هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها منظمة العفو الدولية، منذ تأسيسها قبل أكثر من ستين سنة، على تسمية النظام السياسي والقانوني الإسرائيلي باسمه الصحيح: نظام فصل عنصري (أبارتهايد). لكن لسائل أن يسأل: ما الجديد؟ أليست العنصرية الإسرائيلية حقيقة يعرفها كثير من المراقبين المنصفين كما يعرفها جميع ضحاياها من الفلسطينيين؟
الجواب أن الجديد هو أن العالم بأسره قد صار الآن يعرف الحقيقة لأن منظمة العفو، تحديدا، هي التي أعلنتها. ذلك أن المشهور عن منظمة العفو أنها لا تلقي الكلام جزافا ولا تنطق عن هوى سياسي أو عقدي. بل إن ديدنها هو الانتصار للحقوق والحريات في جميع أنحاء العالم، كما أن منهجها هو الدقة والأمانة.
لهذا لم يسبق لهذه المنظمة ذات الثقل التاريخي والقيمة المرجعية في النضال الحقوقي أن أصدرت تقريرا أو بيانا عن أي دولة أو أي مظلمة أو أي مسألة إلا وهو موثق بالأسماء والأرقام والتواريخ والأمكنة.
ويعلم كل من تعامل مع منظمة العفو أو نشط فيها أو ساند أيا من حملاتها الحقوقية أن لها نخبة من الباحثين الذين يعملون بجد ودأب وعناية لتحصيل المعلومات وينتقلون لأماكن المظالم والانتهاكات ويقابلون الضحايا والأقرباء والشهود لتوثيق الشهادات والإفادات.
وعندما ينتهي كل هذا العمل الاستقصائي والتوثيقي الطويل، فإن التقرير أو البيان المتمخض عنه لا يصدر إلا بعد مزيد تدقيق وتمحيص من القسم القانوني الذي يعمل فيه خبراء ومحامون حريصون على وزن المصطلحات والعبارات بميزان الذهب.
لهذا لم يحدث أن كذب مسؤولو دولة إسرائيل وأنصارها كذبا أسخف وأدعى للشفقة مما فعلوا هذه المرة. ولعل وزير الخارجية يائير لبيد تفوق على الجميع، بل على نفسه، عندما قال دون أن يغلبه الضحك: إن منظمة العفو «ليست منظمة لحقوق الإنسان، بل هي مجرد منظمة راديكالية إضافية تروج البروباغاندا دون تثبّت من الوقائع. إذ بدل أن تسعى منظمة العفو إلى الحقيقة، فإنها تردد عين الأكاذيب التي تشيعها المنظمات الإرهابية». وجزم الوزير بأن خمس دقائق كافية لتبيان بطلان ما ورد في التقرير الذي أصدرته المنظمة أول هذا الشهر.
أما جويش كرونيكول، فقد نشرت بيانا لمجلس ممثلي يهود بريطانيا يندد بالتقرير ويصمه بالتحامل والتحيز. وعززت الجريدة ذلك بمقالين.
أحدهما لكاتب اسمه إيان أوستن يقول فيه إنه كان أيام الدراسة في الجامعة من المناضلين ضد الأبارتهايد، وإن «أكاذيب منظمة العفو بشأن إسرائيل هي إهانة للسود الذين قاسوا الأبارتهايد الفعلي في جنوب إفريقيا».
أما الثاني فهو لكاتب اسمه يوسف حداد يقول فيه: «اسمحوا لي، باعتباري من عرب إسرائيل، أن أقول لكم: إن تقرير منظمة العفو كاذب (!!!) ليس هناك فصل عنصري في إسرائيل، بل إن جميع مواطنيها متساوون في الحقوق».
ولأن الجدال مع من يعاند الحقائق مضيعة للوقت، بل منقصة من العمر، فإن المسؤول في هيومان رايتس ووتش، الصحافي السابق في لوموند، فليب بولوبيون قد اكتفى بجمع أقوال تغني بذاتها عن كل تعليق. وهاكم بعضا منها: إسحاق رابين يقول في 1976: «إذا كنا لا نريد الوصول إلى واقع الأبارتهايد، فلا أرى إمكانا على المدى البعيد لاحتواء مليون ونصف مليون عربي داخل دولة يهودية».
وزيرة التعليم الإسرائيلية السابقة شولميت ألوني تقول في 2007 إن «إسرائيل تمارس شكلها المخصوص والشديد العنف من الأبارتهايد ضد أهالي البلاد الأصليين من الفلسطينيين».
سفيرا إسرائيل السابقان في جنوب إفريقيا آلون ليل وإيلان باروخ يقولان في 2021: «إسرائيل هي القوة الوحيدة ذات السيادة التي تتحكم في هذه الأراضي. وهي تفرّق بين السكان تفرقة ممنهجة حسب انتمائهم القومي والعرقي.
هذا الواقع، مثلما شهدناه بأعيننا، هو الأبارتهايد». ونائبة المدعي العام السابقة يهوديت كارب تقول في 2021: «الأبارتهايد هو الاسم الذي يطلق في القانون الدولي على نظام من النوع الذي تفرضه إسرائيل في المناطق المحتلة».
أما الأقوال العالمية، فمنها: وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس يقول في 2013: «إما أن تكف إسرائيل عن أن تكون دولة يهودية أو أن تقرر أنه ليس للعرب حق التصويت — وذلك هو الأبارتهايد.
لكنه نظام لم يسر على ما يرام في آخر مرة رأيته مطبقا في أحد البلدان». الأمين السابق للأمم المتحدة بان كيمون يقول في 2021: «إن تصميم إسرائيل على دوام سيطرتها على الشعب الفلسطيني وقمعه بالاحتلال اللانهائي إنما يضفي على النظام القانوني المزدوج المفروض على الأراضي الفلسطينية دلالة جديدة، محدثا وضعا يمكن المجادلة بأنه نظام فصل عنصري» وكبير أساقفة جنوب إفريقيا الراحل دزموند توتو يقول في 2014: «لقد كرست إسرائيل واقع الأبارتهايد بالفعل داخل حدودها وبالاحتلال في الأراضي الفلسطينية».
(القدس العربي اللندنية)