مقالات مختارة

عندما تمزق إثيوبيا نفسها

أول آلو
1300x600
1300x600

قُتل آلاف الأشخاص، ونزح أكثر من مليوني شخص داخلياً، ويواجه ما يقرب من مليون شخص خطر المجاعة. بدأ الصراع في إثيوبيا منذ عام عندما شن رئيس الوزراء آبي أحمد هجوماً عسكرياً على منطقة تيغراي، وباتت الأوضاع تخرج عن السيطرة في الآونة الأخيرة.


وكانت الأزمة قد تفاقمت منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي عندما استعاد مقاتلو تيغراي السيطرة على جزء كبير من منطقة تيغراي، وعبروا إلى المناطق المجاورة إثر حملة عسكرية جريئة. وبعد توقف مفاجئ، حاولت القوات الحكومية الشهر الماضي إعادتهم إلى مواقعهم، غير أن هؤلاء المقاتلين صدوا الهجوم، وفي تحول مذهل للمواقف، سيطروا على بلدات مهمة استراتيجياً على طريقهم إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.


ورداً على ذلك، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وحث رئيس الوزراء آبي أحمد المدنيين على حمل السلاح، مستخدماً لغة الحرب والعداء. وقد جرى شنّ منذ ذلك الحين حملة قمع واسعة ضد السكان من أصل تيغراني في العاصمة وفي أجزاء أخرى من البلاد، كما تم اعتقال 16 موظفاً محلياً من موظفي الأمم المتحدة. وقد سيطر مناخ من الفوضى على المدينة.


لسبب وجيه، فإن إثيوبيا، وهي ثاني أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان، والتي تشكل حصناً لمنطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، تمزق نفسها بنفسها. فالنظام الاتحادي القائم على أساس الأعراق في البلاد، والذي دام ما يقرب من ثلاثة عقود، يمكن أن ينهار. ولكن التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، حتى السلام، لا يزال أمراً ممكناً. وبمساعدة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة يمكن للجانبين المتحاربين إخراج البلاد من الكارثة.


قليلون هم من توقعوا أن يصل الأمر إلى هذا الحد، ليس أقلهم آبي أحمد نفسه. وعندما أمر رئيس الوزراء بشن هجمات عسكرية ضد تيغراي في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، قال إن الحملة سوف تكون عملية جراحية وجيزة «ذات أهداف واضحة ومحدودة وقابلة للتحقيق». وحسب آبي أحمد ومؤيديه، فإن تيغراي التي تعد العقبة الأخيرة أمام التحرك الأحادي لرئيس الوزراء لإعادة بناء هوية وطابع الدولة الإثيوبية، يمكن إخضاعه في غضون أسابيع، كان خطأ فادحاً.


ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن الصراع امتد لأشهر، وتسبب في خسائر فادحة. فالمدنيون يتحملون وطأة حملة وحشية شهدت التطهير العرقي، والعنف الجنسي والاغتصاب، والقتل الجماعي. وهذه الأعمال الوحشية، التي ارتكبها في الغالب الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية والميليشيات المتحالفة معهما، أذهلت المجتمع وألهبت الانقسامات وعمّقت الاستقطاب.


وكان السيد آبي قد نال جائزة نوبل للسلام في عام 2019، ثم صار هدفاً للانتقادات الدولية بعد إدانته لدوره في الصراع. والواقع أن الانتخابات التي جرت في يونيو، والتي كان المقصود منها تلميع أوراق اعتماده الديمقراطية وترسيخ أركان حكمه، لم تفعل أي شيء لتحسين الموقف. ثم جاءت سلسلة من الانتكاسات العسكرية، حيث شنت قوات تيغراي حملة مضادة كبيرة للهجوم وبدأت في التنسيق مع جيش تحرير أورومو. والأسبوع الماضي، شكّلوا مع سبع جماعات معارضة أخرى تحالفاً ليحل محل حكومة آبي.


ومع تضاؤل الخيارات العسكرية للسيد آبي وتراجع شرعيته، أعربت حكومته بهدوء عن استعدادها للتفاوض.


ورد الدبلوماسيون وزعماء المنطقة بسرعة، فضاعفوا من جهودهم لضمان وقف إطلاق النار وإرساء الأساس لتسوية سياسية تفاوضية. وقد التقى المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بالسلطات الإثيوبية والكينية، وأجرى أولوسيغون أوباسانجو، الممثل السامي للاتحاد الأفريقي في القرن الأفريقي، محادثات مع السلطات الإثيوبية وقيادة تيغراي.


إنها مجرد بداية، ولكن لا بد من عمل المزيد. وسوف يحتاج الأمر إلى جهود نشطة ومتضافرة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والبلدان المجاورة لإجراء حوار شامل وذي مصداقية يمكن أن يؤدي إلى تسوية سياسية مستدامة. ويجب أن يكون المجتمع الدولي مستعداً لاستخدام جميع الأدوات المتاحة له لتحفيز الجانبين على التوصل إلى اتفاق.


لكن في نهاية المطاف، سوف يتوقف المستقبل على الأطراف الإثيوبية ذاتها. ويوجد حالياً قلق عميق حول نيات السيد آبي، ويعتقد الكثيرون أنه ببساطة سوف يستغل وقف إطلاق النار لكسب الوقت لإعادة تجميع وتسليح وتقوية قواته. وعلاوة على ذلك، يبدو أن قوات تيغراي وأورومو تعتقدان أن بإمكانها الإطاحة بالسيد آبي عسكرياً وتشكيل حكومة انتقالية.


ورغم ذلك فإن كل شيء لم يُفقد بعد. وقد يأمل كل من الجانبين أن يتمكن من تحقيق النصر، من دون اللجوء إلى التسوية. ولكن الأوضاع مريعة للغاية بحيث لا يستطيع أي منهما تحمل المزيد من الاستمرار. لقد فقدت حكومة آبي مصداقيتها على نطاق واسع ولم تعد تأمل في انتظار سقوط معارضيها. أما بالنسبة لقيادات تيغراي وأورومو، فإنها تخاطر بخسارة الدعم الشعبي إذا ما استمرت الأزمة الإنسانية في الانتشار.


إنها مهمة صعبة، ولكن على كلا الجانبين أن يضع الحرب جانباً من أجل السلام. والبديل هو الدمار التام.

 

(الشرق الأوسط اللندنية)


0
التعليقات (0)