صحافة دولية

WP: طالبان صمدت ميدانيا وتفوقت على أمريكا في المفاوضات

كانت طالبان مهتمة بفتح مكتب سياسي في الدوحة حيث يمكنها التحدث إلى المجتمع الدولي- جيتي
كانت طالبان مهتمة بفتح مكتب سياسي في الدوحة حيث يمكنها التحدث إلى المجتمع الدولي- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحفية كارين دي يونغ، أشارت فيه إلى أن حركة طالبان صمدت أكثر من الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات وعلى أرض المعركة، مشيرة إلى أن واشنطن أدركت متأخرا ضرورة اللجوء للمفاوضات.

 

وأشارت الصحيفة، إلى أن طالبان أدركت أهمية التفاوض مع بدء محادثات السلام مع إدارة ترامب في خريف 2018. وبعد أقل من 18 شهرا، مما وصفه ترامب بـ"المفاوضات الناجحة جدا"، أبرم برادار وخليل زاد اتفاقا لإنهاء الحرب التي استمرت 20 عاما في أفغانستان بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية.

 

وبعد عام آخر ونصف العام، فإنه بموجب نفس الاتفاقية ولكن بوجود رئيس أمريكي مختلف قامت آخر القوات الأمريكية بخروج متسرع وفوضوي، وتركت طالبان في السيطرة الكاملة على البلاد.


لم تكن هذه هي النهاية التي أرادتها أمريكا. في أعقاب ذلك، تم تبادل اللوم السياسي بين الحزبين. الديمقراطيون والرئيس بايدن يتهمون ترامب بتوريطهم في صفقة سيئة. والجمهوريون وترامب يتهمون بايدن بإفساد الاتفاقية والتعجيل بالانسحاب. والحلفاء الدوليون مستاؤون، والخصوم متحمسون، والعديد من الأفغان يشعرون بالخيانة.


بينما يعتقد آخرون أن هذه النهاية كانت حتمية، فقال شخص مطلع على الأمور في المنطقة، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه مثل كثير من المسؤولين الأمريكيين والأجانب الحاليين والسابقين الذين تمت مقابلتهم لهذا المقال: "سواء قمنا بتمديد الجدول الزمني، أو قمنا بتكثيف الجدول الزمني، فأعتقد أن الاختلاف الوحيد هو وتيرة الأحداث.. كنا سنصل إلى نفس النتائج".

 

اقرأ أيضا: زعيم طالبان يوضح معالم سياسة الحكومة الجديدة.. تفاصيل

وقال توماس روتيغ، الخبير الألماني في شؤون طالبان، إن طالبان كانت تعلم منذ فترة طويلة أنها تلعب لعبة انتظار. وقال إن "هؤلاء ليسوا أفغانا خارقين.. لكنهم كانوا أكثر اتساقا من أي شخص آخر"، وقد فهموا السياسة الغربية والحاجة إلى "تحقيق" شيء ما.


لقد استغرقت أمريكا ما يقرب من عقد من الزمن منذ بداية الحرب عام 2001 لتستنتج أن فرصة التوصل إلى حل تفاوضي أكبر بكثير من الحسم العسكري. لكن بعض حلفاء أمريكا فتحوا قنوات اتصال مبكرة مع طالبان. وساعدت المخابرات الألمانية، التي بدأت محادثات مبدئية في عام 2005، الأمريكيين أخيرا في إقامة اتصالات بعد خمس سنوات، عندما التقى المسؤول بوزارة الخارجية فرانك روجيرو وجيف هيز، مسؤول استخبارات الدفاع في مجلس الأمن القومي، بالمسلحين.


وعندما بدأت تلك الخطوات الصغيرة نحو المفاوضات، تحركت إدارة الرئيس باراك أوباما لتوسيع مشاركة أمريكا في الحرب نفسها. وبحلول نهاية عام 2009، بعد مراجعات داخلية مطولة، أعلن أوباما عن زيادة في عدد القوات من 36,000 في بداية إدارته، إلى أكثر من 100,000..


