هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تجعل المضائق التركية من أنقرة، لاعبا مهما في الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، بسبب اتفاقية "مونترو" الدولية، ويجعلها كذلك بين أطراف الحرب كعضو في حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، وحليف استراتيجي لموسكو.
ويثير ذلك تساؤلات فيما إذا كانت تركيا ستقوم بالاستجابة لأوكرانيا وتغلق مضائقها بوجه السفن العسكرية الروسية بموجب ما تسمح به اتفاقية مونترو، أم إنها ستفضل عدم التدخل في الحرب لصالح أي طرف، أو ربما أداء دور وسيط في الأزمة.
وتفوض الاتفاقية القوات العسكرية التركية بالسيطرة الكاملة على المضائق وإعادة تحصين مضيق الدردنيل، وتسمح لتركيا بإغلاق المضيق أمام جميع السفن الحربية الأجنبية في زمن الحرب، أو عندما تكون مهددة بالعدوان.
كما تم التصريح برفض عبور السفن التجارية التابعة لدول في حالة حرب مع تركيا.
اقرأ أيضا: تركيا ترفض اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك
طلب أوكراني
ومع تطورات الأوضاع في أوكرانيا والهجوم الروسي، قال السفير الأوكراني لدى تركيا فاسيل بودنار، الأربعاء؛ إن بلاده تعتبر وجود السفن الحربية الروسية بالبحر الأسود قرب حدودها تهديدا، وسوف تطلب من تركيا بحث إغلاق مضيقين أمام السفن الروسية إذا غزت موسكو بلاده.
وقال بودنار لوكالة "رويترز": "نعتقد أنه في حالة غزو عسكري واسع النطاق أو بدء أنشطة عسكرية ضد أوكرانيا، أي عندما تكون الحرب ليست فقط حربا بحكم الأمر الواقع بل حربا بحكم القانون، سنطلب من الحكومة التركية بحث إمكانية إغلاق المضيقين إلى البحر الأسود أمام الدولة المعتدية".
والخميس، قال بودنار في تصريح للصحفيين؛ إن بلاده "تطالب تركيا بمساعدة أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا"، مؤكدا أن كييف قدمت طلبا رسميا إلى تركيا من أجل إغلاق المضائق والمجال الجوي التركي أمام روسيا.
وطالب السفير الأوكراني، بفرض عقوبات على الأعمال التجارية والمالية لروسيا في تركيا، وتوفير آليات لتعزيز الدفاع والدعم المالي والإنساني.
وأثار الحديث عن تفعيل المادة 19 من اتفاقية مونترو، لأن تكون على جدول الأعمال، وسط مطالبات من المعارضة التركية بالالتزام باتفاقية مونترو.
وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية؛ إن وزارتي الخارجية والدفاع تجري تقييما للسينارويهات كافة التي قد تواجهها تركيا في هذا الوضع.
تركيا "لن تكون طرفا"
الخبير التركي والباحث في قناة "TRT WORLD" يوسف إريم، ذكر لـ"عربي21"، أنه "وفقا لاتفاقية مونترو، تتمتع تركيا بسلطة تنظيم عبور السفن الحربية البحرية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، كما تمنح هذه الاتفاقية تركيا أيضا سلطة إغلاق المضيق أمام السفن الحربية العسكرية في زمن الحرب".
وحول احتمالية موافقة تركيا على هذا الطلب، قال؛ "إن أوكرانيا وروسيا دولتان مهمتان للسياسة الخارجية التركية، وبينما تدعم تركيا وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، تريد بذات الوقت أداء دور الوساطة في التوسط في السلام بين البلدين".
وأضاف: "لذلك لن ترغب تركيا في اتخاذ إجراءات تجعلها طرفا في الصراع أو تحد من مساحتها الدبلوماسية، كما أن إغلاق المضيق سيكون خطوة جريئة للغاية تستهدف روسيا، وتؤذي تركيا اقتصاديا أيضا، من ثم لا أتوقع أن تتخذ أنقرة هذا الإجراء".
وأكد أنه "مع حجم تجارة ثنائية بلغ 30 مليار دولار في عام 2021، تعد روسيا واحدة من أهم شركاء تركيا التجاريين، ومن المرجح أن يتم مواجهة إغلاق المضيق من خلال اتخاذ موسكو إجراءات اقتصادية ضد أنقرة، كما فعلت في الماضي خلال أوقات الخلاف".
وذكر أنه نظرا لأن الاقتصاد التركي لا يزال يتعافى من التباطؤ، ستحرص أنقرة على عدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تأتي بتكلفة اقتصادية عالية.
واستدرك الخبير التركي إريم بأن بلاده قد تتخذ الخطوة بعد مشاورات في قمة قادة الناتو، ومن ناحية قانونية هناك منطقة رمادية مفتوحة للتأويل.
وأوضح أن "أردوغان سيرغب في التأكد من حصوله على الدعم الكامل قبل أن يتخذ أي خطوات جذرية، وأعتقد أن الخطاب الذي ينطلق من أنقرة يشير إلى أن تركيا تريد الحفاظ على مسافة دبلوماسية متساوية مع كل من أوكرانيا وروسيا".
وتابع بأن إغلاق المضيق سيجعل من الصعب على تركيا أداء دور دبلوماسي، لكنه سيعطيها أيضا نفوذا على موسكو.
وأكد أنه إذا قررت تركيا اتخاذ هذا الإجراء الحاسم الذي سيكون له تأثير ملموس على الصراع، فإنها تريد ضمانات من المجتمع الدولي بأنها لن تقف بمفردها، وسيتم تقاسم تكاليف ذلك معها.
3 استثناءات
القانوني التركي عميد كلية الحقوق في "جامعة بوغازجي" سلامي كوران، في حديث لقناة "خبر ترك"، ذكر أن المادة 19 تنظم حركة السفن الحربية الأجنبية في زمن الحرب والسلام بالتفصيل، وما يجري حاليا يقع تحت البند الثاني من المادة ذاتها.
وأضاف أن الوضع الجاري يوصف بـ"حرب"، لأن كلا الجانبين الروسي والأوكراني يستخدمان القوة العسكرية، ومن ثم الحديث عن "حرب مفتوحة".
وتذكر المادة 19 أنه "يمنع مرور السفن الحربية للأطراف المتحاربة من المضائق".
ويقول القانوني التركي؛ إن هناك ثلاثة استثناءات للمادة 19 في حالة الحرب، أولها: "تستطيع السفن الحربية المرور من المضيق، في إطار العملية التي ستنفذ ضمن قرار مشترك للأمم المتحدة".
الاستثناء الثاني: "تستطيع السفن الحربية التابعة للدول المطلة على البحر الأسود، العودة إلى بلادها عبر المضائق لتصل إلى موانئها الخاصة".
والاستثناء الثالث: "تستطيع السفن الحربية العبور وفق أحكام اتفاقيات المساعدة التي وقعت عليها تركيا أو هي طرف فيها".
وأكد القانوني التركي، أنه دون الاستثناءات الثلاثة، لا يسمح بمرور السفن الحربية أو تلك الحربية للدول المتحاربة عبر المضائق.
وشدد على أن المجال الجوي التركي سواء فوق المضيق، أو في أراضيها لا تخضع لاتفاقية مونترو.
وتابع بأنه من غير الوارد استخدام المقاتلات والطائرات الحربية المجال الجوي التركي فوق المضائق، وهو مفتوح فقط أمام الطائرات المدنية التي يتطلب منها أيضا تقديم إبلاغ مسبق.
ورأى أن تركيا، قد تنفذ الأحكام ذات الصلة بموجب الاتفاق الدولي، ولاسيما اتفاق مونترو، كما فعلت مع الحرب الجورجية عام 2008، وفي أثناء احتلال شبه جزيرة القرم في عام 2013.
اقرأ أيضا: ما أهداف تركيا من تحركها في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا؟
رئيس أركان القوات البحرية السابق الجنرال جهاد يايجي، يرى بأن الوضع الحالي لم يحول الأزمة إلى حرب مفتوحة بين البلدين، وعليه لا يوجد موقف يستدعي إغلاق المضائق.
وتابع في حديث لصحيفة "يني شفق"، أنه وفقا للمادة 19، إذا اندلعت حرب بين أوكرانيا وروسيا، فلا يمكن للسفن الحربية الروسية والأوكرانية المرور عبر المضائق التركية.
ولفت إلى أن روسيا سحبت بالفعل عددا من سفنها من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود.
وشدد على أن تركيا ملزمة باستخدام السلطة الممنوحة لها في إطار أحكام اتفاقية مونترو، والقيام بما يلزم.
بنود الاتفاقية
ودخلت معاهدة "مونترو" حيز التنفيذ عام 1936، بهدف تنظيم حركة مرور السفن الحربية والتجارية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود وفترة بقائها فيه، وتشمل سفن الدول المطلة (أوكرانيا وروسيا وجورجيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا) على البحر الأسود وغير المطلة.
وتحمل معاهدة مونترو أهمية كبرى بالنسبة إلى أنقرة، كون بنودها تحدد عدد السفن الحربية والتجارية التي ستمر من المضائق التركية، وأنواعها، ووزن الحمولة المسموحة لها، إذ تم اتخاذ الأمن التركي أساسا في صياغة هذه البنود.
وتتكون الاتفاقية من 29 مادة وأربعة ملاحق وبروتوكول واحد. تتناول المواد (2-7) مرور السفن التجارية. تتناول المواد 8-22 مرور السفن الحربية. فالمبدأ الأساسي لحرية المرور والملاحة منصوص عليه في المادتين 1 و 2. فالمادة 1 تنص على "إقرار وتأكيد الأطراف الدولية المتعاقدة مبدأ حرية المرور والملاحة في المضائق".
ونصت المادة 2 على "تمتع السفن التجارية بالحرية الكاملة للمرور والملاحة في المضائق في وقت السلم، ليلا ونهارا، وتحت أي علم وأي نوع من البضائع".
كما فرضت الاتفاقية بعض القيود الدقيقة جدا على نوع السفن الحربية المسموح لها بالمرور. فيجب على الدول التي ليس لها شواطئ على البحر الأسود وترغب في إرسال سفينة، إخطار تركيا قبل 8 أيام من موعد المرور.
كما لا يجوز لأكثر من تسع سفن حربية أجنبية مجموع حمولتها الإجمالية 15 ألف طن أن تعبر في وقت واحد. وأيضا لا يمكن لأي سفينة يزيد وزنها عن 10 آلاف طن بالمرور.
ويجب ألا تزيد الحمولة الإجمالية لجميع السفن الحربية غير التابعة للبحر الأسود في البحر الأسود عن 30 ألف طن (أو 45 ألف طن في ظروف خاصة)، وسمح لها بالبقاء في البحر الأسود لمدة لا تزيد عن 21 يوما.
ويحق فقط لدول البحر الأسود عبور سفنها الرئيسية بحمولة مفتوحة، وألّا يزيد مرافقوها عن مدمرتين.
بموجب المادة 12 يسمح لدول البحر الأسود بإرسال غواصاتها عبر المضيق مع إشعار مسبق، طالما سفنها في طور البناء أو الشراء أو أرسلت للصيانة خارج البحر الأسود.