هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تتردّدْ. في البداية ستشعر بارتباك. العالم اليميني الرجعي قد يبدو غريباً بعض الشيء عنك وعليك. ستشعر برهبة للمرّة الأولى لأنك تذكر أنك كنتَ تهجو بعض أسماء العالم الجديد، وأنكَ على مواقع التواصل كنتَ تعيِّر مَن يتحدّث بلغتهم وخطابهم. ستتذكّر أن الكثير من رفاقك وأترابك سبقوك في النقلة، وتثبتوا في مضارب الطاعة النفطيّة والغازيّة. يندر أن تجد في عالم المثقّفين وأساتذة الجامعات والإعلاميّين والإعلاميّات من بقي في معسكر اليسار ــــ اليسار الحقيقي الحالي والمستقبلي، وليس يسار الذكريات البائدة التي يستعين بها اليمين في معاركه. الكلّ ينتقل ويتحوَّل، فلماذا تبقى أنتَ وحدك؟ ــــ أو هكذا تقول لنفسك لإقناعها. والانتقال قد يكون طريفاً ومضحكاً: مثل أن يعترض أحدهم على جريدة «الأخبار» لأنها ليست ثوريّة أو تقدميّة بما فيه الكفاية ثم تجدهم يثنون على إعلام يقع على يمين جريدة «الأخبار». أو أن تجد مَن كان يوبّخك على فايسبوك لأنك انتقدتَ حزب الله أو النظام السوري (وهذه حدثت معي أكثر من مرّة، قبل أن أُطرد شرّ طردة من فايسبوك)، ثم بعد أشهر فقط تجدها تنتقد كل من لا ينتقد حزب الله والنظام السوري. تسألها عن ذلك فتقول لكَ: الناس يتغيّرون. يتغيّرون بناء على قناعات. صحيح، لكن التغييرات الفجائيّة كيف تحدث؟ مَن يشرح العمليّة لي؟ كيف يمكن لشخص مثلاً أن يعيّرك لأنك تنتقد حزب الله ثم بعد أقل من سنة يعيّرك لأنك لا تنتقد الحزب بحدّة أو شدّة أكثر؟ والذي كان يستاء من نقدك للنظام السوري بات يعيّرك أن نقدك له لا يكفي.
لكنّ التغيير يطرح تساؤلات عن أسباب القناعات المتغيّرة في اتجاه واحد فقط. لماذا يتغيّر الجميع، وفجأة، من موقع مؤيّد للمقاومة إلى موقع معادٍ لها؟ لماذا لا نسمع عن انتقال أناس من محور السعودية ـــ إمارات ـــ أمريكا إلى محور إيران؟ ما السرّ بالرغم من كلّ ما يُقال عن المال الإيراني الذي هو نقطة في بحر التمويل الغربي ـــ السعودي ـــ الإماراتي لوسائل الإعلام والمواقع والبشر. أذكر أنني قبل أكثر من عشر سنوات سمعتُ عن راتب بتول أيّوب المتواضع (جداً) وكيف كانت تتلقّى العروض من وسائل إعلام عربيّة قبل أن ينزل الغضب الخليجي الساطع على «المنار» بعد هزيمة إسرائيل في حرب تموز، (أليست مفارقة أن أنظمة الخليج كانت صريحة في إنزال غضبها ضد حزب الله واكتشاف إرهابه الفظيع بعد نجاحه بإلحاق الهزيمة بالعدوّ في حرب تمّوز؟). كانت هذه أوّل مرة يعمد فيها النظام السعودي والإماراتي إلى المجاهرة بمناصرة إسرائيل في حرب. لكن هؤلاء كانوا يتمنون الهزيمة للمقاومة الفلسطينيّة في صيف ١٩٨٢، عندما كان سعود الفيصل يستقبل بشير الجميّل في الرياض ويعدّه (بأمر أمريكي ـــ إسرائيلي) لتولّي منصب رئاسة الجمهوريّة بقوة الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
سيُقال لكَ الكثير عن هجرتك من موقع إلى موقع. ستشعر بالحرج عندما تشرح لهم ما حلَّ بك. لا بأسَ في ذلك. هذه تحدث دائماً في البداية لكن العوارض سرعان ما تزول. تتعوّد وتتأقلم وسرعان ما تتحوَّل إلى بوق للتحالف السعودي ـــ الإماراتي. هناك طلب على المتحوِّلين لأنهم على الشاشات يبدون أنهم العالمون ببواطن الأمور، ويستطيعون أن يزوّدوا الأعداء (السابقين لهم) بمعلومات وإرشادات حول عقليّة هؤلاء. والهجرة في بدايتها تثير تساؤلات وتكهّنات لكن لكثرة ما حدثت تحوّلات منذ عام ٢٠٠٥ إلى اليوم، فإن التساؤل بات أقلّ بكثير من قبل. تعوّدنا كثيراً وصارت