قال
المحلل السياسي البريطاني، أندرو مار، إن المحافظين البريطانيين الذين حكموا البلاد
لفترة أطول من أي حزب آخر في التاريخ الحديث، في حالة من جلد الذات المؤلم والمذعور.
مضيفا: "هل يجب أن يتخلصوا من زعيمهم الشعبوي بوريس
جونسون، الذي أثار خداعه وانتهاكه
لقواعد الإغلاق غضب الكثيرين في أنحاء البلاد وأحرج حزبه؟ أم يتمسكون برجل أبقاهم في
السلطة حتى الآن؟
ويتابع
مار في مقال نشرته صحيفة "
نيويورك تايمز": قد تكون هذه قصة بريطانية ولكن
الطريق الذي سيختاره حزب المحافظين سيكون له صدى بين العديد من الأحزاب السياسية في
جميع أنحاء العالم الديمقراطي. كما تعلم الناخبون الأمريكيون مع دونالد
ترامب في عام
2020، فإن اختيار الاحتفاظ بجونسون أو استبداله.. لن يؤثر فقط على مستقبل حزب المحافظين
ولكن على مكانة
بريطانيا في العالم. بالنسبة للحزب، يتعلق الأمر بالاحترام مرة أخرى
كقوة أيديولوجية متماسكة، تقودها الأخلاق. فالأمر يتعلق أساسا باحترام الذات. في ما
يتعلق بمكانة بريطانيا على المستوى الدولي، فإن السؤال هو عن ما إذا كان المحافظون على
استعداد للتخلص من زعيم تسبب في الكثير من الضرر لبلد فخور.
إن الضرر
الذي لحق بالمحافظين واضح بما فيه الكفاية في استطلاعات الرأي. بعد فوز جونسون في الانتخابات
العامة بـ 80 مقعدا في عام 2019، والدعم القوي الذي حافظ عليه بعد ذلك، حتى خلال اللحظات
الأكثر كآبة للوباء، تُظهر الاستطلاعات الأخيرة الآن أن المحافظين يتخلفون عن حزب العمال
بفارق يتراوح بين ثلاث و 14 نقطة. بالنسبة للعديد من المشرعين المحافظين، فإن هذه نذر خطيرة،
وتمثل خسارة محتملة لمقاعدهم.
لكن
هذا لا يقترب من عكس مدى الحزن والعار الذي يزعج الكثيرين من هذا الحزب التقليدي في الأساس.
فضائح الحفلات الصاخبة خلال فترة الإغلاق بسبب كوفيد، والكذب الذي أعقبها، مزقت نظرة
المحافظين لأنفسهم كمدافعين لائقين عن "أولويات الشعب".
في دفاعه
عن نفسه، ضاعف جونسون المشكلة من خلال محاولة تشويه سمعة زعيم حزب العمال، كير ستارمر،
من خلال محاولة ربطه بجيمي سافيل سيئ السمعة المتهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال.
وفي توبيخ مدمر لجونسون، استقالت منيرة ميرزا مستشارته المقربة منذ فترة طويلة علنا،
قائلة له: "لا يوجد أساس عادل أو معقول" لما قاله، ودعته إلى تقديم الاعتذار
المناسب. وقالت: "لم يفت الأوان بالنسبة لك، لكن، يؤسفني أن أقول، لقد فات الأوان
بالنسبة لي".
وقد
شاركها كبار المحافظين ذلك الألم على نطاق واسع. البارونة روث ديفيدسون، زعيمة حزب
المحافظين الأسكتلندية السابقة، انهارت بالبكاء عندما سُئلت على التلفزيون عن سلوك
جونسون. وقال تشارلز ووكر، أحد زعماء نواب المحافظين في البرلمان، إنه سيترك السياسة،
وأخبر برنامجا إخباريا بأن هناك "الكثير من الحزن والألم" في بريطانيا، والذي
لا يمكن تهدئته إلا بتنحي جونسون. غرد منافس سابق على قيادة حزب المحافظين، الدبلوماسي
السابق والجندي والكاتب روري ستيوارت، عن "الرذالة الترامبية الهائلة في الأمر
برمته.. من الصعب أن نرى إلى أي مدى يمكن للحزب أو نظامنا السياسي البقاء".
