كتاب عربي 21

أبو تريكة واللاجئون "البيض".. الحقائق العارية في الحرب الأوكرانية!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

لأسباب كثيرة تعاطف غالبية العرب مع الشعب الأكراني في مواجهة الغزو الروسي، أهمها بسبب الدور الروسي في دعم نظام بشار الأسد ودمويته ضد شعبه، إضافة إلى التعاطف "الفطري" مع الشعوب التي تتعرض للغزو من قبل قوى كبرى، خصوصا أن العرب هم أكثر من تعرض للغزو والاحتلال خلال العقود الماضية.


لا تفكر غالبية الشعوب ولا ينتظر منها أن تفكر بالحسابات الاستراتيجية بعيدة المدى لأي صراع، وغالبا ما تتخذ مواقفها بناء على حسابات آنية ومباشرة، لذلك يمكن فهم هذا التعاطف، مع التأكيد على أن كلمة "غالبية" المستخدمة في بداية المقال ليست "علمية"، وإنما انطباع عام يمكن أن نشكله -بحذر- بناء على متابعة ما يقوله الناس ويكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي.


بدأ هذا التعاطف يقع تحت الاختبار عندما "طفحت" مواسير العنصرية والمعايير المزدوجة من الإعلاميين والسياسيين الغربيين على حد سواء. فبينما عوقب أبو تريكة مثلا بسبب ارتدائه قميصا يحمل عبارة "من أجلك يا غزة" في إحدى المباريات، باعتبار أن هذا التصرف يتناقض مع منع "الفيفا" استغلال الرياضة في السياسية، احتفى الإعلام الغربي بارتداء لاعبي مانشستر سيتي وإيفرتون العلم الأوكراني في مباراتهما التي عقدت قبل يومين.

لم تقتصر التناقضات على هذه الالتفاتة الرياضية، بل كان الأسوأ هو التصريحات السياسية والإعلامية عن الألم لحال اللاجئين الأوكرانيين لأنهم "متحضرون، بيض، ذوو عيون زرقاء وشعر أشقر، وليسوا من دول غير متقدمة وغير متحضرة مثل العراق وأفغانستان"

لم تقتصر التناقضات على هذه الالتفاتة الرياضية، بل كان الأسوأ هو التصريحات السياسية والإعلامية عن الألم لحال اللاجئين الأوكرانيين لأنهم "متحضرون، بيض، ذوو عيون زرقاء وشعر أشقر، وليسوا من دول غير متقدمة وغير متحضرة مثل العراق وأفغانستان"، كما قال أكثر من صحفي وسياسي غربي!


سكت الإعلام الغربي، بل شارك بكل هذه التصريحات العنصرية، وتغافل عن تغطية الممارسات التي لو حدثت في الشرق الأوسط لكانت تصدرت عناوين الصحف الغربية، مثل منع اللاجئين السود والأفارقة من عبور الحدود بالسهولة ذاتها لمرور الأوكرانيين "البيض"! وعرقلة اللاجئين الهنود؛ لأن بلادهم لم تصوت في مجلس الأمن على إدانة روسيا، وحشو ذخائر الجيش الأوكراني بدهن الخنزير قبل استخدامها لمقاومة الجنود الشيشان المسلمين الذين يشاركون الجيش الروسي بالغزو، وغيرها من المظاهر.


الدول الغربية وإعلامها "الليبرالي"! رحب بالمقاومة الأوكرانية، ودعم مشاركة مواطنين أوروبيين في التطوع للقتال ضد روسيا، وهي الدول ذاتها والإعلام ذاته الذي يصف كل من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي والاستبداد في الشرق الأوسط بأنه إرهابي أو إرهابي محتمل.

أدت هذه التناقضات إلى إثارة الشجون والمقارنات لدى المتابع العربي والمسلم والشرق أوسطي للحدث، وشعر أكثر من أي وقت مضى بحقيقة النظرة الاستشراقية له في الغرب

أدت هذه التناقضات إلى إثارة الشجون والمقارنات لدى المتابع العربي والمسلم والشرق أوسطي للحدث، وشعر أكثر من أي وقت مضى بحقيقة النظرة الاستشراقية له في الغرب، وأدرك -كما لم يحصل من قبل- مدى انعدام العدالة في هذا العالم.


