعبة، لكنها مدينة له بأنه الرجل الذي علمها السياسة.
وعندما أصبحت في سن 18 عاما طلب منها تسجيل نفسها للتصويت عوضا عن تهنئتها بعيد ميلادها. و"ربما كان هذا نوع من التميز لأنه لم يحصل على فرصة في أي مكان". وبعد إكمال دراسة القانون عملت في منظمة غير ربحية لخدمة المجتمع العربي الأمريكي، ثم انتقلت إلى مجلس نواب الولاية كموظفة.
وفازت في عام 2008 بمقعد كممثل في مجلس الولاية. وهو أمر فاجأ والدها الذي كان يشك في انتخاب الأمريكيين عربيا بعد هجمات 9/11.
اقرأ أيضا: جمهوريون يصفون رشيدة طليب بـ"الأكثر معاداة لأمريكا"
وتعرضت عائلتها بعد الهجمات لتحقيقات مطولة من "أف بي أي" بشأن رحلاتها في الخارج وعلاقاتها.
وكنائبة في الولاية، عرفت بأنها تتصرف بسرعة، وتقوم بمتابعة الأمور بنفسها. وفي عام 2013 عندما ارتفعت أعمدة الدخان فوق نهر ديترويت، قامت مع مجموعة من دعاة الحفاظ على البيئة بالزحف نحو حافة النهر، وتجاوزوا علامة "ممنوع التجاوز" للبحث عن أصل المشكلة.
وبعد استقالة ممثل ديترويت جون كونفييرز عام 2017، بسبب فضيحة جنسية، فتح الباب ولأول مرة منذ 52 عاما لمرشح جديد، واعتقد السكان أنه يجب ترشيح أسود، ودعم عمدة المدينة وين كاونتي ترشيح بريندا جونز، السوداء. ولكن طليب فازت، ما فتح الباب أمامها للفوز في الانتخابات العامة.
إسلاموفوبيا خفية
وعندما انتخبت مع النائبة عمر المولودة في الصومال، كانتا أول مسلمتين تدخلان الكونغرس "أعتقد أنني كنت ساذجة"؛ "لعدم فهمي الإسلاموفوبيا من الحزبين في الكونغرس"، كما قالت طليب.
وكانت ثالث فلسطينية تدخل الكونغرس بعد الممثل الجمهوري عن ميتشغان، جاستين عماش، والممثل الجمهوري عن نيوهامبشاير جون سنونو.
وترك عماش حزبه عام 2021، وصوت عام 2014 ضد دعم القبة الحديدية الإسرائيلية التي مولتها أمريكا منذ عام 2011 بحجج مالية. ولكن مواقف طليب شخصية، فقد نشأت وهي تسمع قصصا عن طرد أفراد عائلتها من بيوتهم.
وفي سن الـ14 عاما، زارت الضفة الغربية، وشاهدت بنفسها نقاط التفتيش والجدران. ومع ذلك، لم تكن السياسة الخارجية حاضرة عندما كانت عضوا في مجلس الولاية.
وبعد ترشحها للكونغرس، جلس معها ستيف توبكوم، ممثل الولاية السابق الذي عملت معه ومدير حملتها.
تحولات
وتحت السطح كانت الأمور تتغير من ناحية تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل، حسب استطلاعات غالوب، وزيادة التعاطف مع الشعب الفلسطيني. وبدأ هذا التحول منذ عام 2013.
وكان التحول واضحا في الحزب الديمقراطي وأقل داخل الحزب الجمهوري، وفي الحزب الديمقراطي تغير التعاطف مع إسرائيل بنسبة 30 نقطة عام 2002 إلى انقسام اليوم.
وتزامنت التحول مع استئناف الحرب عام 2014، حيث شنت إسرائيل حربا على غزة، وانتشرت صور القتلى والجرحى على وسائل التواصل الاجتماعي.
وحصل تشرذم في دعم إسرائيل بين اليهود الأمريكيون، ومعظمهم ديمقراطيون.
وبحسب آخر استطلاع لمعهد الناخبين اليهود، فنسبة 43 % من اليهود الأمريكيين تحت سن الأربعين يرون أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تقارن بالعنصرية، مقابل 27% ممن هم فوق سن الستين.
واستطاع الناشطون المتعاطفون مع فلسطين دمج نشاطهم بالنشاط الأمريكي، وناصروا حركات الدفاع عن السود ومعاملة الشرطة لهم.
ورغم استمرار وقوف الديمقراطيين مع إسرائيل، إلا أن حفنة من النواب بدأوا بتقديم مواقف مغايرة.
