سياسة دولية

ديفيد هيرست: انتفاضة ثالثة تندلع بقيادة جيل شاب جديد

جيل جديد من الفلسطينيين ينتفض رغما عن نتنياهو ويقول له "كفى"- جيتي
جيل جديد من الفلسطينيين ينتفض رغما عن نتنياهو ويقول له "كفى"- جيتي

نشر موقع "ميدل إيست آي"، مقالا للكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، قال فيه إن إسرائيل تقوم بزرع بذور انتفاضة جديدة.

 

وأشار إلى أنه "قبل 10 أعوام مشيت في الممر المبلط لحي الشيخ جراح، ودخلت غرفة فيها امرأة عجوز تجلس وسط كومة من الصناديق والحقائب. وأول شيء لاحظته عن رفقة الكرد هي الحرارة المشعة من عينيها. وأخبرتني أنها تعيش على الصناديق، لأنها تتوقع في أي لحظة أن تطردها الشرطة من بيتها حتى يدخل المستوطنون. وعند حدوث هذا فلم تكن تريد أن ترمى ملابسها في الشارع، ولهذا جهزتها في الحقائب".


ويقول هيرست إن رفقة عاشت هذا من قبل عندما هجرت من بيتها في حيفا عام 1948. ولكن ما الذي جعلها تجلس بين الصناديق؟ وكانت إجابتها كلمة واحدة: "صمود".

 

اقرأ أيضا: إندبندنت: الشيخ جراح موطن اللاجئين الذين شردوا في 1948

وماتت رفقة العام الماضي في البيت الذي وفرته الحكومة الأردنية لها ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين.

 

وشرح ابنها نبيل كيف احتل المستوطنون توسعة بناها، واعتبرتها البلدية غير قانونية. وأخذ نبيل الذي علاه الشيب مكان والدته، ويقف محتجا أمام البيت رقم 13 الذي كتب على جداره "لن نرحل".

 

وقامت ابنته وحفيدة رفقة، منى الكرد، بتصوير الفيلم الذي انتشر على منصات التواصل الإجتماعي وهو عبارة عن حوار مع مستوطن يهودي يتحدث بلهجة سكان بروكلين في نيويورك: "لو لم أسرق بيتك فسيسرقه غيري".

 

ويواصل هيرست قائلا، إنه عندما التقى برفقة، وكتب عنها، لم يلتفت أحد لها أو للشيخ جراح، و"كان علي أن اشرح لمحرري في الصحيفة أين يقع الشيخ جراح، مع أنه لم يفهم ما قلت في حينه. وكان الربيع العربي هو القصة المهمة حينها، وليست هذه هي المرة الأولى التي يقال فيها للفلسطينيين إن قصتكم باتت قديمة". 


واليوم أصبح الشيخ جراح محل اهتمام عالمي، وموضوع بيانات من الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية والساسة من كل ألوان الطيف السياسي البريطاني.


وعقدت تظاهرات أمام مقر الحكومة البريطانية بلندن وفي شيكاغو وبرلين. وأصبح لمنى الكرد، جمهور عالمي على الإنترنت، و"لكنني أشهد لحقيقة واحدة ظهرت من الفوضى التي ظهرت في الأيام الأخيرة من الشيخ جراح والمسجد الأقصى وبوابة دمشق أن إسرائيل لم تنته بعد من النزاع الفلسطيني".


ففي العام الماضي أعلن اليمين القومي الإسرائيلي أنه انتصر في النزاع وعلى الفلسطينيين رفع الراية البيضاء. وحول اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إلى قداس إنجيلي ومسيرة انتصار. وأعلن غارد كوشنر في حفل الافتتاح: "أي يوم مجيد لإسرائيل نحن في القدس! نحن هنا لنبقى".


وفي اليوم ذاته الذي احتفل فيه كوشنر، استشهد أكثر من 50 فلسطينيا بغزة على يد القوات الإسرائيلية. ثم جاء ما أطلق عليها "اتفاقيات إبراهيم"، عندما طبعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات مع إسرائيل. 


وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، ردا على المفاوض الفلسطيني الراحل صائب عريقات، كتب السفير الإسرائيلي في حينه بواشنطن داني دانون: "ما الخطأ في استسلام الفلسطينيين؟ ما يحتاجه السلام هو انتحار وطني للأخلاق السياسية والثقافية الفلسطينية الحالية"، ولو كان بنيامين نتنياهو يعتقد أنه يستطيع دفن الدولة الفلسطينية عبر التعامل مع الإماراتيين والبحريين وشطب السودان عن قائمة الإرهاب أو إقناع واشنطن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، عليه الآن اكتشاف مدى ضآلة كل هذا، ورخص قيمة أرصدته العربية التي اكتسبها.

 

وقال إن هؤلاء القادة العربية لا مصداقية لهم حتى بين أبناء شعوبهم، وأقل لدى الفلسطينيين. ولو فكر نتنياهو بغير هذا، فقد كان لديه وهم كبير.

 

جيل جديد

 

وأوضح أن هناك جيلا جديدا من الفلسطينيين يظهر تحت ناظريه، ولن يوقفه أي كمية من المياه العادمة القذرة ولا القنابل المسيلة للدموع أو القنابل الصوتية، وهناك منى الكرد في كل زاوية.