ثمة تناقضات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها؛ بسبب عددها الهائل، كما أنها صارت معلومة لكل من يتابع وسائل الإعلام غير التقليدية، وما يهمنا ونحن نتابعها كعرب أن نقرأ دلالاتها وانعكاساتها علينا.

 

أولى هذه الدلالات هي أن البشر والدول تتعاطف وتتفاعل أكثر مع من ينتمي لفضائها الثقافي والديني والتاريخي. ليس هناك غرابة في الدعم الغربي لأوكرانيا، هذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي هو أن الغرب يمارس هذا الأمر دون خجل في الوقت ذاته الذي يعطينا فيه دروسا عن "القيم العالمية" والعدالة للجميع، وغيرها من الشعارات. لك الحق أيها الغربي أن تتأثر بضحايا أوكرانيا أكثر من تأثرك بضحايا أفغانستان والعراق، لكن أرجوك، توقف عن إعطائنا الدروس القيمية وعن مزاعم "تفوقك الأخلاقي"!

 

في الدلالة ذاتها، يجب هنا أن ننظر نحن العرب في المرآة، وأن نلوم دولنا التي لا تتعامل وفق هذا المنطق الطبيعي والفطري. فبينما تفتح أوروبا المجال للاجئين الأوكرانيين لثلاث سنوات، فشلت الدول العربية في تجربة اللجوء السوري، باستثناء الأردن وتركيا ولبنان ومصر إلى حد ما في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، مع ضرورة التنبيه إلى مظاهر العنصرية التي تعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان تحديدا، وإلى أن استضافة مصر للاجئين السوريين ليست كاستضافة أوروبا للأوكرانيين من حيث ما يقدم لهم من امتيازات وحقوق.

الأخلاق الحقيقية لا تظهر في حالات الرخاء، وأنها يجب أن تختبر في أوقات الشدة والصراعات. ظهرت الحقائق عارية خلال خمسة أيام فقط من الحرب، واختبرت شعارات الغرب عن العدالة والمعايير الثابتة والقيم العالمية

ثاني الدلالات المهمة في هذا النقاش، هي أن الأخلاق الحقيقية لا تظهر في حالات الرخاء، وأنها يجب أن تختبر في أوقات الشدة والصراعات. ظهرت الحقائق عارية خلال خمسة أيام فقط من الحرب، واختبرت شعارات الغرب عن العدالة والمعايير الثابتة والقيم العالمية. ما يهمنا نحن العرب في هذه الدلالة، أنها تعري الـ"نيو-ليبرالية" العربية، التي لم ينقصها سوى أن تعبد القيم الغربية، وليس فقط أن تتغنى بها. كشفت الأحداث أن المستلبين ثقافيا الذين باتوا يخجلون من عروبتهم عند مقارنتها بالقيم الغربية عليهم الآن أن يخجلوا من أنفسهم لا من عروبتهم. لقد كشفت خمسة أيام فقط تناقضات أوروبية أكثر من كل ما كشفته سبعة عقود من الصراعات والهزائم التي عاشها العرب، وكثير منها حصل أصلا بمشاركة القوى الغربية، من احتلال فلسطين حتى احتلال العراق، وما بينهما من دعم للاستبداد والديكتاتوريات التابعة للغرب.


ثالث هذه الدلالات هي أن الإنسان هو ابن شرعي لأزماته وهواجسه ومشكلاته. ينطبق هذا على الغربي والعربي، وعلى كل شعوب العالم، ولهذا -مرة أخرى- فإن من الطبيعي أن يتعاطف الأوروبي مع قضية شعب أوروبي يشترك معه في التاريخ والجغرافيا والانثروبولوجيا والدين. ولكن في الوقت ذاته من حقنا العرب أن نرى كل قضايا العالم أيضا من زاوية صراعاتنا وقضايانا. لذلك فمن المستغرب أن يستكثر بعض المعلقين العرب -العالميين!- علينا أن نتذكر مآسينا وقضايانا وضحايا شعوبنا في خضم الحرب الأوكرانية. إن الطبيعي والفطري والمنطقي أن ينظر العربي لأزمة اللجوء ويتذكر تعامل العالم مع لاجئي شعبه، ومن الطبيعي أن يتذكر موقف الغرب الداعم لقتله وظلمه، ويقارنه بردة الفعل الغربية تجاه الغزو الروسي، ومن الطبيعي أن يذكر العربي احتلال فلسطين عندما يقف العالم ضد احتلال أوكرانيا. من الطبيعي أن يتذكر العربي ضحاياه دون أن ينقص ذلك من تعاطفه مع الأوكراني.


