هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقال رأي تحدث فيه الكاتب ميغيل ديلاني عن الأزمة التي تمرّ بها رياضة كرة القدم بسبب هيمنة الأندية الثرية.
وقال الكاتب، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه من بين أكبر مشاكل لعبة كرة القدم في الوقت الحالي سيطرة ستة نوادي عالمية على هذه الساحة. ونتيجة لذلك، أصبح تقريبا من شبه المستحيل أن يفوز فريق لا ينتمي إلى أحد هذه النوادي باللقب في المنافسات الهامة. وقد أكد رامون كالديرون، رئيس ريال مدريد السابق، أن "كرة القدم لطالما كانت على هذا النحو".
وذكر الكاتب أن هيمنة رأس المال على أندية كرة القدم إلى جانب غياب قوانين واضحة للتمويل في هذا المجال أدى إلى تفاوت مالي متزايد يدمر سمة متأصلة في الرياضة وهي عدم القدرة على التنبؤ بالنتائج. أصبحت مجموعة صغيرة من الأندية الثرية تسيطر على كرة القدم وتحتكر الألقاب أكثر من أي وقت مضى، وقادرة على تحطيم أرقام قياسية على نحو غير مسبوق، وهو ما يؤثّر على المجال بأكمله.
أوضح الكاتب أن الفريق الذي يرغب في مجاراة كبار الأندية اليوم بحاجة إلى تحقيق حد أدنى من الإيرادات السنوية (400 مليون يورو على الأقل حسب آخر التقديرات) حتى يكون قادرا على المنافسة.
وعندما تسعى أندية مثل ليفربول أو مانشستر سيتي إلى زيادة الإيرادات إلى الحد الأقصى، يكون لهذا التفاوت بين الأندية تأثير ضخم وتصبح الفجوة أكثر وضوحا على أرض الملعب.
شهد العقد الماضي تفوقا للأندية التي تخصص لها ميزانية كبيرة، وهي بامتياز الأندية الإسبانية والألمانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية. ويشهد 13 من أصل 54 دوريا في أوروبا حاليًا احتكار نواد محددة لسنوات متتالية للألقاب. في السابق، كانت هذه النتيجة مستحيلة لكن بفضل ضخّ المال أصبح أداء الأندية أفضل، خاصة الثرية منها. لكن هذا الأمر لا يعني أنه لم تكن هناك مواسم مخيبة للآمال.
تزايد المخاوف
جعل رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) ألكسندر تشيفرين هذه القضية محور اهتمام تقرير قياس الأداء السنوي للهيئة لسنة 2020، الذي أشار فيه إلى "التهديدات" و"المخاطر" التي تنطوي على "استقطاب الإيرادات المدعومة بالعولمة"، حيث تبين أنّ "النتائج على أرض الملعب تتأثر بشدة بالموارد المالية المتاحة".
حذّر خافيير تيباس، رئيس الدوري الإسباني: "إذا لم نحل هذه المشكلة، فسوف تنهار صناعتنا في غضون بضع سنوات". إنها تتأرجح على حافة الهاوية لأن هذه المشكلة الأساسية تحمل في طياتها الكثير من القضايا الأخرى: على غرار التوتر بين الأندية الكبرى والصغرى، وبين اليويفا والفيفا، وبين المصلحة الذاتية والجماعية.
أشار الكاتب إلى أن كرة القدم لطالما اشتهرت بأنها اللعبة التي يمكن لأي شخص لعبها. وفي فترة ما، كانت أندية فقيرة مثل كايزرسلاوترن وفيردر بريمن وفولفسبورج تحقق انتصارات. ويرى نيكولا كورتيز، الرئيس التنفيذي السابق لساوثهامبتون، أن "الأندية الكبيرة أصبحت الآن وحوش أموال ضخمة". فقد أدت شعبيتها الهائلة إلى تركيز المزيد والمزيد من الموارد بين أيدي مجموعة ضيقة للغاية من الأندية.
الاقتصاد والتأثير
في الثمانينيات، كانت كرة القدم "بالكاد مشروعا ربحيا"، وكانت صفقة بث مباريات دوري كرة القدم الإنجليزي لسنة 1982 بقيمة 5.2 ملايين جنيه إسترليني فقط، وبلغ إجمالي حقوق البث الدولية 50 ألف جنيه إسترليني متأتية من الدول الاسكندنافية. كانت فاتورة أجور أغنى نادٍ في الدرجة الأولى أقل بثلاث مرات من النادي الذي يحتل آخر الترتيب اليوم. كانت كرة القدم، في الواقع، صناعة صغيرة جدًا.
