ملفات وتقارير

التعديلات الدستورية في الأردن.. هل تمهد لحكومة برلمانية؟

أقر البرلمان بأغلبية كبيرة جميع التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة بما تلك المثيرة للجدل- بترا
أقر البرلمان بأغلبية كبيرة جميع التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة بما تلك المثيرة للجدل- بترا

يبدو أن الجدل حول التعديلات الدستورية في الأردن سيستمر طويلا، رغم أنها حظيت بإقرار غالبية أعضاء البرلمان، الخميس الفائت، وذلك في إطار "الإصلاحات" الجديدة التي أوصت بها لجنة ملكية، وأقرتها الحكومة بعد إجراء بعض التعديلات.

وبالرغم من تأكيد الحكومة أن الـ30 تعديلا دستوريا، تأتي ضمن "خطة طريق" تهدف إلى تحديث المنظومة السياسية، وتنشيط وتوسيع العمل الحزبي، والوصول إلى حكومات برلمانية حزبية؛ إلا أن مراقبين يرون فيها عكس ذلك تماما.

"نسفت فكرة الحكومة البرلمانية"

ويؤكد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، أن "الإضافات الحكومية على التعديلات الدستورية التي أفرزتها اللجنة الملكية، عكست إنتاج المعادلة بصورة سلبية، وأفقدت الشعب الأردني الأمل في إصلاح المنظومة السياسية".

وقال لـ"عربي21" إن الإصلاح السياسي بات مؤجلا، "وحتى الحكومات البرلمانية لا يمكن أن تتشكل إلا بعد 12 عاما وفق تحديثات اللجنة الملكية للمنظومة السياسية"، مؤكدا أن "ما يجري لا ينبئ بتحقيق إصلاح حقيقي بالصورة التي يرجوها الشعب وقواه المختلفة".

ورأى العضايلة أن "منح التعديلات الدستورية صلاحيات جديدة للملك، يجعل الدولة تسير باتجاه الملكية المطلقة وليس الملكية الدستورية، في مقابل إضعاف صلاحيات البرلمان والأحزاب السياسية".

وحول نص التعديلات الجديدة على منع الجمع بين النيابة والوزارة، وأثر ذلك على تشكيل حكومات برلمانية؛ أوضح إن "التعديلات نسفت فكرة الحكومة البرلمانية، وأضعفت ولاية الحكومة بصورة جعلتها شكلية"، مضيفا أن "ذلك يدل على أننا غير ذاهبين إلى حياة حزبية حقيقية، وأن القبضة الأمنية لن ترفع عن الحياة المدنية".

وأضاف العضايلة أنه "لا يوجد في التعديلات الدستورية ما يضمن عدم التغول على الأحزاب"، مشيرا إلى أن "قانوني الأحزاب والانتخاب المقدَّمَين من اللجنة الملكية؛ يحتويان على مواد تساعد على تنشيط العمل الحزبي، وتوسيع دائرته، ورفع القيود عنه، ولكن قد يُجري عليهما مجلس النواب تعديلات جذرية تبقينا في المشهد الحالي".

"تمهيد الطريق لحكومات برلمانية"

وفي المقابل؛ يرى حزبيون ومراقبون أن التعديلات الدستورية الجديدة، مهدت الطريق للوصول إلى تشكيل حكومات حزبية برلمانية.

ومن هؤلاء؛ أمين عام حزب الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، الذي أكد أن التعديلات الأخيرة أحدثت "استقرارا تشريعيا" لقانوني الأحزاب والانتخاب، حيث اشترطت موافقة ثلثي مجلسي الأعيان النواب على إجراء أي تعديل عليهما، "ما منحهما طبيعة دستورية".

واستبعد تماما أن يكون هذا الشرط مقدمة لمنع تمرير قانوني الأحزاب والانتخابات الجديدين، أو التعديل عليهما بما ينزع التحسينات التي ضمنتها فيهما اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، موضحا أن "نفاذ التعديلات الدستورية يحتاج وقتا، بانتظار موافقة مجلس الأعيان، ثم مصادقة الملك".

وقال الشناق لـ"عربي21" إن الدولة الأردنية جادة في الذهاب إلى حكومات حزبية، "والتعديلات المقترحة لقانون الانتخاب نصت على أن نسبة الأحزاب في البرلمان الـ(21) ستكون 50 بالمئة، حيث سيشهد الأردن آنذاك ولادة حكومة تشكلها الأغلبية الحزبية"، وفق ترجيحه.

وأضاف أن "التعديلات ضمنت في الوقت ذاته حق الأقلية البرلمانية الحزبية، حيث منحت لـ25 بالمئة من أعضاء البرلمان حق الطعن في القوانين".

وأكد الشناق أن منع الجمع بين النيابة والوزارة وفق التعديلات الجديدة؛ لن يقف عائقاً أمام تشكيل حكومات برلمانية، مشيرا إلى أن هذا التعديل رسّخ مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا يبقي البرلمان قادرا على أداء دوره الرقابي والتشريعي.


ورأى أن "الشعب ليس بحاجة للحزب الذي يعجز عن تقديم وزراء لحكومته ممن لا يحملون حقائب برلمانية"، مستدركا بأنه "لا يشترط في الحكومة الحزبية أن يكون وزراؤها كلُّهم من أعضاء الحزب المناط به تشكيلها".

وفيما إذا كانت الصلاحيات الجديدة التي منحتها التعديلات الدستورية للملك الأردني عبدالله الثاني، ستعيق الذهاب إلى الحكومة البرلمانية، أو تؤثر في ولايتها العامة؛ قال الشناق إن "هذا كلام تضليلي، ولا يتحدث بذلك إلا من اعتاد على المعارضة العبثية".

وأوضح أن "التعديلات الجديدة لم تمنح الملك أي صلاحية جديدة، وإنما الجديد هو الموافقة على تشكيل مجلس الأمن القومي، وهو في حقيقته مجلس مشكّل من الحكومة الحزبية التي سيتم الذهاب إليها مستقبلا، عدا عن كون هذا المجلس معنيا فقط بالقضايا المصيرية الدفاعية".

 

اقرأ أيضا: هل يجرد "مجلس الأمن القومي" بالأردن الحكومة من صلاحياتها؟

"وأد الأحزاب"

ووافق مجلس النواب على تعديل المادة 40 الفقرة 2 من نص الدستور الأصلي، المتعلقة بمنح الملك صلاحيات تعيين مدير الأمن العام وقاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي والمفتي العام ورئيس الديوان الملكي الهاشمي ووزير البلاط الملكي الهاشمي ومستشاري الملك، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم، دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين.

ورأى أمين عام حزب الوحدة الشعبية، سعيد ذياب، أن "التعديلات الدستورية، بما فيها توسيع صلاحيات الملك، قطعت الطريق على أي عملية إصلاح سياسي جاد، وعمل حزبي حقيقي، وفرغت الدستور من جوهره ومضمونه، وحولت البلد إلى نظام فردي رئاسي".

وقال لـ"عربي21" أن إقرار ما سُمي "مجلس الأمن القومي" قلَّص بشكل كبير جدا صلاحيات أي حكومة، سواء الحالية أو القادمة، "فبدل أن تكون لها الولاية العامة على كل مؤسسات الدولة؛ تحولت لمجرد هيئة أو مديرية لموظفين يقومون بإدارة الشؤون الإدارية للبلاد".

وأضاف ذياب أن "مجلس الأمن القومي غير مسؤول ولا مراقب من قبل البرلمان ولا غيره"، مشيرا إلى أن "الحكومة لا تستطيع محاسبة أو مساءلة أعضاء هذا المجلس حتى لو كانوا وزراء فيها، باعتبار أنه فوق كل السلطات، وأن الملك هو من يدعو لانعقاده ويترأس اجتماعاته".

وأوضح أنه "لم تعد ثمة فرصة لتشكيل حكومات برلمانية وحزبية"، مؤكدا أن "المحصلة النهائية للتعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب، ستؤدي إلى وأد الأحزاب".

وتساءل ذياب: "ما معنى أنهم لا يريدون أحزابا عقائدية؟ وما معنى إعادة مطالبة الأحزاب القائمة بالتكيف؟ وما معنى التدخل بعدد أعضاء المؤتمر؟".

وتابع: "هذه الشروط وغيرها تقود في النهاية إلى تفريغ الأحزاب من مضمونها الحقيقي، وضرب الحياة الحزبية، وتكريس الحكم السلطوي المستتر.. نحن أمام ردة حقيقية إلى الوراء".

وكان رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي، قد أكد في ختام الجلسة التي أقرت التعديلات الدستورية، الخميس الماضي، أن البرلمان سيشرع "قريبا" في مناقشة وإقرار مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب"، واصفا ذلك بأنه سيشكل "علامة فارقة" في تاريخ الأردن الحديث.

التعليقات (0)