هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"نيويورك تايمز" تقريرا أعده أنتون ترايونوفسكي وديفيد سانغر قالا فيه
إن الوضع يبدو وكأنه لم يتغير لكل من روسيا والولايات المتحدة، فالخصمان الشديدان
يحاولان التخريب على بعضهما البعض على المسرح الدولي. وشوهدت الصواريخ الباليستية
المؤهلة لحمل الرؤوس النووية قرب أوكرانيا، وألمح الكرملين لإمكانية تدخل هناك،
كما واختبرت روسيا صواريخ كروز تتفوق سرعتها على سرعة الصوت وقطعت علاقتها مع
التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الناتو، وتحت السطح تجري أمور أخرى غير
مشاكسة.
وبعد فترة توقف صيفية استؤنفت هجمات الفدية
السيبرانية التي نبعت من روسيا. وكشفت شركة مايكروسوفت في نهاية تشرين
الأول/أكتوبر عن حملة رقابة سيبرانية روسية جديدة. ومنذ وصول الرئيس جوزيف بايدن
إلى السلطة قبل تسعة أشهر، فرضت واشنطن سلسلة من العقوبات الواسعة وواصلت دعم وتدريب
الجيش الأوكراني وهددت بهجمات إلكترونية انتقامية ضد أهداف روسية. وتوقفت السفارة
الأمريكية في موسكو وبشكل فعلي عن منح التأشيرات. وفي أثناء قمة العشرين التي عقدت
في روما نهاية الأسبوع لم يكن الرئيس بايدن قادرا على طرح أي من هذه الموضوعات
المثيرة للقلق على فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي الذي تعلل بظروف متعلقة بانتشار
فيروس كورونا واعتذر عن الحضور الشخصي وشارك في القمة عن بعد.
وتحت السطح تجري أمور أخرى غير مشاكسة كل منهما
على المسرح الدولي: الحوار؛ بعد قمة حزيران/ يونيو بين بايدن وبوتين في جنيف
انطلقت في تموز/ يوليو سلسلة من الحوارات بين البلدين بما فيها ثلاث رحلات إلى
موسكو قام بها مسؤولون بارزون من إدارة بايدن ولقاءات أخرى على أرض محايدة في كل
من فنلندا وسويسرا.
وهناك محادثات
جدية تجري حول قضايا التحكم بالسلاح، والتي تعتبر الأعمق منذ سنين. وعقدت مستشارة
الحروب الإلكترونية والتكنولوجيا الصاعدة أن نوبيرغر سلسلة من اللقاءات مع نظرائها
في الكرملين. ووافقت المؤسسات الأمريكية بعد نقاش داخلي تسليم الجانب الروسي قائمة
تضم أسماء المتورطين بالقرصنة والهجمات الإلكترونية على أمريكا. ويقول مسؤول إن
الولايات المتحدة تنتظر فيما إن نتج عن المعلومات المسلمة أي اعتقالات، وهو امتحان
لجدية بوتين الذي قال إنه سيلاحق من يقومون بالهجمات الإلكترونية والفدية
الإلكترونية والجريمة السيبرانية.
اقرأ أيضا: فريدمان: على الجميع انتهاز الفرص فالشرق الأوسط يتشكل من جديد
ويقول
المسؤولون من البلدين إن جولات المحادثات المتعددة لم تؤد إلى نتائج جوهرية بعد ولكنها
ساعدت على منع توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو وخروجها عن السيطرة. وقال مسؤول
بارز في الإدارة إن الولايات المتحدة "واعية" لنوايا بوتين والكرملين
ولكن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن العلاقات تنجح في مجال التحكم بالسلاح. ولاحظ المسؤول أن روسيا متعاونة مع الولايات
المتحدة في موضوع استئناف الاتفاقية النووية مع إيران معترفا أن هناك الكثير من
المجالات التي تحاول فيها روسيا تدمير المحادثات. وحظي نهج بايدن الحذر والمدروس
بالترحيب من مؤسسة السياسة الخارجية الروسية والتي ترى في استئناف الحوار إشارة عن
استعداد أمريكا عقد صفقات. ويقول فيدور لوكيانوف، المحلل السياسي البارز في شؤون
السياسة بموسكو "يفهم بايدن أهمية النهج الهادئ" و"أهم ما يعرفه
بايدن أنه لا يستطيع تغيير روسيا، فهي ستظل كما هي".
