هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتزايد المخاوف في تونس من أن تحمل الحرب الروسية-الأوكرانية في طياتها انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد وسط تخوفات لدى القائمين على الجانب المالي من تزايد حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلد العربي.
تعيش تونس على وقع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تظهر تجلياتها من خلال ارتفاع حجم الدين العمومي الذي بلغ 107 مليارات في موفى 2021، إضافة إلى تجاوز معدل البطالة حاجز الـ18% خلال الربع الثالث من سنة 2021.
وتشهد البلاد حاليا نقصا في توفير بعض المواد الغذائية مع ارتفاع في الأسعار وتأخير في صرف الرواتب.
وفي الوقت ذاته تحاول السلطات إقناع ممثلي صندوق النقد الدولي بالتوصل إلى اتفاق تمويل ميزانية 2022،فيما يقدر حجم الاقتراض الخارجي المطلوب بـ12.6 مليار دينار.
الأمن الغذائي في الميزان
وحمل تصريح مدير عام المرصد الوطني للفلاحة في تونس حامد الدالي، أن المشتريات من الحبوب في تونس تلبي حاجتها إلى غاية حزيران/ يونيو المقبل، رسالة طمأنة إلى التونسيين على المدى القريب وتخوف على أمنهم الغذائي في حال تواصل الحرب أو في حال عجز الشركات التي أبرمت معهم عقود شراء الحبوب من إيصال الكمية المشتراة بفعل تزايد الطلب عليها عالميا وفي ظل عدم إمكانية توفيرها من روسيا وأوكرانيا أكثر الدول تصديرا للحبوب.
في هذا الاتجاه صدر بيان عن منظمة "تونس تنتج" قالت فيه إن مدخرات تونس من الحاجيات الغذائية لا تتجاوز تغطيتها بعض الأشهر، وبينت من خلاله تداعيات ذلك على الأمن الغذائي للتونسيين.
في السياق نفسه، صرح عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري محمد رجايبية لـ"عربي21" بأن "الحرب في أوكرانيا ستنعكس على تونس التي تستورد 30 بالمائة من حاجياتها من القمح الصلب، وأكثر من 90 بالمائة من القمح اللين والتي تؤمن روسيا وأوكرانيا جزءا هاما منها".
وقال إن لهذه الحرب "تأثيرا على الأسعار العالمية باعتبار أن أوكرانيا وروسيا يؤمنان 30 بالمائة من الحاجيات العالمية من الحبوب".
يشار إلى أن تونس توفر 80 بالمائة من حاجياتها من الحبوب المستوردة عبر السوق الروسية والأوكرانية، حيث تورد سنويا ما قيمته 984 ألف طن من القمح من أوكرانيا و111 ألف طن من روسيا.
وتبلغ كلفة سعر قنطار من القمح المستورد أكثر من 110 دنانير في اتجاه تونس، في حين يكلف استيراده خزينة الدولة أكثر من 1600 مليون دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الصعبة.
وارتفعت أسعار القمح عالميا إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة تجاوزت حاجز الـ486 دولارا للطن الواحد، بزيادة تجاوزت الـ70% عن أسعار ما قبل اندلاع الحرب.
اقرأ أيضا: تداعيات الحرب في أوكرانيا تلحق بالأسواق العربية
الحرب تزيد أزمة التضخم والأسعار
إلى ذلك، تشهد الأسعار العالمية للمحروقات والحبوب والنقل البحري خاصة ارتفاعا متواصلا منذ اندلاع بوادر الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وينعكس هذا التصاعد على بلدان عديدة منها تونس.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد الصادق جبنون لـ"عربي21"، إن "من المنتظر أن تؤثر الحرب، إذا تواصلت لفترة طويلة، على الاقتصاد التونسي وعلى معدل التضخم الذي يصل الآن إلى حدود 7% من خلال الزيادات المحتملة في المواد الأساسية من الحبوب والزيوت النباتية والمحروقات".