 

وقال إن هذا الشباب عاش وهو يعتقل تحت جنح الظلام، و"المحاكم التي قررت أن المستوطنين هم المالكين الحقيقيين لبيوتهم، أو التي تصدر أوامر الهدم، بلدية المدينة التي تنفذ الأوامر، والمزاعم المناطقية عبر التنقيب الأثري وإسكان المستوطنين في سلوان، والغوغاء من الشباب اليهودي المتطرف الذي يصدر هتافات "الموت للعرب" أو نائب مدير البلدية أريه كينغ الذي قال متحسرا لناشط فلسطيني إن الرصاصة لم تصبه في رأسه".

 

ويرى هيرست أن تعليم الكراهية هذا هو جزء من جهود متعددة المجالات قامت بها مؤسسات إسرائيل المختلفة، وعلى كل المستويات. وعاشوه طوال حياتهم. ولكنهم اليوم يقولون "لقد فاض الكيل".

 

وبالنسبة لهم، لا يهم كم مرة ترمي فيها الشرطة القنابل على فرق الإسعاف التي تعالج الجرحى، والمصلين في الأقصى أو على النساء والأطفال في شوارع المدينة القديمة.

 

اقرأ أيضا: مواجهات بالقدس واعتداءات جديدة بالأقصى والشيخ جراح (شاهد)
 

وقال: "سيعودون ليلة بعد أخرى إلى الأقصى وبدون حجر يرمى لأن وجودهم يعني أن شرق القدس محتل، وسيظل كذلك حتى يحرر من السيطرة الإسرائيلية. وسترمى الحجارة مع ذلك وأشياء أخرى".

 

وشهدت الضفة الغربية تظاهرات حاشدة ورشقات صاروخية من غزة التي قتل فيها 35 شخصا بسبب القصف الإسرائيلي.

 

ملامح قوة

 

وقال هيرست إن هناك ثلاث ملامح تعطي الاحتجاج قوة زائدة، ويجب أن يثير هذا قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، الأول هو أنه نتيجة مباشرة للتطبيع مع إسرائيل، ويجب ألا يتوهم أي فلسطيني أن واحدة من الدول العربية ستأتي لمساعدتهم. ولم يكن هذا هو الوضع في الانتفاضتين السابقتين، ولم يعد هناك عراب شريف. ويعرف الفلسطينيون جيدا وحقيقة أنهم لوحدهم، وكل واحد منهم سيعتمد على هو متوفر له. 


أما الثاني، فعلى خلاف الانتفاضتين السابقتين فالجميع منخرط في الاحتجاجات من مناطق 1948 والقدس والضفة وغزة وفي الشتات.

 

وجذب الاحتجاج في الأقصى المسيحيين إلى جانب المسلمين، فقد جاءوا من حيفا ويافا والقدس أيضا. ولو أوقفتهم المضايقات على الطرق السريعة، ذهب أهل القدس بسيارتهم ونقلوهم.

 

وكل واحد منهم له وضعيته تحت القانون الإسرائيلي، بعضهم يحمل جواز سفر إسرائيلي والأخرون هم من حملة البطاقة المقدسية. إلا أن إسرائيل خربت كل العمل والوقت الذي أنفقته في لعبة "فرق تسد".

 

وأكد أن الفلسطينيين الآن يشعرون بوحدتهم، والكل يشعر بنفس النار والعاطفة. وكلهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، وكل واحد منهم يعرف ما هو على المحك.

 

أما الملمح الثالث والمهم فهو أن هذه الحركة تركزت حول الأقصى والقدس، فمهما فرقت الشرطة جموعهم بالقوة فإنهم سيعودون لملئه وساحاته. وفعلوا هذا مرتين حيث حلوا محل من اعتقلوا أو جرحوا.


ويقول هيرست إن اختيار نتنياهو والمستوطنين القدس العام الماضي للإعلان عن نهاية النزاع كان خطأ فادحا منهم. وبالطبع سيقومون باستخدام القوة وإعادة استخدامها، لكنهم سيتساءلون عن منفعتها.

 

ومن خلال جعل شرق القدس مركزا للجولة الثانية من الاستيطان، والتبرير بشكل وقح ومفتوح، فإنهم أشعلوا اللهيب الذي سيزداد في كل أنحاء العالم الإسلامي. وهذا لهيب لا يمكنهم التحكم به. 


ولم يعبر عن هذا بقوة وفصاحة يوم الاثنين أكثر من أم سمير عبد اللطيف، المواطنة الكبيرة في العمر والساكنة في بيت من 28 بيتا مهددة بالطرد في الشيخ جراح. وفي مقابلة مع الجزيرة يوم الاثنين قالت أم سمير إنها تعرف أن العالم العربي لن يفعل لهم شيئا "ولكننا لم نعد نعتمد عليهم، ولأننا سنقوم بمقاومة الاحتلال بأيدينا، وإن شاء الله سنظل نقاوم حتى آخر نفس في حياتنا".

 

وقالت: "قلبي يحترق من حجم النفاق، ومزاعم أن هذه الأرض هي لهم. ويعرفون في كل جزء من جسدهم أنهم يكذبون. وهذه صهيونية وليست يهودية. ويقول الناس إننا سنقاتل ضد اليهودية، ولن نفعل. ودائما كانت علاقاتنا جيدة مع المسيحيين واليهود ومع بعضنا البعض. ولكننا نرفض الاحتلال ونرفضه كليا". وبهذه الطريقة تبذر بذور الانتفاضة، وفق هيرست.

التعليقات (0)