التحوّلات رتيبة ومتوقّعة. تحوّل أشخاص من خندق إميل لحوّد (شارل رزق وديميانوس قطّار وإلياس المرّ وغيرهم كثيرون) إلى خندق الحريريّة، لا بل وبات هؤلاء متنكّرين بالكامل لماضيهم. ينفون أنهم كانوا في موقع مختلف، لأنهم يريدون منك طمس التحوّل. لكن ليس هناك من تحوّل جذري أكثر من تحوّل محطة تحسين خيّاط التي انتقلت من بوق ممانعة مبتذل إلى بوق لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد بمجرّد إطلاق «عاصفة الحزم». هكذا بشحطة قلم تحوّلت مقدّمات «الجديد» من إطناب بالمقاومة ومحورها إلى محطة تبشير بأمريكا والمحمدَيْن في الخليج (رافقت «عاصفة الحزم» وحفلة التطبيع الإسرائيلي ـــ الإماراتي أكبر عمليّة شراء الصحف والمحطات والمواقع منذ رحلة خالد بن سلطان الشهيرة في صيف ١٩٩٠، عندما جال على عواصم العالم لابتياع الإعلام العربي، وتحوّلت في حينه مجلة «الوطن العربي» من بوق لصدّام إلى بوق للنظام السعودي واستأجر جريدة «الحياة» قبل أن يشتريها فيما بعد).
لكن ستواجهك معضلة، فاحذرْ. هل ستتبع لمحمد بن سلمان أم لمحمد بن زايد؟ هنا، ستستغرق في التفكير قبل أن تحزم أمرك. لكن المثال للإعلاميّين اللبنانيّين والفنانين في دبيّ ـــ بيروت ماثل للعيان وهو مفيد لك. تستطيع أن تسجد للاثنيْن معاً، أو لثلاثة من الأمراء والشيوخ، لو شئتَ. هناك أمثلة عديدة أمامك. تستطيع مثلاً أن تجول في أمسيات الرياض على المنازل والقصور وأن تحاضر حول «رؤية محمد بن سلمان الإعلاميّة» وأن تظهر على شاشة التلفزيون حاملاً هاتفاً بصورة محمد بن راشد ومحمد بن زايد، كما حالة اللبناني علي جابر. وتستطيع مثل كل الفنانين والإعلاميّين العرب في دبي ـــ بيروت أن تقتفي آثار المستشار تركي آل الشيخ الذي يهدي «النخبة» الإعلامية والثقافيّة والإعلاميّة العربيّة. هو يستطيع أن يشير بيده أو عصاه كي ترتسم معالم الطريق أمامك. والطاعة لنظامَيْن أصعب من الطاعة لنظام واحد خصوصاً لو حدث خلاف بين المستبدّيْن، وما عليك في حينه إلّا أن تتضرّع كي يدوم الوفاق بينهما وإلّا الطامة الكبرى ستقع. وفي موضوع فلسطين هناك إشكال أيضاً. أنتَ كنتَ تكتب في حب فلسطين وفي نصرة شعب فلسطين. هذا لم يكن إشكالاً من قبل عندما كان النظام السعودي والإماراتي يدعم ــــ لفظاً فقط وخطباً معظمها خطاب كراهية ضد اليهود كيهود ــــ نضال الشعب الفلسطيني. الآن الوضع تغيّر وأصبح النظامان حليفَين وثيقَين للعدوّ. كيف تتأقلم مع ذلك وكيف تنسجم؟ تستطيع أن تفعل كما فعل مثقفون وإعلاميّون قبلك بأن تقول: إنك تثق بحكمة وقيادة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وأن كلّ ما يفعلانه ينسجم مع قناعاتك المتغيرة بنفس وتيرة تغيّر سياسات المُستبدَين، إن تغيّرت. هذه سهلة: رفيق الحريري قال إنه كان مع عبد الناصر لكنه بمجرّد أن وصل إلى السعودية في عام ١٩٦٤ أصبح من مؤيّدي المحور السعودي المناهض لعبد الناصر. هذا كان قومياً عربياً سابقاً. تعلّم: وإن هم هتفوا ضد فلسطين، تهتف أكثر وتزعم أنك فقط من باب معاداة الإخوان المسلمين ترفض نضال حركة «حماس». وإن هم هتفوا في نصرة نتنياهو ضد خصومه تفعل الأمر نفسه وتزايد في حبّ نتنياهو. بمعنى آخر، عليكَ أن تقطع بالكامل مع مرحلتك السابقة. عليكَ عندما تنظر في المرآة ألا تتعرّف على وجهك وتقاسيمه وأن ترى وجهاً جديداً لا يتبيّنه من عرفك طيلة حياتك. وإن تبيّنتَ ذات يوم تقاسيم وجهك السابق في المرآة، اصفعه حتى يتغيّر الوجه. ثم هناك المكياج في «الغرف الخضراء» في محطات التلفزة.