وأضاف جبنون: "في موازنة 2022 قدرت الدولة سعر برميل النفط بـ75 دولارا والحال أنه بلغ سعره 105 دولارات".
ويعتبر جبنون أن ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب والزيوت النباتية والمحروقات سيعمق عجز الميزان الميزانية كما أنه سيزيد من حاجة الدولة إلى التداين الخارجي.
ويقول الدكتور الصادق جبنون لـ"عربي21" أيضا: "كل دولار زيادة في سعر البرميل يكلف صندوق الدعم وميزانية الدولة ما يوازي الـ140 مليون دينار اضافية ما سيكون له نتائج جد سلبية على تعمّق أزمة المالية 2022".
ويذكر أن تونس خصصت بمقتضى قانون المالية لسنة 2022 مبلغا لدعم المحروقات والمؤسسات العمومية والمواد الغذائية قدره 762 مليون دينار ويؤثر ارتفاع الأسعار العالمية سلبا على حجم الدعم.
الموسم السياحي مهدد
يمثل القطاع السياحي أحد ركائز الاقتصاد التونسي وقد عرفت عائداته تراجعا منذ 2011 وزاد تراجع عائدات السياحة بفعل جائحة كورونا حيث شهد الموسم السياحي 2020 انهيارا حادا ليتراجع عدد الوافدين بنسبة قاربت 80 بالمائة.
ومثل السياح الروس متنفسا لقطاع السياحة في تونس حيث بلغ عددهم 750 ألفا سنة 2019
وفي سنة 2021 سعت وزارة السياحة لإنقاذ الموسم عبر جذب سياح روس.
وتوقعت وزارة السياحة في تونس أن يبلغ عدد السياح سنة 2032 حدود الـ5.7 مليون سائح مع عائدات مالية لا تقل عن 3.5 مليار دينار تونسي (نحو 1.23 مليار دولار) ومن المنتظر أن تتأثر هذه التوقعات بما يحدث بين روسيا وأوكرانيا.
وفي هذا السياق تحدث أستاذ العلوم الاقتصادية معز العبيدي، عن تضرر القطاع السياحي في تونس جراء الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكدا أن تونس تعوّل على السياح الروس والأوروبيين أيضا.
ومن المنتظر أن تؤثر هذه الأزمة على قطاع النقل الجوي أيضا، ما يزيد في وضعية شركة الخطوط التونسية سوءا.
وفي نفس الاتجاه، صرح الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان قائلا: "مع تراجع انتشار فيروس كورونا وارتفاع نسب التلقيح، توقعنا عودة تسجيل انتعاشة في قطاع السياحة، لكن بالنظر إلى أهميّة بلدان أوروبا الشرقية وروسيا على مستوى التدفقات السياحية، التّي تؤمنها هذه السوق إلى الوجهة التونسيّة، فأعتقد أنه مع الحرب في أوكرانيا لن يصل الموسم السياحي إلى المستوى المأمول والمنتظر قبل اندلاع هذا الصراع".
وحول أفق تأثير هذه الأزمة، يقول الدكتور الصادق جبنون لـ"عربي21": "تعد تأثيرات الحرب في أوكرانيا على تونس من الصنف الثاني مقارنة بدول أخرى؛ فإن المخاوف تتزايد في ظل عدم وضوح مآلات الحرب وامتدادها الزمني والجغرافي خاصة في ظل ما تعانيه الفلاحة التونسية من جفاف ونقص في الأسمدة بما سيزيد من حاجياتنا من التوريد".
ويعتبر جبنون "تراجع الترقيم السيادي وتصنيف كوفاس الذي تمت مراجعته في هذا الشهر، عاملا معسرا لحصول تونس على طلباتها بحكم تأثيره على شروط المزودين الذي يطلبون في هذه الحالات الدفع المسبق أو الدفع المباشر".