هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان الإذاعي السوداني القدير الشاعر المجيد أيوب صدّيق هو من نبّه بعضنا، أيام الزمالة الأخوية الجميلة في إذاعة البي بي سي، إلى وجوب الاطّلاع من حين لآخر على ما تنشره أسبوعية جويش كرونيكل، لسان حال يهود بريطانيا. وظني أنه يصدر في ذلك عن موقف مجانس لموقف جريدة «القدس العربي» التي تدأب يوميا على نشر مقتطفات مترجمة من أقوال الصحف في دولة العدو الإسرائيلي. ولا مراء أن هذه خدمة إعلامية فريدة إلى حد أن الاستفادة الكاملة من الجريدة لا تتمّ إلا إذا أطل القارئ العربي، بعد قراءة ما يهمه من أخبارها ومقالاتها، على صفحة الصحف العبرية.
فكان أن اعتدت منذئذ بعضا من محاولة الإطلال على جويش كرونيكل إذا ما استطعت. وقد كان العثور عليها يستدعي شيئا من الجهد، إلا أنه صار سهلا متاحا منذ أظلّنا زمن الإنترنت فأصبح لأكثر الجرائد مواقع إلكترونية تزار دون استئذان. وبالطبع كانت جويش كرونيكل، ولا تزال، مدافعا صلبا عن دولة إسرائيل ظالمة أو مظلومة. إذ أقصى ما يمكن أن تجده فيها من مأمول أو معقول إنما هو تلك المواقف الليبرالية الفضفاضة التي يعبر عنها كتّاب من أمثال جوناثان فريدلاند المعلق المعروف في جريدة الغارديان الذي يكتب أيضا في جويش كرونيكل بحكم التزامه بقضايا قومه من اليهود وبمصالح دولة إسرائيل.
ولهذا فقد كان مثيرا للانتباه أن تنشر جويش كرونيكل هذا الأسبوع مادتين تخرجان عن نطاق المعهود. وينقسم المعهود، في العموم، قسمين: دوام الشكوى والبكاء والاستبكاء من التصريحات اللاسامية لفلان أو علان؛ والدفاع المستميت عن سياسات دولة إسرائيل الإجرامية ضد «الإرهاب الفلسطيني» و«النووي الإيراني». وتمثلت المادة الأولى في تقرير إخباري نشرته الجريدة عن مطالبة أكثر من أربعين من أعضاء مجلس ممثلي الجالية اليهودية البريطانية باستقالة صموئيل حايك من رئاسة الفرع البريطاني للصندوق القومي اليهودي في أعقاب تصريحاته بأن تزايد عدد المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا يمثل خطرا على مستقبل البريطانيين اليهود.
ووجه هؤلاء رسالة مفتوحة إلى مجلس أمناء الصندوق القومي اليهودي قالوا فيها إن «جاليتنا لا يمكن بأي وجه أن تقبل تصريحات السيد حايك المتعصبة. إذ إن توقّعنا بأن يكون ثمة صفر تسامح (أي لا تسامح إطلاقا) مع اللاسامية إنما يلزمنا بأن نبدي صفر تسامح مع العنصرية والإسلاموفوبيا». كما أعلن ممثلو مختلف الطوائف الدينية اليهودية وممثلو اتحاد الطلاب اليهود أنهم سيحثون منظماتهم على مقاطعة الصندوق القومي اليهودي إلى أن يستقيل صموئيل حايك من رئاسة الفرع البريطاني.
وكان حايك قد صرح في حديث أدلى به لجروزليم بوست بأنه ليس لليهود مستقبل في إنكلترا، وأن السبب هو تغيّر التركيبة السكانية البريطانية لصالح المهاجرين المسلمين، وأضاف: «مشكلتنا في الغرب أننا لا نفهم الإسلام. ليس ثمة في الإسلام كلمة تؤدي معنى السلام» (!) وكفى بهذا دليلا على سعة معرفة الرجل! إنه يقصد أن مفردة «سلام» لا توجد في العربية. وعليه، فإننا ندعو إلى أن تنزل به، علاوة على عقوبة الإقالة، عقوبة الترجمة: وهي أن يقترح على الملأ ترجمته الإنكليزية لعبارة «السلام عليكم». وإذا عسرت عليه تلك، فليجرب هذه: «تحية الإسلام السلام»
أما في المادة الثانية، وهي مقال رأي بعنوان «تدوينة إيمّا ووتسون ليست معادية للسامية» فقد دافعت الكاتبة صابرينا ميلر عن نجمة فيلم هاري بوتر التي تعرضت لسيل من الاتهامات (الجاهزة سلاحا يشهر آليّا دونما تفكير) بارتكاب الخطيئة الكبرى – اللاسامية – لمجرد أنها نشرت صورة على إنستغرام تعرب فيها عن تضامنها مع الفلسطينيين الذين يشهد العالم يوميا كيف يهدم الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم وينكّل بأطفالهم ونسائهم ويقتّل شبابهم ويعتقل أحرارهم وحرائرهم بتهم الإرهاب الذي يعرف شرفاء الإنسانية (وأوّلهم القس الراحل دزموند توتو) أن لا أحد يمارسه في فلسطين سوى الاحتلال. في كل لحظة من كل يوم. ومن هذه الاتهامات تغريدة لسفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون خاطب بها إيما ووتسون قائلا: «عشرة على عشرة من غريفندور (إحدى شخصيات فيلم هاري بوتر) على كونك معادية للسامية».
تقول الكاتبة اليهودية إنه ليس ثمة أي شيء معاد للسامية في الصورة التي نشرتها الممثلة، ولا في عبارات مثل «الحرية لفلسطين» و«العدالة لفلسطين» كما أنه لا عنصرية في نشر صور العلم الفلسطيني. الرسالة بسيطة حتى البداهة: ينبغي عدم التلبيس بالخلط العمد بين التضامن مع الفلسطينيين واللاسامية. إلا أنها رسالة ذات دلالة على تطور في الوعي عندما تنشرها جريدة يهود بريطانيا.
(القدس العربي)