ووعد أوباما بأن "يصل بهذه الحرب إلى خاتمة ناجحة" من خلال بناء قدرة القوات العسكرية الأفغانية على تولي القتال، وقدرة حكومتها على إدارة البلاد بشكل فاعل. وقال إن الوجود الأمريكي المتضخم لن يدوم إلى الأبد. ستبدأ الانسحابات الأمريكية في تموز/ يوليو 2011 وتكتمل في عام 2014، مع بقاء قوة غير محددة للتدريب ومكافحة الإرهاب.


وكما هو الحال مع العديد من الإعلانات الأمريكية، فقد كان لدى طالبان تحليلها الخاص لما يعنيه الأمريكيون. قال روتيغ: "إنها زيادة في عدد الجنود، لكننا نخبركم متى سنغادر.. فسرت [طالبان] ذلك بأنه ضعف".


وجاءت تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لتلقي المزيد من الضوء على ما وصفته باستراتيجية أوباما ذات المحاور الثلاثة "التي يعزز بعضها بعضا" في خطاب ألقته في جمعية آسيا في فبراير 2011. حيث توعدت بسحق إرهابيي القاعدة وطالبان. وقالت إن الوجود المدني للحكومة الأمريكية الموسع من شأنه أن "يدعم الحكومات والاقتصادات والمجتمعات المدنية في أفغانستان وباكستان لتقويض جاذبية التمرد". سيكون هناك أيضا "ضغط دبلوماسي مكثف لإنهاء الصراع الأفغاني".


وقالت إن خيار طالبان كان واضحا - رفض القاعدة والإرهاب، أو "مواجهة العواقب". وقالت كلينتون إنه على الرغم من أن قطع العلاقات مع القاعدة لا يزال هو الحد الأدنى لأمريكا، إلا أنه لا توجد شروط مسبقة لبدء الدبلوماسية.


وطُلب من مارك غروسمان، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم الذي ترك الخدمة الخارجية، العودة لقيادة الجهود الدبلوماسية. وبعد أسابيع من خطاب كلينتون، كان في الدوحة يصافح ويجلس على طاولة من طيب آغا، رئيس الجناح السياسي لطالبان، والمساعد المقرب لزعيمها محمد عمر.


بدأ غروسمان بالتوضيح لآغا أنه لم يكن هناك لإحلال السلام مع طالبان، بل لفتح الباب أمام المحادثات المباشرة بين المسلحين وحكومة الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي. فأشار آغا إلى أن طالبان ليس لديها اهتمام في التحدث إلى "الدمى" المدعومة من أمريكا في كابول.
 
وكانت طالبان مهتمة بفتح مكتب سياسي في الدوحة حيث يمكنها التحدث إلى المجتمع الدولي. وبشكل أكثر تحديدا، أرادوا الإفراج عن خمسة من كبار أعضاء طالبان مسجونين من قبل الجيش الأمريكي في غوانتنامو، كوبا.
 
على الرغم من أن غروسمان حدد سلسلة من الإجراءات المتبادلة، إلا أن المحادثات سرعان ما اختصرت إلى ما يرقى إلى تبادل الأسرى. وفي مقابل خمسة معتقلين في غوانتنامو، أراد الأمريكيون إطلاق سراح العضو الجندي الأمريكي الوحيد الذي تحتجزه طالبان.


وعندما اقتربوا من التوصل إلى اتفاق، فقد انتهت المفاوضات فجأة بعد أن طالب كرزاي في كانون الثاني/ ديسمبر 2011، بإغلاقها، لغضبه من عدم إشراك حكومته فيها.


وبعد اتصالات غير مباشرة ومتقطعة بين أمريكا وطالبان، طلب الأمريكيون من قطر في النهاية السماح لطالبان بإنشاء مكتب دائم في الدوحة. ووافق كرزاي أخيرا، حيث تم افتتاح المكتب في صيف 2013.


ولكن لم يتم إبرام صفقة تبادل الأسرى إلا في ربيع عام 2014، تحت قيادة المفاوضين الأمريكيين الجدد جيمس دوبينز من وزارة الخارجية ودوغلاس لوت من مجلس الأمن القومي. وبموجبها، تم نقل خمسة من مقاتلي طالبان من غوانتنامو إلى الحجز القطري. وتم تسليم الجندي الأمريكي.


