سياسة عربية

حصاد 2021 بالجزائر.. عام الانتخابات والدبلوماسية

الحدود الجزائرية المغربية- جيتي
الحدود الجزائرية المغربية- جيتي

يختلف تقييم كل طرف في الجزائر لحصيلة 2021 السياسية، فهي سنة اكتمال البناء المؤسساتي بالنسبة للسلطة، وسنة تجديد النظام السياسي لنفسه في رأي المعارضة، لكنها أيضا سنة دبلوماسية بامتياز عبر الكثير من الأحداث التي ميزتها.

ويمكن وصف 2021 بالعام الانتخابي في الجزائر، ففيه دعي المواطنون مرتين إلى صناديق الاقتراع، الأولى لانتخاب المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، والثانية لاختيار أعضاء المجالس المحلية في محافظات البلاد الثمانية والخمسين، وهي انتخابات مبكرة نجمت عن حل المجالس السابقة التي تعدّ من إرث نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

ولم تكن هذه الانتخابات بالروتينية بالنسبة للسلطة الحالية، فهي تقدم على أنها بداية تأسيس لعهد جديد في البلاد، يكرس القطيعة مع ممارسات الماضي التي كان يسود فيها التزوير الانتخابي، واستعمال المال لشراء المقاعد، وتدخل الإدارة بشكل فج في العملية الانتخابية، ما يعيد الثقة تدريجيا وفق هذه النظرة للمواطن في المؤسسات المنتخبة.

وشكلت الانتخابات التشريعية ثم المحلية رهانا خاصا للرئيس عبد المجيد تبون، كونها تمثل آخر محطة في مسار الإصلاحات السياسية التي قادها منذ وصوله للحكم نهاية 2019، حيث بدأ كل شيء بتعديل الدستور الذي استفتي عليه الجزائريون السنة الماضية، والذي أبقى على شكل النظام الرئاسي، مع تفصيلات جديدة، تميز بين الأغلبية الرئاسية التي يعين فيها الرئيس الوزير الأول وبين الأغلبية البرلمانية التي ينبثق عنها الوزير الأول في حال وصلت أغلبية معارضة للبرلمان.

لكن نتائج الانتخابات، في عمومها، لم تحدث ثورة في الخريطة السياسية للبلاد، فبقيت نفس الأحزاب التي كانت مهيمنة على المشهد في الفترة السابقة هي المسيطرة، على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، مع تسجيل ظهور قوى صاعدة في صورة "المستقلين"، الذين باتوا يحتلون المرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد في البرلمان، ويبدون ولاء مطلقا للرئيس الذي شجع بقوة المجتمع المدني كي يخوض غمار الانتخابات من أجل إحداث التغيير الذي يطلبه -حسبه- الجزائريون.

تباين في الرؤية السياسية

وفي رؤيته للوضع، أوضح حزب جبهة التحرير الوطني أن السنتين اللتين قضاهما الرئيس تبون كانتا "للتحدي" بسبب الوضع الصحي، معتبرا أن "التقييم الموضوعي لحصيلة الرئيس يؤكد أنه ماض في تجسيد التزاماته، وبأن ثمة إرادة سياسية عازمة وحاسمة ومؤمنة بالتغيير".

وذكر الحزب، الذي أصدر بيانا خاصا بمناسبة مرور سنتين على وصول الرئيس للحكم، أنه يجب "تعزيز هذه الإرادة السياسية وصيانتها وحمايتها من قوى الإفشال والتآمر"، معتبرا أن ثمة "مخططات تهدف إلى إعادة الجزائر إلى الوراء ومخاطر تتربص بالأمن القومي للجزائر.

لكن هذه النظرة تختلف معها جزئيا أو كليا المعارضة المنقسمة بدورها لمعارضة منخرطة في المسار الانتخابي، وأخرى رافضة بالكلية ومتشبثة بمطالب الحراك الأولى التي رفضت الانتخابات الرئاسية وكل ما ترتب عنها، وتعتبر أن النظام في كل ما يقوم به ماض لتجديد نفسه.

وفي هذا الصدد، قال ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام بحركة مجتمع السلم التي تمثل المعارضة بالبرلمان، إن أهم ما ميز 2021، هو أنها "كانت سنة سياسية وانتخابية مرهَقة، لأنها كسرت الدورية الدستورية والقانونية للانتخابات التشريعية والمحلية، وذلك باللجوء إلى انتخابات مسبقة تحت ذريعة تجديد الحياة السياسية والطبقة السياسية بعد الحراك الشعبي".

 

 

اقرأ أيضا:  مجلة فرنسية: انقسام بالمغرب العربي يهدد استقرار المنطقة


وقدّم حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، تقييما مغايرا، فمختلف الاستحقاقات الانتخابية (من رئاسيات 2019، والاستفتاء على الدستور سنة 2020، وتشريعيات ومحليات 2021)، وخاصة سلوك الناخبين من حيث نسبة العزوف والمقاطعة، تؤكد أننا أمام عملية تغيير عصية في ظل تغول منظومة الحكم، التي ورثت تركة مسمومة وثقيلة".

ووصل النائب السابق في استقرائه لهذه الأحداث، إلى أن "عملية التغيير على مستوى الشعوب والدول تتطلب عمرا أطول من عمر الأفراد، بينما يبقى البناء نسبيا، والعبرة في الأداء بعد النتائج".

