قالت وكالة "
بلومبيرغ" إن
اللاجئين السوريين
غيروا التركيبة الثقافية لبرلين، بشكل لم تشهدها ألمانيا منذ ستينيات القرن
الماضي.
وقالت في تقرير ترجمته
"عربي21": في شارع سونينالي في
برلين، وفي صالون حلاقة، التقط طارق حمد
الشفرة وشرع في حلق رأس الشاب من الخلف دون أن يسأله. ويقول حمد إنه بعد العمل في
صالون الحلاقة في هذا الشارع لأكثر من ثلاث سنوات، فإنه يعرف بالضبط ما يطلبه
عملاؤه وكثير من المهاجرين من سوريا مثله.
قال حمد، 27 عاما،
فلسطيني وُلد وترعرع في مخيم للاجئين بدمشق: "الوضع يشبه الوطن تماما.. نحن
نعرف كيفية نشذب اللحى أفضل مما يعرفه الألمان. لكنهم أفضل بالألوان".
وأضافت: "قد يكون
شارع سونينالي، المعروف محليا باسم
شارع العرب، أقرب شيء إلى موطن العديد من
السوريين. يمكنهم شراء اللحوم الحلال والفستق الحلبي الطازج والحلويات المحشوة
بالقشدة والجوز من بائعين يتحدثون لغتهم. يمكن للسيدات أن يجدن الحجاب وصالونات
تصفيف الشعر للسيدات فقط. يمكن للرجال الصلاة في المساجد والاجتماع في المقاهي
التي تعيد إحساس الأحياء في الوطن. ومع ذلك، يتمتع سونينالي أيضا بصدى سياسي، حيث
يستعد سكان برلين للرحيل الوشيك للمستشارة أنغيلا ميركل".
فالشارع هو أحد أبرز
رموز إرثها والتحديات المستمرة لدمج مجتمع جديد. تسبب قرار ميركل بفتح حدود ألمانيا
أمام مليون لاجئ في عام 2015 في حدوث صدع في أوروبا، وأثبت أنه عامل تحفيز للأحزاب
المناهضة للهجرة. كما أنه غير التركيبة الثقافية للعاصمة الألمانية بطريقة لم
تُشهد منذ انتشار العمال الأتراك في الستينيات.
في حين أن سونينالي
كان دائما موطنا للأقليات العرقية، وخاصة اللبنانيين والأتراك، إلا أنه يبدو الآن
وكأنه سوريا الصغيرة. وجد العديد من المهاجرين عملا في المطاعم والمتاجر ووكالات
السفر التي تصطف في الشارع الذي تحفه الأشجار، والذي كان يقسمه ذات يوم جدار برلين.
وبالنسبة لمن يفتقدون سوريا، فإن الزيارة السريعة تقربهم من مذاقات ورائحة الوطن.
وقال يمان عظيمه،
فلسطيني يبلغ من العمر 21 عاما، انتقل إلى برلين من مخيم اليرموك للاجئين في دمشق
عندما كان طفلا: "عندما تطأ قدمك الشارع، تنسى أنك في ألمانيا". في
الواقع، بالنسبة للكثيرين ممن يأكلون ويعملون ويتسوقون في الشارع الذي يبلغ طوله
خمسة كيلومترات، فإن الانتخابات الفيدرالية في 26 أيلول/ سبتمبر، والتي ستقرر في
نهاية المطاف من سيخلف ميركل، تأتي في
مرتبة تالية للمناقشات المتعلقة بالأحداث في الشرق الأوسط.
ربما كانت ميركل هي
القائدة التي أتت بهم إلى هنا، لكن المفارقة هي أن المكائد السياسية بالكاد
تُلاحظ، فلدى سؤالهم عن الانتخابات، كان رد الجميع تقريبا: "أي
انتخابات؟". هيمنت سياسة ميركل بشأن اللاجئين على الحملة الانتخابية الأخيرة
في عام 2017. وبينما فازت في النهاية، تراجع التأييد لكتلتها المحافظة الحاكمة، ولكنها ساعدت حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة في الحصول على 13% من
الأصوات. عادت الهجرة لفترة وجيزة كموضوع، حيث سيطر الرحيل الفوضوي من أفغانستان
على الأخبار الشهر الماضي. عادت الحملة منذ ذلك الحين إلى الموضوعات الأساسية مثل
تغير المناخ وتعافي البلاد من الوباء.
ومع ذلك، يمكن أن تمثل
الهجرة تحديا للإدارة القادمة. قال ماركوس زينر، أستاذ الصحافة بجامعة العلوم
التطبيقية في برلين، إنه لا تزال هناك مخاوف بشأن مناطق مثل سونينالي ومستوى
المشاركة بين سكانها الجدد.