أما في موضوع المقاومة فهذه سهلة أيضاً. أنتَ لا تقول أو تعترف إنك ضد المقاومة. لا، هذا موقف نافر ويقطع مع كلام لك في الماضي غير البعيد. أنتَ تقول إنك مع المقاومة في المبدأ لكن لا يمكن لك أن توافق على المقاومة الحالية في غزة أو في جنوب لبنان. تقول إنك فقط من باب المدنية والعلمانيّة ترفض أن يقود حزب ديني مقاومة إسرائيل. تقول: إن الدولة المدنيّة كفيلة بصدّ إسرائيل وردعها. تقول: لو قامت الدولة المدنيّة فإنه بحكم وجودها تهدّد إسرائيل وتمنع جيشها من التقدّم في أرضها. كيف ذلك؟ هذه عويصة لكن لنقلْ إنك تقول إن الدولة المدنيّة هي حالة مقاومة بحدّ ذاتها وأنك لا تستطيع أن تشرح أكثر من ذلك لأنك لست راسخاً في العلوم العسكريّة. هذه تكفي. ثم هناك حالة «جمّول»، فتستنجد بها. أنت تقول إنك مع مقاومة «جمّول» لكن لستَ مع المقاومة الحالية. أنت إذن مع مقاومة غير موجودة مقابل مقاومة موجودة وفاعلة. وأنتَ تقول إن إلياس عطالله، الذي كان أول قائد عسكري لـ«جمّول»، شكّل حالة أزعجت أمريكا وإسرائيل أكثر بكثير من حالة عماد مغنيّة الذي قاد على امتداد سنوات طويلة المقاومة الحالية. أي أنت مع مقاومة إلياس عطالله وليس مع مقاومة عماد مغنيّة لأنك يساري، أو لأنك كنتَ ذات يوم يساريّاً. قد يسألونك عن حالة منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت في برنامجها في ميثاق ١٩٦٨ حالة حركة مدنيّة لا تطرح أي كلام طائفي، وسيسألونك عن فعاليتها مقابل المقاومة الحاليّة. عندها تقول إنك في هذه لا تفسير لديك إلّا أن الدولة المدنيّة و«جمّول» (غير الموجودة) هي أفضل مما يجري اليوم وإن إذلال العدوّ في حرب تمّوز كان يمكن أن يكون أكثر وقعاً لو أن القيادة كانت بيد جوزيف عون، المدني مثلاً. هكذا تجيب على تساؤلاتهم وتردّ على استفساراتهم.
أنت اليوم تدخل في مسار جديد تقطع فيه مع ما سبقَ لك من حياة وقناعات. عليك أن تكون مرناً لأن الأنظمة التي أصبحتَ تابعاً لها هي أيضاً مرنة. النظام السعودي تخاصمَ مع النظام السوري ثم تصالحَ ثم تخاصمَ، والمحمدان المُستبدان شنّا حرباً وحصاراً على قطر، لكن الصلحة تمّت أخيراً وكل الذي هجا النظام القطري سكت للتأقلم، كما فعل غسان شربل وغيره كثيرون. أنت تستطيع أن تفعل نفس الشيء. والنظام القطري يشكل أيضاً حاضنة لليساريّين السابقين لكنه يرتاح أكثر لمعارضة الإخوان المسلمين التي لم يعد لها ملاذ غير قطر، خصوصاً أن تركيا تتصالح مع النظام المصري والسعودي وإسرائيل وأمريكا. أنتَ، أين تقف أنتَ؟ أنت تقتفي آثار وخطوات الأمير أو الشيخ الذي تتبعه، وهناك أفراد في الحاشية يشيرون إلى الطريق. كما يقول، تقول. لو وقف، تقف، ولو جلس تجلس، ولو هتف تهتف، ولو صمت تصمت.