ليس في الحرب -أي حرب- من فوائد أو إيجابيات، خصوصا أن من يدفع ثمنها هم الفقراء والناس الأبرياء والضعفاء، لكن الحرب تقدم فرصة نادرة لدراسة التاريخ والحاضر والمستقبل، وقد علمتنا الأيام القليلة الماضية عدة دروس، أهمها كيفية نظرة الغرب لنا كعرب أو مسلمين أو شرق-أوسطيين، وعلمتنا أيضا أن من الضروري أن نتعاطف مع الضحايا، بغض النظر عن لونهم وجنسهم ودينهم، ولكن دون أن ننسى ضحايانا، رضي سدنة هيكل "القيم الكونية" أم غضبوا!

التعليقات (4)
adem
الثلاثاء، 01-03-2022 10:29 م
شكرا على المقال ، لا يحتاج المرء إلى عبقرية لكي يفهم نفاق الغرب الرّسمي بشقيه الغربي و الشرقي ، نحن ضحاياه بالدرجة الأولى منذ قرون ، حتى الشعوب الغربية ذاتها تعاني اقتصاديا اجتماعيا أخلاقيا ....فيما يخصّنا نحن المسلمين المشكل ليس في الغرب و إنّما فيمن تولّى قيادة الجماهير من المخلصين لأوطانهم و أمّتهم ، سذاجة سياسية و أمنية غياب الرؤية انعدام الجرأة و الشجاعة التعامل مع الأحداث على أساس كونهم جمعية خيرية ربانية !؟ لا على أساس كونهم أمل الأمّة رجال دولة مع ما يقتضيه ذلك من قلع جذور العمالة بلا رأفة و رحمة لأنّ رحم الظالم خيانة لدماء المظلومين ، نحن نريد دولة و أمّة ، الرجاء دعكم من الغرب الرّسمي نحن نعرفه بما فيه الكفاية فهو امتداد لأبي لهب و أحفاده من الغرب و الشرق .ولنركّز جهدنا وقتنا أموالنا كفاءاتنا على نفاق الدّاخل .
حمدى مرجان
الثلاثاء، 01-03-2022 02:04 م
باكستان وتركيا دولتان مسلمتان وعضوان بحلف الاطلنطي " الناتو " و سبب عضويتهما ان يكونا خط متقدم لتلقي الضربات الروسية ودرع بشرى لحماية اوربا ، وقعت الحرب بين الهند وباكستان واجتاحتها الهند ولم يحرك الحلف ساكنا الا ببيانات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع لانها مسلمة ، ثم تغاضوا عن اسلحتها النووية ، حتي اذا وقعت الحرب واستخدمت تظل الحرب في مكانها ولن يصلهم شررها ، وحاولوا دفع تركيا للصدام مع روسيا ، وكانوا سيتركونها لمصيرها لانها دولة مسلمة ، عضو بالحلف ولكن لن يسمحوا بدخولها الاتحاد الاوربي ابدا ، مع ان القاعدة التي اسقطت الطائرة " انجرليك " قاعدة عسكرية يستخدمها الحلف للتجسس علي المنطقة وقواته موجودة بها ، هذا ليس تناقض عندهم ولكن يسمونه سياسة ، طالما ضد الاسلام والمسلمين حتي وان كانوا اعضاء باكبر حلف عسكرى في العالم ولهم نفس حقوق الدفاع و الحماية والضمانات
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 01-03-2022 12:12 م