وكان هناك القليل من المفاوضات بعد تبادل الأسرى مع اندلاع الحرب بين طالبان والقوات الأمريكية المتزايدة، إلى جانب الآلاف من القوات الأخرى من الناتو وقوات التحالف غير التابعة لحلف الناتو. ومع تحقيق القليل من النتائج، فقد بدأ بعض الحلفاء بالانسحاب وبدأ أوباما، كما وعد، بتقليص وجود القوات الأمريكية وتحويل "العمليات القتالية" على الأرض إلى القوات الأفغانية المدربة والمجهزة من الغرب.
 
وخلال مؤتمر صحفي في تموز/ يوليو 2016، قال أوباما إن الوجود الأمريكي سينخفض إلى 8,400 جندي عندما تنتهي رئاسته بحلول نهاية ذلك العام. لكنه قال إن أمريكا ستواصل دعم الجيش الأفغاني. وقال: "من مصلحتنا الوطنية - بعد كل ما استثمرناه من دماء وأموال - أن نقدم لشركائنا الأفغان الدعم لتحقيق النجاح".

 

اقرأ أيضا: مؤرخ أمريكي: انتصار طالبان آخر درس لم نتعلمه من "11 سبتمبر"

بعد ستة أشهر من رئاسته، أعلن ترامب رؤيته الخاصة للحرب. لن يكون هناك المزيد من "بناء الدولة" ولم يكن هناك حديث عن المفاوضات. وبدلا من ذلك، وعلى الرغم من تعهداته خلال حملته بسحب القوات الأمريكية، فقد أيد خطة البنتاغون لتعزيز مستويات القوات مرة أخرى. وقال إن الأمريكيين "سيقاتلون حتى النصر".


وأيدت الحكومة الجديدة للرئيس أشرف غني في كابول الموقف على لسان حمد الله محب، سفير أفغانستان لدى واشنطن، ولم يأت عام 2018 - حيث أصبحت حركة طالبان أقوى وليست الأضعف على الأرض، وأصبح هدفه بالانسحاب الكامل أبعد - حتى اقتنع ترامب بحكمة المفاوضات.
 
في ذلك الصيف، اتصل وزير الخارجية مايك بومبيو بخليل زاد - السفير الأمريكي السابق في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة في ظل إدارة جورج بوش الابن والذي قضى سنوات أوباما خارج الحكومة.
 
أوضح بومبيو أن الرئيس كان قلقا بشأن سير الأمور في أفغانستان، ويريد استئناف المفاوضات، وفقا لمسؤولين أمريكيين في ذلك الوقت. وشملت الأولويات التزام طالبان بقطع علاقاتها مع القاعدة، وبدء محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، وبدء وقف إطلاق النار.
 
وبدأت المحادثات مع طالبان في الدوحة. وفي خطابه عن حالة الاتحاد أمام الكونغرس في شباط/ فبراير التالي، قال ترامب إن المفاوضات كانت متسارعة، حيث توصل خليل زاد وبرادار إلى اتفاق مبدئي لسحب جميع القوات الأمريكية تدريجيا - في تلك المرحلة كان يبلغ عددها 14,000 - مقابل تعهد طالبان بعدم السماح للقاعدة أو غيرها من الجماعات العالمية بالعمل على الأراضي الأفغانية.
 
وبحلول أواخر صيف عام 2019، تم وضع مسودة كاملة. وكان ترامب سعيدا، وبعد أن انتهى خليل زاد من إحاطة فريق البيت الأبيض بالفيديو في اجتماع مجلس الأمن القومي، أعلن الرئيس أنه يريد إحضار قيادة طالبان إلى كامب ديفيد لحضور حفل التوقيع. وساد الصمت حول الطاولة عند سماع الاقتراح، الذي أعلنه ترامب لاحقا على "تويتر".
 
