مقالات مختارة

العالم العربي بعد إعلان التحالف الخليجي مع إسرائيل

أسعد أبو خليل
1300x600
1300x600

لم يتغيَّر العالم العربي كما تغيّر بالسرعة التي تغيَّر فيها بعد إعلان مسيرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل في آخر عهد ترامب. والعلاقة بين إسرائيل وأنظمة الخليج ليست جديدة أبدا، إذ إن هذه السلالات نفسها استعانت بالعدوّ ضد عبد الناصر في مرحلة الحرب العربيّة الباردة ( ١٩٥٦-١٩٦٧). واستثمرت دول الغرب وإسرائيل وأنظمة طغاة الخليج في حرب اليمن في الستينيّات؛ لأن العدوّ كان مشتركا. والعدوّ الذي أزعج دول الخليج كان دوما هو هو منذ عام ١٩٤٨: عادت تلك السلالات كل حركات المقاومة ضد إسرائيل. هي تآمرت على المقاومة العربيّة العفويّة وغير المنظمة في سنوات الثلاثينيات حتى النكبة، ثم هي منعت انطلاق حركة المقاومة الفلسطينيّة إلى أن رعى جمال عبد الناصر تشكيل منظمة التحرير. لكنّ قدرة الأنظمة على السيطرة على مسار الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة اضمحلّ بعد هزيمة عام ١٩٦٧، التي بدّدت أحلام اللاجئين بالعودة عن طريق الاتكال على الأنظمة العربيّة، على أيٍّ منها من دون استثناء.