وعلى مستوى آخر مرتبط بالسياسة، تتناقض الرؤية أيضا، فهناك من يرى أن الوضع الحقوقي في البلاد يسير نحو الأسوأ، وثمة من يرى وجود مبالغة في تقديم الواقع.

جدل حول الوضع الحقوقي

ورغم أن مظاهرات الحراك الشعبي توقفت منذ أزيد من سنة، إلا أن آثار هذا الحدث السياسي الكبير الذي هز البلاد سنة 2019 لا تزال حاضرة في المشهد من خلال ملف معتقلي الرأي الذي تقول هيئات رصد محلية ومحامون إن عددهم يناهز 300 في البلاد.

وفي اعتقاد عبد الغني بادي، رئيس مكتب العاصمة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن 2021 هي سنة أخرى من التراجع الحقوقي عبر مواصلة الانتهاكات للحريات الفردية والجماعية للمواطنين الذي لم يعد بمقدورهم ممارسة حرياتهم الأساسية بشكل طبيعي مقارنة بأشهر الحراك الأولى، وحتى مقارنة بما قبل بداية الحراك.

وأشار بادي في تصريحه لـ"عربي21"، إلى أن هناك تراجعا رهيبا بفعل غلق كل فضاءات الحريات بشكل غير مسبوق، وصل إلى حد وضع نصوص قانونية تجرم العمل السياسي، بينما سجن المئات من الجزائريين فقط بسبب موقفهم السياسي، وتمسكهم  بمطلب التغيير كما يتصورونه هم.

عكس ذلك، قال بوزيد لزهاري، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إنه لا توجد أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان التي تتحدث عنها المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية، مشيرا إلى أنه مستعد لاستقبال من يوافيه ببيانات موثقة ومتماسكة حول وقوع هذه الجرائم.

وأشاد لزهاري بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بسياسة الرئيس تبون، الذي اتخذ إجراءات عفو في حق أزيد من 15 ألف سجين من بينهم سجناء رأي، وهو ما يعكس حسبه تعهدات الرئيس الانتخابية في هذا المجال.

تحرك دبلوماسي كثيف

ولعل أبرز ما لفت الانتباه خلال سنة 2021، هو ذلك التحرك الكثيف للدبلوماسية الجزائرية، بعد عودة الوزير رمطان لعمامرة، الذي رسّم البعد الإفريقي في توجه السياسة الخارجية للبلاد.

وسعت الجزائر لتكون قوة دبلوماسية، وتستعيد قدرتها على الوساطة وحل النزاعات، من خلال إيلاء اهتمام خاص بليبيا التي تنقل مختلف فاعليها للجزائر، كما نجحت في احتضان ندوة للجوار الليبي، وأكدت على رفضها كل أشكال التدخل الأجنبي في هذا البلد. وحاولت الجزائر كذلك تقريب وجهات النظر في ملف سد النهضة، عبر زيارة الوزير لعمامرة إلى دول حوض النيل؛ إثيوبيا والسودان ومصر.

كذلك، سجلت الجزائر حضورها في أعقاب الأزمة التونسية، حيث كانت أول بلد يزوره الرئيس تبون، معلنا وقوفه إلى جانب تونس، وتقديم دعم مادي للاقتصاد التونسي، في وقت قررت البلاد قطع علاقاتها مع المغرب، بعد ما وصفته بالتصرفات العدوانية لجارها الغربي.

كما أعادت تصريحات الرئيس تبون حول رفض مسار التطبيع والهرولة نحوه، موضعة الجزائر في صف الدول المتمسكة بحل عادل للقضية الفلسطينية، وهو ما أكدته الزيارة الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للجزائر.

ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية زين العابدين غبولي، أن هذا النشاط على مستوى الدبلوماسية الجزائرية، هو محاولة للاستيقاظ بعد فترة السبات التي ميّزت السياسة الخارجية للجزائر في السنوات الأخيرة.

وأكد غبولي في تصريح لـ"عربي21"، أن القيادة الحالية تنظر لأفريقيا على أنها بوابة الحصول على نفوذ قاري، متوسّطي ودولي، خصوصا أنها تحاول حشد الدعم من خلال جولات وزير الخارجية المتعددة. بالإضافة لذلك، هناك رغبة، حسبه، في العودة على الساحة الإقليمية العربية من خلال ورقتي الصحراء الغربية وفلسطين، وهو ما يضع الجزائر طبيعيا في محور تصادم مع أطراف أخرى في المنطقة لا تشارك الجزائر هذه الرّؤية الكلاسيكية، ومن هنا يمكن قراءة الحرب الباردة مؤخرا مع المغرب.

وتابع يقول: "المشاكل بين البلدين مؤشر على صراع أيديولوجي مرتبط بالنفوذ الإقليمي، لهذا تحاول الجزائر كسب دعم عن طريق تونس. بالإضافة لهذا، لا يجب نسيان أن القيادة السياسية في الجزائر لن تحبّذ خيار اتّجاه تونس نحو الاستدانة من أطراف أخرى، ما قد يجرّها إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وفي هذا السياق، لفت الباحث إلى أن سياسة الجزائر الخارجية تبدو امتدادا لرؤية متجذّرة، سواء على المستوى الرّسمي أو الشعبي، ولكن بخطوات أكثر عملية، إلا أن تحديات الجزائر، حسبه، داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى التقلّبات الإقليمية، في ظل عدم وضوح منظومة ما بعد كورونا الإقليمية، يجعل من تحرّكات الجزائر طموحة، ولكن خطيرة ومعقّدة في ذات الوقت.


التعليقات (0)