ذكر الكاتب أن إجمالي حقوق البث التلفزيوني للدوري الإنجليزي الممتاز لدورة 2019-22 بلغت 8.4 مليارات جنيه إسترليني. ويبلغ إجمالي أموال جائزة دوري أبطال أوروبا الآن 2.04 مليار يورو، بعد أن كانت 583 مليون يورو قبل 10 سنوات فقط. كما زادت إيرادات أندية مثل مانشستر يونايتد من 117 مليون جنيه إسترليني في بداية الألفية إلى 627.1 مليون جنيه إسترليني في 2018-2019. إن الرياضة في أوروبا تحقق إيرادات أكثر من صناعة النشر أو السينما. ولكن ضخّ المزيد من الأموال تسبب ببساطة في المزيد من التفاوت.
وحسب الرئيس التنفيذي لمانشستر سيتي فيران سوريانو، فإن "شراء أغلى اللاعبين لا يؤدي تلقائيًا إلى تحقيق نتائج جيدة. ما يولد هذه النتائج الجيدة هو وجود أفضل اللاعبين في فريقك ودفع الراتب الذي يستحقونه". ولكن الأندية المتوسطة لا تملك المال الكافي "للاحتفاظ باللاعبين". ووفقًا لأحدث الأرقام، تدفع النوادي الستة الكبرى 51.3 بالمئة من إجمالي الأجور.
البداية والوجهة؟
كلما زادت الأموال التي تحصل عليها النوادي "الستة الكبار"، وكلما كبرت قيمة الصفقات التجارية التي يمكنهم إبرامها، أصبحت أفضل. لقد طغت الرأسمالية على اللعبة لكن المشكلة المعقدة هي أن أصحاب المصلحة الأكثر نفوذاً قد تبنوا ذلك بالكامل، وهو ما يعمق من مظاهر عدم المساواة. إن النفوذ المالي ينتقل من المدرجات إلى حقوق البث.
أشار الكاتب إلى أن استحواذ سيلفيو برلسكوني على نادي ميلان في سنة 1986 مكنه من إدخال أفكاره الإذاعية الخاصة إلى كرة القدم، والتي أحدثت ثورة في مجال التلفزيون والرياضة على حد سواء. رأى القطب الإيطالي أن اللعبة تستقطب مشاهدين على مستوى العالم، وهي فرصة لم يرد تفويتها، وأنه من السخف أن أكبر الأندية لم تكن تجتمع بانتظام في مباريات مربحة. وكان إطلاق الدوري الإنجليزي الممتاز متأثرًا بنفس الأفكار ومدفوعًا بنفس الحافز: ألا وهو تحقيق الربح.
أوضح الكاتب أن التدهور الذي شهدته كرة القدم في الثمانينيات وما نتج عن ذلك من مآس، مثل كارثة هيلزبرة، جعلت التحديث والتمويل للقيام بذلك ضروريا. وتحقيق كل ذلك كان يعني البحث عن طرق ناجعة لجمع هذا التمويل. لم تكن هناك طريقة أكثر ربحية من صفقات البث.
مشكلة إيفرتون
ذكر الكاتب أن دوري الأبطال ساهم في توفير رأس المال اللازم للأندية إلى جانب استقطاب المواهب، وهو ما نتج عنه معضلات على غرار ما يسمى بـ "مشكلة إيفرتون". مثل ذلك طريقة أخرى لجعل اللعبة تتكيف مع الأندية الغنية، التي كانت قادرة على التعاقد مع أفضل اللاعبين. وفي الأثناء، كان كل لاعب يحلم بأن يشارك في مثل هذه المنافسة.
كان هذا يعني أنه حتى لو كان لدى أندية مثل إيفرتون المال الكافي لدفع أجور تنافسية، فإنها ستظل في الغالب عرضة للإقصاء. وعندما يكون بين صفوفها لاعب يمكنه تقديم أداء على مستوى عال يرقى لدوري أبطال أوروبا، مثل روميلو لوكاكو، فإنه سرعان ما يتم التعاقد معه. كان سحر دوري أبطال أوروبا هو الذي جذب رومان أبراموفيتش لأول مرة إلى كرة القدم.
في سوق كرة القدم العالمي غير المنتظم، لا يوجد سوى عدد قليل من الأندية التي تحظى بقاعدة كبيرة من المشجعين والجاذبية التي تسمح لها بتحقيق إيرادات مالية ضخمة لا يستطيع أي نادٍ آخر الوصول إليها. وتمثل حقوق البث الدولي أهم مصدر للإيرادات بالنسبة "للستة الكبار" في الدوري الإنجليزي الممتاز. وفقط عدد قليل من الأندية على غرار مانشستر يونايتد وبرشلونة وريال مدريد وليفربول وأرسنال ويوفنتوس وبايرن ميونيخ وميلان - قادرة على الاستفادة من ذلك حقًا. فهذه الأندية تتمتع بقاعدة جماهيرية عالمية عريضة، وبالتالي سوق جاهز يستحيل على أي ناد آخر التمتع به.
حسب سوريانو فإن "هذا المصدر الثالث للدخل يحول أندية كرة القدم إلى شركات ترفيه عالمية. عند هذه النقطة يصبح نادي كرة القدم أشبه بسيرك محلي تحول إلى شركة ترفيه عملاقة مثل والت ديزني".