السياسة في العالم العربي باتت اليوم مغلقة، تُسيطر عليها إرادة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بالاتفاق مع التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، حيث يؤدي الرجلان دور المُطيع والمُنفِّذ والضارِب. الجامعة العربيّة لا تحيد عن إرادة الرجليْن، كما أن بيانات «البرلمان العربي» (وهو تجمّع تُسيطر عليه الأنظمة التي لا تسمح بانتخابات ولا وجود لبرلمانات على أرضها)، تتعامل مع الثقافة السياسيّة العربيّة على أنها لم تعد كما كانت على مدى أجيال. الردّ اليمني الحوثي على العدوان السعودي-الغربي بات يُصنّف على أنه أشنع وأقسى من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وهذا الاحتلال بات من المنسيّات في الإعلام العربي، باستثناء إشارات عابرة تتناسب مع بيانات وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، أكثر مما تتناسب مع المشاعر التاريخيّة للشعب العربي نحو فلسطين. لكن ما حدث منذ توقيع “اتفاقيات إبراهيم” هو أكبر إعادة صياغة ورسم للسياسة العربيّة، ولموقف العرب الرسمي نحو إسرائيل منذ عام ١٩٤٨.
كان مُعدّا لـ«اتفاقيات إبراهيم» أن تشكّل أكبر تغيير في الموقف العربي الرسمي من خلال الجامعة العربيّة، وكل المنظمات والمؤسّسات المنبثقة عنها أو المرتبطة بها، بالإضافة إلى «رابطة العالم الإسلامي»، وهي ليست أكثر من أداة بيد النظام السعودي. وتسمية «اتفاقيّات إبراهيم» هي من بنات أفكار الصهيوني جاريد كوشنر، والمصطلح هو نظرة صهيونيّة عريقة تحاول أن تجعل من الصراع العربي-الإسرائيلي صراعا دينيّا يُحلّ بتفاهم بين أديان، وليس بحل المشكلة الأساسيّة التي هي مشكلة احتلالات إسرائيليّة وطرد شعب من أرضه. تحويل الصراع السياسي إلى ديني يُخرِج الفلسطينيّين المسيحيّين (واللادينيّين) من الصراع برمّته، ويجعل من المسلمين وحدهم (أي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، كأنّ لأيّ منهما دالة أو نفوذا بين أوساط مسلمي العالم) أصحاب العلاقة المباشرة. وبمستطاع طغاة الخليج ابتياع الزعماء والحكّام والملوك في الشرق والغرب لبسط النفوذ وفرض المشيئة السياسيّة (ابتياع ساسة لبنان يكلّف النظام السعودي أقلّ بكثير مما يكلّف ابتياع جاك شيراك أو توني بلير أو ملك إسبانيا السابق).
لقد كان الإنجاز الصهيوني الكبير في اتفاقيّة كامب ديفيد ترحيل مصر، بقوّتها ونفوذها ومركزيّتها -آنذاك-عن الصراع العربي الإسرائيلي ومنع إمكانيّة تشكّل عمل عربي عسكري مشترك. وأتت في ما بعد اتفاقيّات وادي عربة، والمفاوضات اللبنانيّة-الإسرائيليّة والسوريّة-الإسرائيليّة -المباشرة- في التسعينيّات، لتجزئة ملفات الصراع وترك الشعب الفلسطيني بمفرده، مفتقرا إلى عناصر القوة في المفاوضات، خصوصا بعد الحرب الأمريكيّة (بغطاء عربي، سوري ومصري وخليجي) ضد العراق في عام ١٩٩١. ولقد أخطأ فريق مقاومة إسرائيل في لبنان، في السماح لمسار تلك المفاوضات بالاستمرار، خصوصا أن المقاومة العسكريّة كانت تفعل فعلها، وهي لم تلبث أن طردت جيش الاحتلال من أرض لبنان بالقوة ومن دون أي تنازلات. وكانت هذه الخطيئة الأولى لذلك الفريق، قبل الخطيئة الثانيّة في عام ٢٠٠٢ بالسماح لاتفاقيّة السلام العربيّة-الإسرائيليّة المُشينة بالصدور عن قمّة بيروت (حاول إميل لحّود إبداء الاعتراض على تلك الاتفاقيّة، لكنّ التفاهم السعودي-السوري فعلَ فعلَه آنذاك، على حساب القضيّة العربيّة الكُبرى).
«اتفاقيّات إبراهيم» هي فصل مكمّل من الخطة الصهيونيّة لإخراج الشعب الفلسطيني من المعادلة، وبغطاء عربي رسمي مشترك. والذي حدث في وصف وتسمية «اتفاقيّات إبراهيم» هو دفع كل العالم الإسلامي نحو التطبيع، وهذا ما يعمل عليه حثيثا النظامان السعودي والإماراتي، خصوصا في دفع دولة باكستان وإندونيسيا والسودان وغيرها من الدول. لا يريد محمد بن سلمان -الراعي الحقيقي لـ«اتفاقيّات إبراهيم»- أن يعلن تحالفه الوثيق مع دولة العدوّ، من دون أن يضمن أن نظام «حماية الحرميْن» يتبع عددا من الدول الإسلاميّة المعروفة في التطبيع، ولا يسبقها. كما أن «اتفاقيّات إبراهيم» تجعل من التطبيع أمرا يتوافق مع الدين، خصوصا أن المنظمات الصهيونيّة في واشنطن باتت هي المرجع الأوّل للمناهج الدراسيّة في كل العالم العربي من دون استثناء. يكفي تقرير واحد لمنظمة «بناي بريث» في واشنطن، كي يقوم السفير الأمريكي في أي دولة عربيّة بزيارة حاكم الدولة، والمطالبة بوضع المناهج الدراسيّة تحت المراجعة الفوريّة، وتحت طائلة العقوبات. لن يكون بعيدا اليوم الذي يطالب فيه اللوبي الإسرائيلي في واشنطن بتعديل آيات قرآنية، وليس بعيدا اليوم الذي سيوافق فيه طغاة الخليج على هذا الطلب.
ويعمل محمد بن زايد على طريقته المعهودة في التآمر السرّي. والنظام الإماراتي بات ذراعا مكمّلة للتآمر الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة. لم يكتفِ محمد بن زايد في المشاركة العسكريّة -مع الأردن- في الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، بل هو يتدخّل الآن في اليمن والصومال وليبيا وفلسطين، وأخيرا في لبنان والأردن. ومسيرة التطبيع الخليجي هذه، والمباشرة بالتحالف مع إسرائيل في قضايا وملفّات مختلفة، كان قد بدأها سفيره في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي جاهر أمام الإعلام الأمريكي بصداقته القويّة مع السفير الإسرائيلي في واشنطن، وكان ذلك قبل سنوات عديدة.
ما ضمنه النظامان الإماراتي والسعودي (مع من يتبعهما بالأجرة في العالم العربي) هو ترك الشعب الفلسطيني كي تفعل به إسرائيل ما تشاء. ومحمود عبّاس، قائد الفساد المحليّ في رام الله، الذي يقوم بمهامّ يحدّدها له الاحتلال حسب اتفاقيّة أوسلو، لا يجرؤ على نقد أنظمة التطبيع؛ لأن التنسيق الأمني الذي يرعاه ويهدد بوقفه من دون تنفيذ، هو ذروة التطبيع. كما أن ماكينة الفساد والسرقة في رام الله تحتاج إلى تمويل أوروبي وأمريكي وخليجي لتسديد الخدمات لجيش الاحتلال. وليست مسرحيّة الانتخابات الأخيرة إلا محاولة بائسة لصرف أنظار الشعب الفلسطيني عن خطورة ما يجري حوله.

 

الأخبار اللبنانية

 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل