هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أشارت ردود الفعل التركية على قرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الاعتراف بـ"الإبادة الأرمنية" المزعومة؛ إلى دور أساسي لمؤسسات الضغط الأرمنية في الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات عن ذلك اللوبي ومدى قوته بالفعل.
وتضم الولايات المتحدة ثاني أكبر جالية أرمنية خارج بلدهم الأصلي، بعد روسيا؛ إذ يقدر عدد الأمريكيين من أصول أرمنية بأكثر من مليون نسمة.
وينشط قطاع كبير من الأرمن الأمريكيين في إطار مؤسسات ضغط لضمان مصالحهم في الولايات المتحدة، أو دعما لبلدهم الأصلي ضد خصومه الإقليميين، ولا سيما تركيا وأذربيجان.
ووفق تقرير لموقع "ذا كونفرسيشن"، ترجمته "عربي21"، فإن منظمة "الجمعية الوطنية الأرمنية الأمريكية" (أنكا)، وهي أكبر جماعة ضغط أرمنية في البلاد، بات نفوذها يتجاوز حدود الولايات المتحدة، ليشمل الشتات الأرمني في أوروبا.
ويعود نشاط المنظمة إلى مطلع السبعينيات، وتمتلك هيكلا تنظيميا متماسكا، وتحظى بعلاقات قوية مع مشرعين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.
وحرصت اللوبيات الأرمنية، بحسب ورقة بحثية للأكاديمي التركي، علي سمير مردان، على تقليد نظيراتها الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وخاصة "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (آيباك).
اقرأ أيضا: بايدن و"إبادة الأرمن".. نشطاء يتساءلون عن العراق وأفغانستان
"سر القوة"
ومن اللافت، وفق التقارير المشار إليها، وغيرها، تركّز الأرمن الأمريكيين في أحياء ومدن تشكل قطاعات انتخابية محددة، ما يمنحهم قوة تأثير كبيرة على الساسة المتسابقين للفوز بعضوية الكونغرس، وهو ما تفتخر به "أنكا" بالفعل.
وأظهر إحصاء عام 2000، أن ثلث الجالية الأرمنية الأمريكية يتركزون في 5 مناطق انتخابية فقط، ونصف جميع الأرمن الأمريكيين كانوا يتركزون في 20 منطقة انتخابية، وهو ما يسمح لهم بتأثير كبير، ولا سيما عند تدني مستويات المشاركة الانتخابية لعموم الأمريكيين، وعند ارتفاع مستوى حدة المنافسة، كما حدث في انتخابات العام الماضي، سواء على مستوى السباق الرئاسي أو الصراع على الكونغرس.
وبرز ذلك بوضوح في فوز عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، آدم شيف، بفضل أصوات الأرمن المتركزين في منطقته الانتخابية بولاية كاليفورنيا؛ ليتصدر اليوم كتلة كبيرة تتحدث نيابة عنهم تحت قبة الكونغرس.
— ANCA (@ANCA_DC) November 3, 2020
اقرأ أيضا: "عربي21" تستعرض الروايتين التركية والأرمنية لأحداث 1915
وعلى عكس العديد من المكونات الأوروبية الأصل للمجتمع الأمريكي، فإن الأرمن يجمعون بين القدم في التواجد بالولايات المتحدة، من جهة، والاحتفاظ بالهوية والتماسك من جهة ثانية.
وتمكنت مؤسسات الضغط الخاصة بهم من تأمين مساعدات سنوية لأرمينيا، مقابل الحد من وصولها لأذربيجان، والنجاح في وقف صفقة أسلحة مع تركيا خلال السبعينيات.
وبحسب تقرير "ذا كونفرسيشن"، فإن الأرمن في الولايات المتحدة استفادوا من دعم منظمات شتات أخرى، ولا سيما اليهودية منها، التي اعترفت بالإبادة الجماعية، رغم امتناع حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن القيام بذلك. وأقيمت في الولايات المتحدة فعاليات مشتركة لإحياء كل من "الهولوكوست" (المحرقة النازية بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية)، و"الإبادة الأرمنية" المزعومة.
وصحيح أن الأرمن لم يتمكنوا من الحصول، قبل بايدن، على اعتراف كامل من واشنطن بما يزعمون أنها "إبادة" تعرضوا لها إبان الدولة العثمانية، وخاصة بحكم العلاقات القوية التي جمعت الولايات المتحدة وتركيا تحت مظلة "الناتو"؛ إلا أنهم تمكنوا من دفع 46 ولاية أمريكية لاتخاذ الخطوة، كلا على حدة، خلال العقود الماضية، وصولا إلى تبني الكونغرس ذلك "الاعتراف" عام 2019.
وفي المقابل، عملت تركيا وأذربيجان على تعزيز حضورهما في الولايات المتحدة لمواجهة اللوبي الأرمني، لكن الطبيعة الرسمية لجهود أنقرة وباكو لم تتمكن من مجاراة الطبيعة الشعبية لـ"أنكا" وأخواتها.
كما تحد القوانين الأمريكية من قدرة الحكومات الأجنبية على التأثير، مقابل فتح الأبواب مشرعة أمام مواطني الولايات المتحدة لفعل ذلك، وهو ما تستفيد منه الأقليات الكبيرة المتماسكة.