والعمل الإعلامي في فريقك وافر الفرص خلافاً للصحافة اليساريّة الحقّة. هناك مواقع ومحطات تلفزيونية تستطيع أن تعمل فيها لو شئت والنظام الإماراتي يبدو أنه يدخل الحقل الإعلامي بقوّة في منافسة مع النظام السعودي. أصبح للنظام الإماراتي محطات وساسة وصحافيون (وبعضهم من ٨ آذار). وهناك مواقع غربيّة تنبت في فضاء الإنترنت كالفطر وجورج سورس (المموِّل الخبيث لحملات أمريكا ضد الشيوعية في الحرب الباردة والذي ينشط في الإعلام العربي «الجديد») يرعى عدداً من المواقع الإخباريّة. تقدّم وتحضّر، وتحدّث عن تجربتك السابقة وكيف أنك أنقذت نفسَك من الضلال.
لكن ماذا عن طبيعة نظام الحكم في معسكرك؟ أنت ستلاحظ أن هناك مفارقة: فريقك يعيّر النظام السوري والإيراني على غياب الديمقراطية وأنت تتفيّأ بظل نظامَيْن مستبدَّيْن ظالمَيْن. والنظام الإماراتي قد يكون أقسى نظام هيمنة مخابراتيّة وسطوة تجسّسية تخترق الخصوصيات منذ زمن صدام حسين. لا، النظام الإماراتي فاق هيمنة المخابرات الصدامية لأن التقنية الإسرائيلية التي يتزوّد النظام الإماراتي بها تتيح له القدرة على اختراق أي خصوصيّة (يروي سجناء رأي سابقون أنهم بعد عودتهم إلى منازلهم من السجن وجدوا في صدر المنزل جهازاً إلكترونياً لا يجرؤ أيّ فرد في العائلة على المساس به). وسيقولون لك: النظام الإماراتي يفرض سيطرة توتاليتاريّة على المجتمع وأن التقنيّة الإسرائيليّة للتجسّس والرصد تدخل في كل بيت وعلى كل هاتف وحاسوب، وسيذكّرونك أن عقوبة التغريد بغير مشيئة الحاكم تصل إلى ١٥ سنة سجن. عندها تقول لهم وبحزم شديد ومن دون إبداء أيّ امتعاض: إن أطول برج موجود في دبي، وأن أكبر عجلة ترفيهيّة في العالم موجودة في دبي (وقد أفردت جريدة «النهار»، المفتتَنة منذ تولّي غسان تويني رئاسة تحريرها باستبداد دول الخليج، مساحة لهذا الإنجاز). لو قالوا لك إن النظام السعودي يقطع الرؤوس في الساحات العامّة وإنه قتل بالمنشار صحافيّاً تابعاً لهم (وأخلص لهم الطاعة والسجود على مرّ العقود)، قلْ لهم: لكن النظام السعودي سيُنشئ شركة طيران جديدة تنافس شركات طيران الإمارات، وأن تركي الشيخ (وليّ أمر الإعلاميّين والفنانين والفنانات اللبنانيّات بين بيروت ودبي) سيقيم حفلاً ترفيهيّاً رائعاً. غيِّر الموضوع باستمرار كي لا تبدو محرَجاً.
سيكون لك أصدقاء جدد كثر، والمحور السعودي ـــ الإماراتي يحقد فقط على المبدئيّين. النظامان يحقدان حتى الساعة على جمال عبد الناصر لأن الرجل مات على قناعاته ومبادئه وهو في حياته أذلّهم وأهانهم كما لم يذلّهم ويُهِنهم أحد من قبل أو من بعد. لكن هؤلاء غفروا إساءة كلّ من هجاهم في الماضي: افتح أيّ جريدة سعوديّة أو إماراتيّة تجد عدداً هائلاً من الكتّاب من الذين كانوا في شبابهم من أقذع نقاد النظامَين. حتى الساسة الذين انتقلوا من ضفة إلى ضفة، هؤلاء يتلقّون الغفران على الفور (ينسى البعض أن تمام سلام وفؤاد مخزومي وميشال سليمان وغيرهم كثر كانوا في محور الممانعة قبل أن يتحوّلوا إلى المحور الآخر بعد قراءتهم لكتاب محمد بن راشد آل مكتوم، «قصتي». بالمناسبة، هل منكم مَن يقرأ كتب وقصص وسير الأمراء والشيوخ؟ أنا أفعل. وهؤلاء طبعا لا يكتبون كلمة من كتبهم. في حالة محمد بن راشد تقوم شركة علاقات عامّة باستئجار خدمات صحافي غربي للقيام بالمهمة. سألتُ مرة الكاتب البريطاني باتريك سيل، ونحن نتناول العشاء في نيويورك: كيف تقوم بكتابة سيرة خالد بن سلطان، يا باتريك؟ لقد بدأت كتاباتك بكتابك الرائع، «الصراع على سوريا» وتختمها بسيرة خالد بن سلطان؟ نظرَ إليّ باتريك بأسف أو بعض من الارتباك وقال: لكن يا أسعد، المال كان سخياً للغاية؟ المبلغ كان جد كبير).
