قضايا وآراء

تجمدت العروبة ومات العرب!

محمد أمين
1300x600
1300x600
كان أستاذي في الجامعة في قسم الصحافة والإعلام يقول لنا - في محاولة للتأكيد على أهمية الإعلام - إنه لو كان هناك إعلام حر في زمن النكبة والهجرة الفلسطينية لما كان العالم ليسكت على المحرقة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، باقتلاعه من أرضه وارتكاب المليشيات الصهيونية الإرهابية أبشع الجرائم بحقه تقتيلا وتهجيرا، ولكان للإعلام دور في تحشيد الرأي العام العربي والدولي، وكنت وقتذاك أحاول جاهدا الاقتناع بتلك الفرضية الإعلامية ولكن على مضض.

حُرق الفلسطينيون وقُتّلوا وهُجروا عام 1948 في غفلة من الإعلام، ويُحرق السوريون ويُقتلون ويُهَجَّرون ويموتون بردا وتجمدا "لايف" في 2021، وفي بث مباشر متواصل منذ العام 2011، لتتأكد شكوكي في نظرية الأستاذ، فالإعلام دون ضمير إنساني لا قيمة له، والحق بلا قوة هو ضعف في الحقيقة، والنفاق الدولي لا يختص بزمان معين ولا بشعب محدد، والخذلان العربي هو ذاته لم يتغير.

إن الصمت و"التجمد" إزاء التغريبة السورية سيلاحقنا جراءه العيب والعار كعرب أولا، كما سيلاحق "الإنسانية" جمعاء التي تكتفي بالتفرج على الأطفال والنساء والأبرياء السوريين وهم يُهجرون ويُقتلون على يد نظام فاشي، ويَتجمَّدون حتى الموت في محاولتهم الهروب من الموت.

العار كذلك سيلاحق أنظمة عربية متصهينة تضخ المليارات للاستثمار في تل أبيب، فيما لا تَهُز محرقة السوريين ضميرها.. دول تتسامح مع تل أبيب وتفتح لصهاينة العالم الباب والشباك والحدود دون تأشيرة وبلا حدود، وتغلق الحدود في وجه إخوة الدم واللغة والدين. لا أعني الحدود الجغرافية، بل الحدود الإنسانية العابرة للجغرافيا.

ففي لبنان تُمارس أبشع أنواع العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وتفشل الدولة في ردع المتنمرين عليهم، ويقاسي السوريون مثل تلك العذابات في بقية دول الجوار. أما الدول الغنية فتغلق حدودها الإنسانية والمادية في وجه السوريين، وتفتحها مشرّعة للإسرائيليين، لنكون مضطرين في ظل بؤس المقام والمقال أن نطالبها بأن تعامل السوريين كالإسرائيليين بتقديم الدعم المادي لهم، وفتح الحدود الجغرافية والتسامحية.

نطالبهم بتمويل المؤسسات الخيرية التي تقوم على رعاية اللاجئين السوريين عوضا عن محاربتها ووسمها بالإرهاب، نطالب العرب شعوبا وأنظمة بالوقوف مع السوريين، فهم ليسوا شعبا مشردا، وإنما شعب ثائر كريم.. هم ليسوا متسولين بل تزخر بلادهم بكل خيرات الدنيا، تلك التي أكل منها كل العرب من المحيط إلى الخليج. مشكلتهم العصية على الحل أنهم ابتلوا بنظام دموي "أقلواتي" طائفي جرّف البلاد عبر نصف قرن، لم يرحم فيها حجرا ولا بشرا، ذلكم النظام هو المسؤول عما يتعرض له السوريون، وليس من خرج منهم بسلمية مطالبا قبل عقد بالحرية.

لا ينبغي أن يتم التعامل مع السوريين كعبء فهم إخوة لنا، ودعم كل عربي ومسلم لأخيه السوري أو الفلسطيني أو العراقي أو الصومالي هو عقيدة واجبة، وليس صدقة ولا منة، فكلنا ننطق بلغة واحدة، وندين لرب واحد، ونشترك في مصير مشترك، وقدرنا جميعا أن نواجه في بلادنا مثلث "الظلم والفساد والاستبداد" الذي يتسبب منذ عقود في تخريب بلداننا وإفقارها، وتهجير الشباب والشابات منها. فالموت لم يبدأ في زمن كورونا ولا زمن الربيع العربي، وهناك صيرورة طويلة للمأساة العربية، بدأت من فلسطين، ولم تتوقف.

سوريا لم تكن يوما "خرابة"، وليست قاحلة ولا مهجورة.. ليست فقيرة، هي أرض الخيرات والفاكهة.. هي أرض أقدم الحضارات على وجه الأرض، فيها كانت بداية الاستيطان البشري وتخطيط أولى المدن واكتشاف الزراعة والتدجين، فيها عُرفت الأبجدية كما تقول كتب التاريخ، قامت فيها مملكة إيبلا التي استمرت من2500 قبل الميلاد إلى 2400، وليس الأسد وأبوه من قبله إلا عابرين في كلام عابر.

لم تتجمد السيدتان الشهيدتان وطفلاهما، بل صعدوا عند أرحم الراحمين، شهداء عند ربهم يرزقون.. من تجمد هي العروبة، ومن مات هم العرب.
التعليقات (0)