*** ليس اعتراضاً على مجمل ما عرضته المقالة ولكن إضافة وتوضيح لبعض ما جاء فيها، من موضوعات متشعبة ومتداخلة يصعب إيجازها في مقالة واحدة فضلاُ عن التعليق عليها، ففيم يتعلق بالموقف الأوروبي من الموجات البشرية المندفعة عبر الحدود الأوكرانية سواء من الأوكرانيين (وسكانها يزيدون عن أربعين مليوناُ دون احتساب ذوي الأصول الروسية منهم)، أو من الأجانب المقيمين فيها، الذين كانوا يدخلون إليها كبوابة خلفية للتسلل بعدها إلى دول الاتحاد الأوروبية الأخرى الأغنى، والأكثر تشدداُ في منح تصاريح الدخول إليها والإقامة فيها، ومنهم طلاب عرب اعتاد اهاليهم مؤخراُ إرسالهم للدراسة بالجامعات الأوكرانية نظراُ لسهولة الالتحاق بكلياتها كالطب والهندسة، ولسهولة الحصول على الشهادات منها، مقارنة بالمعايير الأكاديمية الأصعب لجامعات دول أوروبا الغربية، والأدهى الزواج ببناتها وهم الأكثر إصابة بالأمراض الجنسية في دول أوروبا، ومن الصعب التكهن بعد بالمواقف الأوروبية التي فوجئت بذلك التدفق البشري الذي تواجهه، سواء كانوا من البيض المسيحيين أم لا، فهم من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية، التي دخل رعاياها الصرب مؤخراُ في حرب إبادة ضد الكاثوليك الكروات، مما دعا الغرب الكاثوليكي إلى التدخل العسكري لوقف تلك المذابح، والتخوفات الأوروبية الغربية من التعصب العنصري الأرثوذكسي ما زالت قائمة، وللتذكرة أيضاً فإن أهم أسباب موافقة البريطانيين على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كانت التخوف من موجة العمالة التي كانوا يتوقعون أن تغرق بلادهم، قادمة من دول أوروبا الشرقية الأفقر كرومانيا وبلغاريا الأحدث انضماماً إلى الاتحاد الأوروبي. وبالإشارة إلى التعصب الغربي، فكثيراُ من دهماء العرب يجهلون بأن الفرق الرياضية الأوروبية المشاركة في دورة برلين الأوليمبية في عام 1936، قد بادلت هتلر التحية النازية في استعراضه للمشاركين، وفي عام 1940بعد بدأ اجتياح هتلر لأوروبا فقد كان الحزب النازي الأمريكي يقوم باستعراضات لقواته شبه العسكرية في أكبر شوارع نيويورك وسط احتفاء وتصفيق الأمريكيين المصطفين على الجانبين لهم (مصدر وصورة من ويكيبيديا)، كما كان والت ديزني الفاشي عضو الحزب النازي يشارك في نشر دعاياته العنصرية بتفوق الرجل الأبيض من خلال قصص وأفلام الرسوم المتحركة التي ينتجها، وقد اضطر شارلي شابلن بعدها للهروب لأوروبا من العنصرية الأمريكية، فالعنصرية لم تقتصر على النازية الألمانية ولا عل الفاشية الإيطالية، ففاشية الجنرال فرانكوا في إسبانيا كانت أكثر وحشية، وكانت الساحة الخلفية لأميركا في أوروبا، وعنضرية دول أوروبا في مستعمراتها السابقة وجرائمهم ضد الإنسانية موثقة، فالعنصرية متجذرة في الوعي الجمعي الأوروبي، والامبراطور نابليون لم يكن أقل إجراماُ وعنصرية من هتلر وموسوليني، وأوروبا كالفسيفساء تتداخل فيها الديانات والأعراق والأجناس والمذاهب والطبقات، القابلة للانفجار في أي وقت، مهددة مستقبلها ومستقبل العالم، والله أعلم.
عربى سابق مفتخر باوروبيته الحاليه
الثلاثاء، 01-03-2022 07:31 ص
يحق لك المقارنه فقط عندما ترى لاجئين غير مسلمين او عرب بستميتون للدخول الى بلد عربى مسلم او عربى لطلب اللجوء والعداله و الحريه كما يحدث العكس ولكن هذا لن يحدث ابدا لان مشايخكم سيفتون وقتها بعدم جواز ادخال غير المسلمين خوفا على هويه التخلف