ووسطك الجديد له عاداته وتقاليده. عليك مثلا أن تلتصق بفرد من الحاشية لهذا الأمير أو الشيخ. وكل واحد من الكتاب يكون محسوباً على واحد أو آخر: جهاد الخازن كان محسوباً على خالد بن سلطان، وسمير عطالله كان محسوباً على عبد العزيز بن فهد وسليم اللوزي كان محسوباً على الملك فهد، مع أنه أتقن التبعيّة لأكثر من مستبدّ وأمير، وهذا تُحسب له في عالم الكتابة النفطيّة في العالم العربي. ونهاد الغادري كان محسوباً على سلطان بن العزيز، وفؤاد مطر كان مخابرات صدّام حسين، وغسان شربل، متنقّل مثله مثل حازم صاغية: من خالد بن سلطان إلى محمد بن سلمان.
لكن عليك واجبات. يجب أن تذمّ كل رفاقك السابقين وأن تبتعد عن خطابهم. عليك عندما تقول كلمة إمبريالية أن تقولها بسخرية شديدة، وعندما تقول كلمة مؤامرة أن تلوك لسانك كي تبدو الكلمة بعيدة عن الواقع. وعليك أن تبدأ بخطاب «لا يمين ولا يسار في عالم اليوم» وأن أنظمة الخليج بلغت مرتبة الممالك الفاضلة وأن غزة هي المثال البشع للعرب (عندما تقرأ في صحف الخليج أو على لسان وليد جنبلاط وغيره من أتباع حاشية الأمراء أن الخيار هو بين «هونغ كونغ وغزة» يفترض هؤلاء أن غزة فقيرة وتعاني بإرادة أهلها، وأن الشعب الفلسطيني أو «حماس» هي المسؤولة عن بؤس القطاع. أي أن هذا الخطاب العربي الشنيع ــــ وهو منتشر على مواقع التواصل ــــ أعفى الاحتلال من المسؤوليّة.
بشحطة كليشيه بشعة استطاع هؤلاء أن يسدّدوا للاحتلال الصهيوني خدمة جليّة. يقولون إن الشعب الذي يعيش تحت وطأة الاحتلال الوحشي هو المسؤول عن معاناته وأن المحتل لا علاقة له بمعاناته. هذه مقولة لم يبرع بها الاستعمار في عزّه). أنتَ حسمتَ خيارك ولن تندم عليه. أنت ستبدو حضاريّاً ومتقدّماً أمام أقرانك وسيذكرون لك المثل الألماني السمج أنه من الغباء أن يستمرّ المرء في قناعات يساريّة في منتصف العمر. سيقولون لك إنك تحرّرتَ وأن أمامك حقولاً من المال وأنك قد تُدعى ذات يوم إلى مجلس أمير. وكانوا في جريدة «الحياة» يتمثّلون دائماً في كيف أن خالد بن سلطان ابتاع منزلاً في حيٍّ راقٍ في لندن لجهاد الخازن. لكن العرض بات كبيراً جداً والطلب أقل. كانوا في الماضي يستعينون بلبنانيّين لكن الصحافيّين الخليجيّين يقومون بالمهمّة على أكمل وجهة، خصوصاً أن خطابهم لا يعاني من التملّق الفظيع والمهين الذي يشوب خطاب اللبنانيّين واللبنانيّات في صحف وشاشات الخليج. وهناك دعوات سائدة في دول الخليج للتخلّي عن «الأجانب» في الإعلام (في الإمارات، العربي أجنبي والإسرائيلي حبيب). لكن أمامك فرص متنوّعة، وأجهزة الدعاية الغربيّة والخليجيّة في حالة تعاون وتنسيق. أنتَ اليوم ولدتَ من جديد، ويمكن لكَ أن تنحني في تدريب لمرحلتك الجديدة. انحنِ.
(الأخبار اللبنانية)