وقال: "سيكون من
الأفضل أن يكون اللاجئون أكثر اندماجا، إذا كانوا يتحدثون اللغة، إذا شعروا أنهم
جزء من ثقافتنا الألمانية". ويعتبر إبراهيم محمد، 49 عاما، ومحمد مندو، 55
عاما، مثالا على الانقسام الثقافي. وبينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث خارج متجر
يبيع البقلاوة والحلويات السورية الأخرى، قال الرجلان إنهما أتيا إلى ألمانيا في
عام 2015. تعلم محمد اللغة الألمانية، بينما لم يتعلم مندو.
قال محمد إنه يأمل أن
يصبح سائق قطار. وقال إن إتقانه للغة يسمح له بمتابعة السياسة الألمانية ولديه رأي
حول الأحزاب التي تخوض الانتخابات. وقال إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي جيد؛ لأنه
يريد رفع الحد الأدنى للأجور. كما أنه يحب وعد حزب الخضر بفرض حدود للسرعة على
الطرق السريعة. أما بالنسبة لحزب ميركل، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فقال،
بينما كانت رائحة الدجاج المشوي تنبعث من مطعم قريب "إنهم ليسوا سيئين.. ففي
المحصلة هم من سمح لنا بالدخول".
وقال مندو، وهو نجار
عاطل عن العمل بسبب مشاكل في الكلى، إنه قلق للغاية بشأن زوجته وأطفاله الأربعة
الموجودين في الأردن، بحيث لا يكلف نفسه عناء تعلم اللغة أو الاندماج. كلما شعر
بالوحدة، يذهب إلى سونينالي "فقط لرؤية الناس"، الأصدقاء الذين كونهم
على مدى السنوات القليلة الماضية من أجزاء مختلفة من سوريا. وقال: "هذا
الشارع يذكرني بالأيام الجميلة الخالية في سوريا".
في الوقت نفسه، مثل
العديد من السوريين، أصبح يقدر الأشياء العديدة التي تقدمها ألمانيا. بالنسبة له،
إنه علاج غسيل الكلى الذي يحصل عليه وحرية التعبير، على الرغم من أن الأمر استغرقه
ثلاث سنوات حتى يصدق أخيرا أنها موجودة بعد نشأته في ظل نظام ديكتاتوري.
وفي متجر ملابس قريب
تديره امرأة سورية، عاشت في ألمانيا منذ عقود، كانت في البداية مرتاحة بما يكفي
لتتحدث عن كيف تطلب الآن المزيد من فساتين الزفاف المنفوشة والعباءات المزينة
بالخرز لتلبية أذواق المهاجرين. ورفضت الحديث بعد أن حذرتها أختها في سوريا، على
الهاتف عبر السماعة المكبرة، من التحدث إلى أي مراسل صحفي وبالنسبة للسوريين
الآخرين في برلين، إنها قصة مماثلة: برلين هي ملاذ، لكن تأثير الوطن ليس بعيدا على
الإطلاق.
في شارع تورمستراسي، على بعد ما يزيد قليلا على 10
كيلومترات شمال غرب سونينالي، يتذكر العديد من السوريين المركز الاجتماعي، حيث كان
عليهم التسجيل عند وصولهم لأول مرة. المنطقة الآن موطن للعديد من المطاعم والمحلات
التجارية السورية، على الرغم من أنهم لا يبرزون بنفس الشكل كما هو الحال في
سونينالي.
يتذكر مصطفى نعيم، 28
عاما، الذي يعمل في شركة أمنية، كيف شعر بالضياع عندما وصل في البداية. وقال بينما
كان يتناول الكنافة مع صديقين سوريين، إنها كانت فترة مظلمة.
قال نعيم إنه لا ينوي
العودة إلى سوريا، وهو ممتن لما قدمته ألمانيا له. لكنه قال إنه لا يرى مستقبلا في
برلين لنفسه أو لعائلته المستقبلية. يحلم بالحصول على الجنسية الألمانية والعيش في
القاهرة. قال: "هناك فرق بين الأطفال الذين يكبرون على صوت الأذان.. وأولئك
الذين يكبرون هنا".
من جانبه، أومأ عبد
الكريم العبسي، 26 عاما، بالموافقة. وقال إنه يعتز بتجربته في ألمانيا، بما في ذلك
التقدير المكتسب حديثا للثقافات الأخرى وحقوق المرأة، لكنه يرسم الخط في تربية
أسرة في بلد غير مسلم.
وقال العبسي:
"لقد ولدنا مرة أخرى هنا في ثقافة جديدة ولغة جديدة ونظام جديد.. لكنني لا
أريد أن تصادق بناتي أو يشرب أطفالي الكحول". فهل يذهب إلى سونينالي عندما
يشعر بالحنين إلى الوطن؟ قال العبسي: "أبدا.. الناس الذين يذهبون إلى هناك ما
زالوا في سوريا ولبنان وفلسطين. إنهم غير مندمجين".