لكن
الحقيقة القاسية هي أن المحافظين غضوا الطرف بشكل مخجل عن عيوب جونسون المعروفة جيدا
طالما كان أداؤه جيدا في استطلاعات الرأي. لسنوات عديدة، في الصحافة والسياسة، أظهر
جونسون ازدراء للأعراف والتوقعات والقواعد العادية، مخلفا مجموعة من الخدوش والشجب
والصداقات المحطمة والأعداء الغاضبين. وتتراوح هذه من التافه نسبيا - كمخالفات وقوف
السيارات - إلى الجدي للغاية، مثل محاولته عام 2019 قطع جلسات البرلمان خلال معركة
بريكسيت المريرة، وهو الفعل الذي دفع الملكة إلى الجدل السياسي والذي تم الحكم عليه
لاحقا بأنه غير قانوني وباطل من قبل المحكمة العليا.
إلى
جانب ذلك، أظهر جونسون دائما تصميما على عدم الاستسلام أبدا. الغريزة تسري فيه في القضايا
الكبيرة والصغيرة. لقد ترأست نقاشا عاما كبيرا بينه وبين المؤرخة الكلاسيكية ماري بيرد
حول أي الحضارتين كان أكبر - اليونان القديمة أم روما القديمة. أذهل جونسون حشدا من
آلاف الأشخاص بحكايته عن الحضارة اليونانية. ولكن بعد ذلك قامت بيرد بتشريحه وخسر النقاش.
كان من المفترض أن يكون هناك عشاء بعد ذلك. لم يحضر جونسون العشاء. أخبرني أحد أفراد
أسرته حضر العشاء أن جونسون سوف يتجول في وسط لندن مثل الدب الجريح، فهو يكره أن يخسر.
يبدو
أن كلا من سلفي جونسون من حزب المحافظين، ديفيد كاميرون وتيريزا ماي - التي هاجمته
علنا في مجلس العموم الأسبوع الماضي - يتفقان إلى حد كبير على أن سجل جونسون كان ينبغي
أن يستبعده من المنصب الأعلى. إذن لماذا وصل جونسون إلى رئاسة الوزراء؟
الإجابة
الواضحة هي أنه فاز بملايين الأصوات - ومثل ترامب في عام 2016، فقد كان أداؤه جيدا في بعض
الأماكن التي كان اليسار يحتلها عادة. إلى جانب المراوغة والتهريج، يتمتع جونسون بجاذبية
استثنائية وبالحس التوقيتي لكوميدي محترف. إنه ذكي بشكل استثنائي، بما في ذلك عاطفيا:
إنه يعكس اقتراحا خفيا للألم الشخصي الدفين، وهو نداء للتفاهم، وحتى الحب، الذي يشاركه
فيه العديد من القادة الاستبداديين. وهو يفهم إيقاعات الحياة السياسية. لقد استغل المشاعر
القوية التي سببها الاستفتاء لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ثم في عام 2019 حصل على دعم
الناخبين الذين وجدوا السياسيين التقليديين أقل جاذبية.
ولكن
كلما جسد زعيما طائفيا أكثر، سمح له المحافظون بتشويه الأعراف التقليدية التي
اعتمدت عليها بريطانيا، مثل العديد من الديمقراطيات القديمة. طوال القرن العشرين، اعتمدت
المنافسة السياسية في معظم البلدان الديمقراطية الكبرى على أحزاب سياسية كبيرة تقوم
على أفكار، حتى لو كانت غير واضحة أحيانا.. لقد كانت دائما ممزقة بسبب الانقسامات الداخلية،
وكانت تحالفات مصالح فضفاضة، لكن كان هناك اتفاق أساسي حول حجم الدولة والضرائب والحرية
والاقتصاد.
في الديمقراطيات
الشابة، كانت الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان مثل أدوات للقادة. لقد لبست الشعبوية،
أو تبعية الزعيم الغاضب، ملابس حزبية تقليدية في بلدان مثل زيمبابوي أو الأرجنتين أو
الهند.
الآن،
شيء مشابه يصل إلى الغرب. جونسون ليس ولم يكن أبدا "ترامب البريطاني" - فهو
أكثر ليبرالية، ويؤمن بفضائل بعض الهجرة ويؤمن بثبات بأن الاحتباس الحراري من صنع الإنسان.
هو، في معظم الأحيان، أقل تهديدا لخصومه. يفضل الملاطفة على الهمز. لكنه كان مثل ترامب
في استعداده لكسر القواعد، ولي عنق الحقيقة، للحصول على السلطة والاستيلاء عليها؛ ومثل
ترامب في علاقته الغامضة تقريبا بالناخبين الذين اعتقدوا سابقا أنهم منبوذون من المؤسسة
السياسية.
تنتشر
الديمقراطيات ذات الزعماء الذين لهم أتباع في جميع أنحاء العالم، سواء في الهند مع
ناريندرا مودي، أو المجر مع فيكتور أوربان أو البرازيل مع جاير بولسونارو. إنهم يعتمدون
على تعاطف أكثر حماسة بين الناخبين والقائد الأوحد، الذي يعتمد عليه الأمل والازدهار
والأمن.
الضعف
الكبير هو أنه عندما يفشل القائد، أو ينكشف على أنه غير معصوم من الخطأ، فإن كل شيء
يفشل. بريطانيا تتعرض للسخرية من موسكو إلى واشنطن. عبر الاتحاد الأوروبي، يسعد رسامو
الكاريكاتير والسخرية والمعلقون بالسخرية من جونسون.
يسأل
المحافظون الآن أنفسهم من هم حقا.. هل هم حزب ليبرالي اجتماعي كما كان جونسون عندما
كان عمدة لندن - أو محافظ اجتماعي مثل العديد من ناخبي الطبقة العاملة الجدد؟ أم المدافعون
عن نخبة المصرفيين والشركات الكبرى - العديد من المحافظين الكبار يأتون من قطاع الأعمال
- أم أنصار ناخبيهم الجدد، الأفقر، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والغاضبون
من غياب العدالة الاقتصادية؟
لعقود
من الزمن في ظل قادة متعاقبين، مختلفين مثل مارغريت ثاتشر أو ماي أو كاميرون، كان حزبهم
حزبا واثقا من نفسه، قائما على دعم الأعمال التجارية وعكس هوية أمنية قوية في الخارج.
كان المحافظون معارضين للضرائب المرتفعة والدولة المفرطة القوة. لكن خروج بريطانيا
من الاتحاد الأوروبي، ووصول العديد من ناخبي حزب العمال السابقين إلى حظيرته، وأسلوب
جونسون في الحكم، زعزع كل هذا.
أخبرني
أحد الوزراء السابقين في عهد جونسون الأسبوع الماضي بأنه يعتقد أن حزب المحافظين أصبح
أشبه بحزب العمال تحت حكم الزعيم الاشتراكي هارولد ويلسون في الستينيات والسبعينيات.
إذن، هل هم الحزب الوطني المشاكس كثير النفقة لجونسون وناخبيه الجدد؟ حزب الاستقامة
المالية والحكومة الصغيرة... أم ماذا؟
يجب
أن يبدو هذا مألوفا. انتصار ترامب دفع الحزب الجمهوري إلى التشكل بأشكال غريبة. سلوكه،
وفي نهاية المطاف اقتحام الكونغرس، جعل أمريكا محل سخرية في جميع أنحاء العالم، وقلص
لفترة من القوة الناعمة للغرب. يتضح أن الناخبين في الديمقراطيات الذين يتمتعون بخبرة
عدة أجيال يمكن أن يكونوا عرضة لزعيم الطائفة مثلهم مثل الناخبين في أي مكان آخر.
لحسن
الحظ، فإنه لا يزال بإمكان العديد من الديمقراطيات المصابة بعدوى الشعبوية علاج نفسها. في
عبارة جون كينيث غالبريث، يمكن للقوى الموازية - في هذه الحالة، المساءلة البرلمانية
ووسائل الإعلام الحرة - أن تحد من الضرر بل وتعكسه.
وبدأت
الانتخابات الأمريكية لعام 2020 ولجنة الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير ومحاولات
إصلاح النظام الانتخابي العملية في أمريكا؛ يمكن للاستفسارات الرسمية والضغط الذي يلوح
في الأفق من المنافسة المحتملة على زعامة حزب المحافظين أن تفعل الشيء نفسه في بريطانيا.
إذا
ذهب جونسون، فإن معظم البدائل المحتملة هم أشخاص من مجموعة مختلفة تماما من الشخصيات:
وزير الخزانة المهذب تماما ريشي سوناك، على سبيل المثال، ووزير الخارجية السابق ذو
الخبرة، جيريمي هانت. ستشعر بريطانيا بقيادة شخص آخر غير جونسون، وبسرعة ملحوظة، وكأنها
مكان مختلف تماما.
هل سيكونون
قادرين على شفاء الحزب بعد التصرفات الغريبة لبوريس جونسون؟ هل أصبحت السياسة البريطانية
مدمنة على الخطاب الحاد والاستفزازي والجاذبية العاطفية للزعيم الكبير؟ أم إن هناك،
ربما، حتى في هذه اللحظة المتأخرة، طريقة للتراجع؟ هذه هي المعضلة التي تواجه النواب
المحافظين الآن. سوف يتردد صدى الجواب الذي سيختارونه إلى ما هو أبعد من حزب المحافظين
نفسه.