هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في تعدٍ آخر لصلاحيات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، وقّع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبلباس مدني، على مخطط لبناء 3 مدن حول بنغازي (شرق)، في خطوة تنبئ عن عزمه الترشح للرئاسيات المقبلة.
وتلت هذه الخطوة، استقبال حفتر لوفد من مدينة الزنتان (غرب) التي تضم أكثر حلفائه ولاءً بالمنطقة الغربية، لكن هذه المرة بلباس عسكري، خاصة أن المدينة سقطت سلميا بيد أنصار حكومة الوفاق، بعد انهيار مليشيات حفتر وفرارها نحو الشرق، في يونيو/حزيران 2020.
وكان ملفتا هتافات أُسر قتلى مليشيات حفتر، الذين تم جمعهم في قاعة ببنغازي، في 10 أبريل/نيسان الجاري، ليعرض عليهم اللواء المتقاعد وعودا خيالية من سكن وعمل والتكفل بمصاريف تدريس أبنائهم.
وهتفت هذه الأسر، وأغلب أفرادها من النساء: "الشعب يريد.. حفتر الرئيس"، وكأن اللواء المتقاعد في حملة انتخابية مسبقة، ما يعني أنه حسم ترشحه لرئاسيات 24 ديسمبر، بعد فشل خياره العسكري في حكم ليبيا بالقوة.
شرط الترشح غير متوفر
يراهن حفتر على عدم تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، قبل الانتخابات الرئاسية، أو اعتماد المسودة قاعدة دستورية للانتخابات، بما يسمح له بالترشح للرئاسيات.
مسودة الدستور، التي تم إنجازها في 2017، لعب أتباع حفتر في مجلس نواب طبرق دورا رئيسيا في تعطيل عرضها على الاستفتاء الشعبي، نظرا لأنها تتضمن شروطا تحول دون ترشح حفتر للرئاسة.
وتمكنوا من إلغاء شرط مضي سنتين على الأقل على انتهاء خدمته العسكرية قبل تاريخ ترشحه، التي تضمنتها المادة 111 من مسودة 2016.
كما تم تعديل شرط الجنسية الأجنبية، وتقليص مدة التنازل عنها من 5 سنوات قبل تاريخ فتح باب الترشح في مسودة 2016، إلى سنة واحدة فقط في المادة 99 من مسودة دستور 2017.
ومعروف أن حفتر يحمل الجنسية الأمريكية، ولم يعلن أنه تنازل عنها، كما دلت إجراءات محاكمته في فرجينيا الأمريكية أنه لم يتخل عنها بعد، وهذا سيحرمه قانونا من الترشح للرئاسيات، فلم يبق سوى نحو 8 أشهر عن الانتخابات.
اقرأ أيضا: ماذا بعد قرار مجلس الأمن دعم خارطة الطريق الليبية؟
ويبقى أمل حفتر في إمكانية اعتماد ملتقى الحوار لقاعدة دستورية مخففة تفتح له المجال للترشح، وهذا الأمر مستبعد أيضا، لوجود معارضين في الملتقى لترشحه، يتهمونه بارتكاب جرائم حرب.
تشييد 3 مدن تتسع لـ12 مليونا
إحدى المفارقات التي أثارت نقاشا على شبكات التواصل الاجتماعي في ليبيا، حديث حفتر عن بناء 3 مدن غرب وشرق وجنوب بنغازي "قريبا"، تتسع لـ12 مليون نسمة.
ولم يتجاوز سكان ليبيا بعد 7 ملايين نسمة، لذلك يمكن الافتراض أن حفتر يسعى لتوطين قبائل من دول الجوار، خاصة قبيلة الجواري في غرب مصر، والتي تعود أصولها إلى ليبيا، وربما جزء من قبائل أولاد علي في مصر أيضا، والذين لديهم امتداد في ليبيا.
لكن الأرجح أيضا توطين قبائل الفرجان من مصر في ليبيا، مع العلم أن حفتر نفسه ينحدر من قبائل الفرجان المنتشرين في محافظتي سرت وترهونة (غرب).
كما أن قبائل التبو التشادية، يمكن أن تكون خيارا آخر للتوطين، إذ سبق أن حاول العقيد معمر القذافي، الذي حكم ليبيا بين 1969 و2011، إقناعهم بأصولهم الليبية، وقام بتجنيس أعداد منهم، في ظل حلمه ببناء "جماهيرية عظمى".
وسبق لحفتر أن صرح، في فيديو متداول منذ 2019: "عندنا تقريبا مليون و760 ألف كم مربع، ماذا نفعل بهم كلهم؟ إذا تمكنا من الحصول على 10 ملايين (نسمة) إضافية، كلهم قادرون على تغيير وجه ليبيا.. لم لا؟".
ويسمح مشروع توطين قبائل مصرية أو حتى تشادية لحفتر بامتلاك كتلة تصويتية تعادل قرابة ضعف عدد الناخبين الليبيين مما يضمن له ولأولاده الفوز بأي انتخابات مقبلة.
تجاوز صلاحيات الحكومة
يواصل حفتر التصرف في المنطقتين الشرقية والجنوبية، وكأنه لا توجد حكومة وحدة وطنية، اعترف بها شخصيا، ووضع مليشياته تحت سلطة المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش.