ففي عام 2017، قدمت ماكولام تشريعا يعترف بحق الفلسطينيين، وتعني تقييد استخدام الدعم لسجن الأطفال الفلسطينيين، ولم يقدم للتصويت مع أنه حصل على دعم 30 نائبا.
وقال براد باركر، مستشار السياسة لمنظمة "تشلدرن انترناشونال- بالاستاين": "إنه مساحة جديدة قد تتصدع" و"نحاول فتحها".
وفي المقابلة، مع طليب تحدثت عن الأراضي المحتلة في سياق ديترويت، من ناحية الحصول على المياه في كلتا الحالتين والفقر، و"لا أفصل بينهما"، أو "ما أطلق عليها سياسة الآخر"، أو "الشعور مثل حكومة أو نظام يجعلنا نشعر بأننا أقل".
وأشارت الصحيفة لأوضاع ديترويت التي دخلت عمديتها حالة إفلاس عام 2013، وزادت فيها نسبة البطالة عن 15%، واليوم ربع سكانها دون عمل. لهذا تركز طليب على مشاكلها أكثر من الشرق الأوسط. لكنها في اليوم الأول من عملها في الكونغرس تعرضت للانتقاد والتدقيق بسبب موقفها من إسرائيل.
ففي عام 2019، حاول الجمهوريون وداعمو إسرائيل مهاجمة طليب وعمر بقضية مقاطعة إسرائيل التي أصدرت ولايات قوانين تقيد عمل الشركات الداعمة للمقاطعة.
وعندما كتبت طليب تغريدة ردا على مشروع في الكونغرس، اتهمت فيها النواب الذين تقدموا به بأنهم نسوا وطنهم الذي يمثلون؛ اتهمت بمعاداة السامية وتشكيكها بولاء النواب اليهود.
وقالت لارا فريدمان إن معاداة السامية هي "سكين حاد" يشهره الجمهوريون، ويراقبون الديمقراطيون وهم يهاجمون بعضهم البعض.
وبحسب أصدقائها والعاملين معها، فلم تتوقع طليب مستوى القذف التشهير الذي رمي عليها وزميلاتها، مع أن نقادها لم يكون لديهم أي فكرة حول كيفية التعامل مع عضو فلسطيني أمريكي في الكونغرس، فبعد انتخابها بفترة قصير عام 2018، أعلنت وعمر عن خطط لزيارة الأراضي المحتلة ضمن وفد تنظمه إيباك وتموله، لكن ترامب شجع نتنياهو على منعهما من المشاركة بحجة دعمهما للمقاطعة.
وطلبت طليب زيارة جدتها التي كانت في سن الـ90، ووعدت بعدم الحديث عن المقاطعة، وهو ما سمحت به إسرائيل، لكنها قررت بشكل مفاجئ عدم الذهاب.
وفي بيان، قالت فيه إن الزيارة "في ظل ظروف قمعية عنت إهانتي، وستحطم قلب جدتي".
وتقول ماكولام إنها لم تعد تجد معارضة من زملائها عندما تتحدث عن أهمية الاعتراف بالحقوق الأساسية للفلسطينيين.
وحتى جو بايدن الذي تحدث عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها تحدث مع طليب على مدرج المطار في رحلة لميتشغان. وقالت طليب إن الرئيس سأل أولا عن عائلتها في الضفة الغربية، وخلال حوار استمر ثماني دقائق، قالت له طليب: "كل شيء تقوم به يساعد عليه أكثر".
اقرأ أيضا: بايدن لرشيدة طليب: أدعو أن تكون جدتك في الضفة بخير (فيديو)
وانتخبت كوري بوش، من حركة حياة السود مهمة في الكونغرس عن ميسوري عام 2020، وتربط عنف الشرطة الآن بقضايا معاملة الفلسطينيين.
وهناك جمال بومان، الذي هزم مؤيدا عريقا لإسرائيل في نيويورك، وهو إليوت إنجيل. وتعرض لانتقادات بسبب دعمه تمويل القبة الحديدية ولزيارته إسرائيل في رحلة مولتها "جي ستريت".
وفي نورث كارولاين، طالبت مفوضة كاونتي درام، ندا علم، التي تخوض حملة انتخابية بناء على العدالة البيئية باشتراط الدعم لإسرائيل بالحقوق الفلسطينية، وحصلت على دعم طليب.
وفي 2020، نجح زغبي الذي يحضر مؤتمرات الحزب الديمقراطي منذ أربعة عقود بإقناع الحزب تبني عبارة "نحن نعارض التوسع الاستيطاني".
وردا على التحولات، ظهرت منظمة جديدة عام 2019، وهي "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" تركز على دعم المرشحين الذي يدعمون السياسة الحالية للحزب من إسرائيل.