وتعتبر المحادثات مهمة لأولويات بايدن
الجيوسياسية مثل التنافس مع الصين ومنع تأثير المواجهة مع روسيا على الكثير من
القضايا المحلية. وبالمقابل تعني المحادثات لبوتين استعراض التأثير الروسي
العالمي، خاصة أنها تجري مع أقوى وأغنى دولة في العالم، وبالضرورة تلميع صورته في
الداخل كضامن للاستقرار. وأضافت فيونا هيل، التي خدمت كخبيرة في الشؤون الروسية
بمجلس الأمن القومي في ظل دونالد ترامب: "ما تكرهه روسيا هو قلة الاحترام"
ولأن الروس "يريدون أن يكونوا لاعبا مهما على المسرح ولو لم نمنحهم هذا القدر
من الانتباه فسيعثرون على طرق للفت الانتباه لأنفسهم".
وتعلق الصحيفة أن هذا
النهج محفوف بالمخاطر لأنه سيعرض بايدن وإدارته لاتهامات التعامل مع روسيا التي لا
تزال تهدد المصالح الأمريكية وتقمع المعارضين في الداخل. ويخشى الحلفاء الأوروبيون
من الموقف الروسي المتشدد واستخدام موسكو ورقة أنابيب الغاز للضغط عليهم. ونشرت
صور على منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية عن تحريك القوات الروسية معدات
وصواريخ باتجاه الحدود مع أوكرانيا مما يزيد من مخاوف مواجهة جديدة. وفي الولايات
المتحدة كشف عن القوة التدميرية لروسيا من خلال الحملة التي كشفتها شركة
مايكروسوفت عن محاولات روسيا الدخول للخدمات السحابية واختراق الحكومة آلاف من
شبكات الحكومة الأمريكية والشركات والمعاهد، مما أثار القلق وأظهر أن موسكو تتجاهل
العقوبات التي فرضها بايدن عليها في كانون الثاني/يناير.
وتمثل الحملة
كما يرى ديمتري ألبروفيتش من مجموعة بحث "سيلفرادو بوليسي أكسيليرتر"
تحولا من استهداف شركة أم أهداف فدرالية إلى استهداف الحكومة الأمريكية والمؤسسات
الأمريكية. فلم "تكن محاولة واحدة فقط". وعثرت روسيا على طرق لاستغلال
رغبة بايدن بعلاقة "مستقرة ويتكهن" بها للحصول على تنازلات من واشنطن.
وعندما رغبت فيكتوريا نولاند، المسؤولة البارزة في الخارجية الأمريكية بزيارة موسكو،
لم توافق الحكومة مباشرة، فهي تعتبر من المتشددين في الموضوع الروسي وعلى القائمة
السوداء من الشخصيات الممنوعة من دخول روسيا.
لكن موسكو قدمت عرضا قبلته إدارة بايدن، فلو
منحت تأشيرة لدبلوماسي روسي محظور من دخول الولايات المتحدة منذ 2009 فعندها يمكن
لنولاند زيارة موسكو. وكانت المحادثات
واسعة وشاملة بين نولاند والمسؤولين الروس، إلا أن هناك موضوعات لم يكونوا راغبين
بمناقشتها، مثل قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني، وهي قضية تجنبتها نولاند رغم
شجب إدارة بايدن لمحاكمته وسجنه. وفي الوقت الذي لم يلتق فيه بايدن مع بوتين في روما
إلا أن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف تحدث عن إطار وأشكال واقعية
يمكن للرئيسين التحدث من خلالها. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إنه تحدث بشكل
قصير مع أنتوني بلينكن في روما وأن الرئيس "على التزامه بمزيد من الاتصالات".
وقال قدري لييك،
المتخصص في الشؤون الروسية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن بايدن بارع في
إرسال الإشارات و"ما تريده روسيا مميزات كبيرة وقدرة على خرق القواعد ولكن
يجب أن تكون القواعد موجودة أولا، ورغبت أم لم ترغب فأمريكا هي أهم لاعب عالمي في
وضع القواعد".
وركزت المحادثات بين الطرفين على ما يطلقان عليه "الاستقرار الإستراتيجي" وهي عبارة تستخدم للتحكم في الأسلحة التقليدية وتشمل القلق من التكنولوجيا الجديدة والذكاء الاصطناعي والتي قد تقود عرضا لمواجهة أو تقلل الوقت للتفكير واتخاذ القرارات.