والتوقيع على مخطط إنشاء 3 مدن، ورغم طابعه الدعائي وغير الواقعي، إلا أنه لو افترضنا أن حفتر ضابط عسكري في الخدمة، فكيف يحق له الإشراف على تشييد المدن والسكنات، رغم أن هذا من اختصاص الحكومة وليس الجيش.
وأنّى لحفتر الموارد المالية والمادية لإنجاز مشروع بهذه الضخامة، والبلاد ما زالت تعاني من أزمة الكهرباء والسيولة المالية ونقص الوقود.
فحفتر يتصرف كحاكم فعلي للشرق الليبي، ولا يبدو أنه مستعد للتنازل عن نفوذه وسلطته لصالح حكومة الوحدة، مثلما فعل فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني.
امتصاص غضب أنصار الورفلي
لم يسبق لحفتر أن منح اهتماما لعائلات قتلى مليشياته مثلما فعل هذه المرة، رغم أن الكثير من جرحى عملية الكرامة التي أطلقها في 2014، تظاهروا عدة مرات في بنغازي للاحتجاج على إهمالهم والمطالبة بالتكفل بمصاريف علاجهم.
وتبيّن بعد اغتيال المقدم محمود الورفلي، القيادي بلواء الصاعقة، في 24 مارس/آذار الماضي، ببنغازي، أنه كان يتبنى قضية جرحى عملية الكرامة، وعائلات قتلى مليشيات حفتر، خاصة الذين قتلوا أو جرحوا خلال معاركهم معه ضد عناصر مجلس شورى ثوار بنغازي (2014-2017).
اقرأ أيضا: مجلس الأمن يدعم التطورات في ليبيا.. وآلية لمراقبة وقف النار
وبعد اقتحام الورفلي، المعروف بضابط الإعدامات، لوكالة سيارات ببنغازي، واستيلائه على أموال بالوكالة وسيارات معروضة للبيع، قام بتوزيع هذه الأموال أو جزء منها على جرحى عملية الكرامة، ما رفع من رصيده بين هذه الفئة، وأساء لصورة حفتر بسبب البذخ والإسراف الذي شهده حفل زواج أحد أبنائه، على حد قول عدة ناشطين.
ويمكن أن يكون حفتر، استشعر خطر هذه الفئة، خاصة بعد أن خرج أفراد منها في وقفة احتجاجية، للمطالبة بالتحقيق في قضية اغتيال الورفلي، وهددوا بإشعال حرب في بنغازي، خصوصا وأن أبناء حفتر ومحيطه ضمن دائرة الاتهام الأولى.
ولامتصاص حالة الاحتقان التي خلفها مقتل الورفلي، جمع حفتر أُسر قتلى مليشياته، وأغدق عليهم بالوعود من سكنات وفرص عمل ودراسة وحج وعمرة.
واللافت أنه وعد عائلات القتلى بـ20 ألف سكن، بمعدل سكن لكل قتيل أو أسرة قتيل، على حد قوله، وهو أول اعتراف ضمني أن عدد قتلى عملية الكرامة منذ 2014، بلغ 20 ألفا.
خطاب استئصالي
أخطر ما جاء في كلمة حفتر أمام عائلات القتلى، قوله إنه "لن يبقى أي أحد يطلق عليه إخوان (جماعة الإخوان المسلمين).. لن نتعايش معهم أبدا".
ففي الوقت الذي أعلن فيه المجلس الرئاسي، تأسيس "مفوضية عليا للمصالحة الوطنية"، لحل الخلافات بين الليبيين، في 6 أبريل الجاري، يدعو حفتر إلى استئصال أحد المكونات السياسية التي لها ثقلها في البلاد.
وهذا الخطاب الاستئصالي الحاد، من شأنه التأثير سلبا على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها.
فكيف يمكن للمرشحين المحسوبين على جماعة الإخوان الترشح في الشرق أو الجنوب أو تنظيم حملات انتخابية في المناطق التي يسيطر عليها حفتر.
وكذلك الأمر بالنسبة لحفتر ذاته، قد يتعذر عليه تنظيم حملته الانتخابية في مدن المنطقة الغربية التي تعتبره "مجرم حرب"، هذا إذا قُبِل ترشحه.
فالخطاب الاستئصالي لحفتر، لا يخدم أجواء المصالحة، التي تعهد بتحقيقها محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، أو على الأقل التأسيس لها، بما يسمح بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.
فعدم امتلاك المرشحين حرية التنقل بين المدن الليبية يُضعف مصداقية الانتخابات وإن كانت نتائجها نزيهة، وهذا ما يجعل من مهمة الحكومة في تنظيم انتخابات ذات مصداقية ومعترف بها، صعبة، خاصة إذا أفرزت شخصية جدلية قد يرفضها أحد الأطراف.
ولا يُخفي حفتر رغبته في حكم ليبيا، إذ سبق له دعوة أنصاره إلى تفويضه لحكم البلاد في 2020.
ووصول حفتر إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع، إما بتزويرها أو بسبب تشتت أصوات المنطقة الغربية على عدة مرشحين يذكرنا بسيناريو الزعيم النازي أدولف هتلر.