بينما لم يعتقد أي من مستشاريه أن كامب ديفيد كانت فكرة جيدة، فإنهم كانوا بعيدين عن الاتفاق بينهم حول مسودة الاتفاقية. وقال مسؤولون أمريكيون في ذلك الوقت إن بومبيو كان مؤيدا لها، بينما عارضها مستشار الأمن القومي جون بولتون والعديد من موظفي البنتاغون.
 
في أوائل أيلول/ سبتمبر، حظيت هذه الانقسامات بتغطية إعلامية واسعة النطاق وفي حينها أعلن ترامب عن انتهاء المفاوضات مع طالبان بعد سلسلة من الهجمات والتفجيرات ومقتل جندي أمريكي.
 
لكن بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، كان خليل زاد يتحدث مرة أخرى إلى برادار، وسأله في اجتماع في باكستان عما إذا كانت طالبان ستوافق على "خفض العنف" لفترة وجيزة لإثبات حسن النية وقدرة القيادة على السيطرة على قواتها على الأرض.
 
كانت طالبان في البداية غير ملتزمة، مذكّرة بأن مسودة الاتفاق التي تم التخلي عنه في أيلول/ سبتمبر دعا إلى وقف إطلاق النار فقط بعد اكتمال اتفاق الانسحاب. ومع ذلك وبحلول شباط/ فبراير كان الاتفاق الذي تم التخلي عنه في أيلول/ سبتمبر السابق جاهزا مرة أخرى للتوقيع. وتم توقيع الاتفاق في 29 شباط/ فبراير في الدوحة.
 
قال روتيغ: "كان الاتفاق حقا هدية لطالبان.. وقد استوفوا ذلك بالفعل حرفيا. لم يكن هناك الكثير ليلتزموا به".
 
لم تبدأ المحادثات مع حكومة غني حتى الخريف، ثم تعثرت. بعيدا عن وقف إطلاق النار، بدأت طالبان، كما لو أن اتفاق الانسحاب قد حررها من كل القيود، فشنت هجوما ربيعيا ضخما ضد قوات الأمن الأفغانية. بحلول الوقت الذي انتهى فيه بايدن من مراجعة سياسته الخاصة، ومع بقاء أقل من 3000 جندي أمريكي، كان المسلحون قد سيطروا على جزء كبير من البلاد وكانوا مستعدين لهجمة أخيرة.
 
في أبريل/ نيسان، بعد أن رفض غني الطلبات الأمريكية الأخيرة بالاستقالة وعرض حكومة تقاسم السلطة على طالبان، أعلن بايدن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية بحلول 11 أيلول/ سبتمبر، الذكرى العشرين لهجمات القاعدة التي كانت سببا في الحرب، وبحلول 31 آب/ أغسطس، بعد أسبوعين من فرار غني من البلاد وزحف حركة طالبان المنتصرة إلى العاصمة، كانوا قد رحلوا.
 

التعليقات (1)
غزاوي
الأربعاء، 08-09-2021 09:06 م
مجرد تساؤل لماذا التلبيس والتدليس !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه: "وبعد عام آخر ونصف العام، فإنه بموجب نفس الاتفاقية ولكن بوجود رئيس أمريكي مختلف قامت آخر القوات الأمريكية بخروج متسرع وفوضوي، وتركت طالبان في السيطرة الكاملة على البلاد." انتهى الاقتباس 1- الاتفاقيات الدولية لا تتأثر بتغيير الرؤساء ما لم يطعن أحدهم فيها. 2- خروج القوات الأمريكية تم ضبطه خلال مفوضات دامت عامين بين الطرفين، وتم تحديد نهايته بتاريخ 31/05/2021. 3- أمريكا لم تحترم جدول خروجها فمدده بايدن إلى 31/08/2021 حتى لا يكون متسرع وفوضوي. 4- غباء أمريكا تجاوز ذكاؤها، فظنت أن دربت جيشا ليحمي ظهرها فأنهار قبلها، وخانتها حساباتها حينما أعلنت أن الطالبان لن تدخل كابول قبل ثلاثة أشهر فحسمت الأمر بصفة دراماتيكية في أسبوعين لا تتخيلها حتى ستديوهات هولي وود.